logo
موسكو: تهديد ترمب بالعقوبات لا يعني نهاية مسار تعزيز العلاقات

موسكو: تهديد ترمب بالعقوبات لا يعني نهاية مسار تعزيز العلاقات

الشرق السعوديةمنذ 8 ساعات
قال الكرملين الجمعة، إنه لا يعتقد أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأكثر صرامة تجاه روسيا على خلفية الحرب التي تشنها على أوكرانيا يعني نهاية المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء العلاقات المتدهورة بين واشنطن وموسكو.
وأمهل ترمب الاثنين، موسكو 50 يوماً من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في أوكرانيا وإلا ستواجه عقوبات. ووعد أيضاً بإرسال المزيد من الصواريخ إلى كييف، في خطوة انتقدتها وزارة الخارجية الروسية بشدة، الخميس.
ولدى سؤاله عما إذا كانت تصريحات ترمب تفيد بأن المفاوضات الرامية إلى إحياء العلاقات بين موسكو وواشنطن ستنتهي الآن، قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين الجمعة: "نفترض أن هذا ليس المقصود. بالطبع، هاتان قضيتان مختلفتان. إحداهما هي مسألة التسوية (السلمية) في أوكرانيا. والأخرى هي علاقاتنا الثنائية".
وأضاف بيسكوف أن هناك عدداً من "المشكلات" و"العقبات" التي يتعين حلها لتحسين العلاقات مع واشنطن، التي وصفها بأنها "في حالة يرثى لها".
وتحسن الحوار بين موسكو وواشنطن على ما يبدو بعد عودة ترمب إلى منصبه في يناير، إلا أن الشروط التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين لأي وقف محتمل لإطلاق النار زادت من خيبة أمل ترمب تجاه زعيم الكرملين.
وعقدت روسيا وأوكرانيا جولتين من محادثات السلام في تركيا العام الجاري أفضتا إلى اتفاق لتبادل الأسرى ورفات الجنود.
ولم يتسن حتى الآن تحديد موعد لعقد جولة ثالثة من المحادثات.
خيبة أمل ترمب من بوتين
والثلاثاء، أعرب ترمب عن "خيبة أمله" تجاه بوتين، ولكنه أكد أنه "لم ييأس منه" بعد، وذلك بعد ساعات من إعلانه خططاً لتزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة، وتهديده بفرض عقوبات جديدة على موسكو.
وقال الرئيس ترمب رداً على سؤال بشأن ثقته في الرئيس الروسي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، الثلاثاء: "لا أثق بأحد تقريباً".
كان ترمب يتحدث بعد إعلانه عن خطط لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وتحذيره من فرض رسوم جمركية صارمة على روسيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال 50 يوماً.
وأجرى الرئيس مكالمة هاتفية لمدة 20 دقيقة مع BBC، بعد مناقشات بشأن مقابلة محتملة بمناسبة مرور عام على محاولة اغتياله خلال تجمع انتخابي في بتلر بولاية بنسلفانيا.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت نجاته من محاولة الاغتيال قد غيرته، قال ترمب إنه يحب التفكير في الأمر بأقل قدر ممكن.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأسد وجنبلاط... اللقاء الأخير (4-6)
الأسد وجنبلاط... اللقاء الأخير (4-6)

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

الأسد وجنبلاط... اللقاء الأخير (4-6)

تنشر "المجلة" على ست حلقات محاضر اجتماعات الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد والزعيم الدرزي وقائد الحركة الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط قبيل وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية والتي شهدت نهاية العامين الأولين منها دخول القوات السورية إلى لبنان واغتيال كمال جنبلاط على أيدي من يُعتقد أنهم عناصر من أجهزة المخابرات السورية سنة 1977. هنا الحلقة الرابعة. المقدمة: وثائق سرية سورية عن الدخول إلى لبنان واغتيال كمال جنبلاط الحلقة الأولى: الأسد "يستجوب" جنبلاط عن خصومه في لبنان... ويرفض عودة "البعثيين" إلى سوريا الحلقة الثانية: ما بعد عين الرمانة... لبنان على شفا الحرب الأهلية الحلقة الثالثة: من "السبت الأسود" إلى الدامور: حوار وسط المجازر تكللت جهود وساطة الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد بالنجاح في 22 يناير 1976. وأعلن الرئيس اللبناني سليمان فرنجية وقف إطلاق النار برعاية سورية. جاء ذلك بعد يومين من زيارة زعيم "الحركة الوطنية اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" كمال جنبلاط الأخيرة إلى دمشق. ومن أولى النتائج الإيجابية كانت إعادة افتتاح مطار بيروت وسحب استقالة رئيس الحكومة رشيد كرامي. كما نجحت الوساطة السورية أيضاً في جمع الأطراف على برنامج إصلاحي يتضمن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المقاعد النيابية والوظائف الحكومية، بالإضافة إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية. وزار فرنجية دمشق في فبراير 1976. وأعلن بعدها عن "الوثيقة الدستورية" التي نصّت على المناصفة ووجوب موافقة رئيس الوزراء على التشريعات. لكنها لم تتطرق إلى بقاء منصب قائد الجيش في الطائفة المارونية. كما نصت الوثيقة على عودة الفصائل الفلسطينية إلى حدود اتفاقية القاهرة 1969، قبل بدء الإصلاحات. وفي 11 مارس 1976، قاد الضابط في الجيش اللبناني عزيز الأحدب انقلاباً فاشلاً على سليمان فرنجية سمي "الانقلاب التلفزيوني". ورغم تأييد جنبلاط له، فإن الانقلاب لم يكن له أي تأثير سوى في زيادة الاحتقان ضد فرنجية، ما دفع فصيل "جيش لبنان العربي" المنشق عن الجيش اللبناني (بقيادة أحمد الخطيب) إلى قصف القصر الرئاسي. وتصدّت له قوات "جيش التحرير الفلسطيني" الموالية لسوريا، وكان الأسد قد أرسل وحدات من هذا الجيش ومن منظمة "الصاعقة" الفلسطينية الموالية لدمشق، للفصل بين الميليشيات المتنازعة منذ نهاية عام 1975، قبل ستة أشهر من تدخل الجيش السوري في ليلة 31 مايو –1 يونيو 1976. حاولت سوريا إيجاد مخرج للأزمة وفق تصورها، فتم التوصل لاتفاق مع رئيس الجمهورية سليمان فرنجية على تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد قبل شهر سبتمبر 1976. ورفض جنبلاط هذه الصيغة وأعلن في 22 مارس 1976 رفضه لمشروع التسوية، مطالباً سوريا برفع يدها عن لبنان لتتمكّن القوى الوطنية من إقامة حكم "تقدمي" مناديا بمعركة "شاملة لا رجعة عنها". تصاعدت المعارك ابتداء من 24 مارس، وقامت قوات "الحركة الوطنية" التي يتزعمها جنبلاط باجتياح الشطر المسيحي من جبل لبنان، بمساعدة من الفلسطينيين، وتوسعت سيطرتهم لتشمل معظم المناطق اللبنانية. طلب ياسر عرفات من كمال جنبلاط الذهاب إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد، لكن الأخير رفض استقباله قبل وقف القتال اللقاء الأخير الفاصل: 27 مارس 1976 طلب ياسر عرفات من كمال جنبلاط الذهاب إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد، لكن الأخير رفض استقباله قبل وقف القتال. ومع اشتداد حدة المواجهات، دعت أطراف وشخصيات لبنانية بارزة دمشق إلى التدخل لوقف تمدد جنبلاط، وعلى رأسها البطريرك الماروني مار أنطون بطرس خريش. وافق الأسد على استقبال جنبلاط، تزامنا مع تحرّك سريع من مجلس الأمن الدولي، وتكثيف الاتصالات الدبلوماسية الفرنسية، وتصاعد حالة الغليان الداخلي في لبنان، ما جعل الأنظار تتجه إلى دمشق بانتظار موقفها. عشية اللقاء، اجتمع الأسد بوزير الخارجية عبد الحليم خدام واللواءين حكمت الشهابي وناجي جميل وقائد تنظيم "الصاعقة" زهير محسن، لبحث الوضع الميداني في لبنان. على الجانب الآخر، تمنى حلفاء جنبلاط عليه أن لا يخرج مختلفاً مع الأسد، إذ يقول جورج حاوي (عضو المكتب السياسي لـ"الحزب الشيوعي اللبناني" أثناء الحرب ثم أمينه العام) في مقابلة ضمن برنامج وثائقي عن الحرب اللبنانية: "بادرت جنبلاط بالقول: رغم أنني أعارض هذا اللقاء، لكن بما أنك قررت المضي فيه، أرجوك لا تخرج منه وأنت على خلاف مع حافظ الأسد. ناقش معه بكل صراحة حتى النهاية، لكن إذا وصلت إلى طريق مسدود، فمن الأفضل أن توافق على ما يطرحه. أعتقد أن حافظ الأسد سيكون صريحاً جداً معك، وأنا على علم بظروف معينة تمنعه من الموافقة على برنامجنا. لذا إما أن يُلغى اللقاء، أو إذا تم، فأرجو أن لا تختلف معه. وقد وعدنا جنبلاط بأنه سيبذل كل جهد ممكن، وأكد تفهمه لموقفنا. ودعناه بعدها وغادر (إلى دمشق)". التعليم الطائفي في لبنان يعزز الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. المدارس الطائفية تدرس تواريخ متناقضة، مما يعمق الانقسام ويكرس الصراع جنبلاط في السابع والعشرين من مارس 1976 وصل جنبلاط دمشق برفقة عباس خلف ومحسن دلول ورياض رعد من "الحزب التقدمي الاشتراكي"، واجتمع بالأسد لمدة سبع ساعات ونصف. حاول الأسد إقناعه بضرورة وقف القتال والبحث عن سبل تنفيذ التسوية السياسية المتفق عليها، مؤكداً أن سوريا لا تتمسك بالرئيس فرنجية "ولكنها تتمسك بوحدة لبنان". بدأ اللقاء في أجواء ودية وأبدى الأسد اهتماماً بمعرفة مستجدات الحراك الذي يقوده أحمد الخطيب، من خلال "جيش لبنان العربي". روى جنبلاط أنه التقى بالخطيب ورأى فيه "خميرة وطنية"، ثم انتقل النقاش إلى تركيبة الجيش اللبناني، والممارسات السائدة بداخله من طبقية وتمييز بين الضباط والمجندين. وحسب جنبلاط، فإن هذه العوامل هي التي دفعت الخطيب إلى تأسيس ما يشبه الجيش الشعبي، والذي التف حوله الجنود. وأشار جنبلاط إلى ظاهرة تجييش الشباب، وامتد حديثه ليشمل النظام التعليمي والتربوي في لبنان والاختلافات بين المدارس ومناهجها، مما أدى إلى انحسار تعليم المبادئ والأخلاق. وأكد أن "الجيل الجديد ينزع إلى التغيير الشامل"، وأن وعي الشباب ارتفع نتيجة انخراطه في القتال، وأصبح منضبطا أكثر لكنه "لم يصل إلى المستوى المطلوب، وهذا لأن الشباب لم يتربوا في المدرسة". تابع في الحديث عن إشكالية التعليم، مشيراً إلى أن "التعليم الطائفي في لبنان يكرس الانقسام ويعزز الهويات الطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. المدارس الطائفية في لبنان تدرس تواريخ متناقضة، وكل طائفة تروي التاريخ من وجهة نظرها الخاصة، مما يعمق الانقسام ويكرس الصراع". ومن جانبه، أبدى الأسد تفهما لهذه الإشكالية، مشيراً إلى أهمية توحيد المناهج التعليمية وبناء رواية تاريخية وطنية جامعة كمدخل أساسي لبناء هوية وطنية لبنانية. إلى أين تريدون الوصول؟ استفسر الأسد عن القتال الدائر في بيروت، وخصوصاً معارك منطقة الفنادق، فشرح جنبلاط الواقع الميداني بالقول: "الحركة الوطنية حققت تقدماً ملموساً في معارك بيروت، و(الكتائب) تكبدت خسائر فادحة". وفي محاولة لفهم أهداف الحركة الوطنية، طرح الأسد سؤالاً مباشراً: "إلى أين تريد الحركة الوطنية الوصول؟ هل تهدف إلى إقامة نظام اشتراكي كامل في لبنان؟". أعجب جنبلاط بالسؤال ورد قائلاً: "فعلاً... هي ثورة شعبية ولها دور اجتماعي وسياسي، لذلك من الصعب أن تتوقف إلا في حال إقناع الناس بحد معين من المكاسب". وشبّه ما يجري بحرب الاستقلال في الولايات المتحدة الأميركية، مؤكداً أنه "من غير الممكن أن تسير الأمور على ما يرام في حل (نص على نص)". ثم حدّد الحد الأدنى من طموحات الحركة الوطنية بقوله: "على الأقل يجب أن نصل إلى مستوى نستطيع فيه فرض نظام سياسي جديد، يمكن من خلاله تطوير البلد بشكل ديمقراطي". وأضاف أن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى "نوع من الحسم العسكري حتى لو لم يكن شاملاً". من الجيّد أن يتم تخفيف وجود الجيش السوري قليلاً لكيلا نعطي حجة لإسرائيل جنبلاط "سوريا خاسرة بالتأكيد" أجابه الأسد: "لم تكن المصلحة هي التي دفعتنا لنتدخّل (في نهاية عام 1975). طبعا بلا شك هناك مصلحة بين الثورة في سوريا والمقاومة والحركة الوطنية في لبنان، لكن في حينها لم نفكّر كثيراً بعقولنا. عندما أدخلنا القوات السوريّة إلى لبنان، لم يكن هناك علم لدى الحركة الوطنية بذلك، ولا الثورة الفلسطينية لم يكن لديها خبر". اعترف الأسد بأن سوريا كانت الخاسر الأكبر من تدخلها وقال: "في حساب المصلحة والربح والخسارة، سوريا خاسرة بالتأكيد، لكن في الحقيقة نحن بشر... شعب واحد نعرفكم وتعرفوننا. الثورة بهذا الشكل بالفعل هي ثورة شعبية، وفي هذا العصر يجب أن تصل ثورة من هذا النوع إلى بناء اشتراكية كاملة لا حلول وسطاً فيها. ولكن، من المستحيل تحقيق النصر العسكري الشامل دون تحقيق تغيير جذري في كل مناحي الحياة. هذا الأمر يتحقق بنضال ديمقراطي لا بحسم عسكري". "حرب تحرير شعبية" عاد جنبلاط ليؤكد في مداخلة طويلة أن ما يحدث في لبنان هو "حرب تحرير شعبية تهدف لفرض نظام سياسي جديد"، وكشف عن هدفه الاستراتيجي المتمثل في "السيطرة على كامل الجبل وصولاً إلى بكفيّا معقل آل الجميّل". وأضاف: "في الجبل اليوم سقطت خمس قرى، وإذا بقيت هذه التطورات يمكن أن نصل إلى بكفيّا بعد يوم أو يومين، ومن هناك ننزل إلى بيت مري، ونستطيع أن نسيطر على النفط الذي هو عصب الحركة". سأله الأسد عن الهدف النهائي، فأجاب جنبلاط: "فرض نظام سياسي جديد بالقوة". تطرق إلى الطائفية، معتبراً أن لبنان يمر بمرحلة "انتصار العلمنة على الطائفية السياسية". وتحدث عن ضرورة إجراء إصلاحات سياسية وتعديلات تطال مجلس النواب، طارحاً فكرة التمثيل النسبي، وقيام مجلس شيوخ إلى جانب البرلمان، يتم تسمية أعضائه من النخب والشرائح اللبنانية المختلفة. الوضع الدولي والتدخل السوري قاطعه الأسد ليسأل عن الوضع الدولي بالنسبة للبنان، فأجابه جنبلاط: "أعتقد أننا تعدينا مرحلة التدخل الإسرائيلي، إلا بحجة الوجود السوري في لبنان. وهنا من الجيّد أن يتم تخفيف وجود الجيش السوري قليلاً لكيلا نعطي حجة لإسرائيل". حذَّر الأسد من أن تخفيف وجود الجيش السوري "قد يقلب الميزان العسكري على الحركة الوطنية"، لكن جنبلاط أصر على موقفه قائلاً: "الميزان العسكري اليوم مع الحركة الوطنية، وأنه من غير الوارد أن تتدخل إسرائيل". فاتح الأسد جنبلاط بأن قضية لبنان قد تعرض على مجلس الأمن من قبل الأميركيين والأوربيين، وتحدث عن الحراك البريطاني - الأميركي القائم في لبنان. أسهب بشرح موقفه من تدخلات الولايات المتحدة: "الأميركيون يعرفون، ونحن قلنا لهم، إننا إذا أردنا أن نتدخّل سنتدخّل، ولن نأخذ أو نعطي لا معهم ولا مع غيرهم. وعندما تدخلنا لم نأخذ رأيهم". ثم تطرق إلى موقف الولايات المتحدة من علاقة الموارنة بسوريا: "الأميركيون لا يريدون أن يسمع الموارنة كلام سوريا... يريدونهم كما كانوا سابقاً. لا شك أن في لبنان هناك لعبة دولية كبرى". وفي ما يتعلق بموقف إسرائيل، أوضح الأسد: "الإسرائيليون أيضاً هددوا عندما تدخل جيش التحرير الفلسطيني، والخطر من الفلسطينيين أكبر من الخطر من السوريين". وفي شرحه لسبب التدخل السوري، قال الأسد: "عندما دخلنا في البداية، دخلنا لأسباب قومية، ونحن كل شيء نريده من لبنان هو العروبة. يمين أم يسار، كل ذلك له تقييم عندنا، لكن عروبة لبنان هي رقم واحد بالنسبة لنا. نحن في أي وقت مهما تكن الأخطار التي تترتب علينا سنتخذ هذا الموقف سواء صارت حرب محليّة أو حرب عالمية. في أي وقت نرى فيه مبرراً أخلاقياً ووطنياً وقومياً لاتخاذ أي موقف سنتخذه بمعزل عن نصائح الأميركيين والإنكليز والروس سواء كانوا أصدقاء أم خصوماً". ثم وصف الأسد دور سوريا في الأزمة بأنه "وساطة حياد إيجابي" قائلاً: "نريد أن نتكلم مع كل الأطراف، فلا يمكن أن تكون وسيطاً دون أن تتكلم مع كل الناس. الوساطة شيء، وأن نقول إن هناك ثورة ندعمها شيء آخر". إذا كنا نفتش عن احتواء أحد، فماذا يمكن أن يجلب لنا احتواء الثورة الفلسطينية؟ كيف نحتوي قضية نعيش من أجلها ونبذل كل جهودنا ودمائنا واقتصادنا من أجلها؟ الأسد حول الوثيقة الدستورية انتقد الأسد فكرة الانتخابات النسبية التي طرحتها الحركة الوطنية، محذراً من أنها قد تعمق الانقسامات الطائفية في لبنان: "ستطرح في لبنان قائمة شيعية، وقائمة سنية، وقائمة درزية، وقائمة مارونية، وقائمة كاثوليكية... وهذا الأمر يزيد الطين بلة. شخصياً، لا أذكر أنكم طرحتم قضية طائفية الرئاسات الثلاث، لا في تصريحاتكم ولا في أحاديثكم. نحن في سوريا والله، حريصون على نسف هذه الأسس، لكن عندما قام لبنان، هكذا قام". وذكّر الأسد بأن أغلب المطالب التي حملتها الوثيقة الدستورية ليست غريبة عن البرنامج السياسي للحركة الوطنية، واستعاد لقاءه السابق مع الرئيس سليمان فرنجية، قائلاً: "قلت له عندما ذهبت إلى لبنان (في 7 يناير 1975)، إن المرء عندما يصبح رئيساً للجمهورية يصبح رئيساً وأبا للجميع". عبّر الأسد عن اعتقاده بأن مطالب جنبلاط– وإن كانت تحمل بعداً إصلاحياً مشروعاً– بدت أحيانا وكأنها تميل إلى فرض الشروط، أو طرح "طلبات تعجيزية في لحظة توازنات دقيقة". قال الأسد: "أنا أعتقد أن النقاط التي كانت مطروحة قد تحقق منها 90%، وأعني التي كانت مطروحة بشكل جدي، والوساطة لا تسمح بأكثر من ذلك". كما لفت الرئيس السوري إلى أن الحركة الوطنية اللبنانية نفسها غير متجانسة في فهم آليات العمل وأساليبه: "أعتقد أنكم لو تركتم بعضكم فترة بعد هذه المناقشات والاجتماعات، وعدتم وجلستم مع بعضكم ستجدون أنه ليس لديكم فهم موحد حول كثير من هذه الأمور المطروحة". وتابع الأسد حديثه باستعراض المنعطفات التي مرت بها الأزمة اللبنانية بعد الوثيقة الدستورية، وأشار إلى ما طرحته لاحقاً "حركة عزيز الأحدب" الانقلابية الفاشلة التي وصفها بغير المريحة: "إن ما تحقق في الوثيقة كان جيداً في ضوء المعطيات القائمة في لبنان، ثم جاءت (حركة عزيز الأحدب) فيما بعد وطرحت إقالة رئيس الجمهورية، ولكن حسب معلوماتي فإن هذا مطروح من قبل الحركة الوطنية قبل أن تطرحها حركة الأحدب". وانتقل الأسد بعد ذلك إلى تقييم قضية رئاسة الجمهورية اللبنانية، مشيراً إلى محادثات سابقة أجراها مع جنبلاط، قال فيها: "كل الناس يعرفون أن علاقتنا بالأستاذ كمال قديمة وليست جديدة، وتتذكر وقتها قلت لك ما معناه أنه لا شيء يستحق هذه المعركة الآن، فأصلاً رئيس الجمهورية في نهاية رئاسته. حتى في الولايات المتحدة الأميركية يكون الرئيس مشلولاً خلال الأشهر الأخيرة، بل وفي السنة الأخيرة من رئاسته، فبالأحرى رئيس جمهورية في لبنان وهو في الـ3–4 أشهر الأخيرة من رئاسته". ومن النقاط التي أراد الأسد توضيحها أن موقف سوريا من المسألة الطائفية لم يكن نابعا من حسابات دينية: "يهمنا أن لا يشعر أحد بأننا منطلقون من منطلقات دينية. هؤلاء الآخرون (المسيحيون) عرب مثلهم مثل المسلمين، ويجب أن تستوعبهم الحركة العربية. لا يجب أن نترك عندهم هذا الشعور". "نخجل من مثل هذه الأقوال" تابع الأسد في مداخلته الطويلة، متحدثاً عن الاتهامات الموجهة لسوريا في الصحف اللبنانية، لا سيما عبارة "النفوذ السوري" التي اعتبرها مسيئة بحق سوريا. رفض الأسد تصوير سوريا كدولة أجنبية تمارس الهيمنة، معللاً: "يقال: النفوذ السوري في لبنان يحجم فلاناً ويقوي فلاناً آخر... يخلخل نفوذ كمال جنبلاط، ويؤثر على نفوذ ياسر عرفات! نحن نخجل من مثل هذه الأقوال". وتابع الأسد متحدثاً عن العلاقة المعقّدة مع منظمة التحرير الفلسطينية، مؤكداً أن دعم سوريا لـ"فتح" سابق على تأسيس حركة "الصاعقة"، قائلاً: "حتى في وقت من الأوقات عندما كانت (فتح) محاربة، كنا نقدم مساعدات كبيرة لها". وأشار إلى العلاقة الشخصية التي تربطه بأبو عمار (ياسر عرفات) ورفض الاتهامات التي تروّج لفكرة أن سوريا تسعى لاحتواء القرار الفلسطيني، ساخراً: "إذا كنا نفتش عن احتواء أحد، فماذا يمكن أن يجلب لنا احتواء الثورة الفلسطينية؟ كيف نحتوي قضية نعيش من أجلها ونبذل كل جهودنا ودمائنا واقتصادنا من أجلها؟". وعن ياسر عرفات قال: "صحيح أنه يخطئ كثيراً... لكن لا يجوز أن نبرز شخصاً ونضربه في اليوم التالي". ذكر الأسد أن المقاومة الفلسطينية نفسها طلبت "هليكوبترات للهجوم على تل الزعتر" وأكّد أنه "غامر من أجل لبنان". نفى أي صراع بين سوريا و"فتح" أو جنبلاط، قائلاً: "لا أعرف كيف يمكن لقوة سورية أن تتضارب مع قوة الحركة الوطنية. لو رأينا أن قوتنا تتعارض معهم، لما تعاملنا معهم من الأساس". "الخلاف بين اللبنانيين أزمة نظام، لا مجرد خلاف سياسي أو أمني. ومع بداية الوساطة السورية في لبنان، ظهرت بعض الاجتهادات والاختلافات في وجهات النظر" جنبلاط الانقسامات اللبنانية وحدود المناورة كما روى الأسد أن ياسر عرفات طلب منه دعم إقالة سليمان فرنجية، لكنه رفض قائلاً: "إذا استقال، فلن أتمسك به". وأضاف لجنبلاط: "أفهمت أبو عمار أن لا تلجأوا إلى استخدام القوة لأنها لن تحل المشكلة. عرض الأسد بتفصيل شديد لقاءه مع "التجمع المسيحي"، وقال: "أفهمتهم أنه إذا كانت مهمتهم أن يجلبوا لي قرارات فقط كناقلي بريد، فهذا غير مجدٍ"، رافضاً أن يبدأ الحل من الجيش. وحذّر الأسد جنبلاط من التورط في مغامرات غير محسوبة، قائلاً: "إذا لم يكن الهدف هو بناء نظام اشتراكي حقيقي، فلا مبرر لاستمرار القتال". ثم حذّر من خطر التدويل: "نحن على أبوابه، وهو بطابع ديني". وفي الوقت الذي عبّر فيه عن رفضه لأي تفكير بالتقسيم أو تدويل للأزمة، كشف عن اتصالات يومية تجريها الإدارة الأميركية مع سوريا، معتبراً أنها "تعمل على تعميق الطائفية في لبنان. واشنطن لن تُفاجأ إذا دخلت القوات السورية إلى لبنان، بل ربما تراهن على ذلك لإعادة صياغة التوازنات الطائفية". "الدولة اللبنانية باتت مهترئة" بدوره، تحدث جنبلاط مطولاً وأكد أن الخلاف بين اللبنانيين هو "أزمة نظام، لا مجرد خلاف سياسي أو أمني. نحن في لبنان تعودنا على حرية الانتقاد، والعلاقة مع سوريا كانت في الماضي أكثر توافقاً. لكن مع بداية الوساطة السورية في لبنان، ظهرت بعض الاجتهادات والاختلافات في وجهات النظر". وأشار إلى أن الجيش هو "عمود النظام الطائفي وبقاء المارونية السياسية"، واصفاً الدولة اللبنانية بأنها "مهترئة على كافة الصعد، سياسياً واقتصادياً وإدارياً وقضائياً". وأشار إلى أن النظام القائم لا يمكنه الاستمرار، وأن كثيراً من الإصلاحات التي طرحتها الحركة الوطنية باتت تحظى بقبول واسع، حتى من خصومها السياسيين، مضيفاً أن "جذور المشكلة تكمن في النظام نفسه، وبمجرد بناء نظام وطني تقدمي ستزول كل الأزمات الأخرى، بما فيها الاحتكاك مع الفلسطينيين". الأسد يغادر الاجتماع غادر الأسد القاعة لإجراء مكالمة هاتفية، فتداول جنبلاط أثناء غيابه مع أعضاء الوفد اللبناني رأيه بما دار بينهما من حديث. رأى أن التدويل غير وارد "حالياً" بسبب الفيتو السوفيتي والصيني، كما أشار إلى حالة الإرباك في صفوف "الكتائب"، مستشهدا بدعوة بيار الجميّل للناس بالعودة للقتال، معتبرا أن هذه المناشدة دلالة على الانهيار المعنوي. الحلقة القادمة: الأسد وجنبلاط وجها لوجه... جدال ومواجهة

مكاسب الاعتراف بدولة فلسطينية... وكلفته
مكاسب الاعتراف بدولة فلسطينية... وكلفته

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

مكاسب الاعتراف بدولة فلسطينية... وكلفته

في يونيو (حزيران) الماضي خططت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر في شأن حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. كان من المتوقع أن يشهد المؤتمر، برعاية فرنسية وسعودية، توافق الدول المشاركة على الاعتراف بدولة فلسطين والدعوة إلى استئناف عملية السلام، على الأرجح استناداً إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002، والتي اقترحت إقامة سلام شامل بين الدول العربية وإسرائيل عقب قيام دولة فلسطينية. وقد دانت إسرائيل المؤتمر مراراً، فيما لم تبد الولايات المتحدة حماسة تذكر. ووفقاً لوكالة "رويترز"، جاء في برقية أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية في يونيو الماضي إلى السفارات الأميركية حول العالم: "نحث الحكومات على عدم المشاركة في المؤتمر. فالولايات المتحدة تعارض أي خطوات أحادية للاعتراف بدولة فلسطينية مفترضة، لأنها تضيف عقبات قانونية وسياسية كبيرة أمام التوصل إلى حل نهائي للصراع، وقد تجبر إسرائيل على اتخاذ مواقف خلال الحرب، مما يصب في مصلحة أعدائها." وكان لدى إدارة ترمب اعتراض أكثر جوهرية على المؤتمر، إذ إنها لا تعارض الاعتراف بدولة فلسطينية فحسب، بل تعارض أيضاً إنشاء مثل هذه الدولة من الأساس. قال السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، في مقابلة مع "بلومبيرغ نيوز": "ما لم تحدث تحولات كبيرة في الذهنية القائمة، فلن يكون ذلك ممكناً"، مضيفاً أنه لا يتوقع أن يرى مثل هذه النتيجة "في حياتنا". واقترح أنه إذا قامت دولة فلسطينية يوماً ما، فلا ينبغي أن تكون في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، بل في "دولة إسلامية". وقبل أيام قليلة من الموعد المقرر لانعقاد المؤتمر، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على إيران. الحرب التي استمرت 12 يوماً، والتي انضمت إليها الولايات المتحدة في نهاية المطاف، ألقت بظلالها على القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، وجعلت من غير الممكن، من الناحية اللوجيستية، المضي قدماً في المؤتمر، مما أدى إلى تأجيله. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي: "لا يمكن لهذا التأجيل أن يضعف عزمنا على المضي قدماً في تنفيذ حل الدولتين". وأضاف "مهما كانت الظروف، فقد أكدت عزمي على الاعتراف بدولة فلسطين". وماكرون ليس وحده في هذا الموقف، ومن المرجح أن يستمر الزخم المؤيد لاعتراف أوسع بدولة فلسطين في الأسابيع والأشهر المقبلة. وسواء عقد مؤتمر الأمم المتحدة كما هو مخطط له أم لا، فإن قضية الاعتراف الدولي لن تغيب عن المشهد. قد يبدو الواقع الميداني أقل قابلية لإحياء حل الدولتين، وأكثر ميلاً نحو ترسيخ واقع الدولة الواحدة، فالحرب الإسرائيلية على غزة تمهد لعودة السيطرة الإسرائيلية المباشرة، واستيطان الأراضي، وربما طرد السكان الفلسطينيين منها. وفي الضفة الغربية، كثف المستوطنون الإسرائيليون، بدعم من قوات الأمن الإسرائيلية، حملة عنف وترهيب أدت إلى تفريغ كثير من التجمعات الفلسطينية، في محاولة لتهيئة الأرضية لضم إسرائيلي محتمل. ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون علناً عدم اهتمامهم بحل الدولتين، وهو موقف عبر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضوح، وكان آخرها خلال لقائه بالرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض مطلع يوليو (تموز) الجاري. وبحسب تقارير إعلامية عدة، فإن تفاصيل مقترحات ترمب في شأن "الصفقة الكبرى" التي تربط إنهاء حرب غزة بتوسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية. ولكن قد لا يكون الاعتراف بدولة فلسطينية مستبعداً تماماً. فكلف الصراع المستمر باهظة، إلى جانب ميل ترمب إلى تبني رؤية قريبة من مواقف قادة دول الخليج الذين يعطون الأولوية للاستقرار، تدفع باتجاه تحرك ما على المسار الفلسطيني لإرضاء الرأي العام المحلي وتبرير مزيد من التعاون الإقليمي. ومن منظور ترمب العالمي القائم على عقد الصفقات، فإن الولايات المتحدة تعطي، وإسرائيل تأخذ. وتعتبر إسرائيل دولة تابعة مكلفة: فحرب غزة قد كلفت واشنطن أكثر من 22 مليار دولار، بينما أثقلت كاهل الجيش الأميركي وأدخلت الولايات المتحدة في قتال مع إيران. وقد أدت المواجهة مع المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين فرضوا حصاراً على السفن المتجهة إلى إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، إلى تقييد البحرية الأميركية وتطلبت استخدام ذخائر تجاوزت قيمتها مليار دولار، مما دفع ترمب إلى التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار مع الحوثيين من دون استشارة إسرائيل حتى. من الواضح أن ترمب محبط من الوضع الراهن، وكما كانت الحال بالنسبة إلى أسلافه، فإن أسهل استراتيجية سياسية متاحة له ستكون خطوة رمزية تعيد تأكيد حل الدولتين، لكنها لا تنتج حلاً حقيقياً. ستخبره دول الخليج والأوروبيون وأطراف أخرى أن وقف إطلاق النار في غزة ليس كافياً، على رغم الحاجة الماسة إليه. وحتى لو نجح وقف إطلاق النار، فمن غير المرجح أن يفضي إلى نهاية دائمة للحرب. في الواقع، بات كثير من الإسرائيليين المتشددين يدركون أن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من تدمير "حماس". ومن ثم فإن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، من دون حدوث تغيير جذري في الرأي العام الإسرائيلي أو القيادة الإسرائيلية، هو أن تكبح الولايات المتحدة جماح حكومة إسرائيلية توسعية مدججة بأسلحة أميركية مدمرة. في ضوء كل ما سبق، لا ينبغي التقليل من أهمية الزخم المتزايد نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. فإذا ما أقدمت موجة جديدة وواسعة من الدول على الاعتراف الجماعي بفلسطين، فسيشكل ذلك إشارة قوية إلى الإحباط الدولي المتزايد من تدمير غزة وهيمنة إسرائيل الشبيهة بنظام الفصل العنصري على الضفة الغربية. وسيرحب جزء كبير من العالم بأي بديل عن المسار الذي يبدو أنه يقود حتماً نحو الإبادة والضم. كما سيسهم الاعتراف بفلسطين في ترسيخ النقاش حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ضمن إطار القانون الدولي، وقد ينقذ غزة من الدمار الشامل والتهجير الذي يهدد به بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية. وفوق ذلك، سيمنح الاعتراف إدارة ترمب ورقة ضغط يمكن استخدامها للدفع باتجاه "الصفقة الكبرى" التي يسعى إلى إبرامها. لكن الاعتراف بالسيادة الفلسطينية الشرعية من دون أي تغير ملموس على الأرض قد يتحول إلى فخ. فالاعتراف لا يمكن أن يكون غاية في حد ذاته. وإذا اختارت دول عدة الاعتراف بدولة فلسطين من دون أن تواجه الواقع المتفاقم المتمثل في ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، فقد ينقلب هذا الاعتراف إلى نتيجة عكسية وخطرة. وإذا ما أصبح الاعتراف الرسمي بديلاً عن الدفاع الجاد عن سيادة القانون الدولي ومعالجة واقع معاناة الفلسطينيين، فسيكون في أحسن الأحوال مجرد خطوة رمزية جوفاء، وفي أسوئها تبديداً هائلاً لرأس المال السياسي الدولي النادر. الاعتراف ليس كافياً… الأهم هو الحفاظ عليه إن مساعي الاعتراف بدولة فلسطين شهدت تاريخاً طويلاً. ففي عام 2012، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب من دون حق التصويت وعلى رغم أن هذا الاعتراف لم يحدث تقدماً ملموساً نحو الاستقلال أو السيادة الفلسطينية، فإنه مكن فلسطين من أن تصبح طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، وأن توسع جهودها الدبلوماسية داخل مؤسسات الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، فإن الاعتراف يعزز بطبيعته فكرة حل الدولتين التي بدأت تضعف، ويؤكد المبدأ الذي ينص على أن السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية غير قانونية، وأن "إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن"، بحسب ما قضت به محكمة العدل الدولية في حكمها الشامل الذي أصدرته العام الماضي. لقد أصبح الاعتراف خياراً جذاباً، مع تصاعد الغضب إزاء أهوال الحرب في غزة، مما زاد الضغوط من أجل اتخاذ بعض الإجراءات الدولية الملموسة والهادفة. إن اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين، على وجه الخصوص، سيمثل نكسة كبيرة للدبلوماسية الإسرائيلية، بالنظر إلى الضغوط الشرسة التي تمارسها إسرائيل من أجل حشد الدعم الغربي لسياساتها وصد المنتقدين حول العالم. وإذا انضمت دول أوروبية غنية ومؤثرة إلى قائمة الدول التي تعترف بفلسطين، فسيشير ذلك إلى انهيار الحاجز الواقي الذي أقامته إسرائيل في وجه الضغوط الدولية الجادة، وسيزيد من اعتمادها على الولايات المتحدة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها. سيسهم الاعتراف بفلسطين في ترسيخ النقاش حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ضمن إطار القانون الدولي وعلى رغم أن دولاً عدة تعترف بالفعل بفلسطين كدولة، فإن موجة جديدة من الاعترافات قد تطلق سلسلة واسعة من الدعم العالمي. ويعتقد المؤيدون أن هذا الاعتراف الواسع يمكن أن يفرض ضغطاً جديداً على إسرائيل لدفعها نحو حل الدولتين، من خلال تقوية أصوات الإسرائيليين المؤيدين لقيام دولة فلسطينية مستقلة، الذين تم إسكاتهم في الأعوام الأخيرة، ويفتح طريقاً أمام الفلسطينيين للخروج من المأزق الحالي. من هذا المنظور، قد يكون الاعتراف بفلسطين بمثابة نقطة محورية لتفريغ الغضب العالمي الهائل إزاء أحداث غزة وتحويله إلى خطوة ملموسة. وقد يؤدي إلى انهيار ائتلاف نتنياهو وتحفيز التغيير السياسي المطلوب بشدة في إسرائيل. وبالنظر إلى الموارد الهائلة التي سيكون من الضروري حشدها لإعادة إعمار غزة وأجزاء الضفة الغربية المدمرة، سيكون المانحون أكثر استعداداً لتقديم الأموال إذا كان ذلك ضمن مسار واضح نحو حل نهائي. لكن الإيمان بإمكان تحقيق مثل هذه النتيجة يتطلب ما يمكن وصفه بلغة متفائلة بأنه خطوة جريئة. فحل الدولتين لم يعد يبدو واقعياً منذ أعوام طويلة، والفرص لتحقيقه تضاءلت أكثر خلال الأشهر الـ19 الماضية. فالوضع على الأرض في غزة والضفة الغربية يجعل من تقسيم الأراضي والتعايش السلمي أمرين يصعب تصورهما. وقليل من الإسرائيليين اليوم يعارضون السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، تسيبي حوتوفلي، التي أعلنت الشهر الماضي بصراحة: "لقد انتهى حل الدولتين". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يمكن القول إن هذا كان صحيحاً قبل وقت طويل من هجوم "حماس" على إسرائيل عام 2023 والحرب التي أعقبت ذلك. فكما كتبنا نحن ومؤلفان آخران في مجلة "فورين أفيرز" قبل أشهر من السابع من أكتوبر "كثيراً ما شكلت جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن دولة واحدة تحت الحكم الإسرائيلي، تسري عليها، أرضاً وناساً، أنظمة قانونية مختلفة تماماً، ويعامل فيها الفلسطينيون على الدوام معاملة طبقة دنيا". وقد زاد الهجوم الإسرائيلي على غزة من ترسيخ واقع الدولة الواحدة هذا الشبيه بنظام الفصل العنصري، في وقت يدفع فيه المسؤولون الإسرائيليون نحو احتلال دائم، بل وحتى ضم الأراضي الفلسطينية. ومع تحول غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش، تتعرض الضفة الغربية أيضاً لمزيد من التدمير والتشريد، فيما تتسارع وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك. في ظل هذه الظروف، قد ينظر إلى الاعتراف بفلسطين على أنه لا يتعدى كونه مراوغة: مجرد وسيلة لإصدار بيان من دون اتخاذ إجراءات فعلية نحو التغيير. فمن الأسهل الدعوة إلى حل الدولتين بدلاً من مواجهة واقع الهيمنة الإسرائيلية على دولة واحدة بحكم الأمر الواقع. ومن الأسهل تأكيد وجود دولة فلسطينية بدلاً من اتخاذ الإجراءات البالغة الصعوبة التي يتطلبها إنشاء هذه الدولة على أرض الواقع. ولكي لا يكون الاعتراف مجرد بادرة فارغة، يجب أن يقترن المؤتمر بمطالبات بتغييرات ملموسة على الأرض تتناسب مع الوضع القانوني الجديد لفلسطين. كما يجب أن يتضمن تأكيد السيادة الفلسطينية توضيحاً للكلف المترتبة على استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، ويقدم الحماية للفلسطينيين من مزيد من الانتهاكات، ويضع خطوات لبناء مؤسسات حكم، واقتصاد قابل للاستمرار، من بين الأنقاض التي خلفتها إسرائيل. لا مستحيل في السياسة ليس من المستغرب أن تعارض إدارة ترمب مؤتمر الأمم المتحدة. فمن غير المرجح أن تنجح مناشدات القانون الدولي في إقناع ترمب نفسه، الذي أصدر أخيراً أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات على أربعة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقاتهم في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن ترمب لا يعد استثناءً بين رؤساء الولايات المتحدة: فعلى مدى عقود، وتحت إدارات رئاسية متعاقبة، كانت السياسة الأميركية تكتفي بالكلام عن حل الدولتين، بينما تفعل كل ما في وسعها لمنع تطبيق القانون الدولي على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن هذه ليست لحظة عادية في السياسة الأميركية أو العالمية. فاستعداد ترمب لكسر التقاليد وتجاهل آراء المتخصصين، وتودده للدول الخليجية الثرية، ونفوره الشخصي من نتنياهو، كلها عوامل تدفع واشنطن في اتجاهات غير متوقعة. فهجوم ترمب على المحكمة الجنائية الدولية، وأفكاره في شأن إفراغ غزة من سكانها واحتلالها، واستغلاله المخاوف (الصادقة منها وغير الصادقة) من معاداة السامية لمهاجمة الجامعات الأميركية، كلها تشير إلى توجه يميني تقليدي مؤيد لإسرائيل. ولكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يمكن لترمب أن يكون غير متوقع: فقد فاجأ المراقبين وحتى مؤيديه عندما رفع العقوبات عن الحكومة السورية الجديدة وسعى إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. إن اعتماد إسرائيل على الدعم الأميركي في حربها، وعزلتها الدولية المتزايدة، جعلاها أكثر اعتماداً على واشنطن من أي وقت مضى. في الوقت نفسه تجد إسرائيل نفسها غير متوافقة مع السياسة الأميركية تجاه إيران وسوريا، وتفقد شعبيتها بين الأميركيين العاديين، بمن فيهم الجمهوريون الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً. وفي علاقتها مع واشنطن، تبدو إسرائيل الآن في موقع أكثر هشاشة مما كانت عليه منذ نهاية الحرب الباردة، عندما أطلق الرئيس جورج بوش الأب جهداً طموحاً لتحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط. وهكذا يجد ترمب نفسه أمام فرصة غير مألوفة لإحداث تغيير جوهري. وقد أظهر بالفعل أنه يعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء حرب إسرائيل على غزة، وأنه ينظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها مرتبطة بدبلوماسيته تجاه إيران وشراكاته مع دول الخليج. ولا يبدو أنه ينظر إلى العلاقة الأميركية - الإسرائيلية كعلاقة "استثنائية" بالمقارنة مع علاقات واشنطن مع دول أخرى. كما أنه ركز عملية صنع القرار في البيت الأبيض، وأقصى الخبرات البيروقراطية التي عادة ما تبقي السياسة الخارجية الأميركية على مسار تقليدي واحد. وتظهر سياساته الداخلية المثيرة للجدل أنه لا يكترث كثيراً بردود الفعل السياسية المحلية. إن تبني زمام جهود عالمية متجددة للاعتراف بدولة فلسطين وتحقيقها فعلياً على أرض الواقع، سيكون بمثابة نوع من الانعطاف الدراماتيكي الذي ربما لا يستطيع تحقيقه سوى زعيم غير مقيد بالاعتبارات السياسية التقليدية وذي شخصية متقلبة مثل ترمب. من غير المرجح أن يحدث ذلك، وحتى لو حدث، فهو لن يكون كافياً بمفرده. لكن الاعتراف بفلسطين وفرض إنهاء حرب إسرائيل على غزة يمثلان أفضل سبيل أمام ترمب للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وتعزيز الشراكات الأميركية في الخليج، وإثبات أنه قادر حقاً على تحقيق نتائج أفضل في السياسة الخارجية مقارنة بأسلافه. مترجم عن "فورين أفيرز" 15 يوليو (تموز)، 2025 مارك لينش المتخصص في مجال العلوم السياسية والشؤون الدولية في "جامعة جورج واشنطن". شبلي تلحمي أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ميريلاند وباحث بارز غير مقيم في معهد بروكينغز.

ترمب يهذي على الهواء… لو كان بايدن لواجه العزل
ترمب يهذي على الهواء… لو كان بايدن لواجه العزل

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

ترمب يهذي على الهواء… لو كان بايدن لواجه العزل

فيما مضى، كانت أي زلة بسيطة تصدر من رئيس الولايات المتحدة - سواء تعثر في جملة، أو نسي اسماً، أو تعرض لتوقف مفاجئ في منتصف خطابه - تقابل برد فعل مبالغ فيه وتعامل كأنها حال طوارئ وطنية. وكانت عناوين الصحف لتسارع إلى التحذير من "تدهور إدراكي!"، فيما تتسابق الحملات الدعائية للحزب الجمهوري التي تستهدف الرئيس جو بايدن آنذاك عن التساؤل: "من يدير البلاد فعلياً"؟ في تلميح إلى أن نائبة الرئيس آنذاك، كامالا هاريس، هي التي تتولى الدفة وتتحكم بالأمور من وراء الكواليس. أما على "تويتر" (وليس "إكس"، ولن يسمى "إكس" أبداً) فسارع كثر إلى تشخيص حال "جو المسكين" بالخرف، وارتفعت أصوات طالبت بتفعيل "التعديل الـ25" من الدستور الأميركي (الذي يجيز نقل السلطة في حال ثبت عجز الرئيس عن أداء مهامه). ولم يتردد خصوم بايدن - وحتى بعض من الذين يفترض أنهم حلفاؤه - في تقديمه بصورة بائسة، على أنه رجل مشتت الذهن بالكاد يدرك ما يدور حوله، وغائب عن الواقع، ويمضي بخطى ثقيلة نحو ولاية ثانية، مدفوعاً فقط بغروره. لكن دونالد ترمب عاد الآن. والسؤال المطروح: هل تبدلت المعايير فعلاً أم أنها لم تتغير، بل باتت تطبق بانتقائية؟ في الخطاب الذي ألقاه ترمب بعد ظهر الثلاثاء خلال "قمة بنسلفانيا للطاقة والابتكار" Pennsylvania Energy and Innovation Summit التي عقدت في بيتسبرغ، قدم الرئيس الأميركي الـ47 عرضاً كاملاً لحاله الذهنية. استهل كلمته بالزعم، بكل ثقة ومن دون تردد، بأنه أمن بالفعل 16 تريليون دولار من الاستثمارات لدعم الاقتصاد الأميركي. وللتذكير فحسب، فإن هذا الرقم يتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الذي لا يتعدى 30 تريليون دولار. لكننا نعرف ترمب جيداً، وقد اعتدنا منه على هذا النوع من المبالغات. فهو دائماً ما يروج لأحدث أفكاره أو مشاريعه أو حتى تسريحة شعره، باعتبارها الأعظم في التاريخ - ولا ينسى أن يشير إلى "بعض الناس" الذين يقولون إنها الأروع على الإطلاق مما شهده العالم حتى الآن. خلال الخطاب الذي ألقاه ترمب، نسي الرئيس أسماء مساعديه وأدلى بتصريحات لا تستند إلى حقائق (غيتي) لكن هذه المرة، لم يكن الحديث على سبيل الدراما أو المبالغة المتعمدة. بل كان رئيس الولايات المتحدة يزعم، بكل جدية، أنه تمكن، بمفرده، من تمويل نصف الاقتصاد الرأسمالي العالمي خلال ستة أشهر فقط. بعد لحظات، حاول ترمب تقديم النائب الجمهوري دان موزر. فسأل وهو يتفحص الحضور: "أين دان"؟ عندها اضطر ديف مكورميك، الجالس إلى جواره، إلى إخباره بهدوء أن جميع النواب بقوا في واشنطن. فأجابه ترمب: "أوه، إنهم في واشنطن يعملون على مشروع القانون التالي؟ رائع! هذا يعني أنني لست مضطراً إلى ذكر أسمائهم - مع أنني متأكد من أنهم يتابعون عبر التلفزيون، لا شك في ذلك". أطلق ترمب ضحكة متوترة - على نحو غير معهود منه - قبل أن يتمتم بكلمات مبهمة، مكرراً أن من "الجيد" أن هناك من "يقوم بعمل ما" في واشنطن، وذلك قبل أن يتوقف عن الكلام فجأة. كان المشهد غريباً ومحرجاً للمشاهدة. بعد ذلك، واجه الرئيس البالغ من العمر 79 سنة صعوبة في نطق اسم أحد مساعديه في البيت الأبيض، قبل أن يتدارك الموقف ويضيف، "يخبرونني أنك تقوم بعمل رائع". وفي إضافة إلى طبق التخبط الكلامي، أطلق تعليقاً مبهماً عن تيد كاتشينسكي، المعروف باسم "مفجر الجامعات" (وهو عبقري رياضيات سابق تحول إلى إرهابي محلي نفذ سلسلة تفجيرات في الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1978 و1995) - واصفاً إياه بـ"الطالب النابغة"، قبل أن يضيف، "لكن الأمور لم تسر على ما يرام بالنسبة إليه في استنتاج يفتقر إلى المنطق، لكنه قدم وكأنه ثمرة تفكير عميق لا يقدر عليه سوى قلة من الناس". لو كان بايدن هو من قال أياً من هذا، لكانت "فوكس نيوز" قد أطلقت عداً تنازلياً مباشراً لبدء إجراءات العزل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكن من غير المرجح أن تهيمن هذه الزلات على دورة الأخبار - على رغم أن الرئيس دونالد ترمب، الذي يفترض أنه أكثر من يتمتع بالحيوية في عمر الـ79، بدأ بوضوح يواجه صعوبة في البقاء مستيقظاً خلف الميكروفون. هنا تبرز ضرورة التوقف عند مسألة "حكم المسنين" في السياسة الأميركية، بعدما بدت الانتخابات الأخيرة وكأننا نشاهد جدين أصلعين يتنازعان على مشط. هذه الصورة الساخرة سلطت الضوء على مشكلة أعمق: إصرار شخصيات بارزة من كلا الحزبين (أبرزهم: السيناتورة الديمقراطية الراحلة دايان فاينستين، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي ظهرت عليه مراراً علامات الإرهاق والضعف)، على التمسك بالسلطة بدلاً من تسليمها لمن يمتلكون القدرات الذهنية والبدنية التي تؤهلهم لتحمل أعباء القيادة. قد يقال أيضاً إن "الجمهوريين" لديهم قدرة لافتة على التماسك ورص الصفوف، حتى عندما يواجهون تقصيراً واضحاً في أداء الواجب، في حين لا يتردد "الديمقراطيون" في الانقضاض على بعضهم بعضاً عند أول اختبار. وربما يقال أيضاً إن من يعتاد إطلاق الكلام بلا حساب، قد ينساق، حرفياً، إلى ترديد أكاذيب سخيفة، إلى أن تتكشف الحقيقة: الإمبراطور عار تماماً [كل ما حوله كان مجرد وهم أو خداع]. يجد الرئيس الأميركي نفسه اليوم في لحظة ضعف. فقد كتب على منصة "تروث سوشيال" أنه يشعر بخيبة أمل من "أبنائه" و"بناته" لأنهم لم يصدقوا ما قيل عن أن "قائمة إبستين" لم تكن موجودة أساساً (في إشارة إلى جيفري إبستين، رجل الأعمال الأميركي الذي انتحر في سجنه بعد إدانته بارتكاب جرائم جنسية). في غضون ذلك، يلوح قطب الأعمال إيلون ماسك بفكرة تأسيس حزب سياسي جديد، بينما ترتفع بين الحين والآخر أصوات معارضة من داخل المعسكر المحافظ نفسه، على غرار الناشطة اليمينية لورا لومر والمذيع المحافظ تاكر كارلسون. حتى نائب الرئيس، جي دي فانس، يلتزم الصمت، ويتفادى الدفاع عن زميله في الترشح كلما تصاعدت فضيحة أو جدل جديد. من هنا، كان يفترض أن تكون هذه الفرصة سانحة أمام دونالد ترمب ليظهر تماسكه ويستعرض ما تبقى من أوراقه السياسية. غير أنه كشف، في بضع ملاحظات مقتضبة، عن ضعف إدراكه وفهمه واقع الاقتصاد الأميركي، وعجزه عن تذكر مكان وجود نواب حزبه - إلى حد أنه دعا نائباً إلى الانضمام إليه على المنصة بينما كان في الواقع في ولاية أخرى. كما بدا أنه يجهل اسم أحد مساعديه، ولم يتمكن من مقاومة النعاس خلال ظهور علني في الساعات الأولى من بعد الظهر. من الصعب الترويج لصورة "المتمرد" أو "صاحب التأثير القوي" حين يغفو صاحبها على الطاولة ويتمتم بأسماء لا يكاد يلفظها بوضوح. لكن، كما اعتدنا عليه، فإن كل هذا سيتم ببساطة دمجه ضمن أساطير حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" على أنه مجرد سمة طريفة إضافية في شخصية ترمب المتقلبة والمحببة لدى مؤيديه. وسيتكتل "الجمهوريون" حوله كما فعلوا دائماً، على رغم أنهم لم يتوانوا عن مهاجمة بايدن على أخطاء أقل بكثير. ولن يفعلوا ذلك لأنهم مقتنعون فعلاً بحدة ذكائه أو كفاءته... بل لأنهم، في هذه المرحلة، لم يعودوا يرون أن ذلك مهم أصلاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store