logo
ما أهداف ترامب من قمته مع 5 رؤساء أفارقة؟

ما أهداف ترامب من قمته مع 5 رؤساء أفارقة؟

الصحراءمنذ 4 أيام
بين 9 و11 يوليو/تموز الجاري استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب 5 من الزعماء الأفارقة في قمة مصغرة ضمت رؤساء كل من الغابون وموريتانيا وليبيريا وغينيا بيساو والسنغال، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات بشأن مغزاها والمتوقع منها.
ورغم توافق أكثر الباحثين على تذيل أفريقيا قائمة اهتمامات ترامب فإن من الملاحظ أن هذه القمة تأتي في سياق زمني شهد عددا من التحركات الدبلوماسية اللافتة لواشنطن في القارة السمراء، والتي تمتزج فيها الملفات السياسية بنظيرتها الاقتصادية.
وقد سُبقت القمة بإعلان نجاح وساطة واشنطن بين كل الكونغو الديمقراطية ورواندا في 27 يونيو/حزيران الماضي، حيث استضاف ترامب وزيري خارجية البلدين لتوقيع اتفاق سلام أشار بيان الخارجية الأميركية إلى أنه سيتعدى منع تجدد الأعمال العدائية بينهما إلى إطلاق "إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي" لتوسيع التجارة والاستثمار الأجنبيين المستمدين من سلاسل توريد المعادن الحيوية الإقليمية.
وقبل يومين من هذا الإعلان عُقدت في العاصمة الأنغولية لواندا قمة الأعمال الأميركية الأفريقية التي قالت الخارجية الأميركية إن مخرجاتها حققت رقما قياسيا في الصفقات والالتزامات بما قيمته 2.5 مليار دولار.
لماذا تم اختيار هذه الدول؟
كعادة الغموض وعدم اليقين اللذين يرافقان تحركات الرئيس الأميركي يبدو اختيار هذه المجموعة من القادة محط جدال بين العديد من الخبراء.
ويرى مدير برنامج أفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية البريطانية أليكس فانز أن من الخطأ المبالغة في تفسير قائمة الضيوف، وأنه رغم وجود بعض الدوافع الواضحة فإن هذه الاختيارات تكشف عن نهج قد يكون عشوائيا، فالزعماء المدعوون ينتمون إلى اقتصادات صغيرة نسبيا، ومعظمها ليس من أولويات واشنطن، في حين اتسمت دعوة الرئيس الليبيري بـ"الانتهازية" لأنه موجود بالفعل في الولايات المتحدة.
هذا المسلك في التفسير يخالفه لاندري سينييه الزميل الأول في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في مؤسسة "بروكينغز"، والذي يصف في مقال له قائمة المدعوين بأنها "خيار إستراتيجي".
وباستعراضه مزايا الدول الخمس يوضح المقال التحليلي المنشور على بروكينغز ثراءها بالموارد المعدنية:
فالغابون (ثاني أكبر منتج للمنغنيز في العالم) أعلن رئيسها حظرا على تصدير المنغنيز الخام اعتبارا من عام 2029 بهدف تعزيز وتنمية سلسلة قيمة محلية تتضمن استثمارا عاما وخاصا، كما أنها تحتوي على كميات كبيرة من خام الحديد والنحاس والذهب والماس.
في حين تتميز ليبيريا بـ"اكتشافات رائدة لرواسب معدنية هائلة" تشمل الذهب والماس وخام الحديد، وربما الليثيوم والكوبالت والمنغنيز والنيوديميوم، ومن المتوقع أن تجذب 3 مليارات دولار من الاستثمارات.
كما تشير المصادر المتخصصة إلى امتلاك غينيا بيساو وموريتانيا والسنغال موارد طبيعية قيّمة، بما في ذلك النفط والغاز والذهب ومعادن الأرض النادرة واليورانيوم.
وتتجلى أهمية هذا الجانب في وصف ترامب الدول المشاركة في القمة بأنها "أماكن نابضة بالحياة للغاية ذات أراض قيّمة للغاية، ومعادن عظيمة، ورواسب نفطية عظيمة، وشعب رائع".
جانب آخر يشير إليه مقال كتبه موسى ديوب على "لي 360 أفريك" يتمثل في الجوانب الأمنية، كمكافحة الإرهاب والقرصنة في خليج غينيا والهجرة غير النظامية، حيث يندرج مواطنو الدول المدعوة ضمن قوائم ترحيل المهاجرين من الأراضي الأميركية.
بالمقابل، يرى العديد من المراقبين أن غياب الدول الأفريقية الكبرى كنيجيريا يشير إلى عملية "انتقائية" تهدف واشنطن من خلالها إلى خلق نموذج لشراكات مع دول أصغر وأكثر "مرونة" سياسيا واقتصاديا.
ترامب خلال اجتماع مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية ووزير خارجية رواندا في البيت الأبيض (رويترز)
الاستثمار أولا
تأتي الملفات المتعلقة بتنشيط التجارة والاستثمار على رأس أجندة القمة المصغرة، ويصف موقع سيمافور الأميركي هذه القمة بأنها أحدث خطوة في إطار توجه واسع النطاق لتركيز العلاقات الأميركية الأفريقية على الفرص التجارية والاستثمارات.
نهج "التجارة بدلا من المعونة" عبر عنه بشكل جلي وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأن بلاده ستدعم "الدول التي تظهر القدرة والرغبة في مساعدة نفسها"، وأن هذه الإستراتيجية الجديدة ستتحقق "من خلال إعطاء الأولوية للتجارة على المساعدات، والفرص على التبعية، والاستثمار على المساعدات".
بالمقابل، أوضح مسؤول مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية تروي فيتريل أن "الدبلوماسية التجارية" ستكون محور التفاعل الأساسي مع أفريقيا، وأن تقييم جميع سفراء الولايات المتحدة في القارة السمراء يتم الآن بناء على مدى فعاليتهم في مناصرة الأعمال الأميركية وعدد الصفقات التي يُسهّلونها.
تأمين سلاسل الإمداد
يمثل التوجه الأميركي نحو تجاوز نقاط الضعف في سلاسل الإمداد الخاصة بالمعادن الحيوية للصناعات المستقبلية أحد المحاور الرئيسية للإستراتيجية الأميركية في أفريقيا، حيث تهدف واشنطن إلى تأمين وصول هذه المعادن إليها دون الاضطرار إلى الاعتماد على منافسيها كالصين الناشطة في هذا المجال أفريقيا.
ويشير موسى ديوب إلى بعض نقاط الضعف الأميركية في هذا المجال حيث يُكرَّر أكثر من 70% من المعادن النادرة في العالم حاليا في الصين، مما يجعل قطاعات كاملة من الصناعة العالمية عموما، والصناعة الأميركية خصوصا عرضة للخطر.
وقد أظهر حظر بكين الأخير على تصدير 3 معادن نادرة (الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون) بالغة الأهمية لتصنيع أشباه الموصلات وتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء والأسلحة سيطرة الصين الإستراتيجية على سلاسل التوريد العالمية.
وإلى جانب ما سبق، لا تمتلك الصين الموارد المعدنية فحسب، بل تسيطر أيضا على العديد من مناجم الكوبالت والنيكل والكولتان والنحاس والليثيوم والمنغنيز، وغيرها في أفريقيا، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، وغيرها.
من جانب آخر، يمثل قرار الغابون حظر تصدير خام هذا المعدن اعتبارا من 2029 جرس إنذار إلى نوع مختلف من الأخطار التي قد تهدد قدرة واشنطن على الحصول على هذه المعادن الحساسة، وداعيا لانخراطها في تطوير سلاسل القيمة بدلا من مجرد استخراج المواد الخام.
وفي هذا السياق، يمكن عد هذه القمة خطوة ضمن مجموعة من الإجراءات الأميركية الاستباقية الهادفة إلى تنويع وتأمين سلاسل إمداد المعادن الحيوية الأميركية، حيث يؤدي عدم احتكار بكين قطاع التعدين في الدول الخمس فرصة مهمة للاستثمارات الأميركية الراغبة للعمل في هذا المجال.
المنافسة الجيوسياسية
يمثل العمل على كبح نفوذ المنافسين الدوليين لأميركا جزءا من المزيج الجامع بين الاقتصاد والصراعات الجيوسياسية على القارة الأفريقية، حيث تعمل إدارة ترامب من خلال الاستثمارات الموجهة والشراكات الإستراتيجية لا على تحقيق الأرباح فحسب، بل على مواجهة بكين من خلال بناء شبكات من التحالفات وتطوير القدرة على الوصول الحصري إلى الموارد.
وتتجاوز هذه الرؤية الملفات الاقتصادية إلى الجوانب الأمنية والعسكرية، حيث يشير تحليل صادر عن مركز "التهديدات الحرجة" إلى أن الشراكة الأميركية مع الغابون وغينيا بيساو تسهم في خلق توازن مع النفوذ الصيني والروسي المتزايد على الساحل الأطلسي لأفريقيا، مستفيدة من سياسة الرئيس الغابوني برايس أوليغي أنغيما الذي حافظ على علاقات متوازنة وغير ملزمة مع الولايات المتحدة والصين.
وقد شهدت السنوات الأخيرة نموا لافتا في التعاون الأمني بين غينيا بيساو وروسيا التي دربت أكثر من 5 آلاف ضابط غيني، في حين اتفق البلدان مؤخرا على رفع عدد الضباط الغينيين الدارسين سنويا في الكليات العسكرية الروسية.
ويوضح التحليل المذكور أن للولايات المتحدة علاقات دفاعية سابقة مع كلا البلدين تساعد في موازنة النفوذ الصيني والروسي وتوفر أسسا لمزيد من النمو، حيث شاركت الغابون في مناورات "أوبانغيم إكسبرس" البحرية بقيادة أميركية في عامي 2017 و2024.
ووقّعت غينيا بيساو اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة في عام 2023، ودعمت واشنطن بناء منشأتين جديدتين للمراقبة بالرادار في الغابون، وقدّمت المساعدة الفنية لمرافق المراقبة، وتبرعت بسفن دورية بحرية في عام 2024.
مكافحة الإرهاب والهجرة
لا تبدو الملفات الأمنية بعيدة عن أجندة هذه القمة، حيث تشير نوزموت غباداموزي كاتبة موجز أفريقيا في مجلة فورين بوليسي إلى أهمية منطقة الساحل المتزايدة للمصالح الأميركية المرتبطة بمكافحة الإرهاب، وقد حذر قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي من تحول الساحل إلى "نقطة اشتعال للصراع المطول" و"مركز الإرهاب في العالم".
وفي هذا السياق، يسهم تعاون الولايات المتحدة مع موريتانيا والسنغال في تحقيق أهداف واشنطن باحتواء التهديدات الإرهابية المتنامية في منطقة الساحل، وعقب التغييرات الجيوسياسية التي عصفت بالمنطقة وإخراج القوات الأميركية تعمل واشنطن على تعزيز تعاونها مع الدول المحيطة بالساحل لمراقبة وكبح الجماعات الإرهابية التي قد تمتلك -وفقا للانغلي- "القدرة على مهاجمة الوطن".
وبالنظر إلى أهمية الملفات المتعلقة بالهجرة غير النظامية في إستراتيجية الرئيس الأميركي فقد ينظر ترامب إلى بعض هذه الدول كشركاء جدد محتملين في جهوده لترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة، حيث زادت الهجرة الأفريقية عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك -خاصة من موريتانيا والسنغال- في السنوات الأخيرة مع تشديد أوروبا قبضتها على الهجرة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت سرا مقترحات إلى الدول الخمس لقبول مهاجرين من دول ثالثة مرحّلين من الولايات المتحدة، وأصدرت تعليمات للدبلوماسيين الأميركيين لتوضيح أن استضافة مواطني دول ثالثة هي القضية "الأهم" بالنسبة لترامب.
بالمقابل، تشير الأرقام إلى أن دولة كموريتانيا تحتل المرتبة الثانية أفريقيا من بين الدول التي تضم أكبر عدد من المواطنين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بدون وثائق رسمية، وبالتالي فإنهم معرضون لخطر الترحيل، بواقع 3822 موريتانيا.
آفاق
رغم التركيز الذي انصب على الطريقة التي وصفها العديد من المراقبين بـ"غير اللائقة" في تعامل ترامب مع "نظرائه" الأفارقة وما نالته من تغطية واهتمام إعلاميين فإن هذه القمة وما سيترتب عليها تمثل أول خطوة وأول اختبار جدي أيضا للدبلوماسية الأميركية الجديدة تجاه أفريقيا القائمة على الانتقال من المعونات إلى التعاون التجاري.
هذه النقلة تتوافق مع توجه متنام في القارة الأفريقية يلبي الرغبة في إعادة صياغة العلاقة مع واشنطن على أساس المنفعة المتبادلة والشراكة والاعتماد على الذات، وقد صرح الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في القمة الأخيرة للأعمال بين الولايات المتحدة وأفريقيا بأن "الوقت قد حان للاستعاضة عن منطق المساعدات بمنطق الطموح والاستثمار الخاص".
من جانبه، يرى الزميل الأول في مركز الدارسات الإستراتيجية والدولية كاميرون هدسون أن هذا النهج تواجهه العديد من العقبات، يأتي في مقدمتها إحجام المستثمرين الأميركيين عن الانخراط في مشاريع بأفريقيا نتيجة الصور غير المنقوصة عنها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة التوفيق بين أولويات ترامب الداخلية والخارجية تمثل عائقا آخر لا يقل خطورة، فاستهداف العديد من الدول الأفريقية بمنع تأشيرات السفر كانت وراء تحذير وزير خارجية نيجيريا يوسف توغار من أن واشنطن قد تخسر فرصة استغلال معادن بلاده الأرضية النادرة، قائلا "نود إبرام صفقات مع الولايات المتحدة، لكن قيود التأشيرات تشكل عوائق غير جمركية أمام الصفقات".
وفي السياق نفسه، يشير العديد من المراقبين إلى أن سياسات التعرفة الجمركية التي ميزت إستراتيجية ترامب التجارية الخارجية ستؤدي إلى تضرر الاقتصادات الأفريقية التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة وبالتي قد يدفعها إلى البحث عن بدائل كالصين أو غيرها، مما سيؤثر سلبا على جهود واشنطن لكبح نفوذ بكين في القارة.
المصدر: الجزيرة
نقلا عن الجزيرة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يصف أعضاء الحزب الجمهوري الذين يتهمونه بالارتباط بإبستين ب"السذج"
ترامب يصف أعضاء الحزب الجمهوري الذين يتهمونه بالارتباط بإبستين ب"السذج"

تورس

timeمنذ 4 ساعات

  • تورس

ترامب يصف أعضاء الحزب الجمهوري الذين يتهمونه بالارتباط بإبستين ب"السذج"

وقال ترامب في مقابلة مع قناة Real America's Voice التلفزيونية معلقا على قضية إبستين: "بعض الجمهوريين السذج، كما هي عادتهم، يتكيفون مع الوضع فورا. إنهم ببساطة يفتقرون إلى الثبات. إنهم لا يتمتعون به". وأعرب مجددا عن ثقته في أن قضية إبستين هي تزوير "اخترعه الديمقراطيون". أخبار ذات صلة: جيفري إبستين.. الملياردير الغامض الذي هز أمريكا بفضائحه وحوّل الأصدقاء إلى أعداء!... وقال ترامب أمس الأربعاء إن مزاعم علاقاته المزعومة مع رجل الأعمال جيفري إبستين هي "خدعة ديمقراطية جديدة" ورفض دعم مؤيديه السابقين لها، حيث قال إنهم "صدقوا" الخدعة. ويتركز الانقسام بين الرئيس الجمهوري وبعض أكثر أنصاره ولاء على تعامل إدارته مع قضية إبستين. وفي الأسبوع الماضي، اعترفت وزارة العدل ومكتب التحقيقات الاتحادي بأن إبستين لم يحتفظ ب"قائمة عملاء"، وأكدا على أنه لن يتم الكشف بشكل علني عن أي ملفات أخرى تتعلق بالتحقيق في قضية الاتجار بالجنس ضد الممول الثري على الرغم من وعود المدعية العامة بام بوندي التي أثارت توقعات المؤثرين المحافظين وأصحاب نظريات المؤامرة.

Tunisie Telegraph هل أصبح "الكذب" أكثر إقناعًا من الحقيقة؟
Tunisie Telegraph هل أصبح "الكذب" أكثر إقناعًا من الحقيقة؟

تونس تليغراف

timeمنذ 4 ساعات

  • تونس تليغراف

Tunisie Telegraph هل أصبح "الكذب" أكثر إقناعًا من الحقيقة؟

لم تعد عبارة 'الأخبار الزائفة' مجرّد مصطلح إعلامي يُستخدم لوصف المعلومات المغلوطة التي تتسلل إلى الفضاء العام، بل تحوّلت إلى أداة سياسية تُستخدم غالبًا لتشويه الخصوم أو التقليل من شأن غضب الشارع. فمنذ صعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وتفجّر حملات 'الحقائق البديلة'، أصبح من السهل تفسير أي موقف شعبي غير مرغوب فيه بكونه نتاجًا للتضليل أو الجهل الجماهيري. لكن هل هذه فعلاً هي المشكلة؟ في مقاله المنشور ضمن عدد جويلية 2025 من Le Monde diplomatique، يعيد الباحث السوسيولوجي دانيال زامورا النظر جذريًا في هذا التفسير السائد. بل يذهب إلى القول إن 'الأخبار الزائفة' لا تعكس بالضرورة جهلاً أو هشاشة فكرية، بل بالأحرى تعكس غياب أفق سياسي حقيقي، وانهيار المعنى الجماعي الذي كانت السياسة تُقدّمه للناس. زامورا يدعونا إلى قلب الطاولة: بدل لوم الناس على انجرافهم خلف السرديات البديلة، فلنُعد التفكير في سبب عجز المؤسسات السياسية والاجتماعية عن تأمين خطاب ذي معنى. في ما يلي نص المقال مترجمًا بتصرّف: إذا كنا نسمع اليوم كثيرًا عن 'الأخبار الزائفة'، فذلك ليس فقط لأن هناك من يصنّع الأكاذيب، بل لأن هناك جمهورًا واسعًا يجد في تلك الأكاذيب شيئًا من المعنى الغائب. التفسير السائد يعتبر أن الشعوب تنجرف خلف هذه الروايات الزائفة بسبب الجهل أو قلّة التربية الإعلامية. لكنّ هذا المنطق يتغاضى عن السبب الأعمق: غياب السياسة، لا الحقيقة. في العقود الماضية، ومع تراجع اليسار التقليدي وتفكك الأحزاب الجماهيرية، غابت المشاريع السياسية الكبرى التي كانت تمنح الناس أدوات لفهم العالم وموقعهم فيه. لم يعد هناك سرد مشترك يربط بين الفرد والمجتمع، فبات كل شيء يبدو غامضًا، مؤامراتيًّا، وغير خاضع للفهم العقلاني. في هذا السياق، لا تعود الأخبار الزائفة انحرافًا، بل استجابة طبيعية لعالم فقد بوصلته السياسية. ليس 'الضحايا' هنا أفرادًا سذجًا، بل هم في الغالب مواطنون يبحثون – ولو في سرديات بديلة – عن معنى، عن تفسير لما يحدث من حولهم. وعندما لا يجدون ذلك في الخطاب الرسمي أو الإعلام التقليدي، فإنهم يتّجهون نحو مصادر أخرى، حتى وإن كانت غير موثوقة. إن الاتهام السهل والمريح بأن الشعوب 'تُخدع' يخدم السلطة، لأنه يعفيها من المسؤولية، ويركز على الأعراض بدل معالجة الأسباب. لكن الحل لا يكمن في المزيد من الرقابة على المحتوى، أو في 'محو أمّية رقمية'، بل في إعادة السياسة إلى مسرح الحياة العامة. فقط مشروع سياسي حقيقي يعيد ربط الأفراد بمصيرهم الجماعي يمكنه أن يُعيد الثقة ويُضعف سحر الروايات الزائفة. الزمن الذي كان يُفترض فيه أن الحقيقة وحدها كافية لإقناع الناس قد ولّى. لم تعد المعركة على 'ما هو صحيح' بل على 'ما هو مُفسَّر'، وعلى من يملك القدرة على إنتاج المعنى. وفي هذا السباق، السياسة وحدها قادرة على المنافسة، إذا عادت إلى موقعها الطبيعي كرافعة للخيال الجماعي.

ضربة موجعة وقاضية للجزائر: رئيس جنوب أفريقيا السابق في زيارة للمغرب والقادم مُدَمِّر لمشروع العسكر الخبيث
ضربة موجعة وقاضية للجزائر: رئيس جنوب أفريقيا السابق في زيارة للمغرب والقادم مُدَمِّر لمشروع العسكر الخبيث

بلادي

timeمنذ 11 ساعات

  • بلادي

ضربة موجعة وقاضية للجزائر: رئيس جنوب أفريقيا السابق في زيارة للمغرب والقادم مُدَمِّر لمشروع العسكر الخبيث

ضربة موجعة وقاضية للجزائر: رئيس جنوب أفريقيا السابق في زيارة للمغرب والقادم مُدَمِّر لمشروع العسكر الخبيث عبدالقادر كتـــرة في خطوة منتظرة لكن بمثابة زلزال يضرب عرش النظام العسكري الجزائري، حل الرئيس الجنوب الإفريقي السابق، جاكوب زوما، اليوم الاثنين 15يوليوز 2024، بالعاصمة الرباط حيث استقبله وزير الخارجية ناصر بوريطة، في لقاء يعد علامة فارقة في مسار العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا. ضربة قاصمة لظهر جنرالات ثكنة بنعكنون وموجهة لحكام الجزائر، حيث جاءت هذه الزيارة لتصحح مواقف بلد الراحل المناضل 'نيلسون مانديلا' وتؤكد موقف حزب 'رمح الأمة' (MK) الذي يترأسه زوما، تجاه قضية الصحراء المغربية. هذه الزيارة من 'جاكو زوما' زعيم 'حزب الأمة' وأحد مناضلي حزب 'نيلسون مانديلا' الجنوب أفريقي، كانت منتظرة حيث كانت هناك مؤشرات لمراجعة مواقف هذا البلد الذي يعتبر من أقرب حلفاء الجزائر وألذ أعداء المغرب وأشرس المدافعين عن البوليساريو وأطروحة الجزائر الانفصالية الخبيثة والشيطانية. ومن بين المؤشرات عرض جنوب إفريقيا خلال قمة (G-20) مجموعة العشرين للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، التي انعقدت بمدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا يومي 24 و25 يونيو 2025، خارطة المملكة المغربية كاملة، بما في ذلك أقاليمها الجنوبية، على شاشة العرض الرسمية خلال كلمة السيدة زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. وقد شارك المجلس الأعلى للحسابات في القمة بوفد ترأسته زينب العدوي، وذلك بدعوة رسمية من المدقق العام لجنوب إفريقيا، رئيس الدورة الحالية لهذا اللقاء الدولي الرفيع. خريطة واحدة موحدة، كاملة مكمولة تحمل رسائل واضحة و صريحة من حكومة بريتوريا لأعدا وحدتنا الترابية المذمومين والمدحورين، للتأكيد على أن الدولة الجنوب إفريقية قررت مراجعة وتصحيح موقفها والتخلي عن خبث خسة وحقارة النظام العسكري الجزائري المارق. يبدو أن النظام الجزائري يعاني من العزلة وقصر اليد وخسر المعركة الخبيثة والمؤامرة الإبلسية خسرانا مبينا، ولم يعد يملك سلاحا يلوح به مع العلم أنه يغرق في مستنقع أزمة حادة أكدها التقرير الأخير للبنك الدولي، و أن المليار دولار الذي كان في خزينة الدولة الجزائرية، قد تم منحه لمجموع الدول الإفريقية التي أصبحت تبدي عداءا غير طبيعي لسياسة الجزائر الخارجية، قصد إخماد غضبها و تليين مواقفها مؤقتا، رغم أن العديد من تلك الدول أسقطت الاعتراف بجمهورية مخيمات تندوف، كما فعلت دولة كينيا… جنوب إفريقيا ليست مجرد دولة داعمة لعصابة البوليساريو، بل تعتبر من أشد المدافعين عن أطروحة الجزائر الانفصالية في المحافل الدولية، و قبولها بوضع خريطة المغرب وهي تضم الصحراء المغربية، ليس مجرد محاولة للضغط على نظام الحظيرة، بل الأمر فيه الكثير من الواقعية والمنطق والتودد للرباط وحلفائها المتواجدين في تلك القمة لتمثيل دول مجلس التعاون الخليجي. وسبق أن زار وفد من حزب 'زوما' المغرب، سابقا، ثم تلاه اعتراف بمغربرة الصحراء،في يونيو الماضي، وكانت قوة الزيارة بمثابة هزة أرضية زلزلت كراسي جنرالات ثكنة بن عكنون وحكام قصر المرادية، كما جاء على لسان بعض المحللين الجزائريين وحتى المدونين الصحراويين، لكن الوصف الموضوعي لهذا الموقف هو أنه اختراق غير مسبوق حققته دبلوماسية المغرب الرزينة والحكيمة والواقعية لواحدة من أعند القلاع الداعمة والمتشبثة بالدفاع عن الانفصاليين لأن إعلان حزب 'رمح الأمة' Umkhonto we Sizwe الجنوب إفريقي، عن دعمه للمغرب ودفاعه عن خيار الحكم الذاتي وتمجيده ل'المسيرة الخضراء'، له رمزية أخلاقية وتاريخية ستتسبب إفريقيا في نكسة عظيمة لأطروحة نظام العسكر بقدر النكسات التي تسبب فيها الاعتراف الأمريكي والإسباني والفرنسي و البريطاني… فالحزب الذي تأسس سنة 1961 له أتباع بالملايين الذين لا يؤمنون بغير ما يُعلنه الحزب، و يعتبرونه حزب السياسيين الطاهرين، عطفا على مؤسسه القامة النضالية الكبيرة 'نيلسون مانديلا'، و تقوده اليوم شخصية سياسية مؤثرة و متشبعة بخطاب القومية 'جاكوب زوما'، الذي فضل ممارسة المعارضة نزولا عند طلب أتباعه بعد الفوضى الانتخابية الأخيرة التي حصلت في جنوب إفريقيا، وهو الذي كان رئيسا للدولة وله علاقات دولية كبيرة، وله تأثير عظيم على حكومة بلاده، وقد يكون سببا في أن تعلن جنوب إفريقيا سحبها الاعتراف بالجمهورية التندوفية الجزائرية…

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store