
حرب السودان: كيف يواجه السودانيون الأزمة الإنسانية المتفاقمة؟
أصدر برنامج الأغذية العالمي، بداية الأسبوع الجاري، بيانا حذر فيه من جديد من أن ملايين السودانيين، الذين نزحوا عن بلادهم إلى دول الجوار هربا من الحرب، باتوا قاب قوسين أو أدنى من السقوط في براثن كارثة إنسانية، سببها الجوع وسوء التغذية. وعزا البيان هذا الوضع لشح المساعدات الغذائية المنقذة للحياة بسبب أزمة التمويل الحادة التي تواجهها عمليات البرنامج.
وطبقا لإحصائيات الأمم المتحدة تجاوز عدد اللاجئين السودانيين خارج البلاد 4 ملايين شخص، منذ اندلاع الحرب في البلاد في نيسان/أبريل 2023. ووجد هؤلاء ملاذا في 7 دول أفريقية مجاورة هي جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، وأوغندا.
ويقول البرنامج إن تلك الأعداد التي تبحث عن الغذاء والمأوى والأمان خارج بلادها تصل إلى بلدان اللجوء مصدومة، تعاني سوء التغذية ولا تملك سوى القليل. وقدم البرنامج مساعدات غذائية ونقدية ووجبات ساخنة للاجئين وبعض المجتمعات المضيفة التي تعاني معظمها أصلا من انعدام الأمن الغذائي.
ودق البرنامج الأممي ناقوس الخطر في وجه المجتمع الدولي، محذرا من أن أنظمة دعم اللاجئين في هذه الدول، باتت على حافة الانهيار بسبب قرب نفاد موارده. وأضاف أنه ما لم تتوفر موارد مالية جديدة، فقد لا يجد ما يطعم به اللاجئين السودانيين في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وإثيوبيا وليبيا خلال أشهر معدودة. وحذر البرنامج من أن اللاجئين السودانيين في أوغندا يتناولون أقل من 500 سعرة حرارية في اليوم – أي أقل من ربع الاحتياجات الغذائية اليومية.
ويستعر الوضع الإنساني للاجئين في تشاد، التي تستضيف نحو ربع إجمالي اللاجئين السودانيين، وبسبب شح الموارد المالية أعلن البرنامج أنه سيلجأ إلى تقليص الحصص الغذائية المقدمة للاجئين، خلال الأشهر المقبلة، ما لم يحصل على مساهمات إضافية قريبا.
وذهب شون هيوز، منسق عمليات الطوارئ في البرنامج إلى أبعد من ذلك، واعتبر أن الأزمة في السودان ستأخذ طابعا إقليميا وقال: "نحن أمام أزمة إقليمية كاملة الأبعاد تتفاقم في بلدان تعاني أصلا من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي ونشوب الصراعات".
ولتفادي هذه الكارثة المحدقة يقول البرنامج إنه يحتاج إلى أكثر من 200 مليون دولار أمريكي لتمويل عمليات الاستجابة الطارئة للاجئين السودانيين في دول الجوار و575 مليون دولار أمريكي داخل السودان خلال الأشهر الستة المقبلة.
وناشد المسؤول في البرنامج العالم التحرك على نحو عاجل لتوفير الدعم الإنساني وإيجاد حلول سياسية ودبلوماسية عاجلة لإنهاء القتال وتحقيق السلام والاستقرار.
وفي نيويورك ردد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك التحذير نفسه وقال
إن الوضع الإنساني المتردي في السودان يُلقي بظلاله على الأطفال كونهم الفئة الأكثر عرضة لتأثيرات انعدام الأمن الغذائي. وأضاف أن معدلات سوء التغذية الحاد العالمي في مراكز استقبال اللاجئين السودانيين بين الأطفال في أوغندا وجنوب السودان تجاوزت عتبة الطوارئ.
وجدد دوجاريك دعوته لوقف الأعمال القتالية بين طرفي الصراع في السودان وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، كي يتسنى للمنظمات الإنسانية وشركائها توسيع نطاق الدعم، على الرغم من النقص الهائل في التمويل.
ولفت دوجاريك إلى أن انتشار الأمراض بين أطفال السودان من اللاجئين معضلة كبيرة وأن عدد حالات الإصابة بالكوليرا منذ تفشيها في البلاد في تموز/يوليو الماضي تجاوز 80 ألف بينها أكثر من ألفي حالة وفاة بين الكبار ونحو 7,300 إصابة بين الأطفال دون سن الخامسة توفي منهم مائتان.
وفيما تستمر مناشدات الأمم المتحدة طرفي الصراع في السودان وقف إطلاق النار يواصل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خوض اشتباكات عنيفة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في تجاهل تام للدعوات الأممية لهدنة إنسانية مؤقتة لتسهيل إيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين.
ونقلت تقارير أن المدينة تشهد أوضاعا إنسانية مأساوية في غياب شبه كامل للمواد الغذائية والأدوية وشح للمياه والوقود، وسط قصف عشوائي على المناطق السكنية.
برأيكم
هل يلتفت العالم لنداءات برنامج الغذاء العالمي لدعم موارده؟
هل يكترث العالم بالمدنيين في السودان وهل تناسى أن حربا أهلية ضروسا تدمره ؟
لماذا يرفض طرفا الصراع الحلول السلمية القائمة على التعايش بينهما؟
هل لا تزال هناك فرص لعودتهما إلى الحل السياسي؟
نناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 2 يوليو/تموز.
خطوط الاتصال تُفتح قبل نصف ساعة من موعد البرنامج على الرقم 00442038752989.
إن كنتم تريدون المشاركة بالصوت والصورة عبر تقنية زووم، أو برسالة نصية، يرجى التواصل عبر رقم البرنامج على وتساب: 00447590001533
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم المشاركة بالرأي في الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: https://www.facebook.com/NuqtatHewarBBC
أو عبر منصة إكس على الوسم @Nuqtat_Hewar
يمكنكم مشاهدة حلقات البرنامج من خلال هذا الرابط على موقع يوتيوب هنا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 17 ساعات
- الوسط
لماذا تنبعث رائحة كريهة من الفم؟ وكيف يمكن معالجتها؟
Getty Images الحفاظ على نظافة الأسنان يشبه معركة لا تنتهي ضد البكتيريا التي تستقر في الفراغات بين الأسنان واللثة. هل تتجنّب الاقتراب من الآخرين لأنك تقلق من أن رائحة نفسك ليست دائماً منعشة، وقد تكون كريهة؟ لا تقلق، فهذه حالة شائعة وهناك حلول لها. الحفاظ على نظافة الأسنان يشبه معركة لا تنتهي ضد البكتيريا التي تستقر في الفراغات بين الأسنان واللثة، وفي تجاويف اللسان. إذا لم تقم بالتخلص من هذه البكتيريا، فإنها يمكن أن تتكاثر هناك وتتسبب في أمراض خطيرة في اللثة. لكن توجد طرق للوقاية من ذلك. ما الذي يسبب رائحة الفم الكريهة؟ في جميع أنحاء العالم، تُعدّ أمراض اللثة، وتحديداً انحسار اللثة (المعروف أيضاً بالتهاب دواعم السن)، من الأسباب الرئيسية لرائحة الفم الكريهة. يقول الدكتور برافين شارما، الأستاذ المشارك في طب الأسنان الترميمي في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة، لبرنامج "واتس آب دوكس؟" الذي تبثه بي بي سي: "نصف البالغين سيصابون بشكل من أشكال أمراض اللثة." ويضيف: "يمكنك اعتبار رائحة الفم الكريهة الحقيقية، أي الرائحة الموضوعية، على أنها رائحة تنبع من تجويف الفم." "وهذا ربما يشكل 90 بالمئة من حالات رائحة الفم الكريهة." أما النسبة المتبقية، أي 10 بالمئى، فلها أسباب أخرى. يقول الدكتور شارما: "مرض السكري غير المسيطر عليه جيداً يمكن أن يؤدي إلى نوع معين من رائحة الفم." "وإذا كان لدى المريض مشاكل في الجهاز الهضمي، مثل الارتجاع المعدي، فستكون رائحة النفس لديه حامضة نوعاً ما. إذاً، هناك أمراض جهازية قد تظهر أعراضها في تجويف الفم." فما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟ Getty Images إزالة البقايا من بين الأسنان يمكن أن يكون أمراً مهماً جداً، لأنه يساعد في منع تراكم البكتيريا والبلاك، مما يحافظ على صحة اللثة ويمنع رائحة الفم الكريهة. الوصول إلى جذور المشكلة إذا لم تقم بتنظيف البكتيريا التي تستقر بين الأسنان واللثة، فقد تؤدي إلى جروح دقيقة ونزيف لاحق في اللثة. هذه الحالة تُعرف بالتهاب اللثة، وهي المرحلة المبكرة من أمراض اللثة، ولكن الخبر السار هو أنها قابلة للعلاج. يقول الدكتور شارما: "التهاب اللثة هو التهاب في أنسجة اللثة، ويمكنك ملاحظته من خلال احمرار اللثة وتورمها ونزيفها أثناء تنظيف الأسنان." "وإذا لم يتم علاجه، فقد يتطور إلى التهاب دواعم السن (periodontitis)". افحص لثتك بحثاً عن احمرار أو تورم أو نزيف أثناء التنظيف، لكن لا تقلق كثيراً، فما زال هناك وقت للتصرف. يقول الدكتور شارما: "أحد الأمور التي يقوم بها المرضى هو أنهم يتجنبون بشكل غريزي تنظيف المناطق المؤلمة من اللثة أثناء تنظيف الأسنان، لأنهم يقولون لأنفسهم: 'أنا أتسبب في ضرر، أنا أفعل شيئاً خاطئاً، ولهذا السبب تنزف اللثة'." "لكن الأمر في الواقع عكسي – يجب أن تعتبر نزيف اللثة علامة تدفعك للقول: 'يبدو أنني بحاجة لتنظيف هذه المنطقة بشكل أفضل، لأنني أهملتها من قبل'." • نظّف أسنانك بوعي يقول الدكتور شارما إنه من الضروري تخصيص وقت لتنظيف الأسنان بشكل صحيح. "لا يجب أن تنظف أسنانك وأنت مشغول بأشياء أخرى"، يقول. في الحالة المثالية، يجب أن تقف أمام المرآة وتركّز جيداً على ما تفعله. ينظّف الكثير من الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى الجانب الأيسر من الفم لمدة أطول دون وعي، والعكس صحيح بالنسبة لليساريين، حيث ينظّفون الجانب الأيمن أكثر، ما قد يؤدي إلى التهابات أكبر في الجانب الذي يحصل على اهتمام أقل. كن واعياً لليد التي تستخدمها، وحاول عن قصد أن تنظف الجانبين بنفس العناية والوقت. • أتقن تقنية التنظيف يقترح الدكتور شارما البدء بتنظيف ما بين الأسنان أولاً. "من حيث إزالة البلاك والمساعدة في صحة اللثة، من الأفضل استخدام فراشي ما بين الأسنان"، يقول الدكتور شارما. Getty Images فرشاة ما بين الأسنان تزيل البلاك والبكتيريا من الأماكن التي لا تستطيع فرشاة الأسنان العادية الوصول إليها. وبعد استخدام فراشي ما بين الأسنان، من الجيد اتباع نظام عند تحريك فرشاة الأسنان داخل الفم وعدم التسرع. تذكّر أن لكل سن ثلاث سطحيات: الخارجية، وسطح المضغ، والداخلية. وكلها تحتاج إلى تنظيف بعناية. قد يُفاجأ الكثيرون، لكن الحد الأدنى لمدة تنظيف الأسنان بالفرشاة هو دقيقتان. العديد من الناس ينظّفون أسنانهم من خلال الإمساك بالفرشاة بزاوية 90 درجة على السن وتحريكها ذهاباً وإياباً، لكن هذه الطريقة يمكن أن تؤدي إلى انحسار اللثة. يُفضّل إمساك فرشاة الأسنان بزاوية تقارب 45 درجة على السن، والفرشاة تتحرك بلطف. وجّه الشعيرات نحو خط اللثة في الأسنان السفلية، وإلى الأعلى نحو خط اللثة في الأسنان العلوية. هذا سيساعد في إزالة البكتيريا التي قد تكون مختبئة تحت خط اللثة. Getty Images تعلّم تقنيات التفريش الصحيحة يمكن أن يكون مفتاحًا للحفاظ على صحة الفم واللثة. نظّف أسنانك بالفرشاة في الوقت المناسب ربما تعلّمنا منذ الصغر أن تنظيف الأسنان بعد تناول الطعام هو الخيار الصحيح، لكن الأمر يستحق إعادة النظر. يقول الدكتور شارما: "من الأفضل أن تنظف أسنانك قبل تناول وجبة الفطور." "لا يُنصح بتنظيف الأسنان بعد تناول أطعمة حمضية، لأنها تؤدي إلى تليين المواد المعدنية في السن، أي المينا والعاج." الحمض الموجود في الطعام يؤدي إلى تليين المينا الواقية الموجودة على سطح الأسنان، وكذلك العاج الذي تحتها، لذا فإن تنظيف الأسنان مباشرة بعد الأكل قد يُلحق الضرر بالمينا. ويتابع الدكتور شارما: "إذا كنت تفضّل تنظيف أسنانك بعد الإفطار، فعليك الانتظار بعض الوقت بين تناول الطعام وتنظيف الأسنان." من الأفضل أن تغسل فمك جيداً وتنتظر قليلاً. وأيضاً، رغم أن تنظيف الأسنان مرتين في اليوم لمدة دقيقتين هو الخيار المثالي، فإن بعض الأشخاص قد يجدون أن التنظيف الجيد مرة واحدة يومياً كافٍ. عند النوم، ينخفض تدفق اللعاب في الفم، مما يمنح البكتيريا فرصة أكبر لإلحاق الضرر بالأسنان خلال الليل. لذلك، إذا كنت ستنظف أسنانك جيداً مرة واحدة فقط في اليوم، فإن أفضل وقت لذلك هو قبل النوم. اختر الأدوات المناسبة استخدم فرشاة أسنان بشعيرات متوسطة الصلابة. وليس ضرورياً أن يكون معجون الأسنان باهظ الثمن. يقول الدكتور شارما: "الطريف في الأمر أنه طالما يحتوي المعجون على الفلورايد، فأنا راضٍ." هذا المعدن يقوّي مينا الأسنان ويجعلها أكثر مقاومة للتسوس. بعد تنظيف الأسنان، ابصق المعجون لكن لا تشطف فمك بالماء، كي تظل بقايا المعجون والفلورايد في الفم وتساعد في الوقاية من تسوس الأسنان. كما أن استخدام غسول الفم قد يكون مفيداً إذا كنت تعاني من علامات مبكرة لأمراض اللثة، لأنه يساعد في تقليل البلاك وتراكم البكتيريا. لكن لا تستخدمه مباشرة بعد تنظيف الأسنان، لأنه قد يُزيل الفلورايد الموجود في المعجون. Getty Images تناول كميات كبيرة من الأطعمة والمشروبات السكرية يمكن أن يسبب تسوس الأسنان لدى الأطفال كما لدى البالغين. تعرّف على علامات أمراض اللثة الخطيرة إذا تطوّر انحسار اللثة (التهاب دواعم السن)، ستلاحظ تشكّل فراغات بين الأسنان، ومع تآكل العظم الذي يثبت الأسنان في مكانها، قد تبدأ الأسنان في التخلخل. وإذا لم يتم التحكم في هذه الحالة، فقد يصل فقدان العظم إلى درجة شديدة تؤدي إلى سقوط الأسنان. كما قد تعاني من رائحة فم كريهة مزمنة. إذا لاحظت هذه الأعراض، راجع طبيب الأسنان فوراً. وأخيراً، إليك بعض النصائح السريعة لإنعاش رائحة النفس: - اشرب الكثير من الماء، لأن البكتيريا يمكن أن تنمو في الفم الجاف. - نظّف لسانك باستخدام أداة مخصصة لكشط اللسان، فهذا يساعد على إزالة بقايا الطعام والبكتيريا والخلايا الميتة، وكلها عوامل قد تؤدي إلى رائحة كريهة. - إذا لم تكن متأكداً من مدى انتعاش رائحة نفسك، اطلب من صديق أو فرد من العائلة أن يتحقق من الأمر. لكن اختر الشخص بعناية! مقتبس من حلقة بودكاست "واتس آب دوكس" لبي بي سي، بتاريخ 29 أبريل/ نيسان 2025.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
كيف تؤثر الميكروبات التي تعيش في السُحب على حياتنا
Getty Images تجوب تريليونات من البكتيريا والفطريات والفيروسات والكائنات وحيدة الخلية، أعالي الغلاف الجوي للكرة الأرضية. والعلماء في طور اكتشاف أنها تؤثر بشكل كبير في الطقس، وحتى على صحتنا. السحب رفيقتنا الدائمة خلال حياتنا. تطفو فوقنا أحياناً على شكل خيوط رفيعة. وفي أيام أخرى، تُظلم السماء وتُسقط علينا المطر. ولكن، وعلى الرغم من معرفتنا بهذه الأغطية التي تتشكل من بخار الماء، إلا أنها تُخفي عنا سراً. للاستمتاع بمعلومات شيقة ومفيدة حول صحتك، انضم إلى قناتنا على واتساب ( فالسحب في الحقيقة، جزر عائمة من الحياة، إذ هي موطن لتريليونات الكائنات الحية من آلاف الأنواع. إذ يجوب الهواء إلى جانب الطيور واليعسوب وبذور الهندباء، محيط شاسع من الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبات)، أي الأحياء التي لا تُرى بالعين المجردة. كان الكيميائي الفرنسي لويس باستور، من أوائل العلماء الذين تعرفوا على ما يُطلق عليه العلماء اليوم اسم "الأيروبيوم" عام 1860. ويشير مصطلح "الأيروبيوم" إلى مجموعة الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى، التي تعيش في الغلاف الجوي للأرض. رفع باستور في الهواء، قوارير معقمة مليئة بمرق ( حساء) اللحوم الصافي، وسمح للجراثيم العائمة بالاستقرار فيها، ما جعل المرق الصافي عكراً. التقط باستور الجراثيم في شوارع باريس، وفي الريف الفرنسي، وحتى على قمة نهر جليدي في جبال الألب. لكن معاصريه رفضوا فكرته. وقال أحد الصحفيين لباستيور آنذاك: "العالم الذي ترغب في أن تأخذنا إليه خيالي للغاية". استغرق الأمر عقوداً حتى يتقبل الناس حقيقة وجود هذه الكائنات الحية التي تعيش في البيئة الهوائية. في ثلاثينيات القرن العشرين، حلق بعض العلماء في السماء بالطائرات، حاملين شرائح وأطباق بتري - وهي أطباق دائرية شفافة ذات غطاء مسطح، تستخدم لزراعة الكائنات الحية الدقيقة في المختبرات الطبية - لالتقاط جراثيم فطرية وبكتيريا تعيش في الهواء. كما أطلقت رحلات بالمناطيد إلى الغلاف الجوي العلوي (الستراتوسفير) لالتقاط الخلايا أيضاً. اليوم، في القرن الحادي والعشرين، ينشر علماء الأحياء الهوائية أجهزة متطورة لجمع عينات الهواء على طائرات بدون طيار. كما يستخدمون تقنية تسلسل الحمض النووي لتحديد الكائنات الحية المحمولة جواً من خلال جيناتها. ويُدرك الباحثون الآن أنّ البيئة الهوائية هي موطن هائل يعج بالزوار من الكائنات الحية. يأتي هؤلاء الزوار من معظم أسطح كوكب الأرض. في كل مرة تتحطم فيها موجة في المحيط، تُقذف قطرات دقيقة من مياه البحر في الهواء، ويكون بعضها يحمل فيروسات وبكتيريا وطحالب وكائنات حية وحيدة الخلية أخرى. وبينما تسقط بعض هذه القطرات بسرعة عائدةً إلى المحيط، تلتقط الرياح بعضها الآخر وترتفع إلى السماء، حيث يمكن أن تحملها لآلاف الأميال. على اليابسة، يمكن للرياح أن تجرف الأرض، حاملةً البكتيريا والفطريات والكائنات الحية الأخرى. وفي كل صباح، عندما تشرق الشمس وتتبخر المياه في الهواء، يمكن أن تطلق أيضاً كائنات دقيقة. كما تُولّد حرائق الغابات، تيارات هوائية صاعدة عنيفة قادرة على امتصاص الميكروبات من الأرض ومن جذوع الأشجار وأوراقها، حاملةً إياها إلى الأعلى مع الدخان المتصاعد. ولا تنتظر العديد من أنواع الكائنات الحية القوى الفيزيائية لإطلاقها في الهواء. فالطحالب، على سبيل المثال، تُنبت ساقاً تحمل في طرفها كيساً من الأبواغ (خلية تكاثر لا جنسي في علم النبات)، تُطلقه كنفحات من الدخان في الهواء. وقد يسقط ما يصل إلى ستة ملايين من الأبواغ الطحلبية على متر مربع واحد من المستنقع خلال صيف واحد. إذ تتكاثر العديد من أنواع النباتات عبر إطلاق مليارات حبوب اللقاح جواً خلال كل ربيع. وتتميز الفطريات بمهارة خاصة في الطيران. فقد طورت مدافع بيولوجية ووسائل أخرى لإطلاق أبواغها في الهواء، كما أن أبواغها مُجهزة بأصداف متينة وتكيفات أخرى لتحمل الظروف القاسية التي تواجهها أثناء سفرها عالياً حتى طبقة الستراتوسفير. وقد عُثر على فطريات على ارتفاع يصل إلى 12 ميلاً (20 كيلومتراً)، فوق مياه المحيط الهادئ المفتوحة، وهي محمولة على الرياح. Getty Images تُطلق الطحالب أعداداً هائلة من الأبواغ في الهواء من كبسولات في نهايات سيقانها ويُقدّر عدد الخلايا البكتيرية التي تصعد كل عام من اليابسة والبحر إلى السماء، بحوالي تريليون تريليون خلية. كما يُقدّر أن 50 مليون طن من أبواغ الفطريات تُحمل جواً في المدة الزمنية نفسها. وتصعد أعداد لا تُحصى من الفيروسات والأشنات والطحالب وغيرها من أشكال الحياة المجهرية إلى الهواء. ومن الشائع أن تسافر لأيام في الهواء قبل الهبوط، وخلال هذه الفترة يُمكن أن تُحلّق لمئات أو آلاف الأميال. وخلال هذه الرحلة، قد يطير كائن حي إلى منطقة من الهواء حيث يتكثف بخار الماء على شكل قطرات. وسرعان ما يجد هذا الكائن نفسه مُغلفاً بإحدى تلك القطرات، وقد تحمله التيارات الصاعدة إلى عمق أكبر داخل كتلة الماء. فيدخل عندئذٍ قلب سحابة. وقد جاء الكثير ممّا تعلمه العلماء عن الحياة في السحب، من قمة جبل في فرنسا يُسمى بوي دو دوم. إذ تشكلت هذه القمة قبل حوالي 11 ألف عام، عندما اصطدمت كتلة من الصهارة - المادة السائلة أو شبه السائلة الساخنة أسفل أو داخل قشرة الأرض تتكون منها الحمم البركانية والصخور النارية الأخرى عند التبريد - بتلال متموجة وسط فرنسا، مكونةً بركاناً تفجرت منه الحمم البركانية قبل أن يخمد بعد بضع مئات من السنين. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية تقريباً، زُوِّدت محطة أرصاد جوية على قمة بوي دو دوم بأجهزة أخذ عينات من الهواء. ويرتفع الجبل عالياً لدرجة أنّ السحب تغطي قمته بانتظام، ما يسمح للعلماء بالتقاط بعض الكائنات الحية من عليها. وكشفت دراسات أجراها بيير أماتو، عالم الأحياء الهوائية في جامعة كليرمون أوفيرنيو الفرنسية القريبة من المنطقة، أن كل مليمتر من مياه السحابة التي تطفو فوق بوي دو دوم، يحتوي على ما يصل إلى 100,000 خلية. وقد كشف حمضها النووي أنّ بعضها ينتمي إلى أنواع مألوفة، لكن الكثير منها جديد على العلم. ويشعر العلماء الذين يستخدمون الحمض النووي لتحديد نوع هذه الكائنات، بالقلق الدائم بشأن إمكانية تلوث العينات، وأماتو ليس استثناءً. فعلى سبيل المثال، قد يحلق صقرٌ فوق أنابيب أماتو على بوي دو دوم وينفض الميكروبات عن ريشه. وفي مختبر أماتو أيضاً، قد يزفر طالب دراسات عليا وهو يعاين العينات، بعض الجراثيم في أنبوب الاختبار. وعلى مر السنين، رفض أماتو الاعتراف بآلاف الأنواع المحتملة، مشتبهاً بأن يكون هو أو طلابه قد لطخوا المعدات بميكروبات جلدية عن غير قصد. إلا أنّهم أعلنوا بثقة عن اكتشافهم أكثر من 28,000 نوع من البكتيريا في السحب، وأكثر من 2,600 نوع من الفطريات. ويشتبه أماتو وعلماء آخرون يدرسون السحب، في أنها قد تكون أماكن مثالية لبقاء البكتيريا على قيد الحياة - على الأقل لبعض الأنواع منها. وكتب أماتو وفريق من زملائه عام 2017: "السحب بيئات مفتوحة للجميع (جميع الأنواع)، ولكن بعضها فقط هو الذي يزدهر فيها". في السًحب، يعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصاً داخل قطرته الخاصة من المياه. تعتبر السحابة بالنسبة للبكتيريا، عالماً غريباً جداً، يختلف اختلافاً جذرياً عن بيئاتها التي تعيش فيها عادةً على اليابسة أو في البحر. إذ عادةً ما تتجمع البكتيريا في مجموعات. وفي الأنهار، قد تنمو لتشكل حصائر ميكروبية. وفي أمعائنا، تُشكل أغشية كثيفة. أمّا في السحب، فيعيش كل ميكروب في عزلة تامة، محاصراً داخل قطرة ماء خاصة به. وتعني هذه العزلة، أنّ بكتيريا السحابة لا تضطر للتنافس مع بعضها البعض على الموارد المحدودة. لكن في الوقت نفسه، لا تملك قطرة الماء مساحة كافية لحمل العناصر الغذائية التي تحتاجها الميكروبات للنمو. ومع ذلك، وجد أماتو وزملاؤه أدلة على أنّ بعض الميكروبات يمكنها بالفعل النمو في السحب. ففي إحدى الدراسات، قارن الباحثون العينات التي جمعوها من السحب في بوي دو دوم، بعينات أخرى جمعوها من الجبل في أيام صافية. وبحث الباحثون عن أدلة على نشاطها، عبر مقارنة كمية الحمض النووي في عيناتهم بكمية الحمض النووي الريبوزي (RNA). إذ تُنتج الخلايا النشطة والنامية، نسخاً كثيرة من الحمض النووي الريبوزي من حمضها النووي بهدف إنتاج البروتينات. ووجد الباحثون أن نسبة الحمض النووي DNA إلى الحمض النووي الريبوزي (RNA)، كانت أعلى بعدة مرات في السحب منها في الهواء النقي، وهو دليل قوي على ازدهار الخلايا في السحب. كما وجدوا أن البكتيريا الموجودة في السحب تُفعّل الجينات الأساسية لاستقلاب الغذاء والنمو. ولفهم كيفية ازدهار هذه البكتيريا في السحب، قام الباحثون بتربية بعض الأنواع التي التقطوها في مختبرهم، ثمّ وضعوها في غرف محاكاة للغلاف الجوي. ويستخدم أحد أنواع الميكروبات، المعروف باسم ميثيلوباكتيريوم، طاقة ضوء الشمس لتحليل الكربون العضوي داخل قطرات المياه في السحب. وبعبارة أخرى، تأكل هذه البكتيريا السحب. وبحسب أحد التقديرات، تكسر ميكروبات السحب مليون طن من الكربون العضوي في جميع أنحاء العالم سنوياً. وتشير نتائج كهذه إلى أن هذه الكائنات التي تعيش في الهواء قوةٌ لا يستهان بها، إذ تؤثر تأثيراً بالغاً على كيمياء الغلاف الجوي. بل إنها تغيّر حالة الطقس. Getty Images لا تعيش البكتيريا والميكروبات الأخرى في السحب فحسب، بل تلعب دوراً في تكوينها أيضاُ وعندما تتشكل السحابة، تُنشئ تيارات هوائية صاعدة ترفع الهواء المحمّل بالماء إلى ارتفاعات عالية تكون باردةً بما يكفي لتحويل الماء إلى جليد. ثم يتساقط الجليد مجدداً. وإذا كان الهواء القريب من الأرض بارداً، فقد يهبط على شكل ثلج. وإذا كان دافئاً، فيتحول إلى مطر. وقد يكون من الصعب بشكل ملفت تكوّن الجليد في سحابة شديدة البرودة. حتى في درجات حرارة أقل بكثير من نقطة التجمد، يمكن لجزيئات الماء أن تبقى سائلة. ومع ذلك، فإنّ إحدى طرق تحفيز تكوّن الجليد هي منحها بذرةً من الشوائب. فعندما تلتصق جزيئات الماء بسطح الجسيم، فإنها تترابط مع بعضها البعض، في عملية تُعرف باسم التنوي. ثمّ تلتصق بها جزيئات ماء أخرى وتتجمع في بنية بلورية (تشبه الكريستال)، والتي عندما تصبح ثقيلة بما يكفي، ستسقط من السماء. وقد اتضح أن الجزيئات البيولوجية وجدران الخلايا بارعةٌ للغاية في تحفيز هطول المطر. فالفطريات والطحالب وحبوب اللقاح والأشنات والبكتيريا، وحتى الفيروسات، قادرةٌ على تكوين الجليد في السحب. من الممكن أيضاً أن تكون السحب والحياة مرتبطتان في دورةٍ وثيقة، لا تقتصر على العيش والتهام السحب فقط، بل تُساعدها أصلاً على التشكل. وتُعدّ بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas) من أفضل مُنتجات المطر. ولا يعلم العلماء سبب براعة هذه البكتيريا تحديداً في تكوين الجليد في السحب، ولكن قد يكون ذلك مرتبطاً بطريقة نموها على الأوراق. فعندما يهطل مطرٌ بارد على ورقة، قد تُساعد الزائفة الزنجارية الماء السائل على التحول إلى جليد عند درجات حرارة أعلى من المعتاد. وعندما تفتح شقوق الجليد الأوراق، يُمكن للبكتيريا أن تتغذى على العناصر الغذائية الموجودة بداخلها. حتى أنّ بعض العلماء تكهّنوا بأنّ النباتات ترحب ببكتيريا مثل الزائفة الزنجارية، على الرغم من الضرر الذي تُسببه. وعندما تزيل الرياح البكتيريا عن النباتات وتدفعها في الهواء، ترتفع لتصل إلى السُحب في السماء. وتُمطر السحب المُلقحة بالزائفة الزنجارية المزيد من المطر على النباتات تحتها. وتستخدم النباتات مياه هذه الأمطار لإنتاج المزيد من الأوراق، وتنمي هذه الأوراق المزيد من البكتيريا، التي ترتفع بدورها إلى السماء وتُحفز السحب لإنتاج المزيد من الأمطار لتغذية الحياة في الأسفل. وإذا ثبتت صحة هذا التكهن، فسيكون ذلك تكافلاً مهيباً في علم الأحياء، يربط الغابات بالسماء. كما تُثير الأبحاث حول الحياة في السحب، احتمال وجود كائنات حية محمولة جواً على كواكب أخرى - حتى تلك التي قد تبدو أسوأ الأماكن للحياة. فكوكب الزهرة، على سبيل المثال، يتمتع بدرجة حرارة سطحية عالية بما يكفي لإذابة الرصاص. لكنّ السحب التي تُغطي الزهرة أبرد بكثير، وربما تكون مناسبة لاستمرار الحياة. Getty Images توجد بكتيريا الزائفة الزنجارية بشكل شائع في التربة وعلى النباتات، ولكنها قد تتكيف بشكل خاص كبذور لتكوين الجليد وقد تكهنت سارة سيغر، عالمة الأحياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بأنّ الحياة ربما نشأت على سطح كوكب الزهرة في وقت مبكر من تاريخه، عندما كان أكثر برودة ورطوبة. ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ربما وجدت بعض الميكروبات ملجأً لها في السحب. وتقول إنه بدلاً من أن تغرق عائدةً إلى السطح، ربما طفت صعوداً وهبوطاً في الغلاف الجوي، راكبةً التيارات الهوائية لملايين السنين. إن التفكير في بيئة "سيغر" الهوائية الغريبة يمكن أن يجعل تأمل السحب أكثر متعة. ولكن عندما ننظر إلى السحب، فإننا ننظر أيضاً إلى تأثيرنا على العالم، بحسب ما كشفته أبحاث أماتو. وعندما قام أماتو وزملاؤه بمسح الجينات في الميكروبات التي يلتقطونها، وجدوا أنّ عدداً كبيراً من هذه الجينات يمنح البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. أمّا على الأرض، فقد حفزنا نحن البشر التطور الواسع النطاق لهذه الجينات المقاومة. فعبر تناولنا كميات زائدة من البنسلين والأدوية الأخرى لمكافحة العدوى، قمنا بتقوية طفرات يمكنها مقاومة هذه المضادات. وما يزيد الطين بلة، أنّ المزارعين يُطعمون الدجاج والخنازير وغيرها من الماشية المضادات الحيوية كي تنمو إلى أحجام أكبر. وفي عام 2014 وحده، توفي 700 ألف شخص حول العالم بسبب عدوى بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. وبعد خمس سنوات، ارتفع العدد إلى 1.27 مليون. وتتطور مقاومة المضادات الحيوية داخل أجسام البشر والحيوانات التي يأكلونها. ثم تهرب البكتيريا المُكتسبة لهذه المقاومة من حاضناتها وتشق طريقها عبر البيئة - إلى التربة، وإلى مجاري المياه، بل وحتى إلى الهواء. وقد وجد الباحثون مستويات عالية من هذه الجينات المقاومة في البكتيريا التي تطفو في المستشفيات وحول مزارع الخنازير. Getty Images يمكن للرياح أن تحمل الغبار والميكروبات لمسافات تصل إلى مئات، وأحياناً آلاف الأميال لكنّ جينات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكن أن تنتشر جواً لمسافات أبعد بكثير. فقد فحص فريق دولي من العلماء، فلاتر مكيفات هواء السيارات في تسع عشرة مدينة حول العالم. ووجدوا أنّ هذه الفلاتر قد التقطت تنوعاً غنياً من البكتيريا المقاومة. بمعنى آخر، يبدو أنّ جينات المقاومة تطفو عبر المدن. وفي السنوات الأخيرة، رصد أماتو وزملاؤه رحلات أطول لهذه الجينات. ففي مسحٍ أُجري عام 2023 للسحب، أفاد الباحثون بالعثور على بكتيريا تحمل 29 نوعاً مختلفاً من جينات المقاومة للمضادات الحيوية فيها. وقد تحمل بكتيريا واحدة محمولة في الهواء، ما يصل إلى تسعة جينات مقاومة، كل منها يوفر دفاعاً مختلفاً ضد الأدوية. وقدّر الباحثون أنّ كل متر مكعب من سحابة واحدة، يحتوي على ما يصل إلى 10 ألف جين مقاوم للمضادات الحيوية. وقد تحتوي سحابة عادية تطفو فوق رؤوسنا على أكثر من تريليون جين منها. ويعتقد أماتو وزملاؤه أنّ السحب تحتوي على هذا العدد الكبير من جينات المقاومة لأنها تساعد البكتيريا على البقاء على قيد الحياة. وتُوفر بعض الجينات، مقاومة للمضادات الحيوية، من خلال السماح للبكتيريا بضخ الأدوية خارج أنسجتها بسرعة، والتخلص منها قبل أن تُسبب لها ضرراً. وقد يدفع ضغط الحياة في السحابة، البكتيريا إلى إنتاج نفايات سامة تحتاج إلى ضخها الى خارج أنسجتها بسرعة أيضاً. وقد تتمكن السحب من نشر جينات المقاومة للمضادات الحيوية هذه إلى أبعد من اللحوم والمياه الملوثة. فبمجرد دخول البكتيريا إلى السحابة، يمكنها السفر مئات الأميال في غضون أيام، قبل أن تُنثر قطرات المطر وتسقط عائدةً إلى الأرض. وعندما تصل هذه الميكروبات إلى الأرض، قد تنقل جيناتها المقاومة إلى ميكروبات أخرى تصادفها في بيئتها الجديدة. ويقدر أماتو وزملاؤه أن 2.2 تريليون تريليون جين مقاوم للمضادات الحيوية يتساقط من الغيوم سنوياً. سيكون تذكر هذه المعلومة صادماً لنا أثناء تنزهنا تحت المطر. فنحن نسير وسط سيل من الحمض النووي الذي صنعناه بأنفسنا. كارل زيمر كارل زيمر كاتب عمود "أويجينز" (الأصول) في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ومؤلف 15 كتاباً علمياً. أحدث كتبه هو "المحمول جواً: التاريخ الخفي للحياة التي نتنفسها"، وهو الكتاب المقتبس منه هذا المقال.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
هل يؤثر ترتيب ميلادك بين أشقائك على شخصيتك؟
Getty Images لطالما حيّرت مسألة تأثير ترتيب ميلاد الإخوة على شخصياتهم عائلاتهم وعلماء النفس لسنوات. لكن الأدلة ليست واضحة كما قد تظنون. بصفتي الابنة الكبرى بين اثنتين، غالباً ما أتماثل مع السمات التي تُنسب عادةً إلى الأخت الكبرى: المسؤولية، الوعي، والسعي للكمال. والدتي أيضاً ابنة كبرى، وتشترك معي في هذه السمات. أما أختي الصغرى، فهي أكثر هدوءاً بعض الشيء - فرغم أننا نشأنا في نفس المنزل مع نفس الوالدين، وكنا قريبات من بعضنا، إلا أن شخصياتنا مختلفة تماماً. تساءلتُ عما إذا كان هذا الاختلاف ناتجاً عن ترتيب ميلادنا - هل هناك أي أساس علمي لفكرة أن كوننا الأكبر أو الأصغر أو الطفل الوحيد يُشكل هويتنا، وكيف نتعامل مع العالم؟ لغزٌ دام قرناً على الرغم من أن مسألة ما إذا كان ترتيب ميلادنا بين الأشقاء يُشكل شخصياتنا قد أثارت اهتمام المجتمع العلمي والجمهور لأكثر من 100 عام، إلا أن هذه المسألة لا تزال محل جدل. تاريخياً، توصلت الأبحاث إلى نتائج متضاربة. وهناك عدة أسباب لذلك، لكن ببساطة: يصعب قياس ذلك. توضح روديكا داميان، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة هيوستن، تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الدراسات السابقة غالباً ما شملت عينات صغيرة. إضافة إلى أن اختبارات الشخصية غالباً ما تُبلّغ بشكل ذاتي عن طريق الأشخاص أنفسهم، وهذا ما قد يجعل النتائج والإجابات متحيزة نوعاً ما. تشير الدراسات الحديثة إلى وجود متغيرات مُحيرة تجعل من الصعب تحديد ما إذا كان ترتيب الولادة يؤثر بشكل منهجي - أي بمعنى أنه يترك الأثر نفسه على جميع الأفراد. فعدد الإخوة الإجمالي قد يشكل أحد العوامل المؤثرة. على سبيل المثال: من المتوقع أن تختلف ديناميكيات العلاقات تماماً في عائلة مكونة من طفلين مقارنة بعائلة لديها سبعة أطفال. إن كونك الطفل الأكبر أو الأصغر في هذه العائلات متنوعة الحجم قد يشكل تجارب حياتية شديدة الاختلاف، لا يمكن مقارنتها بشكل مباشر. وقد يتداخل حجم الأسرة وتجربة الطفولة في أي عائلة مع عوامل أخرى عديدة، مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة (فالأسر الأكثر ثراءً ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأعلى تميل إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، على سبيل المثال). ثم هناك عمر الشخص وجنسه، ما قد يؤثر على تجربته داخل الأسرة وخارجها. وفي هذا السياق، لم يتمكن الباحثون من استنتاج أن ترتيب الولادة له أي تأثيرات متسقة وعالمية على شخصياتنا. لكن هذا لا يعني أن ترتيب الولادة غير ذي صلة. فقد يؤدّي دوراً داخل بعض العائلات أو الثقافات. تقول جوليا روهرر، الباحثة في علم الشخصية بجامعة لايبزيغ في ألمانيا، "أعتقد أن لدى الناس الكثير من المعتقدات التي عفا عليها الزمن نوعاً ما، أو التي لم تكن مدعومة جيداً في المقام الأول". على سبيل المثال، تُعدّ "متلازمة الابنة الكبرى" مسألةً جوهريةً؛ فبالطبع، غالباً ما تختلف أدوار النساء ويُتوقع منهن تقديم المزيد من الرعاية. كما يُتوقع من الأبناء البكر رعاية إخوتهم الأصغر سناً. وتضيف "قد يتوافق هذا تماماً مع تجارب بعض النساء، لكنّه يختلف مع أخريات، نظراً لاختلاف العائلات". بمعنى آخر، ليست كل ابنة كبرى مسؤولةً وعطوفةً - لكن قد تبدو فكرة "متلازمة الابنة الكبرى" صحيحةً بالنسبة للبعض، لأنهنّ نشأن بالفعل وهنّ مُضطرّات لرعاية إخوتهنّ الأصغر سناً، ويشعرن بأنّ هذه التجربة شكّلت شخصياتهنّ. ووجدت جوليا وزملاؤها أنّ ترتيب الولادة "ليس له تأثيرٌ دائمٌ على سمات الشخصية العامة"، بعد دراسة ثلاث مجموعات بيانات كبيرة من مسوحات في بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، ضمّت كلٌّ منها بياناتٍ من آلاف الأشخاص. ومع ذلك، أكّدت الدراسة نتائجَ سابقةً حول تأثير ترتيب الولادة على سمةٍ واحدةٍ مُحدّدة هي الذكاء. فالذكاء ظاهرة معقدة، ويمكن للدراسات قياسه فقط من خلال الأداء في اختبارات الذكاء، ومستوى الذكاء المُبلّغ عنه ذاتياً. وقد كتبت جوليا وزملاؤها في الدراسة عن الذكاء: "أكّدت الدراسة تأثير ارتفاع درجات المواليد الأوائل في اختبارات الذكاء المُقاسة موضوعياً، ووجدنا أيضاً تأثيراً مشابهاً على مستوى الذكاء المُبلّغ عنه ذاتياً". وكانت أبحاث سابقة قد وثّقت أن الأداء في اختبارات الذكاء "يتراجع بشكل طفيف بين المواليد الأوائل والمواليد اللاحقين". أما بالنسبة لترتيب الميلاد وسمات الشخصية الأخرى، فتقول جوليا إن التأمل في تجربة المرء قد يكون له معنى، حتى لو لم يكن هناك نمط عالمي. وتضيف عن مصطلحات مثل "متلازمة الابنة الكبرى": "إنها تُعطي تصنيفاً يُمكنك من خلاله العثور على أشخاص آخرين نشأوا في ظروف مماثلة، وتبادل الخبرات وما إلى ذلك". ولا حرج في تأطير تجربتك بهذه الطريقة، "طالما أنك لا تفترض أن هذه التجربة عالمية". وتؤيد روديكا داميان هذا الرأي قائلة "مع أننا لا نجد اختلافات منهجية في الشخصية، فإن هذا لا يعني عدم وجود عمليات اجتماعية داخل كل عائلة أو داخل كل ثقافة يُمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة بناءً على ترتيب الميلاد". على سبيل المثال، تُعرف المملكة المتحدة تاريخياً بثقافة البكورة (التي تُفضل الذكور)، ما يعني أن الابن الأكبر سيكون أول من يرث ثروة العائلة أو ممتلكاتها أو ألقابها. ولم ينتهِ نظام البكورة في النظام الملكي إلا في عام 2013، مع إقرار قانون خلافة التاج، ما ألغى حق الوريث الذكر في خلع ابنته الكبرى من حقها في التاج. وتنتشر فكرة البكورة بشكل مثير للدهشة: ففي مسلسل "الخلافة"، وهو مسلسل كوميدي درامي ساخر من إنتاج شركة إتش بي أو إتش بي أو العالمية، يتناول صراع عائلة للسيطرة على إمبراطورية إعلامية، ويصرخ أحد الشخصيات "أنا الابن الأكبر!" في إحدى الحلقات. فهو يعتقد أن مكانته الاجتماعية يجب أن تمنحه الحق في تولي منصب الرئيس التنفيذي لوالده، على الرغم من أنه في الواقع ثاني أكبر أبناء العائلة (لكن ليس هذا موضوعنا). تقول روديكا "إذا كانت الممارسة الاجتماعية قائمة على ترتيب الميلاد، فبالتأكيد، سيؤثر ترتيب الميلاد على نتائجك". هل العمر مجرد رقم؟ يشرح الباحثون كيف يمكن الخلط بسهولة بين التجارب المرتبطة بالعمر وسمات الشخصية أو السلوكيات التي يُعتقد أن ترتيب الولادة يؤثر فيها. خذ على سبيل المثال الأخ الأكبر "المسؤول": "مع تقدم الناس في العمر، يصبحون أكثر تحملاً للمسؤولية وضبطاً للنفس. لذا فإن الطفل البكر سيكون دائماً أكبر سناً من الأخوة الأصغر، وعندما تراقب أطفالك وهم يكبرون، ستجد أن البكر دائماً أكثر مسؤولية"، كما يوضح داميان. وتضيف: "الأمر الآخر أن الناس يصبحون أكثر وعياً بذواتهم مع تقدم العمر. لذا قد يبدو الطفل الثاني أكثر اجتماعية وأقل عصابية، لأن الطفل في العاشرة من عمره يكون أكثر سعادة وثقة بنفسه... مقارنةً بمراهق الأربعة عشر عاماً الذي يقلق من كل شيء. هذا ببساطة لأن كل مرحلة عمرية لها تحدياتها المختلفة". ومن العوامل المهمة أيضاً، دوائر صداقة الأطفال. تشير دراسات متعددة إلى وجود صلة بين الأقران الجانحين والسلوك الجانح، على سبيل المثال، لذا قد يكون الطفل الأكبر سناً أكثر ميلاً لكسر القواعد اعتماداً على الأشخاص المحيطين به. الأشقاء الأذكياء وكما ذكرنا سابقاً، من النتائج الثابتة التي تَظهَر في أبحاث ترتيب المواليد: العلاقة بين ترتيب المواليد والذكاء، حيث يُظهر المواليد الأوائل متوسطاً أعلى قليلاً في السمات المتعلقة بالذكاء مقارنةً بالمواليد الأصغر سناً. تقول روديكا: "يظهر هذا الارتباط بالذكاء غالباً في نتائج اختبارات الذكاء اللفظي، وله تأثير ضئيل جداً". تماماً مثل إجراء اختبار مرتين، فمن المرجح أن نتيجتك "ستعتمد على اليوم أو الحالة المزاجية، أو ما تناولته في ذلك الصباح، أو مدة نومك". ويمكن تفسير ذلك أيضاً بالتحفيز المعرفي في السنوات الأولى من الحياة. تُشير روديكا إلى أنه كلما زاد عدد البالغين لكل طفل في الأسرة، زاد تعاملهم مع اللغة والمفردات الناضجة. ولكن عندما يكون هناك عدد أكبر من الأشقاء المولودين في الأسرة، فقد تنخفض مستويات التحفيز المعرفي. وتقول "لذا، فالأمر لا يتعلق بذكائهم الوراثي أو امتلاكهم إمكانيات أكبر، بل يتعلق الأمر بارتفاع معدل ذكائهم اللفظي في الاختبار، الذي قد يُعزى إلى معرفتهم بكلمات أكثر، لأن عدداً أكبر من البالغين تحدثوا إليهم مقارنةً بالأطفال الآخرين". وتضيف "مع وجود طفلين، ربما يُخصص جزء من وقت القراءة لإدارة تفاعلات الأشقاء حيث يكون المدخل اللفظي أقل تأثيراً". وهناك أيضاً اقتراحات بأنه عندما يُعلّم الأشقاء الأكبر سناً أشقاءهم الأصغر سناً، أو يشرحون لهم الأمور، فإنهم يستخدمون "موارد معرفية أكبر". ومن المثير للاهتمام أن أنماط الذكاء هذه لا تُطبّق عالمياً. فعلى سبيل المثال، تختلف بيانات الدول النامية عن بيانات الدول المتقدمة. ففي إندونيسيا، من المرجح أن يحظى الأشقاء المولودون لاحقاً بفرص تعليمية أفضل من أشقائهم الأكبر سناً، ربما بسبب القيود المالية، التي تخفّ فقط عندما يبدأ الأشقاء الأكبر سناً بالمساهمة في دخل الأسرة. ووفقاً لروديكا وزملائها، فإن لترتيب الميلاد "تأثيرات ضئيلة" على المسارات المهنية أيضاً. ففي الماضي، كان الاعتقاد السائد بين العلماء أن الأخ الأكبر غالباً سيدخل مساراً أكاديمياً أو علمياً، بينما سيدخل الأخ الأصغر مساراً أكثر إبداعاً. لكن روديكا وجدت عكس ذلك. ففي دراستها الطولية، التي شملت عينة من طلاب المدارس الثانوية الأمريكية عام 1960، ثم نفس المشاركين بعد 60 عاماً، وانتهى المطاف بالأبكار في مسارات مهنية أكثر إبداعاً. هل الأطفال الوحيدون "أنانيون"؟ غالباً ما يُنظر إلى الأطفال الوحيدين على أنهم أكثر أنانية من الأطفال المولودين مع أشقاء، بدعوى عدم اضطرارهم للتنافس على اهتمام الوالدين. ومع ذلك، أظهرت دراسات حديثة أن هذا ليس صحيحاً، وأن النشأة بدون أشقاء لا تؤدي إلى زيادة الأنانية أو النرجسية. وتشير أبحاث أخرى إلى أن السلوكيات الاجتماعية للأطفال الوحيدين مقارنةً بالأطفال الذين لديهم أشقاء ليست كبيرة أو منتشرة، و"قد تتقلص مع التقدم في السن". ولم تشمل أبحاث ترتيب الولادة عادةً الأطفال الوحيدين، بحجة أنه لا يمكن مقارنتهم بإنصاف بالأطفال الذين نشأوا مع أشقاء. ومع ذلك، من الممكن مقارنة سمات شخصية الأشقاء والأطفال الوحيدين، وفقاً لورقة بحثية نُشرت عام 2025 من قِبل مايكل أشتون، أستاذ علم النفس في جامعة بروك، كندا، وكيبيوم لي، أستاذ علم النفس في جامعة كالغاري، كندا. وقد قدّمت دراستهما بعض النتائج الجديدة والمثيرة للاهتمام. إذ درست الدراسة العلاقة بين الشخصية وترتيب الميلاد وعدد الأشقاء، لدى 700 ألف بالغ عبر الإنترنت في عينة واحدة، وأكثر من 70 ألف في عينة أخرى منفصلة. وسجّل الأشقاء الأوسط والأخير متوسط درجات أعلى على مقايّس "الصدق والتواضع واللطف" مقارنةً بالأشقاء البكر. ويقيس "الصدق والتواضع" مدى صدق الشخص وتواضعه، ما يعني أن الشخص الذي يحصل على درجات عالية من غير المرجح أن يتلاعب بالآخرين، أو يخالف القواعد، أو يشعر بأنه صاحب حق. أما الشخص الذي يحصل على درجات منخفضة، فقد يكون أكثر ميلاً لخرق القواعد، وقد يشعر بأهمية كبيرة لنفسه. وعلى مقياس اللطف، يميل الشخص الذي يحصل على درجات عالية إلى التسامح، والتساهل في الحكم على الآخرين، وضبط النفس، والاستعداد للتنازل، بينما قد يكون الشخص الذي يحصل على درجات منخفضة حاقداً، وعنيداً، وسريع الغضب، وينتقد الآخرين. يقول أشتون ولي: "كانت هذه الاختلافات ضئيلة الحجم، خاصةً عندما تشمل المقارنات أفراداً من عائلات لديها نفس العدد من الأطفال. في المقابل، كانت الاختلافات في هذه الأبعاد بين أفراد أسرة ذات طفل واحد (أي الأطفال الوحيدين) وأفراد أسرة ذات ستة أطفال أو أكثر أكبر بكثير، في مكان ما بين الأحجام يسميها علماء الاجتماع "صغيرة" و"متوسطة". فأتساءل، هل تأثير ترتيب الولادة مجرد نظرية زومبي – أي مفهوم خاطئ لكنه يرفض الزوال؟، ولا توافق جوليا روهرر على ذلك. وتقول: "لست متأكدة مما إذا كنت سأسميها نظرية زومبي. من المنظور العلمي، أعتقد أن الدراسات العلمية تتقدم بشكل مثمر". لذا، قد نحصل يوماً ما على إجابة أوضح حول ما معنى أن تكونين الابنة الكبرى. إلى ذلك الحين، سأستمر في جعل أختي الصغرى تعتقد أنني أذكى منها بطبيعتي.