
هل تمهد تصريحات ترامب الغامضة لاحتلال إسرائيل لغزة؟
غزة
، والسماح بدخول الفتات من المساعدات الإنسانية، وتصريحات الرئيس دونالد ترامب عن استنكاره "التخلي الإسرائيلي الخاطئ عن قطاع غزة من البداية"، وأنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو
"أن يفعل ما يراه مناسباً في القطاع"، وتصريحات السيناتور ليندسي غراهام أحد صقور الحروب في واشنطن، أمس بأن "إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين في الحرب العالمية الثانية"، مجرد كلمات عابرة، إذ تمثل حالة مشابهة للإجراءات التي جرت قبل الأيام الأخيرة للهجمات الأميركية على إيران، فهل تمهّد هذه الإجراءات لبدء احتلال إسرائيل لقطاع غزة بعد ما يقارب عامين من القتل والتدمير الكامل للقطاع؟
وقبل الضربات الأميركية العسكرية على إيران، طلب ترامب استسلاماً غير مشروط من طهران، كانت هذه الجملة هي المفتاح، لرغبة إدارة ترامب في استعادة ما يُطلق عليه "السلام من خلال القوة". فقبل أيام من هذه الهجمات وجه السفير الأميركي لدي إسرائيل مايك هاكابي رسالة إلى ترامب دعاه إلى أن يستمع إلى صوت السماء، واستحضر تجربة الرئيس هاري ترومان في تلميح إلى القرار الأميركي التاريخي آنذاك باستخدام السلاح النووي ضدّ اليابان، وهو نفس التلميح الذي أشار إليه السيناتور الأميركي ليندسي غراهام المقرب من ترامب، والذي ادعى أنه كان له دور في إقناع ترامب بضرب المواقع النووية في إيران في يونيو/حزيران الفائت.
ولدى السياسيين الجمهوريين الأميركيين هوس بنتائج الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتَين نوويتَين على مدينتَي
هيروشيما
وناغازاكي، ما أدى ليس لاستسلام اليابان فحسب وإنما "الخضوع التام" وإنهاء الحرب العالمية الثانية. كانت وفاة آلاف المدنيين في اليابان هي حجر الأساس في تثبيت الولايات المتحدة قدميها عالمياً إمبراطوريةً تتمدّد ببطء من أجل قيادة العالم. اليوم، وبينما تعاني الولايات المتحدة في ظل صعود هادئ للصين ومحاولات روسية للخروج من القمقم، يحرض عشرات الجمهوريين ترامب على فعل الأمر نفسه على أمل أن تتكرر النتيجة ذاتها بعد أن خاضت الولايات المتحدة حربين استمرتا عشرين عاماً ولم تكن نتائجهما على مستوى "إعادة الخضوع الكامل عالمياً"، لكن هذه المرة الهدف "غزة".
خرجت الولايات المتحدة من غزو العراق وأفغانستان، خالية الوفاض، فقد أنفقت ما يقارب 6 تريليونات دولار حسب التقديرات الأميركية، ولم تكن النتائج على المستوى الذي يؤدي لمزيد من الهيمنة العالمية، المتحققة بالفعل آنذاك، فغادرت أفغانستان في فترة الرئيس السابق جو بايدن بعد 20 عاماً من القتال، والبشر يتساقطون من الطائرات التي تحاول إنقاذ المتعاونين الأفغان، وتركت خلفها أسلحة ومعدات متقدمة استولت عليها حركة طالبان التي عادت للحكم (خاضت أميركا حربها هناك من أجل القضاء عليها)، أما حرب العراق فتسبب في شرق أوسط أكثر انقساماً وظهور تنظيم "داعش".
لا أحد يعرف ما يدور في عقل ترامب، لكن دلالات تصريحاته تشير إلى ما يُدبر بليل من أجل غزة، وتبدو هذه التصريحات حتّى هذه اللحظة مماثلة لما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية قبل ضرب إيران، كانت الضربة قوية للغاية بحيث ترضي غرور ترامب، وفي الوقت ذاته لا تسمح باشتعال حرب كبرى تخرج من خلالها الأمور عن السيطرة، أما في حالة غزة فسكانها بلا قوة تقريباً كما أن تجربة تجويعهم وقصفهم من إسرائيل وحصارهم وإبادتهم تجري بهدوء على مدار عامين كاملين وبمهادنة عالمية، فلا أحد يقدر على مواجهة الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل بالمال والسلاح والدبلوماسية والتصريحات والحماية حتّى لو كان ذلك على حساب جسد "حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية والشرعية والقوانين الدولية والأمم المتحدة".
أخبار
التحديثات الحية
ترامب: التعامل مع حماس أصبح صعباً وبحثت مع نتنياهو "خططاً مختلفة"
على مدار أشهر من المفاوضات لوقف إطلاق النار، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد "وقفاً كاملاً لإطلاق النار"، وأن الغاية الأولى لوقف "إطلاق النار المؤقت" هو إخراج المحتجزين الإسرائيليين في غزة دون أي اعتبار لعدد الفلسطينيين الذين يموتون يومياً. دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في عدوانها على المدنيين، ودافعت عنها دائماً في مجلس الأمن. ودمرت إسرائيل المستشفيات والمدارس والجامعات وقتلت الصحافيين والأطباء والمدنيين والنساء والأطفال، وارتكبت جرائم لم تُرتكب منذ الهولوكوست باعتراف مسؤولين أميركيين سابقين ويهود وقيادات ومؤسسات دولية، غير أن موقف الولايات المتحدة ظل ثابتاً وهو السماح لاسرائيل بأن تفعل ما يحلو لها، وهو ما عبر عنه الرئيس الأميركي ترامب الذي يزعم أنه زعيم السلام عالمياً والمتعطش لجائزة نوبل للسلام.
سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بنقض اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/ آزار الماضي، ثم منع دخول الطعام والدواء، وفي الوقت ذاته كانت تجري عسكرة المساعدات الإنسانية من خلال تأسيس المؤسّسة التي يطلق عليها "مؤسّسة غزة الإنسانية" ذراعاً لشركات مقاولين أمنيين بدعم أميركي إسرائيلي للتحكم في حياة الفلسطينيين والغذاء. كانت الحجة الأميركية الإسرائيلية المزعومة أن حركة حماس تسرق المساعدات الإنسانية، لكن ثبت من خلال تقارير حكومية أميركية وإسرائيلية عدم وجود أي أدلة على هذه المزاعم، في الوقت الذي تدافع فيه الولايات المتحدة عن المؤسّسة وتهاجم مؤسّسات ومنظمات أممية متخصّصة في تقديم المساعدات الإنسانية.
أحد أبرز هؤلاء الجمهوريين الذين يمكن مراقبة تصريحاتهم، والذي يحظي بثقة ترامب في ما يخص السياسات الخارجية رغم علاقتهما المضطربة على مدار السنوات، هو ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري المخضرم في الدعوة للحروب والتأييد المطلق للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، إذ كانت تغريداته على مدار الأشهر القليلة دليلاً على بوصلة ترامب في السياسات الخارجية. فبينما كانت الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران بخصوص برنامجها النووي، سمحت لإسرائيل -طبقاً لاعترافات ترامب نفسه- بالهجوم عليها وسط التفاوض. كان غراهام واحداً من أهم الداعمين لهجوم أميركي في هذه الأثناء على إيران، والداعمين لخطوات ترامب قبل أن يشير لاحقاً إلى معرفته باتجاهات الإدارة، فقد كانت كتاباته في يونيو/ حزيران الماضي تحمل دلالات كبيرة على الخطط الأميركية لـ"إنهاء المهمة في إيران" كما كتب هو بنفسه على صفحته.
كشف غراهام، في مقابلة عقب الهجمات الأميركية على إيران، أنه كان سبباً من أسباب الضربة الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، وأنه نجح في إقناع الرئيس ترامب، إذ قال "أحد الأمور التي كان يفكر فيها (ترامب) وتحدثت معه عنها، أنه إذا فعلت ذلك (الهجوم على إيران) فستصلح الضرر (على سمعة الولايات المتحدة عالمياً) الذي سببه انسحاب جو بايدن من أفغانستان... قامت إسرائيل بعمل رائع (الهجوم على إيران) لكن كنّا بحاجة إلى أن تكون لنا بصماتنا أيضاً، من مصلحة الأمن القومي أن نكون جزءاً من هذا".
دعا غراهام على مدار العامين الماضيين إلى تدمير غزة، ففي مايو/ آيار 2024 حرض في تصريحات له لشبكة إن بي سي الأميركية على قيام إسرائيل بضرب غزة من خلال قنبلة نووية، إذ زعم أنّ هناك مبرراً لها بتسوية القطاع بالأرض باستخدام سلاح نووي، مثلما فعلت الولايات المتحدة في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينيات، ووصف القرار الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية بأنه كان "القرار الصحيح" من الولايات المتحدة، وقال "أعطوا لإسرائيل القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب، فهي لا تستطيع تحمل خسارتها، واعملوا معها على تقليل الخسائر البشرية"، وهاجم المعارضين لفكرته قائلاً "لماذا من المقبول أن تسقط أميركا قنبلتَين نوييتَين لإنهاء حرب التهديد الوجودي. لماذا كان من المقبول لنا أن نفعل ذلك... اعتقد أنه كان جيداً".
هذه الأيام، أعاد غراهام طرح رؤيته بطريقة أخرى، لكن هذه المرة متنبئاً بما ستفعله إسرائيل، لكن هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع تصريحات متناقضة للرئيس ترامب تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وتشير إلى معاناة الفلسطينيين من مجاعة في غزة، وتعهده بمزيد من المساعدات الإنسانية (تجري عبر مؤسّسة غزة الإنسانية التي تدور حولها الشبهات)، وفي الوقت ذاته إلى إعلانه السماح لنتنياهو بفعل ما يحلو له في غزة، إذ ذكر غراهام في مقابلة أمس مع "إن بي سي نيوز"، أنه يعتقد أن إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين في الحرب العالمية الثانية، وقال غراهام "لا توجد وسيلة آمنة أمام إسرائيل للتفاوض على إنهاء الحرب مع حماس. إسرائيل ستتولى السيطرة على غزة. سيفعلون ما فعلناه في طوكيو وبرلين. الاستيلاء على المكان بالقوة والبدء من جديد وتقديم مستقبل أفضل للفلسطينين"، وأكمل قائلاً "أعتقد أن الرئيس ترامب توصل إلى هذا الاستنتاج، وبالتأكيد لا توجد طريقة يمكنك بها التفاوض على نهاية الحرب مع حماس".
بناء على تاريخ غراهام، لا يبدو أبداً أنه يذكر ذلك دون معلومة لديه سواء من إدارة ترامب أو إسرائيل أو استشارة أو رأي قدمه هو على سبيل النصيحة. يتوافق هذا التصريح مع الانسحاب الأميركي المفاجئ من المفاوضات لوقف إطلاق النار مع رفض إيقاف الحرب كلياً، وضرورة الإفراج عن المحتجزين في غزة، فضلاً عن تصريحات ترامب التي قال فيها "حماس تعرف ما سيحدث لها عقب الإفراج عن الرهائن لذا لا تريد وقف إطلاق النار"، وتصريحاته الأخرى بأنه "ترك القطاع من البداية كان خطأ"، ثم الحديث عن عن فتات "المساعدات"، ما يدفع إلى تساؤلات مفادها "هل يجري إلقاء القنابل والطعام في الوقت ذاته"، و"ما الذي يجري تدبيره لغزة".
اختبرت الولايات المتحدة على مدار الأشهر الماضية "فائض قوتها العسكرية" في إيران ونجحت التجربة نجاحاً ساحقاً، طبقاً للمعطيات الأميركية. اليوم يبدو أن واشنطن التي تقود مفاوضات منحازة فيها إلى إسرائيل حليفتها التي تتولى هي حمايتها ودعمها وتمثل ذراعها في المنطقة قد انتهت إلى اتخاذ قرار في غزة، يشابه ما حدث في الحرب العالمية الثانية لمزيد من فرض القوة والخضوع عالمياً، وهي الرؤية التي يسعى ترامب لفرضها عالمياً منذ وصوله وهي "الإخضاع التام إمّا بالقوة أو بالإذعان أو بالاقتصاد".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
عضو الكونغرس راندي فاين يواصل التجرد من الإنسانية ويدعو لاستمرار تجويع غزة
في تجرد عنصري تام من الإنسانية والمبادئ والقوانين الدولية، دعا عضو مجلس النواب الأميركي راندي فاين إلى "استمرار تجويع الفلسطينيين لحين الإفراج عن جميع الرهائن (المحتجزين الإسرائيليين في غزة)"، كما انتقد في تغريدة له على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" الصحف التي تنشر عن وفاة الأطفال من الجوع رغم تأكيدها من دول العالم الغربي بمن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، مهاجماً وسائل الإعلام الأميركية التي تنقل عن موت الأطفال من الجوع والعطش. ويبلغ عدد الفلسطينيين الذين يجري تجويعهم من الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة نحو مليوني شخص، بينما يبلغ عدد المحتجزين الإسرائيليين في القطاع عشرات الأشخاص فقط، ولا يمانع عضو الكونغرس في تجويع مليونَي شخص من أجل المحتجزين، فمن وجهة نظره حسب ما يشير في تغريداته "لا مانع من قتلهم حتى لو كانوا مدنيين وأبرياء وأطفال ونساء ورجال". وقتل الاحتلال الإسرائيلي على مدار الأسابيع الماضية أكثر من 1000 شخص مدني في طريقهم لمراكز المساعدات الإنسانية المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، كما قتل الاحتلال على مدار العامين الماضيين عشرات الآلاف من الأطفال والنساء ودمر المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، وكان فاين داعماً بصورة مستمر للإبادة الجماعية التي تجري على مرأى من العالم باعتراف المؤسّسات الدولية ومسؤولين أميركيين سابقين. أخبار التحديثات الحية تنديد في مجلس النواب الأميركي بـ"عنصرية" عضو جمهوري ضد إلهان عمر واتهم فاين في تغريدته الصحف التي تكتب عن حقيقة "تجويع الفلسطينيين في غزة" بأنها تنشر "الدعاية الإرهابية الإسلامية"، وقال وهو يشارك مقالاً لشبكة "إيه بي سي نيوز" نقلت فيه عن وزارة الصحة بغزة أنّ 15 شخصاً لقوا حتفهم من بينهم 4 أطفال بسبب المجاعة وسوء التغذية في آخر 24 ساعة الماضية: "هذه أكاذيب على أيّ حال". ولا تعد هذه المرة الأولى التي يشير فيها فاين بعنصرية فاضحة إلى الاستهانة بمجموعة من البشر لمجرد أنهم عرب مسلمون أو مسيحيون، فقد دعا في مايو/ آيار الماضي، إلى "ضرب قطاع غزة بالسلاح النووي"، واصفاً "القضية الفلسطينية" بأنها "شر مطلق"، وأن "الطريق الوحيد لإنهاء الصراع هو الاستسلام التام من أولئك الذين يدعمون الإرهاب الإسلامي"، ودعا فاين إلى أن يحدث في غزة مثل ما فعلت الولايات المتحدة الأميركية في اليابان في الحرب العالمية الثانية دون تفاوض، وتابع: "في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض مع النازيين ولا مع اليابانيين، بل استخدمنا القنابل النووية مرتين من أجل الحصول على استسلام غير مشروط، وهذا ما ينبغي أن يحدث هنا أيضاً". ولا يتورع فاين عن وصف أي مسلم أو رافض لآرائه المتطرفة بأنه إرهابي أو يدعم الإرهاب، وهو ما حدث أكثر من مرة مع مجموعات من أميركيين يهود ولادينيين وعرب طالبوا في جولات بالكونغرس بوقف دعم قتل المدنيين في غزة، كما وصف منافسه الأميركي الأبيض الذين نافسه على مقعده بالكونغرس في الانتخابات التي جرت في فلوريدا بـ"الجهادي" وأنه "يدعم الجهاد الإسلامي"، وشن هجوماً عليه على أساس ديانته التي اختارها (أسلم منذ بضع سنوات)، كما هاجم المواطنة الأميركية من أصول تركية عائشة نور التي قتلتها إسرائيل في فلسطين. لكن نفاق "فاين" الذي تجاوز الحدود وعنصريته الواضحة ودعوته لاستمرار حملة التجويع الحالية، دفعت منظمات صهيوينة داعمة له بالفعل لمحاولة التملص من دعمه علناً، فقد حذفت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك" اسمه من على موقعها ضمن قائمة أعضاء الكونغرس الذين يحصلون على دعمها، وذلك بعدما أثارت تغريداته الداعية لتجويع بشر مدنيين، انتقادات حادة من مختلف أطياف المجتمع ووصفه بالفاشية، كما أن اللجنة الأميركية اليهودية "AJC" التي تعد أكبر منظمة يهودية أميركية تدعم إسرائيل، علقت على تغريدته قائلة إن "التجويع سياسة خاطئة".


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
أسير إسرائيلي: جنودنا مكثوا أياما في نفس المنزل الذي احتجزتني فيه حماس.. دون أن يدركوا
في الأيام الأخيرة نشهد انهياراً للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة، لدرجة طريق مسدود في ثلاثة جوانب: مسألة المخطوفين، والجبهة العسكرية، وتوريد الغذاء إلى غزة. بالنسبة للمخطوفين، في قيادتنا – من رئيس الوزراء فنازلاً – الكل كان مقتنعاً بأن الصفقة في متناول اليد. صحيح أن هذا بعد حتى الآن، أو مثلما لخصه الرئيس ترامب أمس: 'حماس لن تحرر العشرين مخطوفاً المتبقين. هم يستخدمونهم كدرع'. الجبهة العسكرية تجاه غزة عالقة هي الأخرى. صحيح أن قواتنا تضرب بنى حماس التحتية، لكن لم يدخل الجيش بعد إلى الـ 25 في المئة من أراضي غزة التي ما زالت حماس تحكمها. وثمة انهيار آخر في سياسة واقع التموين، الذي يسمى خطأ 'مساعدات إنسانية'؛ فقد كانت الخطة الأصلية هي تحويل توزيع الغذاء في غزة إلى الصندوق الأمريكي الإسرائيلي GHF ومن خلاله الفرز بين الإرهابيين وغير المشاركين، لكن الجيش الإسرائيلي لم يرغب في القيام بهذا الفرز. إلى جانب ذلك، حملة الأكاذيب شديدة القوة وكأن جوع غزة أجبر نتنياهو على أمر سلاح الجو بإنزال المؤن من الجو إلى المناطق التي تسيطر فيها حماس. كما تمت زيادة دراماتيكية لكمية الشاحنات التي تدخل مباشرة إلى غزة، في تضارب صريح مع سياسة الإغلاق التي قررها الكابنت قبل بضعة أشهر. هذا ما يسمى انهيار السياسة. فضلاً عن ذلك، فإن تلك الشاحنات التي طالبت بها حماس الأسبوع الماضي في إطار صفقة، تحصل عليها الآن بالمجال بدون مخطوفين وبدون مقابل. هذا العنصر بحد ذاته غير معقول، ومع ذلك، المشاكل لا تنتهي هنا؛ فالمشكلة الأكبر هي أن أحداً في القيادة الإسرائيلية لا يعرف كيفية الخروج من المتاهة التي ترتبط عناصرها معاً. هكذا يفهم من الحديث مع المحافل العسكرية والسياسية على حد سواء. نتنياهو: 'هناك حملة إعلامية' يدعي الجيش الإسرائيلي بأن الدخول إلى تلك الـ 25 في المئة التي لا يسيطر فيها على غزة سيعرض سلامة المخطوفين الأحياء للخطر، لكن ليس مؤكداً بأنه ادعاء صحيح. غير قليل من المخطوفين شهدوا بأن جنازير الدبابات مرت من فوق رؤوسهم، ومع ذلك حرص آسروهم على إبقائهم سليمين ومعافين. بل إن أحد المخطوفين روى أنه كان مع آسريه تحت مدرج بيت مكث فيه جنود الجيش الإسرائيلي بضعة أيام. وكانوا أدخلوه إلى هناك وأخرجوه بسلام. وشكراً للرب، هو اليوم معنا سليماً ومعافى. في جلسة الكابنت العاصفة التي بحثت فيها المعاضل، طلب رئيس الأركان زامير تلقي تعليمات صريحة من المستوى السياسي بالدخول إلى تلك الـ 25 في المئة الحساسة. وقال سموتريتش معقباً، إن الحكومة لم تأمر الجيش قط بالامتناع عن العمل في هذه المناطق، وإن هذه سياسة قررها الجيش لنفسه. غضب زامير، واتهم وزير المالية بأنه 'يعرض المخطوفين للخطر'. أما وزير المالية، الذي كان عصبياً، فلم يصمت: 'وأنت تمنع النصر'. نتنياهو يرفض أن يصدر لزامير أمراً صريحاً بالدخول إلى هذه المناطق، خوفاً انتقاد بعض من أبناء العائلات واللجنة القيادية المحيطة بهم. 'هناك حملة إعلامية'، قال نتنياهو عدة مرات في جلسات الكابنت. لا يهم من المحق في هذا الجدال، النقطة أن رئيس الأركان لا يعرف خطة بشأن كيفية الانتصار في الوضع الحالي و/أو جلب المخطوفين. كما أن زامير يعارض تحمل مسؤولية توزيع الطعام على الغزيين. وهكذا نشأت صدامات بينه وبين نتنياهو وسموتريتش، تشبه تلك التي كانت بين هرتسي هليفي والاثنين. فجوات وشقاقات وتوترات بدلاً من التعاون بين الطرفين مثلما رأينا في حملة 'الأسد الصاعد'، بدا أن فجوات وشقاقات متبلة باعتبارات سياسية وخوف من الرأي العام، تشجع توترات ولا تحل أي مشكلة. هيئة أركان زامير أكثر قتالية واندفاعاً من سلفها. يؤمن الجيش اليوم ي بأن المزيد من الضغط سيكسر حماس في النهاية، لكنه لا يعرض خططاً مرتبة أو جدولاً زمنياً بكيف ومتى سيحصل هذا. في الوقت نفسه، من المهم التشديد على أن ذنب الجمود لا يقع على الجيش فقط. كما أسلفنا، رئيس الوزراء هو الذي افترض بأن صفقة مخطوفين خلف الزاوية. كتحصيل حاصل، لم يطلب أيضاً من الجيش حسماً فورياً لحماس. ويعود السبب في ذلك إلى أن نتنياهو يسبّق تحرير المخطوفين على النصر. الموضوع أن كل الأحداث والشقاقات تأخذ وقتاً طويلاً وغالياً جداً ضدنا: معاناة المخطوفين، أولاً وقبل كل شيء، لكن إسرائيل تلحق كل يوم أضراراً دولية هائلة بسبب تمديد القتال. الجمهور يجهل ذلك، لكن موجات الصدى سترافقنا سنوات طويلة. ترامب معنا، هذا صحيح، لكنه هو ورجاله طلبوا إدخال المؤن إلى غزة. لهم إعلامهم ودول العالم تضغط، ولنا أيضاً عالم خارج ترامب – ألمانيا مثلاً: نتنياهو راعى الألمان عندما قلب السياسة المتعلقة بالمؤن رأساً على عقب. أمام مرمى إعلامي بلا حارس كل هذه الحملة، بالمناسبة، أصبحت ممكنة لأن نتنياهو هو الذي يجفف منظومة الإعلام الرسمي القومي. حماس، والأمم المتحدة وباقي كارهي إسرائيل، يقاتلون أمام مرمى إعلامي بلا حارس. وهكذا أدت الخسارة الإعلامية إلى أن وجدنا أنفسنا أننا نحن الذين نغذي مخربي حماس. فهل لنتنياهو خطة خروج من الورطة؟ التجربة تفيد بأن له أرانب في القبعة. سياسياً وموضوعياً على حد سواء: السياسية التي يتخذها صعبة على الهضم، لدرجة أنه ملزم أن لها تفسيراً لا نعرفه، فإذا لم يكن تفسير كهذا فستتفكك حكومته في يوم أو يومين، والانتخابات المبكرة ليست هي ما تحتاجه إسرائيل في وضعها الصعب. بدلاً من ذلك، ولإخراج العربة الإعلامية من الوحل الغزي، ثمة حاجة لأن يكف كل من نتنياهو وكاتس وسموتريتش وزامير، عن الشقاق والدخول إلى عصف أدمغة يؤدي إلى خطة متفق عليها. اليوم لا يوجد مخطوفون ولا يوجد نصر، بل توريد مساعدات لحماس وهدن يومية في الحرب، في الوقت الذي نصرخ فيه من تحت الأرض. هذه نتيجة قاسية لا يمكن التسليم بها. أو كما صاغ ذلك الرئيس ترامب الذي يزور بريطانيا: 'قلت لبيبي إنه ينبغي له أن يفعل هذا بطريقة أخرى'. أرئيل كهانا إسرائيل اليوم 29/7/2025


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
أوروبا واتفاقها التجاري مع ترامب في مهبّ الرياح
باتت أوروبا في مهبّ رياح عاتية محمّلة بأتربة سوداء ونار مستعرة، مع الاتفاق التجاري الأخير الذي توصلت إليه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية الأسبوع. رياحٌ ربما تهزّ اقتصاد دول القارة وعملتها الموحّدة وصادراتها وأسواقها ومعيشة مواطنيها، وتساهم في إضعافها مالياً وتجارياً وربما سياسياً، وتعمق خلافاتها مع روسيا، خاصّة وأن الاتفاق يضع نهاية لتدفق الغاز والنفط الروسيَين نحو دول القارة، وهو ما تعتبره موسكو حرباً اقتصادية جديدة تضاف إلى الحروب المالية والعقوبات التي تشنّها القارة منذ اندلاع حرب أوكرانيا. وفي نظرة لبنود الاتفاق التجاري الأميركي الأوروبي نجد أنه لا يقف عند حدّ تقديم أوروبا تنازلات مهينة ومذلة وغير مسبوقة لترامب وإداراته، في محاولة لطيّ أسوأ نزاع تجاري تواجهه، ولا عند الخسائر المالية الضخمة التي سيتكبّدها الاقتصاد الأوروبي جرّاء تنفيذ بنود الاتفاق، ومنها سداد ما يزيد عن تريليون دولار هي كلفة استيراد الغاز والسلاح والوقود النووي الأميركي، وضخ استثمارات في الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، ولا عند حدّ زرع ترامب فتنةً كبرى بين دول الاتحاد الأوروبي لدرجة تدفع دولة في ثقل فرنسا الاقتصادي للخروج علناً واصفةً الاتفاق بأنه "يوم أسود" لأوروبا، وأن تشتعل الخلافات العميقة بين قادة ألمانيا بشأن تقييم الاتفاق، لكن الخطر الأكبر يكمن في بنود الاتفاق الغامضة، وآليات تنفيذه، والضمانات المقدّمة من الطرفَين، ومدى التزام ترامب بالبنود المتّفق عليها، وعدم الانقلاب عليها مستقبلاً، وممارسة تهديدات جديدة خاصّة مع انتهاء الفترة الزمنية. من بين الأسئلة : هل ستعود أوروبا لشراء الغاز الروسي، أم ستواصل الاعتماد على الغاز الأميركي، ومَن يتحمل فاتورة استيراد الوقود الأكثر كلفة من الولايات المتحدة مقابل الغاز الروسي الرخيص؟ الاتفاق يطرح عشرات الأسئلة التي قد لا يجد كثيرون إجابةً شافية لها، وفي مقدمتها؛ ما هي الواردات الأوروبية الخاضعة للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 15%، وهل تقتصر على السيارات وأشباه الموصلات والمستحضرات الصيدلانية والأدوية، وهل هذه هي النسبة الأعلى، ومَن هي الجهة المسؤولة عن ضخّ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي؛ القطاع الخاص الأوروبي أم الحكومات، وما هو الموقف في حال امتناع المستثمرين الأوروبيين عن ضخّ كل تلك الاستثمارات في فترة حكم ترامب؟ من بين الأسئلة أيضاً: هل ستعود أوروبا لشراء الغاز الروسي بعد مرور ثلاث سنوات هي فترة الاتفاق مع ترامب، أم ستواصل الاعتماد على الغاز الأميركي، ومَن يتحمل فاتورة استيراد الوقود الأكثر كلفة من الولايات المتحدة مقابل الغاز الروسي الرخيص، وما هي مخاطر اعتماد أوروبا كلياً على الطاقة الأميركية؟ موقف التحديثات الحية ليلة تركيع أوروبا أمام السمسار ترامب وهل هناك إطار قانوني ملزم للطرفيين ببنود الاتفاق، وما هي صادرات الاتحاد الأوروبي المعفاة من الرسوم التي جرى الاتفاق عليها، هل مثلاً الطائرات ومكوّناتها والسلع الضرورية مثل الأدوية غير المسجّلة والسلع الغذائية والرقائق ومستلزمات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، وبالتالي تجري حماية المستهلك الأوروبي من خطر التضخم، أم تقتصر على السجائر والنبيذ والمشروبات الكحولية؟ ماذا عن واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية التي لا تزال الولايات المتحدة تفرض رسوماً جمركية عالية عليها وبنسبة 50%؟ صحيح أنّ توقيع الاتفاقية بين واشنطن وبروكسل وضَعَ، وإن مؤقتاً، حداً لحرب تجارية شرسة كادت أن تندلع بين أكبر اقتصادَين في العالم، وأنّ أوروبا تفادت بتوقيع الاتفاق الدخول في نزاع تجاري شرس مع إدارة ترامب المتعطّشة لحصد الأموال من كل صوب وحدب، لكن المشكلة تكمن في التفاصيل التي لم يحسمها لقاء ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في اسكتلندا يوم الأحد الماضي.