
خطبة الهدهد.. من سبأ بنبأ
لا أنقطعُ عن عادة فتح التليفزيون أثناء خطبة الجمعة وإشعال البخور في إرجاء البيت كما كانت تفعل أمي وجدتي، لكنه حرصٌ على التقليد والطقس الظاهري فقط بينما أظلُّ منغمسة فيما أفعل وأنا أختلسُ كلمة من هنا أو هناك من موضوع الخطبة.
أعتقد بإيماني الشخصي الخاص أن واحدًا من الأهداف الأساسية لخطبة الجمعة هو جمع المسلمين حول موضوع يهمّهم أو يشغلهم حسب اختلاف المكان والزمان، بل إنها تلعب أدوارًا اجتماعية هامة مضافة إلى الدور الإسلامي.
فخطبة الجمعة في قرية تتعرض بناتها للتزويج المبكّر أو قرية يموت فيها الأطفال في المصانع الكيماوية التي يلحقهم بها آباؤهم ستختلفُ حتمًا عن الخطبة في مجتمع مُنعَّم يسكنه ميسورو الحال فربما وجب تذكيرهم بأهمية إخراج الزكاة والصَّدَقة أو تعليم أبنائهم حدود العلاقة بين الشباب والبنات في سن المراهقة وضرورة احتواء الآباء لأبنائهم ومراعاة مراحلهم العمرية، كل هذا تحت المظلة الكبيرة للدين وهي درء المفاسد وجلب المنافع في إطارات صغيرة تحددها متغيرات الزمان والمكان والتشريح السكاني والاجتماعي.
ربما تكون هذه هي الأسباب التي جعلتني أشعر منذ سنوات أن خطبة الجمعة العامّة لا تخاطبني بذاتي وأنني أجد طريقي الخاص إلى أي تذكِرة أحتاجها أو فتوى أو معلومة بعيدًا عن هذا الخط التقليدي الذي لم أعُد أرجو منه غير الطقس الأسبوعي.
لكنني اليوم توقفتُ تمامًا أمام الخطبة المنقولة على التليفزيون المصري من الجامع الأزهر الشريف للشيخ الدكتور إبراهيم الهدهد الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، تحدثت الخطبة عن "السَّعي"، عن تمام التوكُّل والأخذ بالأسباب دون ربط السعي بحتميّة النتيجة شرحًا لما يُسمّى بـ "عبادة الأسباب" وهو مفهوم إيماني عميق يعني الانتقال من التعلُّق بالله وبإرادته في تحقيق مُراده إلى التعلُّق والتعويل على السببية وأن هذه السببية ستؤدي حتمًا للنتائج المرجوّة دون اعتبار ليدِ الله التي تحرُّك أيّ شيء في أيّ أتجاه سواء مع إظهار الحكمة من ذلك أو حجبها.
الموضوع يبدو بسيطًا وواضحًا، لكنه في رأيي موضوع هام لسبيين؛ الأولى هي ملاءمته التّامة لحالة غلاء الأسعار والضغوط الاقتصادية التي تمرّ بها الأسرة المصرية والتي تلمسها جميع الطبقات الاجتماعية ولا تخفى على أحد، وهو تغيُّر واضح وانتقال واعي من الخطابِ المُحبِط عن الزُّهد والتقشُّف إلى خطاب الأمل والسعي وتكرار المحاولات مع التعلُّق بمُسبب الأسباب وليس الأسباب نفسها. السبب الثاني هو أنها خطبة إنسانية إصلاحية وتذكِرة أساسية يحتاجها الإنسان في عموم رحلته البشرية أيًا كانت اهتماماته أو توجهاته الفكريّة.
لا أريد أن أستفيض في تكرار ما جاء بالخطبة لكنني أردت أن أخصص هذه المساحة لتقديم الشكر للدكتور إبراهيم الهدهد هذا العالِم المُدرِك لأهمية المنبر والذي لديه من المرونة اللغوية والعمق والتمكُّن العلمي ما يجعله أهلًا للهدف الأهم الأسمى من تقديم الموعظة الأسبوعية، وأوقن كذلك أنه على هذه الدرجة الرفيعة من العلم وفصاحة الخطاب إن خطب عن السعي أو خطب عن أحقيّة الأطفال في عيدية العيد أو عن معاملة الزوج للزوجة، فالمنهج العلمي واحد والفصاحة اللغوية واحدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 4 ساعات
- مصرس
باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة
قال أحمد عبد العال، الباحث بمرصد الأزهر يمنع التطرف، إن الرد على التنظيمات المتطرفة لفكرة الخوف من العذاب يبدأ من استحضار قول الله: "ورحمتي وسعت كل شيء". ولهذا السبب ولهذا السبب البُعد العلمي والنفسي عند هذه الحالة، خاصة أن تلك التنظيمات تستغل الاستخدام الفارغ كأداة للتحكم في الأشخاص، وإجبارهم على مطالبتهم بأوامرها دون إعمال للعقل أو أي تفكير نقدي.وأضاف عبد العال، خلال حلقة برنامج "فكر" ، المذاع على قناة الناس، يوم الجمعة، أن هذا النوع من التسمم المؤلم تأصيل واضح واستغلالًا للدين، وبهتانًا على الله وكذبًا على رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي وازن دائمًا بين الخوف والرجاء. واستشهد بحديث نبوي شريف، قال فيه صلى الله عليه وسلم عندما شابًا يحتضر وسأله: "كيف تجدك؟"، فأجاب الشاب: "إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نجتمع في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف".وأوضح أن الدراسات الحديثة الفاخرة قررت أن يستفيد من العذاب الإلهي دون المطبخ بالرجاء، قد يؤدي إلى خدمة نفسية شديدة، كالاكتئاب والقلق المزمن، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى الانتحار، وهو ما يجعل من الضروري فهم الدين وفق منهج وسط مزن، لا إفراط فيه ولا تفريت. مشيرًا لقول الله تعالى: "ولا تطع الكافرين والمنافقين ودعهم"، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".اقرأ أيضا | باحث بمراقبة الأزهر: الحاكم التطرف تتحكم الولاء للتنظيم إلى شرطة للإيمانووجه عبد العاله إلى الشباب قائلاً: "إن خوف من الله في الإسلام أصلاً لتزكية النفس، ولكنه مشترك دائمًا بالرجاء في رحمته، بحيث لا يتحول إلى يأس، ولا يتحول الرجاء إلى غفلة. فالقرآن الكريم نفسه يقول: فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين، ويؤكد أن الله سبحانه وتعالى عن تعذيب عباده، ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم والله شاكراً عليماً حديثاً".باحث بمراقبة الأزهر: الحاكم التطرف تتحكم الولاء للتنظيم إلى شرطة للإيمانوأضاف أن الباحث أن خوف فتاة لا غاية، هدفه تهذيب النفس لا قهرها أو جلدها، وأن المتطرفين حولوه إلى سلاح في فرض السيطرة على العقيدة على الناس، بينما يدعو الإسلام إلى تعليم إيمانية تبدأ بمحبة الله، والخوف من البُعد عنه الحقيقي، وليس الخوف من صور العذاب وحده. فأساس الخوف في الإسلام هو الحب، كما قال: "والذين آمنوا حباً لله".المعلومات على أن الخوف والرجاء جناحا المؤمن، لا سيئة من الاختلافات ليستقيم حاله في الدنيا، ويصل بسلام إلى الرحمة ربه في الآخرة.


نافذة على العالم
منذ 7 ساعات
- نافذة على العالم
موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين.. كم يومًا إجازة؟
الجمعة 11 يوليو 2025 11:10 مساءً نافذة على العالم - إجازة المولد النبوي.. تساءل الكثير من المواطنين عن موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين، باعتبارها أقرب مناسبة ستكون عطلة رسمية لكل العاملين في الدولة بعد إجازة ثورة 23 يوليو. موعد إجازة المولد النبوي وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص موعد إجازة المولد النبوي، وذلك من خلال خدمة متقدمة تتيحها لمتابعيها في جميع المجالات، ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنـــــــا. موعد إجازة المولد النبوي وكشفت أجندة العطلات الرسمية عبر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، أن إجازة المولد النبوي 2025 ستكون يوم الخميس الموافق 4 سبتمبر 2025، الموافق 12 ربيع الأول 1447 هجريًا، وذلك كعطلة رسمية مدفوعة الأجر لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص. ويُعد المولد النبوي الشريف من أبرز المناسبات الدينية التي تحظى بمكانة كبيرة في قلوب المصريين، إذ تُنظم خلاله فعاليات دينية متعددة، أبرزها المجالس التي تتناول السيرة النبوية، والابتهالات والمدائح التي تعكس محبة المسلمين لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. حكم الاحتفال بالمولد النبوي وأوضحت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أمر مستحب شرعا، وله أصل في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأجمع عليه علماء الأمة. وبينت أن من مظاهر هذا الاحتفال التعبير عن الفرح والسرور بقدوم النبي، وذلك من خلال الذكر، والإنشاد، والصيام، والقيام، وإطعام الطعام صدقة لله. وأكدت «الإفتاء» على أن الاحتفال بهذه المناسبة يجب أن لا يخرج عن إطار المشروع، بل يعبر عن محبة صادقة للنبي الكريم، كما يُعد فرصة لغرس القيم النبوية والاقتداء بأخلاقه وسنته. الإجازات الرسمية المتبقية في مصر حتى نهاية عام 2025 - عيد ثورة 23 يوليو، الأربعاء 23 يوليو 2025. - إجازة المولد النبوي، الخميس 4 سبتمبر 2025. - عيد القوات المسلحة، الإثنين 6 أكتوبر 2025.


بوابة الأهرام
منذ 8 ساعات
- بوابة الأهرام
الحماية الفكرية فى مواجهة انحرافات الجماعة
تسعى جماعة الإخوان منذ نشأتها للوصول إلى الحكم، وهذا ما جعلها تتعامل بكل وسيلة مع كل ما يعرض مشروعها السياسي للتعطيل أو الإلغاء. والخطير في ذلك هو سبيل العنف المسلح، الذي اتُّخِذ سبيلاً للقضاء على النظم القائمة والوصول إلى السلطة قسرًا، كوسيلة لتطبيق تصورات ورؤى تجنح إلى الماضوية وتفتقر إلى النضج والواقعية. كل ذلك لدوافع وأهداف وأطماع؛ فتارة لإحياء الخلافة المزعومة، وتارة بإدعاء رفع المظلومية عن الناس، وأخرى بادعاء عدم تطبيق الشريعة الإسلامية. والمثير للعجب أنها هي نفسها التي لم تعتنِ بالعقيدة الصحيحة، ولا بالمقاصد والأحكام الشرعية، وإنما جُلّ أعمالها قائمة على زعزعة الأمن والاستقرار، وخلخلة التعايش في الوطن، ووصفه بأبشع الصور، بالإضافة إلى نشر الأكاذيب والأراجيف، والتستر بالدين للوصول إلى غاياتها وأهدافها. ثم ما تقوم به من أعمال إرهابية تسببت في الإفساد وإثارة الخراب وتفريق الأسر.ولعل المتتبع لمسيرة جماعة الإخوان منذ نشأتها يلحظ أن تاريخها حافل بالشرور والفتن، فهي تحاول دائمًا بثّ الفرقة بين مكونات المجتمع، وتشق عصا طاعته، وتبث الشبهات وتؤسس الكيانات المتطرفة، فهي دون أدنى شك معول هدم في المجتمع. ولذلك يقول المؤسس حسن البنا: «على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم، ولا إنتاج إلا في خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون». فقد اجتمع في دعوتهم الكذب والتدليس والافتراء، وتتضح علامة الجهل وسمات الانحراف الفكري في بُعد الإنسان عن مصادر التشريع، وعدم العمل بمنهج السلف الصالح في فهم كتاب الله وسنة رسوله. وهنا يقول حسن البنا عندما سئل عن أفضل التفاسير التي ينصح بقراءتها: «إن كنت تريد نصيحتي، فلا داعي لقراءة التفاسير، إن القرآن واضح، وحسبك أن تعرف الكلمات الغريبة عليك ـ وهي قليلة ـ ثم اقرأ وتدبر معانيه، وافتح له قلبك». ولا أدلّ على عدم عنايتهم بالعقيدة مما يتجه إليه أتباعهم ورموزهم من انحراف عقدي وفكري في أقوالهم وتصرفاتهم المنشورة في تراثهم ومؤلفاتهم. وهنا ينتقد أحدهم من يتقيد بمنهج السلف الصالح في التمسك بالعقيدة وتحريم الشرك بالله عبر التبرك بالأضرحة والقبور، فيقول حسن الترابي: «إنهم يهتمون بالأمور العقائدية وشرك القبور، ولا يهتمون بالشرك السياسي، فلنترك هؤلاء القبوريين حول قبورهم حتى نصل إلى قبة البرلمان».فهم يسيرون وفق ما تقتضيه مصالحهم الذاتية ومنهجهم الحزبي، وليس العناية بجوانب العقيدة. وها هو حسن البنا يثبت هذا الانحراف الفكري فيقول: «فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقًا».فإن لم تكن الخصومة دينية، فما هي إذن؟ ومن هم: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غير المغضوب عليهم ولا الضالين»؟ التي وردت في سورة الفاتحة؟ ومن الذين قال الله فيهم: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وقال تعالى: وَ«قَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّه»ِ. ولذا، من كان غير ضليع بالعلوم الشرعية، وغير ملمٍّ بأقوال العلماء وآرائهم، وشروحاتهم وفتاواهم، لا يمكن أن يدرك حقيقة الأحكام والمقاصد الشرعية. ولا تهنأ هذه الجماعة حتى تجعل من دعوتها المنحرفة تطوافًا على المجتمعات؛ لتؤثر فيهم وتحقق أهدافها الحزبية. ولذا نجدهم يسيئون إلى وطنهم الذي تربّوا وعاشوا فيه، وإلى قادتهم وولاة أمرهم وأنظمته، وكذلك إلى مجتمعهم وشعبهم؛ فيسفّهونهم ويتهمونهم بالجهالة. ويؤكد ذلك ما قاله سيد قطب في حق الوطن حين وصفه بـ «حفنة من تراب عفن» أما مع القادة وولاة الأمر، فهم يعملون باستمرار على تغذية الناس والمجتمع بكره الحكومة والنظام والتحريض عليه.وبالنظر في مجمل أقوال جماعة الإخوان الموثقة، نجد من أساليبهم غرس الأفكار المنحرفة والمبادئ الضالة في نفوس كثير من أبناء مجتمعناش، ونحن نعرف أن هذه الأفكار وهذه المبادئ التي ترسمها بعض الجماعات، من خلالها تجعل هذا الشخص أو ذاك ينتمي إليها، ويوالي ويعادي عليها، دون نظر إلى النتيجة التي تحدث بعد ذلك. وهو ما اتخذته جماعة الإخوان المنحرفة لخلخلة الأمن الفكري، أو إبعاد الناشئة عن الانتماء إلى وطنهم وحبّه، وعن السمع والطاعة لولاة أمرهم.وعندما تُصنَّف الجماعة بالإرهابية، فإنني أؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا التصنيف مبنيّ على دراسة الانحرافات الفكرية عند هذه الجماعة، إذ لم يصدر هذا الحكم إلا بحجة وبرهان. ----------------- العميد السابق لكلية التربية - جامعة بورسعيد