
ما حكم تشريح جثة الميت؟.. دار الإفتاء توضح
ورد سؤال لـ دار الإفتاء المصرية، جاء مضمونة: "رفع إلينا استفتاء من أحد الأشخاص ببيروت؛ جاء فيما تضمنه السؤال: عما إذا كان يجوز شرعًا للأطباء أن يشرحوا ويأخذوا عضوًا من أعضاء الميت سواء أكان رجلًا أم امرأة كقلبه أو معدته أو كبده أو سلسلة ظهره أو غيرها؛ لأجل فحص ذلك طبيًّا لمعرفة سبب موته أو دائه من أجل اختراع دواء لمعالجة المرضى الأحياء بهذا الداء؟".
وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:
تشريح جثة إنسان بعد وفاته لبحثها علميًّا وللاستفادة بذلك فى الصحة العامة أو أخذ عضو منها جائز شرعًا إذا اقتضته الضرورة الشرعية والمصلحة العامة، مع وجوب مراعاة الضوابط الشرعية والإجراءات الطبية المنظمة واختيار الأطباء الثقات، بما يضمن الابتعادَ عن التلاعب بالإنسان المكرم، وحفظَ جسده من الامتهان.
إن نصوص الشريعة وقواعدها وأحكامها ترمى إلى تحقيق مصالح البشر وضرورة المحافظة على أنفسهم من الآفات والأمراض؛ فأجازت أكل الميتة للمضطر بقدر ما يسد رمقه، واعتبرت من أدلة الأحكام ما يسمى بـ"المصالح المرسلة"، وهى التى لم يشهد لها أصل شرعى من نص أو إجماع لا بالاعتبار ولا بالإلغاء، ولكن يترتب على العمل بها تحقيق مصلحة تتفق وأغراض الشريعة فيعمل بها، ولذا وافق أبو بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما على جمع المصحف بعد أن تحقق من أنه مصلحة فى الدين، ونحو ذلك كثير.
وقد نص فى أصول الفقه على أن "كل أصل شرعى لم يشهد له نص معين وكان ملائمًا لتصرفات الشرع ومأخوذًا معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه".
كما نص فيه على أن "كل ما يتوقف عليه ضرورى من الضروريات الخمس ومنها المحافظة على النفس فهو ضروري".
وعلى هذا بنى الفقهاء كثيرًا من قواعدهم؛ كقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة "يرتكب الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، وفرعوا على ذلك جواز الرمى إلى كفارٍ تترّسوا بصبيان المسلمين وأسراهم أو تجارهم؛ لأن فى الرمى دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام، وقتل الأسير أو التاجر ضرر خاص، كما فرعوا جواز نقض حائطٍ مَالَ إلى طريق العامة ولو أبى مالكها؛ دفعًا للضرر العام بتحمل الضرر الخاص، ومن قواعدهم: "إذا تعارض مفسدتان روعى أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما".
ولذا نص الحنفية على أنه: إذا ماتت حامل وولدها حى يضطرب شُق بطنها ويخرج ولدها؛ لأن الإضرار بالميت أخف من الإضرار بالحى، وقالوا: لو كان الولد ميتًا وخيف على الأم قطعته القابلة بآلة بعد تحقق موته وأخرجته؛ للسبب المذكور، ولو كان حيًّا لا يجوز تقطيعه، وعلَّلوا ذلك بأن موت الأم به أمر موهوم، فلا يجوز قتل آدمى حى لأمر موهوم، وقالوا: لا يُشق الحى مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك.
فمن هذا كله نأخذ أنه: إذا اقتضت ضرورة المحافظة على الصحة العامة، أو ضرورة المحافظة على الأمن العام فى حوادث الجنايات، بتشريح جثة لبحثها علميًّا وللاستفادة بذلك فى الصحة العامة، أو أخذ عضو منها كذلك؛ لم يكن فى ذلك بأس، بل قد يكون واجبًا بناءً على القواعد المذكورة، ولموافقته لأغراض الشريعة؛ من ارتكاب الضرر الخاص بدفع الضرر العام، وارتكاب الضرر الأخف لاتقاء الضرر الأشد، ولموافقته لما ذكر الفقهاء من الفروع، ولا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لِحَفَّارٍ وَجَدَ عَظْمَ مَيِّتٍ فَكَسَرَهُ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» رواه أبو داود فى "سننه"؛ لأن ذلك لم يكن لمصلحة.
وقول الفقهاء: لا يُشق الحى مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك: كان فى زمانٍ لم يتقدم فيه الطب، فكان الغالب على الظن الهلاك، أما فى زماننا وقد تقدم العلم والتشريح، وأصبح قريبًا من اليقين بالتجارب نجاةُ من شُقَّ بطنُهُ لإصلاح فسادٍ فيه؛ فلا يكون الشق ممنوعًا، بل قد يكون واجبًا فى بعض الحالات، وأعمال الطب الآن تجرى على هذا الأساس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 22 دقائق
- الجمهورية
الأوقاف تعقد (675) مجلسًا فقهيًّا بعنوان: "تعريف الصلاة، وفضلها"
يأتي تنفيذ هذه المجالس في إطار جهود الوزارة لنشر الفكر الوسطي المستنير، وتعزيز الوعي الديني الرشيد، من خلال بيان أحكام العبادات وفق منهج علمي رصين يراعي احتياجات الناس ويصحح المفاهيم المغلوطة. تناول العلماء المشاركون في هذه المجالس تعريف الصلاة، وبيان فضلها ومكانتها في الإسلام، وشروط وجوبها، وأركانها كما وردت في كتب الفقه، مع توضيح أهمية أدائها في وقتها، وأثرها في تهذيب النفس واستقامة السلوك، باعتبارها الركن الثاني من أركان الإسلام، وعمود الدين، مستشهدين بقول النبي ﷺ: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد". وأكد العلماء أن للصلاة أثرًا تربويًّا وأخلاقيًّا بالغًا، فهي تحفظ على المسلم طهارة قلبه واستقامة سلوكه، مستشهدين بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾. كما أوضح المشاركون أن الصلاة ليست مجرد أداء حركي، بل هي صلة بين العبد وربه، وتربية روحية وسلوكية، وأن المحافظة عليها تنعكس على أخلاق المسلم وتعاملاته، بما يُجسّد حقيقة الدين في حياة الإنسان. وتواصل وزارة الأوقاف تنفيذ هذه المجالس العلمية بمختلف محافظات الجمهورية، تعزيزًا لدورها التوعوي، وترسيخًا لقيمة الفهم الصحيح للدين، وبناءً لشخصية وطنية دينية متكاملة قائمة على العلم والعمل.

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
الدكتور أسامة قابيل: دعاء النبي في الحر تربية إيمانية تذكّرنا بالآخرة
أكد الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف ليس مجرد ظاهرة طبيعية فحسب، بل فرصة للتفكر والتذكّر، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمر بموقف إلا وأرشد أمته فيه إلى ما يقرّبهم من الله ويوقظ قلوبهم. وأوضح الدكتور أسامة قابيل، خلال تصريحات له اليوم، أن من جملة ما ورد عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال في شدة الحر، دعاؤه: " اللهم أجرني من حر جهنم"، وهو دعاء بليغ يجمع بين الاستعاذة والتضرع، ويذكّر المسلم بأن حر الدنيا، مهما اشتد، أهون من حرّ الآخرة.وأضاف أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، علّم أصحابه أن يؤخروا صلاة الظهر في حال اشتداد الحر، كما جاء في الحديث المتفق عليه: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"، موضحًا أن هذا التوجيه النبوي يحمل بعدًا تربويًا وروحيًا يربط بين أحوال الدنيا ومصير الإنسان في الآخرة.وأشار الدكتور قابيل إلى أن الدعاء عند شدة الحر، والتفكر فيه، يُعد من علامات حياة القلب، داعيًا الناس إلى الإكثار من الذكر، قائلاً: "في هذه الأوقات الحارّة، فلنرفع أيدينا إلى الله وندعوه: اللهم أظلنا تحت ظل عرشك، ونجّنا من حر جهنم، وارزقنا برد اليقين وأمن الدنيا والآخرة".اقرأ أيضًا:وقعت مع خطيبي في محرمات لم تصل للزنى فما كفارة ذلك؟.. نصيحتان من علي جمعةما سر أحجار المرمر الثمانية بجوار باب الكعبة المشرفة؟أستاذ بالأزهر: مال الزوجة العاملة يخصها ولو أنفقت في البيت لها أجر كبير


الدولة الاخبارية
منذ 2 ساعات
- الدولة الاخبارية
مجمع البحوث الإسلامية يُطلق حملة موسَّعة بعنوان: (صيانة عقل.. سلامة أمَّة)
الأحد، 27 يوليو 2025 04:48 مـ بتوقيت القاهرة يُطلِق مجمع البحوث الإسلاميَّة بالأزهر الشريف، اليوم الأحد، حملةً توعويَّةً موسَّعة تحت عنوان: (صيانة عقل.. سلامة أمَّة)؛ انطلاقًا من مسئوليَّته الدِّينيَّة والمجتمعيَّة في حماية العقول وصَوْن الأرواح، وفي إطار جهوده المستمرَّة للتصدِّي للظواهر السلبيَّة التي تُهدِّد استقرار الفرد والمجتمع. وتهدف الحملة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة المخدِّرات وآثارها الكارثيَّة، وبيان الحُكم الشرعي القطعي في تحريمها، وتجريم تعاطيها أو الاتِّجار بها، إلى جانب ترسيخ قِيَم الانضباط الذَّاتي، وتحفيز الشباب على تحمُّل مسئوليَّاتهم الفرديَّة في صيانة عقولهم وأبدانهم، وتأكيد أنَّ حماية النفْس والعقل واجبٌ شرعيٌّ وأمانةٌ يحملها الإنسان أمام الله تعالى. وتستعرض الحملة في محاورها الرئيسة بيانَ الحُكم الشرعي القاطع في تحريم المخدِّرات بوصفها اعتداءً صريحًا على الضروريَّات التي جاءت الشريعة لصونها؛ إلى جانب الكشف عن الأضرار الصِّحيَّة والنفْسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي تخلِّفها هذه الآفة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، مسلِّطةً الضَّوء على مسئوليَّة الأسرة والمؤسَّسات التعليميَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة في بناء وعيٍ وقائيٍّ لدى النَّشء والشباب، مع تقديم خطابٍ دعويٍّ يسعى إلى تأسيس سلوكٍ رشيد وضميرٍ حيٍّ يحصِّن الشباب من الوقوع في براثن الإدمان. وأكَّد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، أنَّ هذه الحملة تنطلق مِنْ مسئوليَّة شرعيَّة أصيلة يضطلع بها الأزهر الشريف في حماية الإنسان عقلًا ونفْسًا، مستندًا إلى مقاصد الشريعة التي جعلت صيانة العقل والنفْس مِنْ أعظم الضروريَّات وأسمى الأمانات التي أمر الله -تعالى- بحفظها وصيانتها. وأوضح الدكتور الجندي أنَّ الإسلام حرَّم المخدِّرات لأنها تُعطِّل العقل الذي هو مناط التكليف، وتجرُّ الإنسان إلى إهدار إنسانيَّته وكرامته، وتفتح أبواب الجرائم والتفكُّك الأُسَري وضياع المجتمعات، فضلًا عن كونها مُضِرَّةً بالصحَّة، مشيرًا إلى أنَّ الشريعة عدَّت تعاطي هذه السموم إثمًا بيِّنًا وجريمةً في حقِّ النفْس والمجتمع. وتابع أنَّ المجمع في هذه الحملة ينطلق مِن خطاب شرعي رصين، يبيِّن أنَّ حماية العقول والأبدان عبادةٌ يتقرَّب بها العبد إلى ربِّه، وأنَّ الوقاية مِنَ المخدِّرات مسئوليَّة دِينيَّة وأمانة ثقيلة يُسأل عنها الإنسان أمام الله عزَّ وجلَّ. وشدَّد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة على أنَّ تَرْك النفْس فريسةً لهذه الآفة تضييعٌ صريحٌ للأمانة التي حمَّلنا الله إيَّاها، وأنَّ شباب الأمَّة هم الثروة الحقيقيَّة التي يجب الحفاظ عليها، داعيًا إلى تضافُر جهود الأُسَر والمؤسَّسات التعليميَّة والدعويَّة والإعلاميَّة لبناء وعيٍ جمعيٍّ يُدرك خطورة هذه الآفة، ويسعى جاهدًا للوقاية منها والتصدِّي لها. ومِنَ المقرَّر أن تستمرَّ فعاليَّات الحملة على مدار أسبوعين، وتتضمَّن تنفيذَ مجموعةٍ مِنَ الخُطَب والنَّدوات والمحاضرات الدَّعويَّة والتوعويَّة في المساجد، واللقاءات المباشرة في مراكز الشباب والنَّوادي الاجتماعيَّة، بالإضافة إلى إطلاق المركز الإعلامي لمجمع البحوث الإسلاميَّة حملةً إعلاميَّةً رقْميَّةً تشمل إنتاج مقاطع فيديو قصيرة، ومنشورات توعويَّة عبر المنصَّات الرسميَّة للمجمع على وسائل التواصل الاجتماعي.