
إقرار فصلين دراسيين لمدارس التعليم العام للعام الدراسي القادم
وفي مستهل الجلسة، أطلع ولي العهد، مجلس الوزراء، على مضمون الرسالتين اللتين تلقاهما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد، من رئيس جمهورية أذربيجان إلهام حيدر علييف، وعلى فحوى استقباله رئيس مجلس الوزراء بدولة الكويت الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح.
ونظر مجلس الوزراء بتقدير إلى النتائج الإيجابية للمؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين الذي رأسته المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع الجمهورية الفرنسية، وإلى الإعلانات التاريخية المتوالية عن عزم عدد من الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ تجسيدًا للشرعية الدولية ودعمًا للسلام.
وجدّد المجلس في هذا السياق، دعوة المملكة العربية السعودية جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تأييد الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر التي تشكل إطارًا متكاملًا وقابلًا للتنفيذ من أجل تطبيق حل الدولتين، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، والإسهام في بناء مستقبل المنطقة وشعوبها.
وفي الشان المحلي، وافق مجلس الوزراء في جلسته اليوم، على إقرار فصلين دراسيين لمدارس التعليم العام للعام الدراسي القادم (1447 / 1448هـ)، كما اعتمد المجلس الترقيم المستخدم في العنوان الوطني في ترقيم العقارات بموجب قواعد تسمية الشوارع والميادين وترقيم العقارات بمدن المملكة وقراها.
الاقتصاد متين وقادرعلى مواجهة التحديات العالمية
أوضح وزير الإعلام سلمان الدوسري، في بيانه لوكالة الأنباء السعودية عقب الجلسة، أن المجلس تابع جهود المملكة العربية السعودية في دعمها الشامل لدولة فلسطين وشعبها الشقيق لا سيما على الصعيد الإنساني، بمواصلة إرسال المساعدات الإيوائية والطبية والغذائية لقطاع غزة ضمن الجسر الجوي والبحري السعودي.
وأدان المجلس، بأشد العبارات الممارسات الاستفزازية المتكررة من مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى المبارك، مشددًا على مطالبة المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي بوقف تلك الممارسات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية.
واستعرض مجلس الوزراء، أبرز المؤشرات والإحصاءات الاقتصادية للمملكة، وما سجلت من نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من عام 2025 بنسبة 3,9% مدفوعًا بالأداء الإيجابي لجميع الأنشطة الاقتصادية وفي مقدمتها غير النفطية.
ورحّب المجلس، بتقرير «مشاورات المادة الرابعة للمملكة العربية السعودية» الصادر عن صندوق النقد الدولي للعام 2025، وما تضمن من التأكيد على متانة الاقتصاد المحلي، وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، إضافة إلى استمرار توسع الأنشطة غير النفطية، واحتواء التضخم.
جدة والمدينة أكبر مدينتين صحيتين مليونيتين بالشرق الأوسط
عدّ المجلس تدشين مشاريع صناعية جديدة في المنطقة الشرقية؛ ضمن الحراك التنموي الشامل الذي تشهده المملكة في ظل رؤيتها الهادفة إلى تنمية المحتوى المحلي، ورفع القدرة التنافسية للصناعة الوطنية، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة وممكنة للمبتكرين ورواد الأعمال.
وبيّن أن مجلس الوزراء أثنى على منجزات برنامج المدن الصحية، منها اعتماد منظمة الصحة العالمية جدة والمدينة المنورة أكبر مدينتين صحيتين مليونيتين في الشرق الأوسط؛ ليرتفع عدد المدن الصحية بالمملكة إلى 16 مدينة، ما يجسد الالتزام المستمر بتعزيز الصحة الوقائية وجودة الحياة والتكامل بين الجهات المعنية.
ونوّه المجلس، بإسهام برنامج جودة الحياة أحد برامج (رؤية المملكة 2030) في تحقيق عددٍ من المستهدفات الداعمة لتطوير البنية التحتية، وتعزيز جودة الخدمات، وتنمية القطاعات الثقافية والترفيهية والرياضية.
وأشاد المجلس، بما تحقق في مجالات حماية البيئة واستدامتها من إنجازات ومشاريع شملت إعادة تأهيل أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة في المملكة، وزراعة ما يزيد على 151 مليون شجرة ضمن «مبادرة السعودية الخضراء» التي تستهدف تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
قرارات:
اطّلع مجلس الوزراء، على الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، من بينها موضوعات اشترك مجلس الشورى في دراستها، كما اطّلع على ما انتهى إليه كل من مجلسي الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، واللجنة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في شأنها، وقد انتهى المجلس إلى ما يلي:
- تفويض وزير الصناعة والثروة المعدنية -أو من ينيبه- بالتباحث مع الجانب المنغولي في شأن مشروع مذكرة تفاهم بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية ووزارة التعدين والصناعات الثقيلة في جمهورية منغوليا للتعاون في مجال الثروة المعدنية، والتوقيع عليه.
- الموافقة على مذكرة تفاهم للتعاون في المجالات الصحية والعلوم الطبية بين وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية واللجنة الوطنية للصحة في جمهورية الصين الشعبية.
- تفويض وزير المالية رئيس مجلس إدارة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك -أو من ينيبه- بالتوقيع على مشروع مذكرة تفاهم بين هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في المملكة العربية السعودية ودائرة الجمارك في دولة نيوزيلندا حول التعاون والمساعدة الإدارية المتبادلة في المسائل الجمركية.
- تفويض وزير الصناعة والثروة المعدنية رئيس مجلس إدارة هيئة تنمية الصادرات السعودية -أو من ينيبه- بالتباحث مع الجانب العماني في شأن مشروع مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة سلطنة عمان في مجال تنمية الصادرات غير النفطية، والتوقيع عليه.
- الموافقة على مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة العربية السعودية (ممثلة بالهيئة العامة للمنافسة) وحكومة دولة الكويت (ممثلة بجهاز حماية المنافسة) في مجال حماية المنافسة.
- الموافقة على مذكرة تفاهم بين الديوان العام للمحاسبة في المملكة العربية السعودية ومكتب المراجع العام في جمهورية باكستان الإسلامية للتعاون في مجال العمل المحاسبي والرقابي والمهني.
- الموافقة على مذكرة تفاهم في مجال التدريب التقني والمهني بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في المملكة العربية السعودية ومركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (سيسرك).
- الموافقة على مذكرة تعاون بين دارة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية وجمعية سيام في مملكة تايلند.
- الموافقة على الإستراتيجية الخليجية لمكافحة المخدرات (2028-2025)، التي اعتمدت بالاجتماع (الحادي والأربعين) لوزراء الداخلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
- إقرار فصلين دراسيين لمدارس التعليم العام للعام الدراسي القادم (1447 / 1448هـ).
- اعتماد الترقيم المستخدم في العنوان الوطني في ترقيم العقارات بموجب قواعد تسمية الشوارع والميادين وترقيم العقارات بمدن المملكة وقراها.
- تعديل تنظيم المركز الوطني للأرصاد، وذلك على النحو الوارد في القرار.
تجديد عضوية وتعيين وترقية:
- تجديد عضوية الدكتور وليد بن سليمان أبانمي، والمهندس بندر بن عبدالرحمن الزامل، وسارة بنت عصام المهيدب؛ في مجلس إدارة صندوق النفقة من القطاع الخاص.
- الموافقة على تعيين محمد بن سالم بن محمد البليهد على وظيفة (وكيل إمارة منطقة) بالمرتبة (الرابعة عشرة) بإمارة منطقة مكة المكرمة، وترقية صالح بن عبدالمحسن بن حمود الخلف إلى وظيفة (مدير مكتب) بالمرتبة (الرابعة عشرة) بوزارة التعليم.
كما اتخذ مجلس الوزراء، ما يلزم حيال عدد من الموضوعات المدرجة على جدول أعماله.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 40 دقائق
- الشرق الأوسط
المعارضة الناقمة من اليسار إلى الأخونة
تناولتُ في المقال السابق مفهوم «المعارض الناقم»، الذي يتلخص في كونه يختزن شعوراً بالنقمة على مؤسسة الدولة في بلاده. وبعيداً عن فكرة التأييد أو التخوين، فإنَّ المقال قد خلص إلى أنَّ النقمة هي المحرك الأساسي لكثير ممن يدّعي المعارضة الخارجية. الرَّاسخ كذلك أنَّ خطاب المعارضة الخارجية في المنطقة العربية بشكل مهم، والخليج بشكل خاص، بدأ بالحركات اليسارية (والحركات المقاربة لها كالشيوعية والقومية)، وانتقل بعدها للإسلام الحركي بمختلف المذاهب، الذي نشأ على أدبيات «الإخوان المسلمين». واليوم، نجد كثيراً منهم في أوروبا وأميركا الشمالية يعيد إنتاج نفسه بأحد الخطابين أو بخليط منهما. لذلك وددت تسليط الضوء على الجذور التاريخية للخطاب القائم على هذه الثنائية. من الثابت أنَّ انتشار الأفكار التي يصفها اليسار بـ«التقدمية» كان خلال فترة الأربعينات من القرن العشرين وما بعدها، حيث نشطت الحركة العمالية التي صاحبها الوعي الحقوقي للعمال الذين بدأت مطالبهم بتحسين أوضاع العمل ومساواتهم بالعمالة الأميركية. ويشير الباحث كامل الخطي إلى أن: «الباحثين الذين أسهموا بدراسات وأوراق بحث حول اليسار في السعودية، عجزوا جميعهم من دون استثناء، عن تقديم سردية متماسكة حول هوية العنصر الناقل لتلك الأفكار إلى الوسط العمالي النفطي، رغم وجود رأي غير مدعوم بأي دليل يقول بأن هناك شيوعيين سعوديين شاركوا في مؤتمر للشيوعيين الشرق أوسطيين انعقد في باطوم بجمهورية جورجيا السوفياتية عام 1950، كما أنَّ هناك رأياً آخر يعوزه الدليل يقول بأن شيوعيين من البحرين والعراق قد أسهموا في تأسيس تيار شيوعي في المملكة العربية السعودية. لكن التدقيق في أسماء غير السعوديين الذين أوقفوا نتيجة الحملة الأمنية عام 1964 لا يوصل الباحث إلا لشخصية بحرينية وحيدة، وهي خليفة خلفان الذي جاء إلى السعودية بين عامي 1958 و1959، ومن الثابت أنَّ وصوله إلى السعودية كان بعيد تأسيس (جبهة التحرر الوطني)، لذلك لم تستقر لدي قناعة حول إسهام عناصر عربية في تأسيس أي هيكل حزبي شيوعي في الداخل، والأرجح أن كل تلك الآراء القائلة بالتأثير الكبير الذي أحدثته عناصر عربية وغير عربية في مرحلة التأسيس هي آراء واقعة تحت تأثير النظرة الاستعلائية التقليدية التي يحملها العرب من خارج شبه الجزيرة العربية تجاه عرب شبه الجزيرة العربية. إِلَّا أنّ من المؤكد أن هذه الأفكار قد أحدثت صدى عقب قرار حل الأممية الثالثة بسنتين تقريباً، حيث لم أجد أثراً لتلك الأفكار قبل عام 1945» («عكاظ» 9122017). تميز نشاط التيارات اليسارية - والمقاربة لها - بتنوعها بالعمل السري الذي تم اكتشافه لاحقاً في 1964، وتوقيف عدد كبير من المنتمين لتلك الحركات مما شكل فراغاً لدى الأتباع الذين لم يتم اكتشافهم ليتغير الوضع، ويصحب أولئك الصغار نخباً مثقفةً لا ترتبط بشكل حقيقي بالمجتمع التي تعيش فيه. ولعل أفضل ما كُتب حول تلك التيارات كان كتاب «الحركة الوطنية» (المنشور عام 2011) للسيد علي باقر العوامي الذي أرّخ لتلك الفترة مركّزاً على المنطقة الشرقية التي احتضنت جزءاً كبيراً من ذلك الحراك بسبب وجود شركة «أرامكو». غير أن هذا الكتاب على قيمته المعرفية يعاب عليه عدم شموليته الجغرافية؛ كما أنه شهادة شخصية أكثر من كونه دراسة متكاملة. لعل أصعب تحدٍ واجه تلك الحركات هو اصطدامها بالمجتمعات التي يفترض أن تكون حاضنتها الأساسية. فقد واجهت تلك الحركات ثوابت الدين الإسلامي بشكل صدامي، إذ مارس بعضهم الاستهزاء بالمتدينين وسلوكياتهم، ومنهم من كان يبشر بقيادات عابرة للحدود مقرها مصر أو العراق. ومع مرور الوقت، تراجع تأثير تلك الحركات بشكل كبير، وذلك لتراجع المنتمين لها عن أفكارهم لأحد أسباب: 1- تفكك منظومة حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفياتي. 2- الخشية من الاصطدام بالأجهزة الأمنية. 3- الاقتناع بعدم جدوى الأفكار اليسارية مما أدى إلى إعلان التوبة والتحول لحالة التدين، أو الاقتناع بالتوجه الرأسمالي، وهذا ما جعلهم يتحولون للتجارة أو العمل المصرفي. المهم من هذه التيارات هو بقاء النزعة اليسارية الساخطة على الحكام. بالطبع لم تعد الشيوعية خياراً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتوجه الصين للاقتصاد الرأسمالي في تجارتها الخارجية. غير أن الفكر الساخط تحوّل إلى توجهات حركية إما على أساس إسلامي متأثر بفكر «الإخوان المسلمين» المهووس بحلم الحكم وإقامة الدولة الإسلامية، أو على أساس مدني يتبنى الليبرالية المنتشرة في أوروبا والقائم على فكرة هزيمة الكنسية على يد العلمانية الحديثة. يُتداول أن بعض اليساريين الخليجيين قد سلّموا ما لديهم من موارد - لا يستطيعون حملها معهم - للإسلاميين قبل عودتهم إلى أرض الوطن. وبعد تسلّم الإسلاميين لراية المعارضة استخدموا خطاب النقمة نفسه الذي استخدمه اليساريون، بما في ذلك المناداة بأفكار وشعارات لا تتسق وأديباتهم، مثل الحرية والديمقراطية وغيرها. اليوم، نجد الكثير من المنتمين لجماعات الإسلام الحركي، الذين يحملون خطاباً متطرفاً ضد مخالفيهم، يتناغمون ويتعاونون مع شباب حائر بين إرث اليسار وبريق الليبرالية الجديدة. اللافت للنظر أن الطرفين يعزّزان لبعضهما البعض بشكل يوحي بأنهم يحملون أهدافاً وطنية واحدة! ولنا هنا أن نتساءل: ماذا - ولو في الخيال - انثنت لهم الوسادة في بلدانهم؟ لا أعتقد أن ثمة عاقلاً يعتقد أنهم سيتعاونون فيما بينهم من أجل رفاهية مواطنيهم، بل سيتناحرون تحت شعار الوصاية على العامة بشعارات دينية أو تقدمية. وهنا مربط الفرس، فما جمعهم هو النقمة، ولو انتفت مسبباتها، سيبدأون بالنقمة على بعضهم البعض، لأن النقمة أمر نفسي وليس محرّكاً عقلياً. ولنستذكر هنا قصة الثورة الإيرانية عام 1979، عندما تحالف حزب «تودة» الشيوعي مع جماعة ولاية الفقيه ضد النظام الملكي؛ وبعد سقوط الملكية قام الإسلاميون بإزاحة الشيوعيين عن المشهد بشكل عنيف. وعلى الصعيد العربي، نستذكر ما حصل في أعقاب مرحلة ما عرف بـ«الربيع العربي»، وكيف تنازعت التيارات ذات التوجهات الإسلامية والعلمانية، وكيف حاولت إقصاء بعضها البعض، وحتى عندما سنحت الفرصة لـ«الإخوان المسلمين» لممارسة الحكم، لم يطبقوا الشعارات التي كانوا ينادون بها.


الشرق الأوسط
منذ 40 دقائق
- الشرق الأوسط
إسرائيل... تفاوض جاد أو عزلة دولية
تُعدّ جهودُ المملكةِ العربية السعودية في الدفع بحل الدولتين، من خلال مؤتمر نيويورك الذي رعته بالشراكة مع الجمهورية الفرنسية، خطوةً متقدمة في العمل العربي، أعادت قضية السلام إلى مركز الفعل السياسي الدولي بعد سنوات من الجمود وغياب الأفق. ما حدث في نيويورك ليس فقط لحظة رمزية، بل تحوّل نوعي في مسار الدبلوماسية العربية، وربما يكون بداية «التحول الجيواستراتيجي» الكبير تجاه المسألة الفلسطينية، إن أُحسن استثماره. اعتراف فرنسا المرتقب بالدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يمكن فصله عن هذا المسار. هذا الاعتراف ليس غاية في ذاته، بل خطوة مقصودة الغرض منها خلق زخم دبلوماسي يفتح الباب أمام موجة اعترافات أخرى متتالية، تشكل ما يمكن وصفه بـ«تأثير الدومينو» الذي يعيد تشكيل المواقف العالمية، ويضعف الموقفين الأميركي والإسرائيلي أخلاقياً وسياسياً أمام المجتمع الدولي. إعلان كندا، ومواقف أستراليا، والتصريحات البريطانية المشروطة كلها تأتي في هذا السياق، حيث تتبلور بيئة دبلوماسية جديدة، قوامها أن حل الدولتين لم يعد ترفاً تفاوضياً، بل ضرورة أمنية واستراتيجية للعالم بأسره، لا سيما لمنطقة الشرق الأوسط. لكن ينبغي عدم التوقف عند هذا الحد. لا يكفي أن يُعترف بالدولة الفلسطينية قانونياً، بل لا بد من نقل هذا الاعتراف إلى واقع عملي، يفرض نفسه على الأرض، ويُجبر إسرائيل على التعامل الجدي مع هذا الواقع. ذلك أن إسرائيل لا تأخذ شيئاً على محمل الجد إلا حين تشعر بأن هناك ثمناً سياسياً ستدفعه إن استمرت في سياساتها، أو أرباحاً ستخسرها إن تجاهلت النداءات الدولية. السؤال الآن: ما الخطوة التالية؟ كيف نحول الزخم السياسي إلى أدوات ضغط حقيقية تُحدث فرقاً في السلوك الإسرائيلي؟ في هذا السياق، تبدو فكرة التوجه نحو «الطرف الثالث» ضرورية. الطرف الثالث هنا لا يعني فقط الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، بل يعني كل الدول الفاعلة ذات التأثير السياسي والاقتصادي، من بريطانيا إلى الدول الآسيوية واللاتينية، بل حتى الدول التي اعتادت على الحياد، لكنها تمتلك قدرة على التأثير في الكواليس. هذا الطرف الثالث هو المفتاح الآن؛ لأنه القادر على تحويل الدعم السياسي للقضية الفلسطينية إلى إجراءات عملية ومؤثرة، تشكل تكلفة على الاحتلال واستمراره. إذا خرجت إسرائيل من حرب غزة من دون أن تدفع ثمناً سياسياً أو قانونياً لما ارتكبته من إبادة جماعية موثقة، ولما مارسته من تطهير عرقي وتجويع ممنهج بحق المدنيين، فإننا نكون أمام لحظة خطيرة في النظام العالمي. ذلك أن أحد أعمدة هذا النظام هو الاحتكام إلى القانون الدولي، وإذا تم استثناء إسرائيل من هذا القانون، فإنَّ الرسالة تكون أنَّ العالم يعيش نظاماً مزدوج المعايير، قابلاً للانهيار الأخلاقي في أي لحظة. ومن المفارقات اللافتة أن بعض الأصوات الأميركية والإسرائيلية تتحدَّث عن أنَّ مؤتمر نيويورك مكافأة لـ«حماس» على ما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينما الحقيقة التي يحاول كثيرون تجاهلها هي أنَّ إفلات إسرائيل من المحاسبة على جرائمها سيكون مكافأة لها على ارتكاب جرائم حرب، بل يُعد تواطؤاً صريحاً في تقويض النظام الدولي القائم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. القانون الدولي يعترف بأنَّ الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراضٍ فلسطينية محتلة منذ الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وبالتالي فإنَّ كلَّ الاستيطان فيها غير قانوني. ومع ذلك، لا يزال الموقف الأوروبي، وحتى البريطاني، يتَّسم بالتردد والانتقائية. العقوبات التي فرضت حتى الآن على بعض المستوطنين لا تلامس جوهر المشكلة؛ لأنَّ الاستيطان ليس فعلاً فردياً، بل هو سياسة دولة مرخّصة ومدعومة ومُمولة من الحكومة الإسرائيلية نفسها. هنا تحديداً يجب أن يكون الضغط، وهنا تأتي الحاجة إلى صياغة موقف عربي موحد، تقوده السعودية ومصر والإمارات والأردن، يهدف إلى أن يكون هناك ثمن تدفعه إسرائيل مقابل الاستمرار في هذه السياسات. حتى هذه اللحظة، ما زال الاتحاد الأوروبي يُصدق الرواية الإسرائيلية، ويُحجم عن اتخاذ خطوات عملية تُجبر إسرائيل على التراجع. بل إن بعض الدول، وعلى رأسها بريطانيا، لا تزال تزوّد إسرائيل بقطع غيار الطائرات المقاتلة من طراز F-15، إلى جانب تكنولوجيا عسكرية متقدمة. وفي هذا السياق، تصبح الدبلوماسية العربية مطالبة بممارسة ضغط حقيقي ومباشر على هذه الدول، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال المؤسسات الدولية، من أجل وقف هذا الدعم، أو جعله مشروطاً بانخراط إسرائيل الجاد في مسار سياسي واضح المعالم نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة. هناك أدوات كثيرة بيد هذه الدول يمكن تفعيلها، من مراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، إلى تقييد صادرات الأسلحة، وصولاً إلى دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب. كما يمكن طرح فكرة فرض حظر على منتجات المستوطنات، وتوسيع دائرة الضغط الدبلوماسي في المؤسسات الأممية لإعادة الاعتبار للقرار 242 وغيره من قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت تُعامل كوثائق أرشيفية لا يُلتفت إليها. إنَّ قيام دولة فلسطينية ليس منحة من أحد، بل ضرورة إقليمية وأمنية واستراتيجية، كما ذكرت مراراً. الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب العدالة، ولا يمكن فصل استقرار المنطقة عن مصير الشعب الفلسطيني. وإن لم يتم إدراك هذه الحقيقة في العواصم الكبرى، فربما تكون المنطقة كلها على موعد مع اضطرابات أعمق وأكثر خطورة في السنوات المقبلة. الدبلوماسية السعودية أثبتت أنها قادرة على تحريك المياه الراكدة، وعلى الجميع ترجمة الاعتراف السياسي إلى وقائع على الأرض. والفرصة سانحة لتحويل لحظة نيويورك إلى نقطة تحول حقيقية، تضع إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفاوض الجاد نحو حل الدولتين، وإما مواجهة عزلة دولية تجعل منها دولة مارقة ومهددة للأمن والسلم العالميين.


الشرق الأوسط
منذ 40 دقائق
- الشرق الأوسط
فرنسا والدولة الفلسطينية
جاءت المبادرة الفرنسية تبعها الموقف البريطاني الذي يهم هو الآخر لتأييد صيغة الدولتين، تشكِّل اختراقاً غير مسبوق بالنسبة إلى سيف «الفيتو» المسلَّط على القرارات ذات البعد الإنساني في معظمها. لقد شكَّلت المبادرة الفرنسية المستندة في موضوعيتها إلى الموقف السعودي الذي كان بمعزل عن الانفعالات والمزايدات في صدد صياغة خطوة من شأن الأخذ بها إيجاد التسوية المتعادلة للصراع العربي - الإسرائيلي في حال التقى قطب دولي مع الرؤية السعودية، ثم يأتي الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلتقي مع صوابية الحراك السعودي المبدئي والسياسي والدبلوماسي على مدى ثلاث سنوات في مواجهة اندفاع إسرائيل نتنياهو إلى التدمير والتهجير والتجويع وتخريب المستشفيات في قطاع غزة، يثمر تسليم رئيس فرنسا بضرورة الانتقال من الموقف كلامياً تجاه صيغة الدولتين حلاً واقعياً التي هي البادئة قبْل ثلاثة عقود في طرْحها بغرض أن تأخذ القضية «القتيل» حقها، وبتراجع القاتل عن جرمه الذي بلغت ممارسته ثلاثة أرباع قرن من الزمن. كما لا بد من الأخذ في الاعتبار بأن مشاهد التجويع والتدمير، بالذات مشاهد مئات الأطفال الذين يموتون جوعاً مثّلت دافعاً لدى فرنسا، ولقد عرضتْها الشاشات الفرنسية إلى جانب المظاهرات العفوية يشارك فيها رجال ونساء وشبان وشابات، مسنون ومسنات، تجوب شوارع وجادات عاصمة النور باريس وبعض مدن فرنسا، وما كُتب على اللافتات من عبارات ومطالب وكذلك صور الأطفال المُبادين جوعاً. في أي حال لم تكن فقط خطوة الرئيس ماكرون وليدة ما أشرنا إليه، ذلك أن مواقفه السابقة كانت تمهد للموقف الأكثر حسماً. ونتذكر عبارته قبْل سنتين (7 أكتوبر 2023) وهي «إن حل الدولتيْن هو الحل الوحيد الممكن في الشرق الأوسط»، وقبْل ذلك خلال زيارة قام بها عام 2017 إلى القدس عبارته التي أزعجت الإسرائيليين كثير الانزعاج «فرنسا لن تتخلى أبداً عن الدفاع عن حل الدولتين...». وثمة نقطة نظام في هذا الشأن وفحواها أن ماكرون لم يكن فريد رؤساء فرنسا في الموضوع الفلسطيني، ذلك أن «الأب الروحي - السياسي» لهذا الموضوع كان الرئيس الجنرال شارل ديغول، الذي بعد فوزه بالرئاسة عام 1959 أزاح بحساب الستارة الأوروبية الحاجبة لجوهر القضية، وتمثَّل ذلك بعبارة شهيرة له على خلفية حرب 5 يونيو (حزيران) 1967 هي «إن اليهود الذين ظلوا على مر التاريخ شعباً نخبوياً واثقاً بنفسه، ومهيمناً قد غيَّروا طموحاتهم التي تشكَّلت على مدى تسعة عشر قرناً إلى طموحات جامحة بعد أن اجتمعوا في أرض مجدهم التاريخي...». وعندما ثارت ثائرة الإسرائيليين واليهود من كُتَّاب فرنسا على مقصد ديغول من كلامه، ووجَّهوا إليه من الانتقادات أشدها، فإنه بعد نُصحه الذي أشرنا إليه سدَّد إلى إسرائيل سهماً أشد إيلاماً تمثَّل بإعلانه تأييد فرنسا القرار 242 (إنهاء احتلال إسرائيل لأراض سيطرت عليها في حرب 5 يونيو 1967) وفرْض حضْر تصدير أسلحة إلى إسرائيل، وهو مطلب سبق مناشدة أوساط فرنسية وعربية صديقة لفرنسا الرئيس ماكرون الأخذ به. إلى جانب الجنرال ديغول الأب الروحي أو زارع شتلة ضرورة الأخذ بصيغة الدولتين يحْضُرنا موقف الرئيس جورج بومبيدو القائل أمام الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) عام 1973 «لن يتحقق السلام إلا عبْر الاعتراف المتبادَل وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة»، وموقف الرئيس فاليري جيسكار ديستان عام 1975 المتمثل بالسماح بفتْح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية زمن رئاسة ياسر عرفات لها. وكذلك موقف الرئيس جاك شيراك الذي بعد توليه الرئاسة بسنة زار عرفات (أكتوبر/ تشرين الأول 1996) في مقره، الأمر الذي أزعج الحكومة الإسرائيلية، وزادها انزعاجاً حرصه على زيارة البلدة القديمة من القدس، وكأنما في ذلك يريد القول إنها ستكون عاصمة دولة فلسطين. وحتى الرئيس نيكولا ساركوزي، المتعاطف مع إسرائيل، وإلقاؤه عام 2008 خطاباً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سبقه خلال سنته الأولى (2007) رئيساً موقفٌ غير مكتمل الحماسة، تمثَّل بقوله إنه عازم على العمل من أجْل إقامة دولة فلسطينية. والأرجح أنه أراد بخطابه المفعم حماسة لإسرائيل في «الكنيست» إرضاء إسرائيل تعويضاً عن عزمه المشار إليه، وإن كان بعد ثلاثة أعوام (2011) دعَم طلب انضمام فلسطين إلى «منظمة اليونيسكو»، وذلك من باب المزيد من التعويض. وكذلك خلَفه الرئيس فرنسوا أولاند كان له تصريح قبل المغادرة لتسلَّم ماكرون الرئاسة، وهو «إن حل الدولتين ليس حلماً من الماضي بل لا يزال هدفاً للمجتمع الدولي». ما يتمناه العربي من المحيط إلى الخليج، مروراً غير عابر ﺑ«غزة المظلومة»، المزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية التي لا محالة قائمة.