logo
في مصر، هل أطاحت المخابرات المركزية بالملك فاروق في يوليو 1952؟

في مصر، هل أطاحت المخابرات المركزية بالملك فاروق في يوليو 1952؟

الأيام٢٣-٠٧-٢٠٢٥
APIC/RETIRED
خرج الملك فاروق من مصر إلى إيطاليا بعد الإطاحة به عام 1952
قد يبدو السؤال مريباً بالنسبة لأنصار الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الرجل الأقوى في حركة الضباط الأحرار التي غيّرت وجه مصر إلى الأبد في ذلك اليوم الشهير من شهر يوليو/ تموز 1952.
لكن كتاباً صدر في لندن قدّم في إطار سرده لقصة التنافس الأمريكي البريطاني على المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، قصة علاقة الجاسوس الأمريكي الشهير كيم روزفلت مع الضبّاط الأحرار، وكيف التقى بمجموعة منهم في قبرص.
كان ذلك قبل أشهر من الإطاحة بالملك فاروق، الذي لطالما كان يردد قبل رحلته الأخيرة من الإسكندرية إلى إيطاليا بعد الانقلاب عليه "أن ملوك العالم لن يبقى منهم سوى ملوك ورق الكوتشينة الأربعة وملك بريطانيا".
كل ما تحتاج معرفته عن أبرز التطورات في منطقة الشرق الأوسط يصلك لحظة بلحظة عبر قناتنا على واتساب (
الكتاب الذي ألّفه المؤرخ البريطاني الشاب جيمس بار بعنوان "Lords of the Deserts" (سادة الصحراء) يرسم خريطة معقدة للمنطقة العربية وإيران خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات وصولاً إلى أوائل الستينيات.
ويسلط بار الضوء من خلال الوثائق البريطانية والأمريكية التي بحث فيها خلال تأليفه الكتاب، على صراع النفط بين أرامكو السعودية-الأمريكية وشركة النفط البريطانية الإيرانية، وكيف ورّطت لندن حليفتها وخصمها في آن واحد، واشنطن، في عملية "أجاكس" الشهيرة التي أطاحت برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدّق وثبّتت حكم شاه إيران آنذاك، محمد رضا بهلوي، عام 1953.
BETTMANN
استولى الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر على السلطة دون مقاومة تذكر
إذاعة صوت العرب
ويحضر عبد الناصر بقوة في صفحات الكتاب، فقد ظهر أولاً كحليف لواشنطن وخصماً للندن، ثم عدواً لكلتيهما. ويتضمن الكتاب شرحاً مع سرد لقصص من تلك المرحلة عن لعبة المساومة التي احترفها الزعيم المصري الراحل بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وكيف عوضته الأخيرة عن صفقة سلاح بتقديم هدية، هي إذاعة "صوت العرب" التي استخدمت لبث الدعاية السياسية لنظامه إلى المنطقة بأسرها مترافقة مع أغنيات أم كلثوم.
من القصص التي يرويها الكتاب كيف التقى الجاسوس روزفلت وضابط وكالة الاستخبارات الأمريكية الآخر مايلز كوبلاند بعبد الناصر في بيته من أجل تخفيف حدة التوتر مع إسرائيل، وبينما هما في طور الحديث مع مضيفهما، جاء خبر زيارة السفير البريطاني في القاهرة للزعيم، وهنا اضطر الرجلان للصعود إلى الطابق العلوي، ومازح كوبلاند شريكه روزفلت بالقول: "سيكون من الممتع أن نرى ردة فعل السفير البريطاني ونحن نقاطع جمال عبد الناصر لنقول له إن المرطبات في الأعلى قد نفدت".
ومن بين ما يذكره بار في كتابه، أن اللمسات الأخيرة للانقلاب الأمريكي البريطاني على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق وضعت في فندق سان جورج على الساحل الغربي للعاصمة اللبنانية بيروت، كذلك هوية من شاركوا في الانقلاب، وكيف جرى التدبير له وما سبقه من مفاوضات حول الاتفاقية الإيرانية البريطانية حول حصص النفط، وقول أحد رؤساء شركة النفط الإيرانية البريطانية لدى سؤاله عما يمكن التنازل عنه للإيرانيين: "إذا ما أعطيتم الإيرانيين شبراً فهم سيأخذون ميلاً".
تأسيس إسرائيل
في الفصول الأولى يعود بار إلى مرحلة التأسيس لإسرائيل، وتأثير الانتخابات الداخلية في أمريكا على القرار النهائي بشأن دعم قيام دولة لليهود. في هذا الإطار ينقل الكاتب نوعاً من التردد البريطاني للمضي قدماً بوعد بلفور كما هو، وهو أمر عززه تقرير أمني وصل إلى الوزير البريطاني المقيم ريتشارد كايسي حول تصالح جماعة الهاغانا اليهودية مع العصابات الأخرى تمهيداً لتأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية.
هذا الأمر دفع بكايسي لتحذير لندن في عام 1943 من أن المنطقة مُقدمة على صراع عنيف لم تشهده من قبل بمجرد أن تنتهي الحرب العالمية، أو ربما بعد ذلك بأشهر قليلة.
سعى كايسي لتوحيد الجهود الأمريكية البريطانية للخروج ببيان موحد يؤكد رفض تبني خطة ديفيد بن غوريون لدولة أمر واقع، وهو أمر كاد أن يحصل لولا تلكؤ رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرتشل، ووزير خارجيته، أنتوني إيدن، اللذين لم يرغبا بذلك.
وبعد أن أقنع كل من الوزير البريطاني المقيم تشرشل وإيدن بضرورة إصدار بيان مشترك، جرى الاتفاق مع الأمريكيين على ذلك، وحُدّد يوم 27 تموز/ يوليو لذلك، لكن حماس مسؤولي البلدين خفت لحظة الإعلان المقرر، وضاعت جهود كايسي التي امتدت ستة أشهر سدى.
BETTMANN
كانت الولايات المتحدة تحاول أن تسد الفراغ الذي تركته بريطانيا في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الثانية
تداخل أحداث المنطقة
وكما كان الملك فاروق متيقناً في البداية من أن حكمه سيأتي إلى نهايته في لحظة ما قريباً، فإن بريطانيا بدت بدورها متحسبة لانتهاء الدور، مما أجج صراعها مع الولايات المتحدة، ودفع مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، وندل ولكي، للقول "إن الزمن الاستعماري أصبح من الماضي".
في تلك المرحلة بدت بريطانيا، بحسب الكتاب، كمن يصارع القدر لا سيما مع الترابط الذي بدا جلياً بين تأميم مصدق في إيران للنفط في العام 1951 وطلبه خروج الموظفين البريطانيين من ميناء عابدان الإيراني، وتحرك البرلمان المصري لتعديل اتفاقية 1936، حيث عبّر تشرشل عن الوضع بالقول إن أزمة السويس هي "لقيطة الحالة الإيرانية".
في فصل تحت عنوان "التخلص من عبد الناصر" يوصّف بار حالة الحنق التي وصل إليها رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن إلى حد طلبه من الوزير أنتوني نوتينغ بصيغة واضحة اغتيال عبد الناصر لا مجرد عزله أو محاصرته.
ويشرح الكاتب أهمية قناة السويس بالنسبة لبريطانيا، حيث ينقل عن إيدن قوله عنها في العام 1929 "إنها حلقة وصل في الدفاع عن الإمبراطورية وبوابتها الخلفية"، ولذلك فإن خسارتها ستكون كارثة بالنسبة للبريطانيين، وهو ما كان بالنسبة لعبد الناصر هدفاً.
لكن عبد الناصر لم يكن خصماً للبريطانيين فقط، بل للكثيرين من جيرانه العرب، يروي الكتاب كيف نصح رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد نظيره البريطاني إيدن خلال زيارة إلى 10 دواننغ ستريت في لندن بضرب عبد الناصر. قال السعيد: "اضربه، اضربه بقوة الآن وإلا سيفوت الأوان، وعندما يصبح وحيداً سيجهز علينا جميعاً".
لكن نوري السعيد لن يطيل المكوث، إذ إن ضابطاً في الجيش العراقي، هو عبد الكريم قاسم، سيطيح به وبالنظام الملكي في انقلاب عسكري في 14 يوليو/تموز 1958. وبحسب بار فإن هذا الانقلاب شكل أيضاً ضربة أخرى للندن بعد تأميم قناة السويس قبل عامين.
RONALD STARTUP
التقى عبد الناصر بضباط المخابرات المركزية الأمريكية في منزله
يستعرض الكتاب أيضاً محاولة انقلاب سعودية فاشلة في سوريا ضد عبد الناصر، كانت واشنطن قد حذرت الرياض من مخاطرها. يروي بار في فصل بعنوان "عام الثورات" كيف أن وزير داخلية الجمهورية العربية المتحدة، عبد الحميد السرّاج، كشف لعبد الناصر تلقيه مليوني جنيه إسترليني مقابل تنفيذه انقلاباً على الوحدة المصرية السورية، مع وعد بدفع مليونين إضافيين في حال إغتيال عبد الناصر.
وفي واشنطن كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتحدث بأسف عن تحذيره للسعوديين، خاصة وأن المحاولة شكّلت ضربة لواشنطن التي تأثرت بشكل سلبي بحكم علاقتها مع الرياض، وهو الأمر الذي أدى لاحقاً إلى تقدم ولي العهد، الأمير فيصل، لتولي أمور البلاد.
يختم الكاتب في هذا الإطار: "بحلول 1959، كانت وظيفة (الملك) سعود تقتصر على توزيع المساعدات، وتوقيع أوراق الإعدام، وبعض الأوراق الرسمية الأخرى".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رسوم أمريكية جديدة تهدد كندا وسويسرا
رسوم أمريكية جديدة تهدد كندا وسويسرا

عبّر

timeمنذ 10 ساعات

  • عبّر

رسوم أمريكية جديدة تهدد كندا وسويسرا

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس أمرا تنفيذيا يحدد قيمة الرسوم الجمركية الجديدة التي ستطال منتجات عشرات الدول، مثيرا بلبلة في النظام الاقتصادي العالمي بهذه الحواجز التجارية التي ستكون لها الوطأة الأشد على كندا وسويسرا. وبعدما كانت تخشى نسبا أعلى، تلقت بعض الدول الآسيوية بارتياح الجمعة هذه الرسوم الجديدة التي تضاف إلى النسب المفروضة عليها قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وحدد البيت الأبيض الطامح إلى 'إعادة هيكلة التجارة العالمية لما يعود بالنفع على العمال الأميركيين'، مهلة لبضعة أيام قبل أن تدخل الرسوم الجديدة على الواردات حيز التنفيذ في السابع من آب/أغسطس، وليس في الأول منه كما كان متوقعا بالأساس، للسماح للجمارك بتنظيم عمليات الجباية، على ما أوضح مسؤول في البيت الأبيض للصحافة. ورغم الارتياح، تراجعت البورصات الآسيوية الجمعة بعد صدور هذه الرسوم. وحذر الخبراء بأن التعرفات الجديدة تهدد بكبح المبادلات التجارية وزيادة التكاليف على الشركات ورفع الأسعار على المستهلكين والتسبب بتباطؤ الاقتصاد العالمي. وعلقت ويندي كاتلر نائب رئيس معهد 'ايجيا سوسايتي بوليسي' بالقول 'لا شك أن الأمر التنفيذي والاتفاقيات ذات العلاقة التي أبرمت في الأشهر الأخيرة تخرج عن قواعد التجارة التي حكمت المبادلات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية'. وأضافت 'يبقى السؤال مطروحا عما إذا كان بوسع شركائنا الحفاظ عليها بدون الولايات المتحدة'. وبالنسبة لبعض الدول التي توصلت إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة، فستسري عليها بموجب المرسوم التعرفات التي تم الاتفاق عليها بعد أشهر من مفاوضات سعت خلالها واشنطن لانتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات بدون التعرض لتدابير مقابلة على الصادرات الأميركية. وفي هذا السياق، حددت الرسوم بمستوى 15% على منتجات الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية و10% على منتجات المملكة المتحدة. كما حصل الاتحاد الأوروبي على إعفاء من الرسوم لقطاعات اساسية.

مبادرة فرنسية – سعودية للأمم المتحدة تهدف لإيقاظ المجتمع الدولي
مبادرة فرنسية – سعودية للأمم المتحدة تهدف لإيقاظ المجتمع الدولي

كواليس اليوم

timeمنذ يوم واحد

  • كواليس اليوم

مبادرة فرنسية – سعودية للأمم المتحدة تهدف لإيقاظ المجتمع الدولي

أعاد هجوم حماس الوحشي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب الإنتقام المروعة التي شنتها إسرائيل إلى إشعال فتيل الدعوة إلى حلّ الدولتين. أُشيد بالمبادرة الفرنسية – السعودية المشتركة للأمم المتحدة لدعم حلّ الدولتين على أمل أن تُوقظ المجتمع الدولي وتُنهي هذا الصراع الأكثر تدميراً والأطول أمداً منذ الحرب العالمية الثانية. تعتزم الأمم المتحدة عقد مؤتمر لتعزيز حلّ الدولتين في فلسطين برئاسة مشتركة من فرنسا والمملكة العربية السعودية. ومن المقرّر عقد المؤتمر الذي دعت إليه الجمعية العامة في ديسمبر/كانون الأول 2024 يومي 28 و29 يوليو/تموز في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وبغض النظر عن النتيجة، لا أجد مؤتمراً للأمم المتحدة أهم من هذا الموضوع الحيوي الذي بليت به إسرائيل والفلسطينيين لما يقرب من ثمانية عقود. لكن ما يُثير الحيرة هو أن إدارة ترامب تُثني حكومات العالم عن حضور المؤتمر. ينص التحذير الدبلوماسي الذي أُرسل يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران على أن الدول التي تتخذ 'إجراءات معادية لإسرائيل' عقب المؤتمر ستُعتبر متعارضة مع مصالح السياسة الخارجية الأمريكية وقد تواجه عواقب دبلوماسية من واشنطن. وتكمن المفارقة هنا في أنه عندما كشف ترامب عن خطة إدارته للسلام في الشرق الأوسط في البيت الأبيض في 28 يناير/كانون الثاني 2020، فقد أيد صراحةً حل الدولتين، قائلاً: 'رؤيتي تُقدم فرصة مربحة للجانبين، حلاً واقعيًا قائمًا على دولتين يُعالج خطر إقامة دولة فلسطينية على أمن إسرائيل'. ينبغي على ترامب الذي يُفترض أنه يهتم بالأمن القومي لإسرائيل واستمرارية بقائها كدولة مستقلة أن يعلم، كما أثبت الزمن مرارًا وتكرارًا، أن أمن إسرائيل النهائي يكمن في إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. فبدلاً من تشجيع فرنسا والمملكة العربية السعودية على مبادرتهما والإشادة بهما، فإن تحذيره الدبلوماسي مُشين لأنه لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع لعقود قادمة على حساب كلا الجانبين. كان من غير المعقول أن يُوجّه هذا التهديد المُحيّر للدول التي ستدعم القرار، لا سيما في ظلّ الحرب المروعة الدائرة في غزة، والتي أثبتت أن الوضع الراهن لم يكن ولن يكون مستدامًا. سيزداد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني تعقيدًا وفتكا وسيُتوّج من جديد بعنفٍ سيُلقي بظلاله حتى على الحرب الكارثية الحالية في غزة، مُسببًا موتًا ودمارًا لا يُحصى من كلا الجانبين. غالبا ً ما تُوقظ أي أزمة بهذا الحجم الناس على واقعهم المُرّ، مُثيرةً تساؤلًا حول كيفية تغيير الديناميكية لإنهاء صراع مُتفشٍّ كهذا، والبحث عن انفراجة من الإنهيار الوشيك غير المسبوق الذي عجّلت به حرب إسرائيل وحماس. علاوة على ذلك، فإن دراسة تاريخ الصراع، مع الأخذ في الإعتبار الحالة النفسية للشعبين، ومطالباتهما الراسخة بالأرض نفسها، وما حدث على مر السنين، قد أثبتت بشكل لا لبس فيه أن وجود دولتين مستقلتين فقط يُتيح حلًا عمليًا ومستدامًا. وهكذا، فقد ثبت خطأ من نعوا حلّ الدولتين خطأً ذريعاً. ولم تصمد الخيارات الأخرى التي طُرحت أمام التدقيق. عدم استدامة الوضع الراهن يزداد الوضع الراهن صعوبةً، كما تُظهر الحرب الحالية وتصاعد العنف في الضفة الغربية بجلاء. فقد أظهرت قرابة ستة عقود من الإحتلال اتسمت بالعنف والإنتفاضات والإرهاب والتوغلات المتكررة في غزة، والتي بلغت ذروتها في الحرب بين إسرائيل وحماس، أن هذا الإحتلال غير قابل للإستمرار. علاوة على ذلك، أدى الحفاظ على الوضع الراهن إلى خلق واقع دولة واحدة بحكم الأمر الواقع. وقد قاوم الفلسطينيون بشدة، ولا يزالون يقاومون، لأنه خلق نظام فصل عنصري بحكم الأمر الواقع، حيث يُحكم اليهود الإسرائيليون في الضفة الغربية بالقانون المدني، بينما يُحكم الفلسطينيون بالأحكام العرفية. دولة ديمقراطية واحدة يرحب الفلسطينيون بدولة ديمقراطية واحدة، إذ يمكنهم، في انتخابات حرة ونزيهة تشكيل أغلبية قريبًا، وربما حكم إسرائيل. يوجد ما يقرب من 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية و2.1 مليون في غزة ومليونان في إسرائيل نفسها، أي ما مجموعه أكثر من 7 ملايين، وهو ما يعادل تقريبًا عدد السكان اليهود الإسرائيليين. هذا من شأنه أن يقوّض أسس إسرائيل كدولة يهودية، وهو أمر مرفوض رفضًا قاطعًا من جميع الإسرائيليين تقريبًا بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. كيان فلسطيني مستقل هناك خيار آخر يتمثل في إنشاء كيان فلسطيني مستقل في الضفة الغربية وغزة، يشمل المنطقتين 'أ' و'ب'، و80 إلى 90% من المنطقة 'ج'، وغزة. سيكون هذا الكيان منزوع السلاح، لكنه يحافظ على الأمن الداخلي بالتعاون مع إسرائيل، مما يُنهي الإحتلال نظريًا. من جانبها ترفض إسرائيل التخلي عن السيطرة الأمنية الشاملة خوفًا على سلامتها. وقد واصل الفلسطينيون رفضهم القاطع لهذا الخيار، لأنه سيُنتزع حقهم في إقامة دولة. حلّ الدولتين يبقى حلّ الدولتين – دولتان مستقلتان تتعايشان بسلام وتحترمان سيادة وحقوق كل منهما الأخرى – الخيار الوحيد القابل للتطبيق. وبالنظر إلى التداخل السكاني في الضفة الغربية والواقع المتغيّر منذ عام 1967، فإن التعاون الأمني والإقتصادي الوثيق شرطان أساسيان لسلام مستدام. يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين تقبّل حقيقة أن تعايشهم لا رجعة فيه. أمامهم خياران فقط: إما أن ينموا ويزدهروا ويعيشوا بسلام معًا، أو أن يستمروا في دوامة العنف لعقود قادمة. الخيار لهم – إما أن يورثوا الحياة أو الموت للأجيال القادمة. للأسف، سيستمر الإسرائيليون والفلسطينيون في المعاناة ودفع ثمن باهظ من الدماء والأموال ما دام نتنياهو أو أي شخص آخر من أمثاله في السلطة. لقد تعهد بعدم السماح أبدًا بإقامة دولة فلسطينية في عهده، وهو الآن يستغل الحرب في غزة ليدفن نهائيًا أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر سيفلت منه مهما حاول. والأسوأ من ذلك، أنه لم يتوصل إلى أي حل مقبول للطرفين لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. يستطيع ترامب من ناحية أخرى استخدام نفوذه لتغيير ديناميكية الصراع وجذب الإسرائيليين الذين يثقون به وشرح لماذا يوفر لهم حلّ الدولتين وحده الأمن القومي النهائي. يمكنه كبح جماح نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة، ووضع استراتيجية للخروج والتحرك نحو إيجاد مسار يؤدي، مع مرور الوقت، إلى إقامة دولة فلسطينية. وقد أبلغه السعوديون أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائيل ما لم يتم إرساء مثل هذا المسار الموثوق. وبدلاً من ذلك، اختار أن يُظهر لجمهوره، وخاصة الإنجيليين، اهتمامه البالغ بإسرائيل، بينما في الواقع يجعل إسرائيل أكثر ضعفًا وانعدامًا للأمن بترك الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يتفاقم دون نهاية تلوح في الأفق. والآن يهدّد بلا خجل بمعاقبة الدول التي ستدعم المبادرة الفرنسية – السعودية في الأمم المتحدة، بدلاً من تبنيها من كلّ قلبه. نتنياهو وترامب شخصان مضللان بشكل خطير، يُثير عجزهما وسوء فهمهما الحيرة لما يتطلبه إنهاء أطول صراع وأكثرها دموية منذ الحرب العالمية الثانية. ستكون دماء الإسرائيليين والفلسطينيين الذين سيستمرون في الموت في هذا الصراع لأجيال قادمة ملطخة بأيديهما. لا أقلل للحظة واحدة من مدى صعوبة، بل واستحالة، حلّ العديد من القضايا الخلافية بين إسرائيل والفلسطينيين والتوصل إلى اتفاق قائم على حل الدولتين. ومع ذلك، في غياب أي خيار آخر قابل للتطبيق ليس أمامهما خيار سوى التوقف عند حد ّمعين وتقديم التنازلات اللازمة، بغض النظر عن المدة التي قد يستغرقها التوصل إلى اتفاق. أُشيد بالمبادرة الفرنسية – السعودية لمحاولتها إحياء آفاق حلّ الدولتين، لا سيما في أعقاب الحرب المروّعة في غزة. لقد أثبتت الحرب أنه طالما مُنع الفلسطينيون من إقامة دولة خاصة بهم، سيستمر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني العنيف في الإشتعال، ولن يورث للأجيال القادمة سوى الموت والدمار.

إسرائيل والغضب العالمي
إسرائيل والغضب العالمي

المغرب اليوم

timeمنذ 3 أيام

  • المغرب اليوم

إسرائيل والغضب العالمي

حين ترى «جلد» أي إسرائيلي يجرؤ على الظهور في الإعلام الغربي يُحاول أن يبرر ما تقوم به حكومته، يقابله عجز وإفلاس في القدرة على الدفاع والرد، ويستمر الجلد الفاخر على جميع القنوات بكل توجهاتها وخطوطها السياسية، بما فيها التي كانت بيتاً للصهيونية فيما مضى، فاعلم أن الرصيد الضخم الذي تم تجميعه طوال الأعوام السابقة من التعاطف انتهى. ثمانون عاماً احتفظ اليهود الغربيون، سواء الأوروبيون منهم أو الأميركيون، برصيد «تعاطفي» دولي حماهم طوال الفترة السابقة وأعطاهم الحق في أي رد فعل للدفاع عن أنفسهم، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م وهم يحصدون التعاطف باعتبارهم ضحايا للاضطهاد الإثني وحملات التطهير والإبادة التي جرت في أوروبا، وجمعوا رصيداً تعاطفياً كبيراً جداً من جريمة الهولوكوست التي ذهب ضحيتها 6 ملايين يهودي أُحرقوا على يد النازيين الألمان. الرصيد جُمع بشكل مدروس وممنهج، ولم يكن مجرد اجتهادات فردية، بل يقف وراء حجم الرصيد أذكى العقول وأغناها في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا، والحق يقال فإن معاناتهم لا يمكن لأي بشر أن يقلل من شأنها، فنحن هنا نتحدث بمقاييس إنسانية صرفة، إنما كانت الصهيونية العالمية منظمة وممنهجة بشكل يُدرس وتحوّلت إلى أنموذج تتعلم منه الأقليات ومضرب للمثل، وعلى قدر من الذكاء ودرجة عالية من المهنية، أحسنوا توظيف معاناتهم كي تشكل لهم فيما بعد مظلةً تحميهم وتكفيهم طوال السنوات الماضية منذ أسسوا دولة إسرائيل إلى اليوم. كان الرصيد كافياً للتبرير، ولمنح العذر والتغطية على كل ما ارتكبوه من بداية الاحتلال 1948م إلى يومنا هذا، خصوصاً أنَّ تعبئة الرصيد عملية ظلت مستمرة بلا توقف طوال تلك الفترة مستغلةً كل ما يمكن استغلاله، بما فيها القصور المهني العربي الذي لم يعرف كيف يخترق الحاجز، ويكشف انتهازية وسوء استغلال الصهيونية للمعاناة الإنسانية لليهود. سخّرت التنظيمات الصهيونية إمكانات هائلةً حوّلت الرصيد إلى فائض سمح لها بتهديد من يسائلهم أو يتجرأ أن يتعاطف مع الفلسطينيين. إنما وهنا المفاجأة تم استنزاف الرصيد بسرعة فائقة لم يكن أحدٌ يتصور أن رصيداً تم تجميعه في ثمانين عاماً تم استنوافه خلال عامين فقط، منذ أن بدأ نتنياهو انتقامه المشروع في نظر العالم لما حدث في السابع من أكتوبر, ومنذ اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي جميع قلاع وحصون وسدود وأسوار الصهيونية التي حجبت ولثمانين عاماً ما كانت إسرائيل ترتكبه من مجازر. اليوم جرد نتنياهو واليمين الإسرائيلي جميع الإسرائيليين، مدنيين وإعلاميين وعسكريين، من غطائهم المالي فعلياً ومعنوياً، ليس هناك رصيد تعاطفي يمكن أن ينقذ الإسرائيليين من غضب عالمي لم يسبق له مثيل، حتى التهديد بمعادة السامية انتهى رصيده وأفلس. ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى ببث مباشر من الداخل من مشاهد يبين حجم الفظائع المروعة من تجويع وقتل وحشي طغى على كل رصيد حتى رصيد الهولوكوست، وهو الأكبر. أي مدافع عن إسرائيل اليوم يسمع هذه العبارة: رصيدك غير كافٍ لتبرير جرائمك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store