
تحليل: عملية بيت حانون تفوق استخباري كشفّ هشاشة الاحتلال وفشل مفهوم "السيطرة"
بيت حانون تلك البلدة الفلسطينية الواقعة في خاصرة شمالي قطاع غزة، لطالما تحوّلت إلى ساحة اشتباك وميدان ناري معقد يحصد أرواح جنود الاحتلال الإسرائيلي، عبر عمليات القنص والكمائن والعبوات الناسفة، التي باتت تشكل تهديدًا قاتلًا لهؤلاء الجنود.
ففي مشهد وُصف بأنه "الأخطر والأصعب" منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، قُتل خمسة جنود وأصيب 14 آخرون، بينهم 2 بحالة خطرة في كمين مركب وقع ببيت حانون مساء الاثنين.
"كمين بيت حانون" لم يكن حدثًا عابرًا، بل شكّل تحولًا نوعيًا في مسار المواجهة، وتفوقًا استخباراتيًا ومهارة عالية في التمويه والتوقيت، أثبت أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تُدير المعركة على أرضها بقواعدها، لا قواعد الاحتلال. وفق ما يرى محللون ومختصون
وحسب إذاعة جيش الاحتلال فإن المنطقة التي وقع فيها كمين بيت حانون يسيطر عليها الجيش منذ أشهر واجتاحها أكثر من 6 مرات.
وعن تفاصيل العملية، قالت الإذاعة إن مقاتلي حماس زرعوا عبوات ناسفة ضد الأفراد في المنطقة، انفجرت في قوة راجلة من كتيبة "نيتسخ يهودا" فقُتل 5 جنود وأصيب عدد آخر.
وأشارت إلى أن قوة الإنقاذ التي حضرت إلى المكان تعرضت لهجوم بالصواريخ والرشاشات فوقعت المزيد من الإصابات.
ضربة مركبة
الباحث المختص في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة يرى أن عملية بيت حانون ليس مجرد كمين ميداني، بل هي ضربة مركبة مدروسة بعناية على المستوى التكتيكي وتوقيتها.
ويوضح أبو زبيدة في حديث خاص لوكالة "صفا"، أن العملية تأتي تزامنًا مع المفاوضات الجارية في الدوحة، وتحمل رسالة واضحة أن المقاومة لا تفاوض من موقع ضعف، بل من عمق الاشتباك والنار، ومن خلال التصدي للاحتلال.
ومن وجهة نظره، فإن المقاومة اختارت توقيت العملية بعناية، بعد أشهر طويلة من المعارك المتواصلة، وبعد أن ظنّ الاحتلال أنه استطاع استنزاف قدرات المقاومة والحد منها.
ويضيف أن "المقاومة فاجأت الاحتلال بكمين قاتل أدى لمقتل خمسة من جنوده، وإصابة آخرين، بينهم ضابط كبير، في منطقةٍ يُفترض أنها تقع تحت سيطرته".
وتُعيد العملية، وفقًا للباحث أبو زبيدة، تشكيل ميزان المبادرة، وتُؤكد أن الاحتلال ليس من يمتلك اليد العليا العسكرية، بل يُواصل دفع الثمن كلما توغّل أكثر في القطاع.
ويشير إلى أن بيت حانون تعرضت لعشرات الاجتياحات الإسرائيلية منذ بدء العدوان على القطاع، وأعلن الاحتلال مرارًا أنه يسيطر عليها، لكن رغم ذلك، نجحت كتائب القسام في زرع عبوات ناسفة ونصب كمين ناري واستهداف قوات الإنقاذ بهذه الجرأة العالية.
وهذا يعني أن "مفهوم السيطرة لدى جيش الاحتلال هو وهم ودعائي لا أكثر، فالاحتلال قد يتمتد فوق الأرض، لكن المقاومة تحتفظ بالأرض والزمن في يدها".
وباتت بيت حانون، يؤكد أبو زبيدة، تشكل نموذجًا لفشل المفهوم العسكري الإسرائيلي الذي يعتمد على القصف والتجريف والسيطرة، دون أن يُدرك الاحتلال أن من يملك الأرض هو من يستطيع تحويلها إلى فخاخ وكمائن بأي لحظة.
ويؤكد أن ما يُبقي المقاومة صامدة بعد أشهر طويلة من الحرب غير المسبوقة، هو امتزاج الإرادة بالعقيدة، والتكتيك بالمرونة، وقدرة البنية التحتية على الصمود وارتباطها بالروح القتالية لدى المقاتلين.
ويعتقد أبو زبيدة أن "المقاومة تعتمد على شبكة أنفاق ما تزال تعمل، رُغم كل محاولات التدمير الإسرائيلي، نظام عبوات وكمائن متجدد وفعال، فهي تمتلك مقاتلين مدربين على القتال في أصعب الظروف.
ويتابع "واضح أن هناك قدرة مرنة لدى المقاومة على السيطرة وضبط الأمور لديها، وهي تُقاتل بذكاء لا بعدد الجنود ولا بحجم التسليح، وهي بذلك تُعيد تعريف الحرب من معركة كسر حضن إلى معركة إرادة واستنزاف وإرباك دائم".
دلالات وتداعيات
وعن دلالات عملية بيت حانون وتداعياتها، يرى المختص في الشأن العسكري أن العملية أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع الميداني لجيش الاحتلال، وفتحت تساؤلات مؤلمة في الداخل الإسرائيلي مفادها "كيف يُقتل خمسة جنود في منطقةٍ يُفترض أنه يسيطر عليها؟، ولماذا يُكرر الجيش نفس الأخطاء في كل محور بغزة؟، وإلى متى تستمر الحرب دون نهاية واضحة؟".
وحسب أبو زبيدة، فإن "العملية ستعزز الصغط على حكومة الاحتلال كي تتقدم في صفقة التبادل، لأن الخسائر البشرية المتكررة ترفع كُلفة الاستمرار في الحرب، وتِضعف الموقف التفاوضي الإسرائيلي".
ومن وجهة نظره، فإن عملية بيت حانون ليست ضربة تكتيكية صغيرة، بل تحمل رسائل مفادها أن "المقاومة ما زالت تمتلك الأرض وتُسدد الضربات، من خلال المباغتة والقدرة على مواصلة المعركة بالزخم المتصاعد، وأن الاحتلال مهما أوغّل في التدمير يبقى هدفًا متحركًا في مرمى الكمين القادم للمقاومة".
فشل عسكري
وأما الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا فيرى أن عملية بيت حانون شكلّت رسالة استراتيجية قاسية تُؤكد فشل سياسة الحسم العسكري، وتعكس قدرة المقاومة على إدارة معركة استنزاف ذكية، تُربك الاحتلال في التوقيت والميدان والتفاوض.
ويقول القرا إن العملية النوعية تمثل صفعة في التوقيت والمكان، وتأتي في لحظة حرجة سياسيًا وعسكريًا، وتحمل دلالات عميقة على أكثر من صعيد.
وأبرز هذه الدلالات، أولها أنه يمثل صفعة في واشنطن، حيث يتزامن مع وجود نتنياهو في واشنطن، في زيارة مفصلية تتعلق بمستقبل الحرب وصفقة التبادل، لتأتي الضربة من غزة وتحرجه أمام حلفائه، وعلى رأسهم إدارة ترمب، وتؤكد أن المقاومة ما زالت تملك أوراق القوة.
والدلالة الثانية، تتمثل في استمرارية الفعل المقاوم، إذ جاء الهجوم بعد أيام من عملية مركبة في خان يونس، ليؤكد أن المقاومة ما زالت قادرة على التخطيط والتنفيذ من النقطة صفر، رغم مرور عام وتسعة أشهر على الحرب.
وأما الدلالة الثالثة، تكمن في فضح الرواية الإسرائيلية بعدما ادّعى الاحتلال أنه "مسح" بيت حانون عن الخارطة، لكن العملية من قلبها أثبتت زيف هذا الادعاء، وكشفت عن عجز استخباراتي وميداني كبير.
وحسب القرا، فإن العملية تأتي في ظل شرخ متصاعد بين رئيس الأركان ونتنياهو و"الكابينت"، ما يزيد الضغط على المؤسسة السياسية، ويبرز تآكل الثقة بين الجانبين.
ويوضح أن العملية دليل على فشل عملية "عربات جدعون"، وكشفت هشاشة هذه المنظومة المتطورة، التي عجزت عن رصد التحركات أو منع تنفيذ الهجوم، ما يمثل انتكاسة أمنية جديدة.
ويتابع أن "العملية شكلّت ضربة لمشروع المنطقة العازلة، والتي تحدث وزير الجيش كاتس قبل ساعات فقط عن إقامتها شمال غزة، لكن عملية بيت حانون نسفت هذا الطرح، وأكدت أن اليد الطولى ما زالت للمقاومة".
صدمة مزدوجة
وأما الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة فقال: إن "العملية تسببت في حالة صمت ثقيل داخل المؤسسات العسكرية في تل أبيب، وأعادت إشعال الخلافات بين رئيس الأركان إيال زامير ووزراء اليمين، الذين يتبادلون الاتهامات حول الفشل المتكرر في غزة".
وأشار إلى أن العملية خرجت من بين الركام والدمار في شمال غزة، وأحدثت صدمة مزدوجة داخل أوساط جيش الاحتلال ودوائر صنع القرار.
وأضاف أن نتنياهو كان في واشنطن يحاول إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدعم إضافي لمواصلة الحرب، بزعم أن النصر بات وشيكًا، لكن جاءت العملية لتُطيح بتلك السردية وتُظهر أن المقاومة لا تزال تملك المبادرة وتتحكم بالميدان.
واعتبر أن الرسالة الأهم من العملية هي أن "لا مفاوضات تمر بينما غزة تحترق وحدها، ولا حرب بلا كلفة"، مؤكدًا أن غزة لا تزال ترسم معادلاتها بالدم والمفاجآت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة خبر
منذ 6 ساعات
- وكالة خبر
الاتفاق قد يبرم نهاية الأسبوع..وموراج نقطة الخلاف وترامب يمارس ضغوطات شديدة على نتيناهو
صرح مصدر في الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن بأن إمكانية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بحلول نهاية الأسبوع ممكنة. وأوضح أن الخلاف الرئيسي يدور حول انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وتحديدا محور موراج . وسيلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الليلة (الثلاثاء) للمرة الثانية في أقل من يوم في البيت الأبيض، وسينصبّ تركيز اللقاء هذه المرة على غزة. وقال ترامب: "سنتحدث بشكل شبه حصري عن غزة. علينا إيجاد حل لها. غزة مأساة. هو يريد حلها، وأنا أريد حلها، وأعتقد أن الطرف الآخر يريد حلها أيضًا". تأتي تصريحات الرئيس في الوقت الذي يجتمع فيه فريقا التفاوض الإسرائيلي وحماس في الدوحة، سعياً للتوصل إلى اتفاق. ويدعو الإطار الذي يناقشه الطرفان إلى وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً، والإفراج عن نصف الأسرى الذين يُعتبرون على قيد الحياة (10) على مرحلتين - ثمانية في اليوم الأول واثنان آخران في اليوم الخمسين؛ وإعادة 18 أسيراً على ثلاث مراحل؛ والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من السجون؛ وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة. وسيكون الرئيس ترامب ضامناً للمفاوضات لإنهاء الحرب. وأفادت شبكة سكاي نيوز البريطانية، نقلاً عن مصدرين مطلعين على مفاوضات وقف إطلاق النار، أن ترامب يعتزم ممارسة ضغوط "كثيفة" على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة. وقال مصدر أمريكي: "بدأ الضغط الأمريكي على إسرائيل، والليلة سيكون شديداً". كما أكد مصدر دبلوماسي شرق أوسطي، نقلاً عن سكاي نيوز، أن الضغط الأمريكي سيكون قوياً. ووفقًا لمصدر في الوفد الإسرائيلي، فإن الخلاف الرئيسي يتعلق بانسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من قطاع غزة. وأفادت قناة الحدث السعودية أن ما يُسمى بنقطة الخلاف "الرئيسية" هو نية إسرائيل البقاء في محور موراج والمنطقة الواقعة جنوبه. يقع محور موراج جنوب خان يونس، ويحيط فعليًا بمدينة رفح المدمرة، الواقعة جنوب قطاع غزة، قرب الحدود مع مصر. وجنوب محور موراج، على أنقاض رفح، أعلنت إسرائيل أمس نيتها إنشاء "مدينة إنسانية" - مجمع مدني كبير يهدف إلى تجميع سكان غزة وفصلهم عن حماس. وفي ظل هذه الخطة، أعلنت إسرائيل أن هدفها هو إبقاء محور موراج تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي في جميع الأحوال.


فلسطين الآن
منذ 8 ساعات
- فلسطين الآن
حيرة وسجالات في "إسرائيل" عقب مقتل 5 جنود في كمين شمال القطاع
غزة-فلسطين الآن يثير مقتل 5 جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي، معظمهم من كتيبة "نيتسح يهودا"، وإصابة 14 في كمين عبوات ناسفة وإطلاق نار في بيت حانون في قطاع غزة، الليلة الماضية (الاثنين- الثلاثاء)، حيرة كبيرة في دولة الاحتلال، لأنّه وقع في منطقة يسيطر عليها جيش الاحتلال، فضلاً عن سجالات ونقاشات وانتقادات، خاصّة بعد تكشُّف المزيد من التفاصيل حول ما حدث. وذكرت التحقيقات الأولية لجيش الاحتلال أن الكمين وقع خلال عملية عسكرية مشتركة بين لواءين ينفذها الجيش في بيت حانون شمال قطاع غزة، والتي جرى احتلالها مراراً وتكراراً خلال حرب الإبادة، وعمل فيها الجيش مرات عدّة بقوات كبيرة. وبدأ جيش الاحتلال، مساء السبت الماضي، هجوماً جديداً بمشاركة لواءين، هما اللواء الشمالي ولواء الاحتياط 646، بهدف "تطهير" المنطقة من المقاومين، بعد أن كانت بيت حانون محاصرة من كل الجهات. وجرى تنفيذ الكمين تقريباً عند الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت المحلي، أثناء عبور قوة من الكتيبة 97 (نيتسح يهودا)، لأحد المحاور مشياً على الأقدام كجزء من الهجوم. وفي غضون ذلك، جرى تفعيل عبوتين ناسفتين زرعتا في المكان، الواحدة تلو الأخرى، علماً أن جيش الاحتلال كان قد قصف المنطقة بهجمات جوية مكثفة في الأسابيع الأخيرة، ضمن عمليات تمهيد ناري، تحضيراً لهجوم القوات الراجلة. ورغم ذلك، انفجرت العبوتان الناسفتان بدقة أثناء مرور القوة. وتُرجّح تحقيقات جيش الاحتلال الأولية أن آلية التفجير كانت عن بُعد ضمن كمين. وأثناء إجلاء الجنود المصابين من مكان الانفجار، فتح مقاومون النار من كمين على قوات الإنقاذ العسكرية. وأصيب مزيد من الجنود، ما جعل عملية الإخلاء معقّدة وطويلة، وجرى إرسال قوات إنقاذ إضافية إلى المكان لإجلاء جميع الجرحى. وأشارت وسائل إعلام عبرية إلى أن كمين إطلاق النار بعد تفجير عبوات ناسفة هو أسلوب تكرر استخدامه مرات عدّة في الأسابيع الأخيرة من المقاومة الفلسطينية، في عمليات قام فيها عناصر حماس بزرع عبوات ضدّ القوات الإسرائيلية. واستخدم المقاومون نفس التكتيك في حالات سابقة، في الآونة الأخيرة، أدى أحدها إلى مقتل جندي، فيما أسفرت عبوة ناسفة استهدفت ناقلة جند مصفحة عن مقتل 7 جنود في القوات الهندسية في خانيونس، جنوبي القطاع. وذكرت إذاعة جيش الاحتلال، اليوم الثلاثاء، أن الكمين وقع في المنطقة العازلة في بيت حانون، على بُعد نحو كيلومتر واحد فقط من السياج الحدودي، وحوالى 3 كيلومترات من مستوطنة "سديروت". وأضافت أن هذه المنطقة في بيت حانون يسيطر عليها جيش الاحتلال على نحوٍ متواصل منذ حوالى عام ونصف العام، أي عملياً منذ بداية العملية البرية في القطاع، وحتى خلال فترات وقف إطلاق النار وصفقات تبادل المحتجزين والأسرى لم ينسحب الجيش منها. ولفتت إلى أن "هذا المعطى الجديد يثير التساؤل: كيف لا يمتلك الجيش الإسرائيلي قدرات جمع معلومات قوية في هذه المنطقة، بعدما نجحت خلية مسلحة في الوصول إلى المكان وزرع عبوات ناسفة، ضمّت 4 عبوات، وشملت آلية تفجير عن بُعد؟". 27 جندياً من أصل 38 قُتلوا بعبوات ناسفة ولفتت إذاعة الجيش إلى أنه، بحسب جميع قادة الاحتلال الكبار في غزة، فإن العبوات الناسفة تُعدّ التهديد الأول والأخطر على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع. وتظهر معطيات إسرائيلية نُشرت اليوم أن أكثر من 70% من القتلى في صفوف جيش الاحتلال خلال المناورة البرية في القطاع في الأشهر الأخيرة سقطوا نتيجة لانفجار عبوات ناسفة، إذ تسببت بمقتل 27 جندياً من أصل 38 منذ استئناف حرب الإبادة في القطاع في شهر مارس/ آذار الماضي. ويجري توظيف العبوات الناسفة أساساً من خلال نمطين مركزيين، وفقاً للإذاعة ذاتها، الأول هو كمائن عبوات مزروعة على المحاور والطرقات، والتي أودت بحياة 19 جندياً، والثاني هو مبانٍ مفخخة، والتي أسفرت عن مقتل 6 جنود. ويلاحظ جيش الاحتلال في الأسابيع الأخيرة، بحسب ذات الإذاعة العبرية، "تزايداً في جرأة مقاتلي حماس، وعلى عكس الماضي لم يعودوا يفرّون أو يزرعون العبوات الناسفة مسبقاً ويفجّرونها عن بُعد، بل يخرجون من الأنفاق ومن تحت الأنقاض، ويقاتلون، ويتركون أيضاً كمائن ويُطلقون منها النار، رغم إدراكهم أن ذلك يزيد من خطر انكشافهم"، وأضافت أنه "في بعض الحوادث التي أودت بحياة جنود في غزة في الأسابيع الأخيرة تميّزت بمسلحين لا يفرّون من المكان بعد الهجوم، بل يبقون ويواصلون الاشتباك، حتى مع قوات الإنقاذ، في محاولة لتعظيم الإنجاز من وجهة نظرهم. ومن الواضح أن التصوير جزء لا يتجزأ من ذلك، وهو يُعتبر قطعاً جزءاً من النجاح المطلوب من المقاتلين: إنتاج تصوير عالي الجودة، أحياناً من زوايا متعدّدة، للحادثة، حتى تتمكن حركة حماس من نشره لأغراض دعائية". بيت حانون تُرهق الاحتلال وفي ملاحظة أخرى، ذكرت إذاعة الجيش أن بيت حانون، البلدة الغزية التي تبعد أقل من 3 كيلومترات عن سديروت، سيطر عليها الجيش الإسرائيلي مراراً وتكراراً، إذ نُفذت فيها عشرات العمليات. وجرى احتلال بيت حانون عدداً لا يُحصى من المرات، في كل عملية نُفذت في العامين الأخيرين في شمال القطاع، إلّا أن أمرين حصلا في بيت حانون خلال هذين العامين، "في كل مرة انسحب الجيش الإسرائيلي من هناك، عاد المسلحون. وأيضاً، خلال العمليات والقتال في المنطقة، رصد الجيش أن حماس تعزّز وجودها هناك، على ما يبدو من خلال أنفاق تحت الأرض. وهكذا، رغم عمليات التطهير فوق سطح الأرض، كانت حماس تضخ المزيد من العناصر والوحدات من تحت الأرض. بهذه الطريقة، تمكّنت الحركة من الحفاظ على بيت حانون نقطة اشتباك نشطة ومتواصلة لفترة طويلة". وأثار مقتل الجنود الخمسة وإصابة 14 آخرين، جراح اثنين منهما على الأقل خطيرة، انتقادات من جهات إسرائيلية عدّة، بينها من المعارضة والحكومة. ووجه رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، أفيغدور ليبرمان، انتقاداً للحكومة في أعقاب ذلك، زاعماً أن الحكومة "تموّل حماس من أموال الجمهور (الإسرائيلي) عبر شاحنات محمّلة بما يسمى مساعدات، وترسل أفضل أبنائنا للقتال ضد إرهابيين معزّزين ومجهزين"، على حد زعمه. وانضم إلى الانتقادات كلٌّ من وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الذي طالب بـ"وقف حماقة إدخال المساعدات إلى العدو الذي يقاتل ويقتل قواتنا"، ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي أضاف: "يجب إعادة الوفد الذي خرج (أي إلى الدوحة) للتفاوض مع حماس".


فلسطين الآن
منذ 8 ساعات
- فلسطين الآن
لماذا يرتدي المقاومون "عباءة" في ميدان القتال؟
غزة-فلسطين الآن تعددت الكمائن التي نصبتها كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتعددت معها الوسائل التي تغلب بها عناصر المقاومة على تقنيات الرصد والاستهداف التي تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك ارتداء "عباءة" بدائية. وسبق أن ظهر رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس يحيى السنوار في أيامه الأخيرة قبل استشهاده مرتديًا "غطاءً" يخفي معالم الرأس والنصف العلوي من الجسد، وذلك حسب مقاطع الفيديو التي انتشرت له إبان اغتياله بغزة في أكتوبر/تشرين الأول 2024. ولم يكن ذلك "الغطاء" مجرد إجراء عابر، حسب ما قاله محللون عسكريون، بل كان جزءًا من تكتيك عسكري اعتمدته المقاومة في غزة مؤخرًا، بهدف إخفاء معالم الجسد وملامح الوجه، في مواجهة تطور أدوات الرصد والاغتيال الإسرائيلية. كما أن هذا التكتيك فتح بابا أمام التحليلات في الأوساط العسكرية، ولفت النظر إلى الأهداف التي جعلت عناصر حماس يلجؤون إليه، خاصة مع التطورات المتلاحقة لأدوات الذكاء الاصطناعي في الرصد والتحليل والمتابعة، وبعض هذه التحليلات تركّز على البعد التقني المتعلق بخداع أدوات الرصد، وبعضها الآخر تناول أبعاده الرمزية والنفسية. خداع الذكاء الاصطناعي من ذلك مثلا، ما قاله الخبير العسكري والإستراتيجي عقيد ركن نضال أبو زيد عن أن المقاومة باتت تدرك تمامًا حجم عمليات الاستطلاع والرقابة الجوية، ليس فقط من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا من أجهزة استخبارات دولية متعددة، وجميعها تمد الاحتلال الإسرائيلي بمعلومات دقيقة عبر تقنيات المراقبة الحديثة. وأشار أبو زيد إلى أن عمليات الاغتيال الأخيرة التي طالت قيادات بارزة استندت إلى معلومات مستخلصة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدواته، اعتمادًا على الطائرات المسيرة التي تملأ أجواء غزة والمنطقة. وأوضح أن "البرامج التي يستخدمها الاحتلال -مثل لافيندر- تعتمد على تحليل شكل الجسم وأبعاده (الطول والعرض)، بالإضافة إلى برامج أخرى ترصد حرارة الجسم وبصماته الحيوية". ومن ثم يذهب الخبير العسكري والإستراتيجي إلى أن لهذا الغطاء وظيفة أساسية؛ فهو يغير هيئة الجسم ويمنع تحديد أبعاده بدقة، وبالتالي يصعّب على الذكاء الاصطناعي رصد شخصية المقاوم ومكانه بالدقة المطلوبة، خاصة أن هذه البرمجيات تخزن البيانات التي تحصل عليها بغرض استخدامها لاحقًا في حال رُصد الشخص المتخفي في مناطق أخرى، حسب أبو زيد. التمويه والتخفي والتحليل السابق نفسه يذهب إليه العميد ركن حسن جوني، ويتفق معه في الأهداف التي تسعى عناصر المقاومة لتحقيقها من ارتداء هذه "العباءة"، مبينا أن إخفاء معالم الرأس والكتفين تزداد أهميته عندما نعلم أنها الأجزاء التي تعتمد عليها برمجيات الذكاء الاصطناعي في تحديد هويات الأشخاص عبر خوارزميات التشخيص الأوتوماتيكي. ويضيف جوني أن "اختيار الرداء يكون بدقة ليناسب بيئة الركام والدمار؛ فالتمويه هنا ضروري للغاية، كما يتم الاعتماد على أقمشة ذات ألوان باهتة غير عاكسة للضوء لتجنب رصدها بواسطة الأجهزة البصرية أو الكاميرات الحرارية". وأكد أن هذا الغطاء لا يرتدى كلباس عادي بل هو متحرك ومرن، ويمكن وضعه على الجسد أو استخدامه كغطاء أثناء الاختباء في الحفر أو تحت الركام. مشيرا إلى أن هناك أقمشة تكون مصممة لعزل البصمة الحرارية الخاصة بالجسد، بما يقلل احتمالية كشف المقاوم عبر المستشعرات الحرارية المستخدمة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. البعد الرمزي أما المحلل العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري فيلفت إلى أن هذا الرداء لا يكتسب دلالته من الجانب المادي فقط، بل يحمل أيضًا بُعدًا رمزيًا نفسيًا. مبينا أن هذا الغطاء حمل رمزية خاصة حين ارتداه الشهيد السنوار في نهاية حياته "وهو مقبل على مقاومة الاحتلال غير مدبر". ويرى الدويري أن المقاومين لجؤوا إلى هذه الوسائل البدائية لسببين: الأول رمزي، إذ أصبح هذا الرداء علامة إقدام وقدوة في التضحية، وأما الثاني فهو مادي بحت، يهدف إلى إخفاء قسمات الوجه وتغييب بصمة العين وملامح الجسد في ظل تصاعد استخدام الذكاء الاصطناعي من جانب جيش الاحتلال. وشنت إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 عدوانا شاملا على قطاع غزة، راح ضحيته نحو 58 ألف شهيد وتسبب في نحو 137 ألف إصابة، وآلاف من المفقودين تحت ركام منازلهم حسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة، فضلا عن تعرض أكثر من 2.3 مليون فلسطيني لحالة المجاعة حسب تقارير الأمم المتحدة.