
ماري روز أميدي مدرسة الغيرية الصامتة شخصية استثنائية و"أمّ ثانية" لسعيد عقل
تنتظرها أقلام العباقرة لتكتب عجباً في السيدة اللبنانية الأرمنية ماري روز أميدي، تلك المريم التي أحبت كثيراً وستُحَبُ كثيراً، تلك الجنديّة المجهولة في خدمة لبنان الجريح، ذاك الصوت المدوّي دون ضجيج، تلك الحورة الفي ظلها استلقت بعلبك، "الأرجوحة الثانية" لعظيم عظماء لبنان، سعيد عقل!
من جدتها لأبيها السيدة مينا كجك قسطا المشهود لها بصلابتها ومبادئها وما كانت عليه من هيبة ووقار في مجتمعها حتى من الذين يكبرونها سنّاً، فيقبّلون يدها احتراماً لاستقامتها في حياتها اليومية ودعمها، أيام الحرب، للمقاومين الشباب الأبطال بوجه السلطات التركية زمانئذٍ، من تلك الجدّة التي تربّت وربّت أجيالاً على الكِبَر، تعلّمت ماري روز وغبّت الكثير الكثير، وعنها أخذت أن الابتسامة، لا القهقهات، هي ميزة "بنات العيل"، فبقيت الابتسامة علامة فارقة على وجهها الملائكي!
من والدتها السيدة جوليات الحائزة، بشهادة سعيد عقل، ثمانين دكتوراه في الفهم، تعلّمت أن تُبقي فمها نظيفاً، وسمعها نظيفاً، ونظرها نظيفاً، وشمُّها نظيفاً. فكأني بحواسها أمام سبحانه عرش الله، تحترس احتراساً دخول ما يمسُّ حياء قدسيته أو يخدشه!
من والدها أنطوان الذي عاش ألم التهجير والإبادة الأرمنية، تعلّمت، هي وأخوتها جميعاً حب الوطن وخدمته والاستماتة من أجله، لكيما لا يذوقوا الكأس نفسها مرتين. فأخذت منه، على وقع طبول الحرب، عدم الوقوف حياداً أو الاختباء من أظفار الحرب وأنيابها، بل الاندفاع والدفاع بكل ما أعطاها الله من قوة وقدرة، قدرة تتحدى بها الأقدار!
وكان أن تجنّدت طوعاً، لأكثر من سنتين دون انقطاع أو توقف أو تأفف، في مستشفى أوتيل ديو، تستقبل المقاتلين، تخدمهم وتبلسم جراحهم تارة بالدواء وطوراً بابتسامتها الحنون ويديها الطاهرتين!
بعد تلك المرحلة، غداة استقرار الوضع آنذاك، قرّرت ماري روز الارتقاء بمسيرتها في خدمة لبنان، بجهود أكثر وأكثف، وبمُدّة لا تقلّ عن العمر الذي سيمدّها به الله!
وإذ بها تسمع معلم لبنان يصدح من شاشة التلفاز، بأن "كل مقاتل لبناني يمسح بندقيته في تراب لبنان، يكون كأنه مسحها على وجه الله!" فتقصده على الفور، بلباسها وقلبها الأبيض، وتقدم نذورها لديه، ليمسحها أمًّا ليتامى ثلاثة، كان هو الأب الفاضل لهم مدة ثلاثين عاما: الله، العقل، ولبنان!
هكذا بدأ المشوار معا، تقصده مياومةً، تشرف على أعمال السكرتيرتين الكانتا تعملان لديه، تدفّق عصارة نباهتها وانتباهها في جريدة لبنان، سطراً سطراً، كلمةً كلمةً، وحتى فراغا فراغاً، تعطي ما لديها من حبات رمل وتضعها على طاولة المعلم لتزهر فرحا ومجدا للبنان الغد. هذا العمل الرسولي الجلل التي واظبت عليه ماري روز أميدي ردحاً من زمنٍ، كان يرافقها في عملها في مدرسة Lycée de la Mission Laïque Française حيث كانت تعلّم مادة الرياضيات، وفي تعليمها تطرح من العقول السلبيات، وتجمع القيم في النفوس، وتجذّر في الدواخل العنفوان اللبناني!
وكان لها ما كان من مسيرة على درب المعلّم وفي دروبه، في تحضيراته ومحاضراته، في فتح قلبها وبيتها على مصراعيه، أربعاءات ذاك الزمن الجميل، لاستقبال عشرات مريدي المعلم ومحبيه يتناولون منه ومعه غذاء العقل والجسد!
إلى جانبه بقيت، تعتني وتغتني من دون أن تقتني، تحتفظ بقصاصات الجرائد والمجلات التي يقع عليها تصحيح المعلم وتنقيحاته في الاقتصاد والسياسة والتاريخ والجغرافيا واللاهوت. كيف لا، وهي العارفة أن حزًّ قلم المعلم على الورق سينحفر أبداً في صخور لبنان وصدوره؟!
نعم، ماري روز أميدي، هي المريم الأخرى التي قالت نعم، مع وعيها ما سيرافق هذي "النعم" من سهر وجهد وتضحيات، من وقتها ومالها وغزارة علمها وثقافتها. حفظت كل شيء في قلبها الذي اجتازته سيوفٌ كثيرة، كان المعلم قد تنبه ونبهها منها مراراً، حافظت على إرث المعلم، حفظته من الضياع وحفظته عن ظهر قلب، (عينك تراها تتجلى وهي تلقي من "الذهب قصائد" أو من "عشتريم" أو "القداس الإلهي" أو الخماسيات!)
إكراماً لتلك "النّعم"، أنعم عليها المعلم بثلاثة: إهداؤه لها كتاب "عشتريم"، تلك التي رأى كثيراً من صفاتها الملكية والملائكية تلتمع في شخص السيدة أميدي وشخصيتها، والثانية أن خصّها بقصائد وخماسيات لا أجمل منها ولا أنقى. كيف لا وماري روز عنده هي أمه الثانية وملاكه الأرضي وأرجوحة الكهولة؟ والثالثة أن أوصى وتنازل لها عن حقوقه المادية والمعنوية الناتجة من إرثه الأدبي العريق، لتنقله بدورها إلى مستحقيه وترفعه إلى منارة الأجيال القادمة!
بلى، سعيد عقل الفَلّ وترك عطراً في هذا الكون، أراد أن تكون ماري روز أميدي وحدها تلك "الوردة الحمراء" لتحتوي عطره جميعاً، ومنها وبها ومعها يعبق هذا العطر من جديد، ويحتلّ المكان والزمان، وما بعد المكان، وما بعد الزمان!
ليست بشخصية عابرة في الحياة، والأهم، في حياة المعلم سعيد عقل، بل حدث تاريخيّ ومفصليّ، وجزء لا ينجزئ من مسيرته العبقرية. وما كانت لتلك المسيرة أن تكتمل "ويتم كل شيء" إلا بقولها "النعم الأخيرة" حيث لبّت نداء المعلم من عليائه في ليلة عيد ميلاده لتشاركه فرحته ويكون فرحه عظيما في السماء!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ 20 دقائق
- صوت لبنان
هل يُجنّب لبنان شبح التصعيد العسكري؟
كتب ابراهيم العرب في 'اللواء': تزامناً مع وصول الموفد الأميركي توماس باراك إلى بيروت لتسلُّم الردّ اللبناني على المبادرة الأميركية الجديدة، تبلورت ملامح الموقف الرسمي، ففي أساسيات الردّ، تشديد على أن لبنان التزم بالقرار 1701، وباتفاق وقف إطلاق النار، وعمل على تفكيك بنية حزب الله العسكرية في جنوب نهر الليطاني، لكن الردّ لم يتحدث عن العمل في شمال الليطاني، ولم يحدّد مهلة زمنية لذلك. خصوصاً في ظل تمسّك «حزب الله» المطلق بسلاحه ورفضه غير المباشر أي نقاش بشأن حصر القوة بيد الدولة. ولا يبدو الرد اللبناني بأنه شفى «الغليل» الأميركي، فالمبادرة الأميركية، من وجهة نظر واشنطن، تنطلق من قناعة بأن استقرار لبنان وإعادة إعمار مناطقه المتضررة لا يمكن أن يتحققا في ظل وجود قوة مسلّحة موازية لمؤسسة الجيش. ومن هنا، اشترطت الورقة الأميركية ضمانات صريحة بعدم وجود تنظيمات عسكرية خارج إطار الشرعية. في المقابل، استند «حزب الله» في دوائره المغلقة إلى ما وصفه بـ«الانتصار» في الصمود أمام القصف الإسرائيلي و«منع الاجتياح الكامل» لجنوب لبنان، ليبرّر احتفاظه بالسلاح، معتبراً أن الظروف غير ملائمة لأي نقاش من هذا النوع. لا سيما أن بعض المقرّبين منه رأوا أن اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 جاء نتيجة خطأ بالحسابات وشروط مجحفة وسوء بالتفاوض، لا بفعل ضغط عسكري على الحزب. ورغم حرص الرؤساء اللبنانيين الثلاثة على تهدئة الداخل وتفادي التصعيد، فإنهم يدركون في قرارة أنفسهم أن استعادة النقاط اللبنانية الخمس المحتلة ووقف العدوان الإسرائيلي يتطلبان دعماً أميركياً واضحاً، وسط وصول رسائل تحذّر من أن إضاعة هذه الفرصة قد تعيد لبنان إلى دوامة التصعيد العسكري الإسرائيلي. وفي هذا السياق، يبرز دور رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري كوسيط أساسي قادر على تليين موقف الحزب من خلال الضغط عليه، خاصة مع دخول المملكة العربية السعودية على خط الوساطة من خلال الأمير يزيد بن فرحان، الذي أعلن استعداد بلاده تقديم ضمانات لدعم إعادة الإعمار شرط الالتزام بالإصلاحات وحصر السلاح بيد الدولة. لكن الخطر لا يكمن فقط في المواقف السياسية، بل في ترجمتها على الأرض. فبينما كان البحث جارياً في مصير سلاح «الحزب»، شهدت شوارع بيروت ظهوراً مسلحاً علنياً خلال ذكرى عاشوراء، على بُعد مئتي متر من السراي الحكومي. هذا الاستعراض، الذي حمل شعارات طائفية، مثّل انقلاباً على روح المناسبة، التي لم يكن ليريدها الإمام الحسين رضي الله عنه إلّا ذكرى وحدة وعدالة، لا مناسبة لاستعراض القوة. وما يهدّد السلم الأهلي حقيقةً، ليس فقط وجود سلاح خارج الشرعية، بل أيضاً استغلال الشعائر المقدّسة لتحقيق أهداف فئوية غير مشروعة. وقد دان رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام هذه العراضات المسلّحة واعتبرها «غير مقبولة بأيّ شكل»، مطالباً وزيري الداخلية والعدل باتخاذ إجراءات فورية تحفظ هيبة الدولة. وسرعان ما تحرّكت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، فأوقفت عدد من المشاركين في هذه العراضات، مؤكدة أن بيروت ليست ساحة مستباحة، بل عاصمة يجب أن تُحمى. هذه الخطوة، شكّلت رسالة واضحة بأن الدولة قادرة على بسط سلطتها، وأن الأمن لا يُفرض بالشعارات، بل بالقرار الحازم والعمل الميداني. وفي هذا السياق بالذات، لا بدّ من استحضار القيم التي مثلها الإمام الحسين – قيم الرحمة والعدالة والإصلاح – والتي تتناقض كلياً مع مشاهد الاستقواء بالسلاح. فحصر السلاح بيد الدولة لا يتعارض مع روحية عاشوراء، بل هو امتداد طبيعي لها. وكما لا يُبنى الاستقرار في ظل ازدواجية السلاح، لا تُحفظ المناسبات الدينية بالاستعراضات المسلحة، بل بالالتزام بالقانون ومنطق الدولة. وعليه، فإن «حزب الله» يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الانخراط في مشروع الدولة والتخلّي التدريجي عن السلاح ضمن تسوية وطنية تحفظ الاستقرار وتعزز مؤسسات الدولة، أو الإصرار على معادلة ازدواجية السلاح والسلطة، بما يحمله ذلك من مخاطر داخلية وعربية. والمبادرة الأميركية تتيح للحزب فرصة جدية للخروج من حالة العزلة، خصوصاً أنها تتكامل مع مضمون اتفاق الطائف، الذي نصّ بوضوح على تسليم جميع الميليشيات أسلحتها للدولة. هذا البند، الذي لم يُستكمل تنفيذه بسبب ظروف إقليمية سمحت بوضع استثنائي تمثّل في استمرار «الحزب» بالتسلّح، وهو ما بات يتطلّب، كما شدّد الرئيس نواف سلام، إعادة التأكيد على تطبيق كامل لبنود الطائف، في طليعتها احتكار الدولة وحدها لوسائل القوة. ولكن يُستشفّ من تصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك في القصر الجمهوري، أنّ واشنطن تُفضل أن يتولى لبنان معالجة ملف سلاح حزب الله بنفسه، ولا تنوي التدخّل مباشرةً، بمعنى أنها تريد أن يتم سحب السلاح بشكل علني ورسمي، من خلال إصدار قرار واضح في مجلس الوزراء يلتزم بحصر السلاح بيد الدولة، ويتضمن آلية تنفيذية مفصّلة وجدولاً زمنياً دقيقاً للتنفيذ؛ فيما يرفض حزب الله طرح هذا الملف في مجلس الوزراء، محذراً من أن اتخاذ مثل هذا القرار قد يؤدي إلى اهتزاز الحكومة ودخول البلاد في أزمة سياسية جديدة قد تفتح الباب أمام توترات داخلية. وهنا يبرز التساؤل المشروع: هل يُمكن فعلاً اتخاذ قرار من هذا النوع في مجلس الوزراء في ظل الانقسام السياسي الحاد؟ وإن حصل، فهل ستُرفق به آلية تنفيذية تضمن التطبيق الفعلي، أم سيبقى حبراً على ورق في مواجهة الوقائع المعقّدة؟ ويبقى أن نؤكد، في الختام، أن حماية بيروت من الفوضى مسؤولية جماعية لكل القوى السياسية والدينية والاجتماعية، تماماً كما أن التمسّك بذكرى عاشوراء وتنوّعها وقدسيتها هو الترجمة الفعلية لقيمها. فالعاصمة ليست ساحة للاستقواء على أحد، بل منارة للعيش المشترك. وبيروت التي دفعت أثماناً باهظة في حروب الآخرين، تستحق أن تُحمى وتُكرّم، لا أن تُرعب وتُستباح. فبالله عليكم، احموها وأكرموها قبل فوات الأوان.


صوت لبنان
منذ 26 دقائق
- صوت لبنان
بري: انا دائما لا ألغي الحذر من حسباني
الجمهورية تجنّب الرئيس بري تناول أيّ تفصيل إضافي مرتبط بالردّ اللبناني، على ما سبق وقاله بأنّه بُني بحرص كبير على مصلحة لبنان وسيادته، وأخذ بهواجس اللبنانيين كافة وكذلك بمطالب «حزب الله». واكتفى بالقول رداً على سؤال لـ«الجمهورية» عمّا اذا كان يتوقع ترجمة إيجابية للردّ اللبناني: «إن شاء الله». وعندما سُئل عمّا إذا كان مطمئناً، وإن كان منسوب التفاؤل عالياً لديه، اكتفى بالقول: «انا دائما لا ألغي الحذر من حسباني، فلننتظر ما ستؤول إليه الأمور، وعلى ما أقول دائماً لا تقول فول قبل ما يصير بالمكيول».


LBCI
منذ 32 دقائق
- LBCI
عبد الله: الاعتداءات على "اليونيفيل" يجب ألا تتكرر... وكان يجب اطلاع مجلس الوزراء على ورقة براك
شدّد النائب بلال عبد الله على أن الاعتداءات على "اليونيفيل" يجب ألا تتكرر، لافتا الى أن هناك مصلحة وطنية كبرى بالمحافظة على دورها. وقال عبد الله في حديث للـLBCI: "هناك محور بقيادة ايران خسر وبيروت كانت جزءا منه وعلى لبنان أن يحصن نفسه ويحافظ على مصالحه ودوره". وأكد، أنه كان يجب اطلاع مجلس الوزراء على ورقة المبعوث الأميركي توم براك ومناقشتها فيه. النائب بلال عبدالله للـLBCI: كان يجب اطلاع مجلس الوزراء على ورقة براك ومناقشتها فيه #LBCINews — LBCI Lebanon News (@LBCI_NEWS) July 10, 2025 ولفت الى أن اسرائيل تعطي ذرائع لنفسها بما تفعله في الجنوب، مشيرا الى أن التحليل يقول إنها تحضر لاستئناف العدوان على لبنان. وأكد عبد الله أن مصلحة لبنان تقتضي بالاسراع في العمل باتجاه بسط سيادة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.