
مخدرات ما بعد الحداثة
في زمن «مخدرات ما بعد الحداثة»، لم تعد القضية محصورة في تاجر أو مدمن، بل تحولت إلى شبكة جريمة معقدة تمتد عبر منصات رقمية مشفرة، وتمويل إلكتروني يربط بين بؤر الجريمة محلياً ودولياً، أمام هذا الواقع الجديد، برزت أهمية إنشاء نيابة جرائم المخدرات كخطوة ضرورية في بناء منظومة عدلية متخصصة، قادرة على فهم وتفكيك هذه الشبكات، وتحريك الأدوات القانونية والتقنية في آنٍ واحد.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: هل النيابة المتخصصة وحدها تكفي؟ الإجابة ليست بسيطة، فهي نعم تبدأ بإرادة متخصصة وجدية قانونية، لكنها تحتاج إلى تكامل أوسع يشمل بعداً اجتماعياً ونفسياً وثقافياً، ليكون البناء متيناً لا يُقهر، الإحصائيات التي كشفت عنها النيابة العامة تظهر أبعاد الأزمة، إذ تم التحقيق في أكثر من 1273 قضية خلال عام واحد، منها 184 جناية، وتم إحالة أكثر من ألف قضية للمحاكم، مع وجود 1916 متهماً، بينهم كثير من الشباب، الذين هم عماد حاضر ومستقبل أي مجتمع.
الواقع يؤكد أن المخدرات ليست أزمة قانونية فقط، بل هي ظاهرة اجتماعية تمس القلب النابض لكل أسرة، تفتت الروابط الأسرية، وتستنزف الطاقات، وترفع من نسب الجريمة والانتحار، لذا، فإن دور النيابة المتخصصة، رغم أهميته، سوف يُنجز فعلياً من خلال دعم إعلامي وتربوي يعيد تشكيل وعي المجتمع، ويصوغ ثقافة وقائية تحول دون وصول المدمن إلى طريق اللاعودة.
وعلى الصعيد الدولي، يكشف تقرير الأمم المتحدة لعام 2023 عن أن نحو 296 مليون إنسان يعانون من تعاطي المخدرات، مع ارتفاع ملحوظ بنسبة 23% خلال العقد الأخير، وظهور مواد قاتلة كالـ«فنتانيل» التي أحدثت أزمات صحية وقانونية متجددة، أظهرت أن مكافحة المخدرات لم تعد مهمة محلية أو إقليمية فقط، بل قضية عالمية تتطلب تعاوناً متكاملاً واستراتيجيات متعددة الأبعاد.
لذا، فإن بناء منظومة العدالة المتخصصة ليس هدفاً بذاته، بل أداة ضمن استراتيجية وطنية شاملة، من هذا المنطلق تعمل البحرين على تحديث بنيتها القضائية عبر تأسيس النيابة المتخصصة، وتدريب الكوادر القانونية، وتعزيز التنسيق الدولي، مع رفع مستوى الوعي العام، هذه الخطوات المتسارعة تعكس جدية واستشرافاً لوضع مستقر وآمن.
ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أن نجاح هذه الجهود يتطلب تضافر جميع الجهات المعنية: القضاء، الشرطة، الصحة، الإعلام، التربية، والمجتمع المدني، لأن المعركة ضد المخدرات هي معركة وجودية تتطلب أكثر من إجراءات قانونية صلبة، بل عقلية وطنية جامعة تستثمر في الإنسان وتحميه.
في هذا الميدان، لا مجال للحياد، بل هو ميدان للتسابق الشريف، حيث تكمن الريادة لمن يملك الإرادة، ولمن يجمع بين الحزم والحكمة، والقانون والرحمة، فالأوطان لا تُحمى بالشعارات، بل تُصان بعقول واعية، وعدالة متقدمة، وضمائر لا تنام.
وكما قال جلالة الملك المعظم حفظه الله: «الإنسان هو محور التنمية وأساس أمن الوطن واستقراره». لذلك فإن حماية هذا الإنسان من آفة المخدرات ليست خياراً، بل واجباً وطنياً مستمراً لا يعرف استراحة ولا تراجعاً.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 10 ساعات
- الوطن
لو كان المسؤول.. صاحب «ضمير»!
في بيئة العمل، يفترض أن يكون الأداء والاجتهاد هما الفيصل، وأن تُكافأ الكفاءة لا أن تُعاقَب. لكن الواقع في كثير من المؤسسات يحكي شيئاً مختلفاً. فالظلم الإداري بكل أشكاله بات ظاهرة مألوفة، من التهميش المتعمّد إلى غياب العدالة في التقييم والتكليف، وصولاً إلى المحسوبيات التي تهدم ثقة الموظف في منظومته. ما نواجهه ليس مجرد تجاوز فردي من مسؤول هنا أو مدير هناك، بل هو انعكاس لاختلال أعمق في القيم الإدارية داخل بعض بيئات العمل. وعندما يشعر الموظف بأن مجهوده لا يُقدّر، أو أن حقوقه تُهمَّش، فإن النتيجة الحتمية تكون تراجعاً في الحماس، وانخفاضاً في الإنتاجية، وبيئة عمل خانقة لا تشجّع على الإبداع أو الانتماء. هنا تبرز الحاجة إلى أن يتحلى الموظف بالوعي والحكمة في التعامل مع الظلم. لا مجال للانفعال أو التصعيد العشوائي، بل المطلوب هو التوثيق الدقيق لما يتعرض له، واللجوء إلى القنوات الرسمية في المؤسسة، بدءاً من المدير المباشر مروراً بإدارة الموارد البشرية، وانتهاءً باللجان المختصة إن وُجدت. لكن لا يجب أن يتوقف الموظف عند رد الفعل. بل عليه أيضاً أن يواصل أداءه بمهنية، ويثبت ذاته في كل موقف، لأن السمعة المهنية تبقى جواز مروره إلى فرص أفضل، مهما طال الظلم أو تأخّر الإنصاف. وفي حال وصل الظلم إلى طريق مسدود، فإن خيار الرحيل إلى بيئة أكثر عدالة ليس هروباً بل احتراماً للذات. فلا شيء يبرر البقاء في منظومة تستهين بالكرامة وتخنق الطموح. ولا يمكن الحديث عن الظلم الإداري دون التوقف عند بُعده الأخلاقي والإنساني، بل والديني أيضاً. فالظلم، أياً كان نوعه، محرّم في كل الشرائع، وهو من أعظم المظالم التي توعّد الله مرتكبيها في الدنيا قبل الآخرة. والظلم الإداري، حين يُمارس عن سابق قصد، لا يختلف عن أي صورة من صور التعدي على حقوق الآخرين، لأنه يمس أرزاقهم وكرامتهم ويكسر معنوياتهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.» ومن سنن الحياة أن الظالم مهما علا شأنه، فإن عاقبة ظلمه تعود عليه خسراناً في الثقة والاحترام، وتآكلاً في شرعيته أمام من يقودهم. فاحترام الموظف ليس خياراً، بل فريضة إنسانية وأمانة أخلاقية يجب أن يتحمّلها كل مسؤول. العدالة الإدارية ليست ترفاً، بل ضرورة لبناء مؤسسات صحية ومستدامة. ومواجهة الظلم لا تقتصر على المتضررين وحدهم، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ بثقافة شفافة، وتُبنى على أنظمة واضحة تحمي الحقوق وتضمن التوازن. فالمؤسسة التي تنجح في حماية موظفيها من الظلم، إنما تستثمر في مستقبلها قبل كل شيء. وكل هذا يمكننا تجنبه في بيئات عملنا المختلفة، لو كان المسؤول وصاحب القرار صاحب ضمير وصوتاً للعدالة، وقيادياً يرفض الظلم بكافة أنواعه، هنا سيكون الموظفون الذين يعملون معه وتحت إدارته في 'جنة إدارية' حقيقية. اتجاه معاكس سأتوقف عن كتابة «اتجاهات» لمدة ثلاثة أسابيع بسبب تواجدي في إجازة سنوية، كل الشكر والتقدير للقراء من مسؤولين وأفراد على تواصلهم وتفاعلهم. دمتم في حفظ الله وإلى لقاء قريب بإذنه.


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
'إنستغرام' يغلق حساب 'تواصل' لنشره إعلان تبرع بالكلى
صرح أحمد الغريب، رئيس موقع تواصل البحرين للمناسبات على تطبيق 'إنستغرام'، لـ 'البلاد' بأنه تم إغلاق حساب الموقع أول أمس الأحد الموافق 6 يوليو 2025 من قبل إدارة إنستغرام. وأضاف الغريب أن قرار الإغلاق جاء على خلفية نشر إعلان خيري عبر الحساب، يتعلق برغبة أحد المواطنين البحرينيين بالتبرع بكليته لوجه الله تعالى. وتابع الغريب: 'تلقّيت لاحقًا اتصالات من بعض الأصدقاء أبلغوني خلالها بأن ما نُشر يُعد مخالفًا للقانون، فبادرت على الفور بحذف المنشور ونشرت رسالة اعتذار، نظرًا لكون الخطأ غير مقصود، وكان الهدف منه فقط خدمة الناس والسعي لمنفعتهم'. وأوضح الغريب أنه تفاجأ، بعد ساعات قليلة من نشر الاعتذار، بإغلاق الحساب الذي تجاوز عدد منشوراته 12 ألفًا وذلك على مدى 13 عامًا من العمل التطوعي، والذي خُصّص لخدمة المواطنين والمقيمين عبر توثيق حالات الوفاة، إلى جانب زيارة المرضى في المستشفيات وفي بيوتهم. وأردف الغريب أن الحساب يُعد إرثًا توثيقيًا مهمًا للبحرين، ويضم أكثر من 106 آلاف متابع، معربًا عن أمله في أن تتم استعادته قريبًا.


البلاد البحرينية
منذ 3 أيام
- البلاد البحرينية
النائب العام يصدر قراراً بإصدار الدليل الاسترشادي بشأن طلبات استرداد الموجودات والأموال وتنفيذ أحكام المصادرة
أصدر الدكتور علي بن فضل البوعينين، النائب العام، اليوم، القرار رقم (47) لسنة 2025 بإصدار الدليل الاسترشادي بشأن طلبات استرداد الموجودات والأموال وتنفيذ أحكام المصادرة، والذي تم إعداده على ضوء المتطلبات الدولية وتوصيات لجنة وضع سياسات حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتنسيق والتعاون فيما بين النيابة العامة وكل من وزارة الداخلية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف ومصرف البحرين المركزي، وبناءً على موافقة المجلس الأعلى للقضاء. ويتضمن هذا الدليل بشكل تفصيلي القواعد والإجراءات التنظيمية المتطلبة لاسترداد الأموال المتحصلة عن الجرائم وعائداتها، سواء بناءً على طلب السلطات الوطنية أو الطلبات الواردة من الخارج، وكذلك إجراءات تنفيذ أحكام المصادَرة الصادِرَة عن المحاكم الوطنية أو السلطات القضائية الأجنبية، فضلاً عن بيان لدور المؤسسات والأجهزة المعنية بالمملكة في تنفيذ تلك الطلبات والأحكام، وقد روعي في إعداد الدليل توافقه مع القوانين الوطنية ذات الصلة والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مملكة البحرين، وبالأخص اتفاقيتا الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والجريمة المنظمة عبر الوطنية، وكذلك استيفاؤه المتطلبات الدولية وتوصيات مجموعة العمل المالي (FATF). وفي هذا الصدد صرح المستشار وائل رشيد بوعلاي مساعد النائب العام، بأن هذا الدليل الاسترشادي يهدف إلى تنظيم الآليات القانونية والإجرائية المتعلقة بطلبات الاسترداد والمصادرة، وتوحيد الإجراءات المعمول بها لدى الجهات القضائية والإدارية المعنية، وتعزيز الشفافية وحُسن إدارة الأموال المصادرة، وضمان احترام حقوق حسني النية، وتكريس الضمانات القانونية أثناء التنفيذ، فضلاً عن تعزيز التعاون القضائي الدولي وفقاً للاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، وذلك بما تضمنه الدليل من تحديد واضح للآليات القانونية والمؤسسية الواجب العمل من خلالها لاسترداد الأموال وتنفيذ الأحكام والأوامر القضائية بالمصادرة. مشيراً إلى أن إصدار هذا الدليل قد جاء انطلاقاً من التزام مملكة البحرين بمشاركة المجتمع الدولي في مكافحة الجرائم، وبالأخص جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واقتناعاً بأن الأدوات القوية للتعاون الدولي لها أهمية حيوية في مكافحة الجريمة. كما جاء استكمالاً لمنظومة الإجراءات الكفيلة بملاحقة الأموال المكتسبة من الجريمة وعائداتها، ومجابهة محاولات الجناة اجتياز الحدود الدولية لإخفاء نتاج جرائمهم والانتفاع بها. فيما تُعتبر الإجراءات المُحكمة الواردة بالدليل لغرض مصادرة الأموال تنفيذاً للأحكام والأوامر القضائية النهائية بمثابة تتويج للجهود المبذولة في هذا الشأن. وفي ذات السياق أشاد مساعد النائب العام بالمساهمات المتميزة التي قدمها ممثلو الجهات المختصة ولجنة وضع سياسات حظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لإعداد الدليل، والتي كان من شأنها الإحاطة التامة بمتطلبات مكافحة الجريمة على الصعيدين المحلي والدولي، وأوجه التعاون الدولي اللازمة لملاحقة الأموال المتأتية عنها والإنفاذ الجاد للمصادرة القضائية، وكيفية استخدام الآليات الوطنية في هذا الشأن.