logo
مسرحية ترامب المذهلة

مسرحية ترامب المذهلة

الجزيرةمنذ 12 ساعات
في التاسع من يوليو/ تموز، افتتح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب قمة مصغّرة استمرت ثلاثة أيام في البيت الأبيض، بمشاركة قادة كل من الغابون، غينيا بيساو، ليبيريا، موريتانيا، والسنغال – وذلك من خلال إخضاع ضيوفه المميزين لمشهد إهانة علنية مدروسة بعناية.
لم يكن هذا هو المخطط، أو على الأقل، لم يكن الجزء الذي يُفترض بالجمهور أن يراه.
صرّح مسؤول في البيت الأبيض في الثالث من يوليو/ تموز بأن "الرئيس ترامب يؤمن بأن الدول الأفريقية توفّر فرصًا تجارية مذهلة تعود بالفائدة على كل من الشعب الأميركي وشركائنا الأفارقة".
سواء أكان ذلك من قبيل المصادفة أم من تخطيط محسوب، فقد انعقد الاجتماع في اليوم نفسه الذي صعّدت فيه إدارة ترامب حربها التجارية، من خلال فرض رسوم جمركية جديدة على ثماني دول، من بينها ليبيا والجزائر في شمال أفريقيا.
وقد شكّل هذا تناقضًا لافتًا: فبينما كان ترامب يزعم أنه يعمل على "تعزيز العلاقات مع أفريقيا"، كانت إدارته تعاقب دولًا أفريقية. وقد كشفت الصورة العامة عن التناقض – أو ربما الصراحة – في سياسة ترامب الأفريقية، حيث تُقدَّم الشراكة بوصفها مشروطة، وغالبًا لا يمكن تمييزها عن العقوبة.
افتتح ترامب القمة بخطاب استمر أربع دقائق، ادعى فيه أن القادة الخمسة المدعوين يمثلون القارة الأفريقية بأسرها. ولم يكن مهمًا أن دولهم بالكاد تظهر في إحصاءات التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا؛ ما كان يهم فعليًا هو الذهب والنفط والمعادن المدفونة في باطن أراضيهم.
وقد شكر "هؤلاء القادة العظماء… القادمين جميعًا من أماكن نابضة بالحياة، ذات أراضٍ ثمينة، ومعادن رائعة، واحتياطيات نفطية عظيمة، وشعوب مميزة".
ثم أعلن أن الولايات المتحدة "تتحول من تقديم المساعدات إلى التبادل التجاري"، مبرّرًا ذلك بالقول: "لأن هذا سيكون أكثر فاعلية واستدامة وفائدة من أي شيء آخر يمكننا القيام به معًا".
في تلك اللحظة، انهارت وهمية الدبلوماسية، وكُشف عن الطبيعة الحقيقية للاجتماع. فقد انتقل ترامب من دور رجل الدولة إلى دور الاستعراض.
وسرعان ما انحدرت القمة إلى عرض محرج، جُسّدت فيه أفريقيا لا بوصفها قارة دول ذات سيادة، بل كمساحة غنية بالموارد الطبيعية، يمثلها قادة منقادون يؤدّون أدوارهم أمام الكاميرات.
لم يكن ذلك حوارًا، بل استعراضًا للهيمنة: هو إنتاج مسرحي مُعد مسبقًا.
كان الحدث وكأنه عرض دمى، يوجّه فيه كل ضيف أفريقي لأداء دوره والردّ بطريقة إيجابية في عرض مصمَّم بعناية يُظهر الخضوع والتبجيل.
وتقدَّم الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني المشهد، جسديًا ورمزيًا، بإشادته بـ"التزام" ترامب تجاه أفريقيا. وقد بدت هذه الإشادة مفارِقة للواقع وسريالية في ظل تقليص واشنطن للمساعدات مؤخرًا، وفرضها تعريفات جمركية عقابية، وتشديدها قيود التأشيرات على دول أفريقية.
في لحظة محرجة بشكل خاص، وصف الغزواني ترامب بأنه "صانع السلام الأول في العالم"، منسوبًا إليه – من بين أمور أخرى – الفضل في "إيقاف الحرب بين إيران وإسرائيل".
وقد جاءت هذه الإشادة دون أي إشارة إلى الدعم العسكري والدبلوماسي المتواصل الذي تقدمه الولايات المتحدة للحرب الإسرائيلية على غزة، وهي الحرب التي دانها الاتحاد الأفريقي بشكل قاطع. وكان هذا الصمت بمثابة محو محسوب لمعاناة الفلسطينيين في سبيل كسب رضا أميركي.
ربما بفعل القلق من تداعيات الرسوم الجمركية التي تلوح في الأفق على بلاده، تبنّى الغزواني، الذي ترأس الاتحاد الأفريقي في عام 2024، خطابًا يتسم بمرونة ملحوظة تجاه إدارة ترامب.
لقد دعا ترامب – بشكل غير مباشر – إلى استغلال المعادن النادرة في موريتانيا، وامتدحه، ونعته بصانع السلام، متجاهلًا المجازر التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء في غزة، والتي ارتُكبت بأسلحة وفّرتها إدارة ترامب نفسها.
هذا النمط من التودد طبع كامل الجلسة. واحدًا تلو الآخر، قدّم القادة الأفارقة لترامب مديحًا مبالغًا فيه، وفتحوا له أبواب الوصول إلى الموارد الطبيعية في بلدانهم – في تذكير مقلق بمدى سهولة توجيه الطاعة حين تكون السلطة هي من تُملي النص.
حتى رئيس السنغال، باسيرو ديوماي فاي، طلب من ترامب أن يبني ملعب غولف في بلاده. لكن ترامب رفض، مفضّلًا أن يعلّق على مظهر فاي الشاب. أما رئيس الغابون، بريس كلوتير أوليغي نغيما، فتحدّث عن شراكات "رابح-رابح" مع الولايات المتحدة، لكنه لم يتلقَّ سوى ردّ فاتر.
ما لفت انتباه ترامب حقًا كان طلاقة رئيس ليبيريا، جوزيف بواكاي، في التحدث باللغة الإنجليزية. فبدلًا من أن يُعير اهتمامًا لمضمون حديث بواكاي، أبدى ترامب انبهاره بـ"إنجليزيته الجميلة"، وسأله: "من أين تعلمت أن تتحدث بهذا الجمال؟ أين تلقيت تعليمك؟ أين؟ في ليبيريا؟"
أن يبدو ترامب غير مدرك أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا منذ تأسيسها عام 1822 كملاذ للعبيد المحرّرين من الولايات المتحدة، لم يكن صادمًا بقدر ما كان النبرة الاستعمارية في سؤاله. فقد عكس اندهاشه من طلاقة رئيس أفريقي في اللغة الإنجليزية تصورات نمطية متجذرة تعود إلى موروث استعماري قديم.
لم تكن تلك زلة معزولة. ففي مراسم سلام أقيمت في البيت الأبيض يوم 29 يونيو/ حزيران، وشملت جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، علّق ترامب علنًا على مظهر الصحفية الأنغولية ومراسلة البيت الأبيض هاريانا فيراس، قائلًا لها: "أنتِ جميلة – وأنتِ جميلة من الداخل أيضًا."
سواء كانت فيراس "جميلة" أم لا، فهذه ليست النقطة. تصرّف ترامب كان غير لائق وغير مهني، إذ اختزل صحفية محترمة إلى مظهرها الخارجي في خضم حدث دبلوماسي مهم.
هذا التشييء الجنسي للنساء السود – والنظر إليهن كأدوات لرغبة الرجل الأبيض لا كشريكات فكريات – كان محوريًا في تجارة الرق عبر الأطلسي والاستعمار الأوروبي. وتعليق ترامب لم يكن سوى امتداد لذلك الإرث حتى يومنا هذا.
وبالمثل، فإن دهشة ترامب من إجادة بواكاي اللغة الإنجليزية تنسجم مع نمط استعماري طويل الأمد. إذ غالبًا ما يُنظر إلى الأفارقة الذين "يتقنون" لغة المستعمر ليس بوصفهم مثقفين معقدين ومتعددي اللغات، بل كأتباع امتصّوا ثقافة الهيمنة. ويُكافَؤون على قربهم من البياض، لا على فكرهم أو استقلالهم.
تصريحات ترامب كشفت عن اعتقاده بأن الأفارقة الذين يتمتعون ببلاغة لغوية أو جاذبية شكلية هم حالة استثنائية، وفضول يستحق الإعجاب العابر. ومن خلال اختزال كل من بواكاي وفيراس إلى مجرد فضول بصري، تجاهل ترامب إنجازاتهما بشكل كامل.
أكثر من أي شيء آخر، فقد جرّدت تعليقات ترامب القمة من أي وهم بأنها كانت تدور حول شراكة حقيقية.
وللمقارنة، يمكن النظر إلى قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا التي عقدها الرئيس جو بايدن في ديسمبر/ كانون الأول 2022. في ذلك الحدث، استُقبل أكثر من 40 رئيس دولة أفريقية، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأفريقي والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
يبقى من غير المفهوم كيف توصّلت إدارة ترامب إلى أن خمسة رجال يمكن أن يمثلوا قارة بأكملها، ما لم يكن الهدف في الحقيقة ليس التمثيل على الإطلاق، بل السيطرة. فترامب لم يكن يريد تفاعلاً حقيقيًا، بل استعراضًا. وللأسف، فقد لبّى ضيوفه هذا الطلب.
وعلى النقيض من اللقاء المنضبط والمنظم بعناية الذي عقده ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الثامن من يوليو/ تموز، بدا الغداء مع القادة الأفارقة كعرض جانبي فوضوي، خالٍ من الحسّ السياسي.
كان فاي مخيبًا للآمال بشكل خاص. فقد وصل إلى السلطة على أساس برنامج مناهض للإمبريالية، متعهدًا بقطع الصلة مع السياسات الاستعمارية الجديدة واستعادة كرامة أفريقيا. ومع ذلك، في البيت الأبيض، لم يكن الأمر كذلك. وكغيره، فشل في تحدي ترامب، أو التأكيد على مبدأ المساواة، أو الدفاع عن السيادة التي يجاهر بالدعوة إليها علنًا في بلاده.
في لحظة كان يمكن لقادة أفريقيا أن يتصدّوا فيها لعقلية استعمارية تتجدد، لكنهم منحوا ترامب الفرصة لإحياء خيال الهيمنة الغربية من القرن السادس عشر.
ولمكافأتهم، عرض عليهم ترامب "جائزة": ربما لن يفرض رسومًا جمركية جديدة على بلدانهم، قائلًا: "لأنهم الآن أصدقائي".
ترامب، "السيّد"، انتصر.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 19% على إندونيسيا
ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 19% على إندونيسيا

الجزيرة

timeمنذ 4 دقائق

  • الجزيرة

ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 19% على إندونيسيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء إن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية 19% على السلع الواردة من إندونيسيا بموجب اتفاق جديد مع الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، مشيرا إلى أن المزيد من الاتفاقات قيد التفاوض. يأتي ذلك في حين يواصل ترامب الضغط من أجل ما يعتبرها شروطا أفضل مع الشركاء التجاريين وسبيلا لتقليص العجز التجاري الأميركي الكبير. والاتفاق مع إندونيسيا، الشريك التجاري الصغير نسبيا للولايات المتحدة، من بين عدد قليل من الاتفاقات التي أبرمتها إدارة ترامب حتى الآن قبل انقضاء مهلة في أول أغسطس/ آب لرفع الرسوم الجمركية على معظم الواردات مرة أخرى. وقال ترامب في البيت الأبيض عن الاتفاق مع إندونيسيا: "سيدفعون 19% ولن ندفع شيئا.. سيكون لدينا وصول كامل إلى إندونيسيا، ولدينا اتفاقان سيتم الإعلان عنهما". شراء منتجات أميركية وذكر ترامب في وقت لاحق عبر منصة تروث سوشيال أن إندونيسيا وافقت على شراء منتجات طاقة أميركية قيمتها 15 مليار دولار، ومنتجات زراعية بقيمة 4.5 مليارات دولار، بالإضافة إلى 50 طائرة بوينغ ، لكن لم يحدد إطارا زمنيا للشراء". وإندونيسيا ليست ضمن أكبر 15 شريكا تجاريا للولايات المتحدة، إذ بلغ إجمالي تجارتهما ما يقل قليلا عن 40 مليار دولار في عام 2024، لكنه يسجل نموا. وارتفعت صادرات الولايات المتحدة إلى إندونيسيا 3.7% العام الماضي، بينما ارتفعت الواردات 4.8%، مما جعل الولايات المتحدة تسجل عجزا تجاريا مع إندونيسيا قارب 18 مليار دولار. ونقلت رويترز عن سوسيويجونو موجيارسو، وهو مسؤول كبير في وزارة التنسيق الإندونيسية للشؤون الاقتصادية، قوله: "نعد بيانا مشتركا بين الولايات المتحدة وإندونيسيا سيوضح حجم الرسوم الجمركية المضادة لإندونيسيا بما في ذلك اتفاق الرسوم الجمركية والترتيبات غير الجمركية والتجارية. سنبلغ (الجمهور) قريبا". وتمنح المهلة حتى أول أغسطس/ آب الدول المستهدفة الوقت الكافي للتفاوض على اتفاقيات يمكن أن تخفض الرسوم الجمركية التي هدد بها ترامب، كما لاحظ بعض المستثمرين وخبراء الاقتصاد اتجاه ترامب إلى التراجع عن تهديداته بشأن الرسوم الجمركية. ومنذ إطلاقه لسياسة الرسوم الجمركية، لم يبرم ترامب سوى عدد قليل من الاتفاقات، منها اتفاقان إطاريان مع بريطانيا وفيتنام واتفاق مؤقت مع الصين لتفادي فرض ترامب لرسوم جمركية أشد في حين تستمر المفاوضات بين واشنطن وبكين. وقال ترامب إن المحادثات مع الهند تسير في اتجاه مماثل. المفاوضات مع أوروبا جاءت الانفراجة مع إندونيسيا في حين تستعد المفوضية الأوروبية، التي تشرف على التجارة في الاتحاد الأوروبي ، لاستهداف سلع أميركية بقيمة 72 مليار يورو (84.1 مليار دولار) برسوم جمركية محتملة إذا فشلت المحادثات التجارية مع واشنطن. وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أول/ أغسطس آب، وهي نسبة قال مسؤولون أوروبيون إنها "غير مقبولة على الإطلاق". وأحجم الاتحاد الأوروبي حتى الآن عن اتخاذ تدابير للرد سعيا لتجنب التصعيد المتبادل في الحرب التجارية، بينما لا تزال هناك فرصة للتفاوض على نتيجة أفضل، لكن وزراء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل أمس الاثنين كانوا أقرب إلى اتخاذ إجراءات للرد على ما يبدو. وقال مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي ماروش شفتشوفيتش إنه يعتقد أنه "من الممكن مواصلة المفاوضات"، لكنه عبر عن خيبة أمله في عدم قدرة واشنطن على التوصل إلى اتفاق مع أكبر شريك تجاري لها. وقال: "الاتحاد الأوروبي.. لا يتخلى أبدا عن بذل جهد حقيقي، خاصة بالنظر إلى العمل الشاق الذي بذل بالفعل، ومدى قربنا من التوصل إلى اتفاق والفوائد الواضحة للحل التفاوضي.. لكن مثلما قلت من قبل، يد واحدة لا تصفق". وأضاف أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقت على أن التكتل الذي يضم 27 دولة سيتعين عليه اتخاذ تدابير للرد إذا فشلت المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.

خبراء روس يقيّمون مهلة ترامب لروسيا لإحلال سلام مع أوكرانيا
خبراء روس يقيّمون مهلة ترامب لروسيا لإحلال سلام مع أوكرانيا

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

خبراء روس يقيّمون مهلة ترامب لروسيا لإحلال سلام مع أوكرانيا

موسكو- أثارت التغيرات التي طرأت على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الأزمة الأوكرانية وإعلانه بشكل مباشر نية بلاده تزويد كييف بأسلحة هجومية، ردود فعل متباينة لدى المراقبين الروس. وكان ترامب أعلن أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، الذي تُعد الولايات المتحدة عضوا فيه، سيدفع ثمن الأسلحة الأميركية التي ستزود بها أوكرانيا لاحقا، موضحا أنه تم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن مع الحلف في قمة المنظمة في يونيو/حزيران المنصرم، ينص على أن "تُزود دول الناتو بالأسلحة، وسيُسدد الحلف للولايات المتحدة التكلفة الكاملة لهذه الأسلحة". كما منح ترامب موسكو مهلة نهائية مدتها 50 يوما لإبرام اتفاق سلام، وفي حال عدم استيفاء الشروط، هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات السلع الروسية، بالإضافة إلى رسوم جمركية ثانوية على الدول التي تشتري النفط والغاز وموارد الطاقة الأخرى من روسيا. وأشار الرئيس الأميركي في تصريح لاحق إلى أن شحنات المساعدات العسكرية المُستقبلية لكييف ستشمل بطاريات باتريوت، بينما ستنقل بعض الدول الغربية أنظمة الدفاع الجوي باتريوت الخاصة بها إلى كييف، وستُحدث الولايات المتحدة الترسانة الأوكرانية بأنظمة جديدة. وترى روسيا أن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا تُعيق التسوية، وتُورط دول الناتو مباشرةً في النزاع. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ذلك بـ"اللعب بالنار"، مضيفا أن أي شحنات تحتوي على أسلحة لأوكرانيا ستكون هدفا مشروعا لروسيا. أما المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فوصف تصريحات ترامب بأنها بالغة الخطورة، وأن روسيا بحاجة إلى وقت لتحليلها. وحسب قوله، فإنه إذا رأى الرئيس الروسي ذلك ضروريا، فسيعلق على كلام ترامب. "جنون المبالغة" الباحث بمعهد دراسات السلام والصراعات فلاديمير جورافليوف، رأى أن تصريحات الرئيس الأميركي حول تسليم أسلحة جديدة إلى أوكرانيا لن تُغير شيئا، لا في منطقة العمليات العسكرية ولا في تصرفات روسيا في مجال السياسة الخارجية. وفي تعليق للجزيرة نت، قال إن مهلة الـ50 يوما التي حددها ترامب لحل النزاع، وتهديداته بفرض رسوم جمركية مجرد "كلام فارغ" وعنصر من عناصر "جنون ترامب المبالغ فيه"، الذي يستغله بنشاط في الممارسة السياسية والحياة اليومية، كونه ببساطة لا يستطيع العيش بدون مثل هذه التصريحات، حسب تعبيره. ووفقا له، فإن ترامب غير قادر على اتخاذ إجراءات متهورة تجاه روسيا والصين والهند في المجال التجاري بعد انقضاء المهلة التي أعلن عنها، مضيفا أن الحديث لا يدور عن عقوبات، بل عن رسوم جمركية. وحسب رأيه، فإن فرض رسوم جمركية على شركاء روسيا التجاريين، والذي سمح به ترامب في ظل غياب أي تقدم في التسوية، سيكون له تأثير سلبي بالدرجة الأولى على الولايات المتحدة، وستظل البرازيل والهند والصين قادرة على إيجاد حلول بديلة لشراء الموارد الروسية. من ناحية ثانية، أكد المتحدث بأن الشحنات العسكرية من دول الناتو لا تزال تصل فعليا إلى أوكرانيا عبر الموانئ الرومانية، بما في ذلك ميناء غيورغيوليشتي في مولدوفا، الذي أصبح ملكا لبوخارست. أما منظومات باتريوت فمن غير المعروف عددها على الأراضي الأوكرانية لكنها موجودة بالتأكيد وتُستخدم، "والسؤال الآن: هو هل سيكون هناك المزيد منها؟". يجيب جورافليوف أن "هذا وارد جدا، بل إن إسرائيل، قامت مؤخرا، رغم العمليات العسكرية مع إيران، بإرسال هذه الأنظمة سرا إلى الأوكرانيين. كما أن ألمانيا أكدت أن 400 صاروخ مضاد للطائرات سلمت إلى أوكرانيا". من دون الأخذ بالاعتبار تصريح برلين بأنها لن تُسلم صواريخ تاوروس إلى كييف، لأن أوكرانيا قد بدأت بالفعل إنتاج صواريخ بعيدة المدى، تستهدف العمق الروسي. مفاوضات بأسوأ الشروط من جانبه، يرى الخبير العسكري أناتولي ميخائيلوف بأن ترامب بتصريحاته الجديدة يريد أن "يخوض اللعبة" في أوكرانيا من دون أن يكون متورطا بشكل مباشر، لأنه يعلم من سينتصر، حسب وصفه. وفي حديث للجزيرة نت أشار ميخائيلوف إلى تصريحات مسؤول كبير في البيت الأبيض قال فيها إن الرئيس ترامب يرى أن روسيا ستنتصر، والمسألة تتعلق فقط بالوقت الذي سيستغرقه ذلك. ويتابع بأن ترامب لا يريد أن يكون في الجانب الخاسر، وأن مهلة الـ50 يوما التي حددها ستتزامن مع انتهاء الهجوم الروسي الصيفي، وعندها من المرجح أن يكون هناك مجال للمفاوضات بعد ذلك، لكنها ستكون في أسوأ الشروط بالنسبة لكييف. وبرأيه، يُقيّم الرئيس فلاديمير بوتين بشكل موضوعي الوضع الذي تتمتع فيه روسيا في ساحات القتال مع أوكرانيا ويُدرك أن الولايات المتحدة أو أوروبا لا تستطيعان فعل الكثير للضغط عليه أو إجباره على تكبد خسائر فادحة. إضافة لذلك، يقول المتحدث إن زيادة المساعدات لأوكرانيا من غير المرجح أن تُحدث تغييرا كبيرا في التوازن العسكري، وإن موسكو مستعدة لتحمل التكاليف المرتبطة بالعقوبات الإضافية. كما يبدي الخبير شكوكا بشأن الأسلحة المرسلة إلى كييف على ضوء تراجع مخزونات الأسلحة، علاوة على أن العديد من التفاصيل حول الترسانة الجديدة لأوكرانيا لا تزال غير واضحة بعد.

هل الرسوم الجمركية ضد كندا ذات طابع سياسي أم اقتصادي؟
هل الرسوم الجمركية ضد كندا ذات طابع سياسي أم اقتصادي؟

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

هل الرسوم الجمركية ضد كندا ذات طابع سياسي أم اقتصادي؟

ألبرتا – بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الكندية بنسبة 35%، فوجئ الكنديون بإعلان مماثل بعد يومين استهدف كلا من الاتحاد الأوروبي والمكسيك، لكن بنسبة أقل بلغت 30%. وأثار هذا التفاوت في النسب جدلا واسعا واستياء في الأوساط الرسمية والشعبية داخل كندا، وفتح الباب أمام تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التمييز، رغم العلاقات الاقتصادية العميقة والممتدة التي تربط كندا بالولايات المتحدة. وفي مواجهة القرار الأميركي، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني عقد اجتماع طارئ مع حكومته الفدرالية اليوم الأربعاء، يعقبه لقاء في 22 يوليو/تموز مع رؤساء حكومات المقاطعات، لمناقشة التداعيات والتخطيط للرد. وأكد كارني أن حكومته "ستدافع بثبات عن العمال الكنديين والشركات المحلية"، مشددا على التزام الحكومة بمواصلة تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى وتوسيع الشراكات التجارية في الأسواق العالمية. تراجع لافت في المؤشرات الاقتصادية وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء الكندية تراجعا تاريخيا في الصادرات الكندية نحو الولايات المتحدة، في وقت سجلت فيه الصادرات إلى دول أخرى مستويات قياسية. وتراجع إجمالي الصادرات الكندية للشهر الرابع على التوالي بنسبة 0.9% في مايو/أيار الماضي، بينما انخفضت حصة الولايات المتحدة من هذه الصادرات من 75.9% العام الماضي إلى 68.3%، وهو ما يمثل اقترابا من أدنى مستوى تاريخي في العلاقات التجارية بين البلدين. كذلك، سجّلت الواردات الكندية من الولايات المتحدة تراجعا للشهر الثالث على التوالي، ما يشير إلى انكماش واضح في التبادل التجاري بين البلدين، في ظل تصاعد التوتر السياسي والاقتصادي. وفي تقرير صادر عن مختبر الميزانية في جامعة ييل الأميركية، نقلته شبكة "سي إن إن" الاقتصادية، جرى التحذير من أن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب على كندا من شأنها أن تؤدي إلى انكماش الاقتصاد الكندي بنسبة 2.1% على المدى البعيد، بعد احتساب أثر التضخم ، وهي نسبة تتجاوز تقديرات سابقة توقعت انكماشا بنسبة 1.9%. ويُلاحظ أن هذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار التهديدات التي أطلقها ترامب برفع الرسوم إلى 35% بدءا من الأول من أغسطس/آب، ما يعني أن التأثيرات السلبية قد تكون أعمق مما هو متوقع. حسابات سياسية أم اقتصادية؟ ويرى محمد بويصير، الخبير في الشؤون الاقتصادية الأميركية والمقيم في ولاية تكساس أن دوافع هذا التصعيد لا تتعلق بعوامل اقتصادية خالصة، وإنما بحسابات سياسية في المقام الأول. ويقول في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن الرئيس الأميركي يتّبع نهجا يقوم على الضغط السياسي الموجّه، وإن كندا أصبحت هدفا مبكرا لسياسات ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض. ويضيف بويصير: "يرى ترامب أن كندا تُمثّل تحديا غير مباشر للهيمنة الأميركية، وقد عبّر عن ذلك مرارا بتلميحاته إلى إمكانية ضمّها كولاية أميركية رقم 51، وهي تصريحات رمزية تعكس رغبة سياسية في تحجيم الدور الكندي". ويشدد على أن هذه الإجراءات تندرج ضمن مساعي ترامب لإعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي الأميركي. ويتابع الخبير الاقتصادي بالقول: "من الناحية العملية، جميع القرارات التي اتخذها ترامب في ملف الرسوم الجمركية -سواء ضد كندا أو غيرها- لها تبعات سلبية على الاقتصاد الأميركي نفسه، لأنها تؤدي إلى رفع الأسعار على المستهلك الأميركي، وتُضعف من تنافسية الصناعات الأميركية في الأسواق الخارجية". لكنه يوضح أن هذه الآراء تمثل تحليله الشخصي المستند إلى مراقبته للسياسات الاقتصادية في الداخل الأميركي، ولا تمثل بالضرورة توافقا مع التوجهات الرسمية الأميركية. آثار داخلية متوقعة في الولايات المتحدة ويرى بويصير أن المستهلك الأميركي سيكون المتضرر الأول من هذه الإجراءات، إلى جانب الشركات التجارية والصناعية. ويشرح أن ارتفاع الرسوم سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، وارتفاع معدلات الفائدة، فضلا عن تسارع التضخم، وظهور حالة من الاضطراب في السوق المحلية وفي حركة رؤوس الأموال. ويضيف: "العديد من الصناعات الأميركية تعتمد بشكل مباشر على واردات من كندا، سواء في قطاع السيارات أو الطيران أو المعدات الثقيلة. تعطيل سلاسل التوريد عبر فرض رسوم عقابية سيضرّ الولايات المتحدة نفسها قبل أن يضر كندا". ويحذر من أن الرسوم ستُلحق ضررا طويل الأمد بثقة المستثمرين في الاقتصاد الأميركي، الذي كان تاريخيا يُوصف بأنه موطن الاستقرار والطمأنينة للمستثمرين، بينما باتت البيئة الحالية، بحسب وصفه، غير مشجعة للاستثمار بفعل قرارات وصفها بـ"الانفرادية وغير المدروسة". "سياسة إلهاء" من جهة أخرى، يقدّم الدكتور يحيى اللهيب، الأستاذ المشارك في كلية العمل الاجتماعي بجامعة كالغاري، تفسيرا سياسيا لهذه الخطوة، إذ يرى أن ترامب يُجيد استخدام "سياسة الإلهاء" لتحقيق أهداف سياسية داخلية. ويقول في تصريح لـ"الجزيرة نت": "الضرائب الجمركية المرتفعة على كندا لا تهدف فعليا إلى إنعاش الاقتصاد الأميركي، بقدر ما تهدف إلى تعزيز موقف ترامب داخليا، وإشغال الرأي العام بقضايا تجارية ظاهرها اقتصادي وباطنها سياسي". ويتابع اللهيب أن ترامب برّر الرسوم الجديدة بأنها تهدف إلى الحد من تهريب مادة الفنتانيل عبر كندا، لكنه يرى أن الهدف الحقيقي هو تعزيز موقفه التفاوضي في ملف المعادن، والضغط على الشركات الكندية العاملة في قطاع التعدين لتستثمر في البنية التحتية الأميركية للتنقيب، بدلا من تصدير المواد الخام من كندا. وعن التأثيرات المحتملة على الاقتصاد الكندي، يعتقد اللهيب أن سلاسل التوريد بين البلدين قد تشهد اضطرابات مؤقتة، لكنها لن تُلحق ضررا بعيد المدى بالاقتصاد الكندي، نظرا لقدرة كندا على التكيف والبحث عن أسواق بديلة. كما أشار إلى أن "الشركات العابرة للحدود لن تستسلم لقرارات ترامب العقابية، بل ستجد حلولا تضمن استمرارية النشاط التجاري". انعكاسات اقتصادية متبادلة ويرى اللهيب أن المستهلك الكندي سيتأثر بشكل مباشر بهذه الإجراءات، لكن التأثير سيظل مؤقتا، ويرتبط بمدى قدرة الحكومة الفدرالية على فتح أسواق جديدة وخلق مناخ منافس للأسواق الأميركية. ويشير إلى أن جزءا كبيرا من الشركات الكندية مملوكة بشكل جزئي أو كامل لمستثمرين أميركيين، وهذا يعني أن الضرر الاقتصادي سيصيب الطرفين. ويؤكد أن هذه القرارات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص النفوذ الأميركي الاقتصادي في كندا، وتعزيز استقلالية السياسات التجارية الكندية. لحظة مفصلية في العلاقة بين البلدين وفي ظل تصاعد التوترات بين الحين والآخر بين الجارتين، تبدو العلاقة التجارية بين كندا والولايات المتحدة أمام منعطف جديد قد يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي الإقليمي. ومع التراجع المستمر في الصادرات الكندية نحو الولايات المتحدة، وتزايد توجه كندا نحو تنويع أسواقها بعيدا عن الاعتماد الأحادي على السوق الأميركية، تتعهد الحكومة الكندية بمواصلة الدفاع عن مصالحها الوطنية، بينما يترقب المستثمرون والمستهلكون في كلا البلدين تداعيات هذا التصعيد. ويبقى الجدل قائما حول ما إذا كانت هذه الإجراءات الأميركية ذات دوافع اقتصادية بحتة، أم أنها تكتيكات سياسية موجهة في سياق إعادة رسم ميزان القوى بين الجارتين الأقرب جغرافيا، والأكثر ارتباطا اقتصاديا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store