logo
مخدرات ما بعد الحداثة

مخدرات ما بعد الحداثة

الوطن٢٧-٠٦-٢٠٢٥
«كنت أنفق أموال والدي على التعاطي، واليوم عدت إلى مقاعد الدراسة وأمدّ يدي لفتاة أخرى تسير نحو الهلاك، كما كنت...»، بهذه الكلمات، تختزل إحدى المتعافيات، مأساة من يعيش بين فكيّ آفة الإدمان المتجددة وتحديات المواجهة القانونية والاجتماعية، شهادتها ليست فقط قصة نجاح شخصية، بل مرآة عاكسة لمعركة وطنية مستمرة بين قوة الحياة وقسوة المخدرات التي تطورت مع تطور العصر.
في زمن «مخدرات ما بعد الحداثة»، لم تعد القضية محصورة في تاجر أو مدمن، بل تحولت إلى شبكة جريمة معقدة تمتد عبر منصات رقمية مشفرة، وتمويل إلكتروني يربط بين بؤر الجريمة محلياً ودولياً، أمام هذا الواقع الجديد، برزت أهمية إنشاء نيابة جرائم المخدرات كخطوة ضرورية في بناء منظومة عدلية متخصصة، قادرة على فهم وتفكيك هذه الشبكات، وتحريك الأدوات القانونية والتقنية في آنٍ واحد.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: هل النيابة المتخصصة وحدها تكفي؟ الإجابة ليست بسيطة، فهي نعم تبدأ بإرادة متخصصة وجدية قانونية، لكنها تحتاج إلى تكامل أوسع يشمل بعداً اجتماعياً ونفسياً وثقافياً، ليكون البناء متيناً لا يُقهر، الإحصائيات التي كشفت عنها النيابة العامة تظهر أبعاد الأزمة، إذ تم التحقيق في أكثر من 1273 قضية خلال عام واحد، منها 184 جناية، وتم إحالة أكثر من ألف قضية للمحاكم، مع وجود 1916 متهماً، بينهم كثير من الشباب، الذين هم عماد حاضر ومستقبل أي مجتمع.
الواقع يؤكد أن المخدرات ليست أزمة قانونية فقط، بل هي ظاهرة اجتماعية تمس القلب النابض لكل أسرة، تفتت الروابط الأسرية، وتستنزف الطاقات، وترفع من نسب الجريمة والانتحار، لذا، فإن دور النيابة المتخصصة، رغم أهميته، سوف يُنجز فعلياً من خلال دعم إعلامي وتربوي يعيد تشكيل وعي المجتمع، ويصوغ ثقافة وقائية تحول دون وصول المدمن إلى طريق اللاعودة.
وعلى الصعيد الدولي، يكشف تقرير الأمم المتحدة لعام 2023 عن أن نحو 296 مليون إنسان يعانون من تعاطي المخدرات، مع ارتفاع ملحوظ بنسبة 23% خلال العقد الأخير، وظهور مواد قاتلة كالـ«فنتانيل» التي أحدثت أزمات صحية وقانونية متجددة، أظهرت أن مكافحة المخدرات لم تعد مهمة محلية أو إقليمية فقط، بل قضية عالمية تتطلب تعاوناً متكاملاً واستراتيجيات متعددة الأبعاد.
لذا، فإن بناء منظومة العدالة المتخصصة ليس هدفاً بذاته، بل أداة ضمن استراتيجية وطنية شاملة، من هذا المنطلق تعمل البحرين على تحديث بنيتها القضائية عبر تأسيس النيابة المتخصصة، وتدريب الكوادر القانونية، وتعزيز التنسيق الدولي، مع رفع مستوى الوعي العام، هذه الخطوات المتسارعة تعكس جدية واستشرافاً لوضع مستقر وآمن.
ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أن نجاح هذه الجهود يتطلب تضافر جميع الجهات المعنية: القضاء، الشرطة، الصحة، الإعلام، التربية، والمجتمع المدني، لأن المعركة ضد المخدرات هي معركة وجودية تتطلب أكثر من إجراءات قانونية صلبة، بل عقلية وطنية جامعة تستثمر في الإنسان وتحميه.
في هذا الميدان، لا مجال للحياد، بل هو ميدان للتسابق الشريف، حيث تكمن الريادة لمن يملك الإرادة، ولمن يجمع بين الحزم والحكمة، والقانون والرحمة، فالأوطان لا تُحمى بالشعارات، بل تُصان بعقول واعية، وعدالة متقدمة، وضمائر لا تنام.
وكما قال جلالة الملك المعظم حفظه الله: «الإنسان هو محور التنمية وأساس أمن الوطن واستقراره». لذلك فإن حماية هذا الإنسان من آفة المخدرات ليست خياراً، بل واجباً وطنياً مستمراً لا يعرف استراحة ولا تراجعاً.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جاري يرمي علينا الحجارة وأسياخ حديدية بواسطة 'الفلاتية'
جاري يرمي علينا الحجارة وأسياخ حديدية بواسطة 'الفلاتية'

البلاد البحرينية

timeمنذ 14 ساعات

  • البلاد البحرينية

جاري يرمي علينا الحجارة وأسياخ حديدية بواسطة 'الفلاتية'

^ أتقدم بشكواي لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المذكور في البلاغات المقدمة إلى مركز شرطة مدينة حمد، التي تندرج تحت الأرقام 876 و1348 و1619 و2187 و2551 و2728 للعام 2025. ومنذ ستة أشهر لم نجد حلا لردع المذكور الذي يشهد الكثير من الناس بتصرفاته غير المنضبطة، إذ يتعمد رمي الطوب فوق أسقف الاستراحة والمواقف دون أي سبب يذكر؛ ما سبب أضرارا مادية (جميع الصور والفيديوهات سلمت إلى المركز). ولغاية تاريخه يرمي الحجارة وقطع الأسياخ الحديدية بواسطة 'الفلاتية'، وفوق هذا كله يقوم بوضع كاميرا أعلى بيته في غرفة خزان الماء، ويوجهها على ملكنا الخاص لكي يرى أي شخص يرميه بالحجارة وقطع الأسياخ ويأمر أولاده أن يحذوا حذوه ويجمعوا له الحصى. لقد اتخذت وسائل الحلول الودية بيني وبينه مباشرة مرات عدة، وعندما نسأله عن السبب يقول لا توجد أسباب، ويعدنا بعدم التكرار إلا أنه يزيد ضراوة! اتجهنا إلى أهله لعل وعسى أن يقنعوه، فتبين لنا أنه منبوذ من أهله وبعضهم أمرنا بالتوجه إلى السلطات الأمنية. توجهنا إلى السلطات الأمنية بمركز مدينة حمد الدوار 17، وتم أخذ التعهدات عليه حتى تم توقيفه ليوم واحد، ولم يرتدع بل زاد عنادا مستغلا وظيفته، مع العلم بأن ملفه الأمني ذا سوابق عدة. وعليه فإننا في بلد الأمان وفي بلد القانون نلتمس من الجهات الرسمية اتخاذ ما يرونه مناسبا ضده؛ حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه عندما تحصل المواجهة بيننا وبينه لا سمح الله. كما نرجو انتداب خبير لمعاينة الأضرار والكثير من الحصى وقطع الحديد والطوب التي رماها.

جريمة 'القذف' في بيئة العمل
جريمة 'القذف' في بيئة العمل

البلاد البحرينية

timeمنذ 2 أيام

  • البلاد البحرينية

جريمة 'القذف' في بيئة العمل

صان الدين الإسلامي الحنيف عرض المسلم، ونهى عن القذف ورمي المحصنات، وسَنّ الحدود الشرعيّة الرادعة لمثل هذه الممارسات؛ حتّى يحفظ للإنسان كرامته وللمجتمع استقراره. وانطلاقًا من هذه الثّوابت، وفي سياق قانوني وإجرائي حفظ المشرّع البحرينيّ للمواطن بشكل عامّ، وللموظف بشكلٍ خاصّ حقّه إذا تحدّث عنه أحد بسوء فنال من شرفه وسمعته أثناء أداء وظيفته أو بسببها، وشدّد في العقوبة حماية للموظّف من الاستغلال والتشويه، وضمانًا لاستمرارية العمل الحكومي وجودته. وفي هذا السياق نصّت المادة 365 الفقرة 2 من قانون العقوبات البحريني على أن تكون 'العقوبة بالحبس مدّة لا تتعدّى سنتين وغرامة لا تتجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إن وقع السبّ بحقّ موظّف عام، إمّا خلال تأديته وظيفته أو بسببها، أو كان ماسًّا بالعرض أو خادشًا لسمعة العائلات، أو بحال كان ملحوظًا فيه تحقيق غرض غير مشروع'. وجاءت كل هذه الضمانات الدينية والتشريعية؛ لأن العرض والشرف أغلى ما يمتلكه الإنسان، والطعن فيهما يهتك المنظومة القيمية الدينية والقانونية المبنية على السّتر. وجاء التشديد في أوساط العمل بالذات؛ لأنّ الموظفين يضطرّون للاختلاط في معظم بيئات العمل للقيام بالأعمال الموكلة إليهم أو للمناقشات وتبادل الخبرات أو حتى من باب الزمالة والأخوّة. لكن للأسف ينشط أصحاب النّفوس المريضة؛ فيختلقون الشائعات ويتناقلون الأخبار الصحيحة والزائفة، ويذيعونها هنا وهناك.. وقد وصف القانون هذه الأعمال في بند 'العلانية' من الظروف المشدّدة لعقوبة جريمة القذف؛ إذْ ينتشر شعور الخوف والقلق، ويكون الموظف عرضة للتأثر السلبي أو الاستغلال وهذا ما لا يرضاه القانون البحريني لكل موظف يؤدي مهماته بولاء لوطنه. وفي الفقرة 2 من المادة 365 من قانون العقوبات البحريني استوقفتني عبارة 'أو بحال كان ملحوظًا فيه تحقيق غرض غير مشروع'.. فكم من جريمة قذف حدثت داخل الأوساط الوظيفية نابعة من غيرة في العمل! أو كان الشخص القاذف أصلًا قد أخلّ بالآداب مع المجنيّ عليه/‏ها، ولمّا جوبِهـ/‏ت بالصدّ لجأ/‏ت إلى القذف لحماية نفسه/‏ها ولتغطية أخطائه/‏ها. وأختم بقول الله سبحانه وتعالى: (لوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) (الآية 12 سورة النور). هذا هو منهج الرد والتصدّي للقذف والنيل من شرف أي مواطن في المجتمع وأيّ موظّف في أوساط العمل: أن لا يخوض المرء فيه، وأن يظنّ المؤمن بنفسه خيرًا. أمّا إن كنت مسؤولًا وبيدك إحقاقُ الحقِّ، فابدأ بإلجامِ الأفواهِ السامّةِ وطبِّقْ القانونَ وذُدْ عن أعراضِ أبناءِ الوطنِ وبنات الوطن.

لو كان المسؤول.. صاحب «ضمير»!
لو كان المسؤول.. صاحب «ضمير»!

الوطن

timeمنذ 3 أيام

  • الوطن

لو كان المسؤول.. صاحب «ضمير»!

في بيئة العمل، يفترض أن يكون الأداء والاجتهاد هما الفيصل، وأن تُكافأ الكفاءة لا أن تُعاقَب. لكن الواقع في كثير من المؤسسات يحكي شيئاً مختلفاً. فالظلم الإداري بكل أشكاله بات ظاهرة مألوفة، من التهميش المتعمّد إلى غياب العدالة في التقييم والتكليف، وصولاً إلى المحسوبيات التي تهدم ثقة الموظف في منظومته. ما نواجهه ليس مجرد تجاوز فردي من مسؤول هنا أو مدير هناك، بل هو انعكاس لاختلال أعمق في القيم الإدارية داخل بعض بيئات العمل. وعندما يشعر الموظف بأن مجهوده لا يُقدّر، أو أن حقوقه تُهمَّش، فإن النتيجة الحتمية تكون تراجعاً في الحماس، وانخفاضاً في الإنتاجية، وبيئة عمل خانقة لا تشجّع على الإبداع أو الانتماء. هنا تبرز الحاجة إلى أن يتحلى الموظف بالوعي والحكمة في التعامل مع الظلم. لا مجال للانفعال أو التصعيد العشوائي، بل المطلوب هو التوثيق الدقيق لما يتعرض له، واللجوء إلى القنوات الرسمية في المؤسسة، بدءاً من المدير المباشر مروراً بإدارة الموارد البشرية، وانتهاءً باللجان المختصة إن وُجدت. لكن لا يجب أن يتوقف الموظف عند رد الفعل. بل عليه أيضاً أن يواصل أداءه بمهنية، ويثبت ذاته في كل موقف، لأن السمعة المهنية تبقى جواز مروره إلى فرص أفضل، مهما طال الظلم أو تأخّر الإنصاف. وفي حال وصل الظلم إلى طريق مسدود، فإن خيار الرحيل إلى بيئة أكثر عدالة ليس هروباً بل احتراماً للذات. فلا شيء يبرر البقاء في منظومة تستهين بالكرامة وتخنق الطموح. ولا يمكن الحديث عن الظلم الإداري دون التوقف عند بُعده الأخلاقي والإنساني، بل والديني أيضاً. فالظلم، أياً كان نوعه، محرّم في كل الشرائع، وهو من أعظم المظالم التي توعّد الله مرتكبيها في الدنيا قبل الآخرة. والظلم الإداري، حين يُمارس عن سابق قصد، لا يختلف عن أي صورة من صور التعدي على حقوق الآخرين، لأنه يمس أرزاقهم وكرامتهم ويكسر معنوياتهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.» ومن سنن الحياة أن الظالم مهما علا شأنه، فإن عاقبة ظلمه تعود عليه خسراناً في الثقة والاحترام، وتآكلاً في شرعيته أمام من يقودهم. فاحترام الموظف ليس خياراً، بل فريضة إنسانية وأمانة أخلاقية يجب أن يتحمّلها كل مسؤول. العدالة الإدارية ليست ترفاً، بل ضرورة لبناء مؤسسات صحية ومستدامة. ومواجهة الظلم لا تقتصر على المتضررين وحدهم، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ بثقافة شفافة، وتُبنى على أنظمة واضحة تحمي الحقوق وتضمن التوازن. فالمؤسسة التي تنجح في حماية موظفيها من الظلم، إنما تستثمر في مستقبلها قبل كل شيء. وكل هذا يمكننا تجنبه في بيئات عملنا المختلفة، لو كان المسؤول وصاحب القرار صاحب ضمير وصوتاً للعدالة، وقيادياً يرفض الظلم بكافة أنواعه، هنا سيكون الموظفون الذين يعملون معه وتحت إدارته في 'جنة إدارية' حقيقية. اتجاه معاكس سأتوقف عن كتابة «اتجاهات» لمدة ثلاثة أسابيع بسبب تواجدي في إجازة سنوية، كل الشكر والتقدير للقراء من مسؤولين وأفراد على تواصلهم وتفاعلهم. دمتم في حفظ الله وإلى لقاء قريب بإذنه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store