
مذبحة دير ياسين.. 77 عاما من الدم المستباح في فلسطين
إلا أن دعم بريطانيا والقوى الإمبريالية وتبنيها للدولة الصهيونية، كان العامل الأساس في الانتقال إلى الخطوات الميدانية لاستيطان عدد من القرى والبلدات الفلسطينية وتهجير سكانها بقوة السلاح، بتشجيع من بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين وعدد من الدول العربية وأهمها مصر والعراق والأردن.
غير أنه وبهدف التسريع من وتيرة بسط اليهود الصهاينة على فلسطين، تولت العصابات الصهيونية المسلحة الدور الأكبر في تنفيذ المشروع الصهيوني وارتكاب عشرات المذابح والمجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني، الذي كان يفتقر حينها لأبسط مقومات الدفاع عن النفس، بينما كان اليهود في تسليح منظم ومتصاعد، مع دعم مباشر من قوات الاحتلال البريطاني، الذي كان قوامه لا يقل عن مائة ألف جندي، والآلاف من المعدات والأسلحة الثقيلة المتطورة.
كان المخطط الصهيوني ولا يزال قائم على التهجير القسري لأهل فلسطين، وتحويلها إلى ديموغرافيا يهودية أرضا وسكانا، وفي سبيل ذلك باشرت العصابات الصهيونية وعلى رأسها ' الهاجاناة ' إلى ارتكاب عشرات المذابح والمجازر الدموية، ومن أبرز وأبشع هذه الجرائم مذبحة دير ياسين.
في مثل هذا الشهر وقبل 77 عاما، تحديدا في 9 إبريل 1948م، اقتحمت العصابات الصهيونية بقيادة مناحم بيجن ( الذي سيكون رئيسا لوزراء دولة الكيان بعد 30 عاما على هذه المذبحة ) قرية دير ياسين غربي القدس، وارتكبوا فيها مجزرة مروعة، قتلوا فيها المئات من المدنيين بينهم نساء وأطفال.
وإمعانا في التوحش والترويع، بقروا بطون النساء وقطعوا آذان الرجال وألقوا بالأطفال في الأفران المشتعلة، وأسروا العشرات من الأحياء واستعرضوا بهم في الشوارع، ثم قاموا بإعدامهم رميا بالرصاص، وفجروا العشرات من البيوت.
كان وقع المذبحة كبيرا، خاصة أنها لم تكن الوحيدة وإن كانت الأكثر بشاعة، ما اضطر عشرات القرى المجاورة للهرب والنزوح إلى الأراضي العربية المجاورة، فيما كانت الجيوش العربية تستعد للمواجهة وإنقاذ الموقف، خاصة وقد أعلنت العصابات الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل، وسارعت الدول الكبرى للاعتراف بها.
وحسب المصادر التاريخية، فإن اليهود احتفلوا بالمذبحة بعد عام من احتلال فلسطين ودير ياسين، واعترف بعض قادتهم بمدى النتائج غير المتوقعة لمذبحة دير ياسين وغيرها، حين خلقت الرعب في أوساط الفلسطينيين والعرب، وساعدت على سقوط عشرات المدن والقرى الأخرى بدون قتال.
ومما لا شك فيه أن سيناريو استباحة الدم والقتل الجماعي لا يزال دأب اليهود المغتصبين، وما يزالون يرتكبون جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني منذ مذبحة دير ياسين، وحتى مئات المجازر التي يتعرض لها أهلنا في غزة ولم تتوقف منذ 7 أكتوبر 2023، وما يزال الهدف الرئيس هو التهجير القسري للسكان، وما تزال الدول الكبرى وبالذات أمريكا وبريطانيا ترعى هذا الإجرام، وتدعم المذابح الدموية وتشجع اليهود على سياسة التهجير القسري واحتلال المزيد من الأراضي العربية..
بعد 77 عاما ما زالت المأساة ماثلة مع فارق أن مذبحة دير ياسين لم يعرف بها العرب إلا بعد فوات الأوان، ومع ذلك تحركت الجيوش العربية وحاولت أن تعمل شيئا لكنها فشلت، أما اليوم فشلال الدم في غزة وفلسطين المحتلة على مرأى ومسمع من العالم، ولكن لا حياة لمن تنادي، أما الجيوش العربية فكأنما ابتلعها الطوفان، وهو ما يشجع اليهود المجرمين على التمادي وارتكاب المزيد من جرائم الإبادة والتطهير العرقي في غزة والضفة الغربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


26 سبتمبر نيت
منذ 2 أيام
- 26 سبتمبر نيت
اليمن يتصدر محور المقاومة
أثبت الموقف اليمني المساند لأشقائه أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومواجهة اليمن المباشرة قيادة وجيشاً وشعباً لأمريكا وإسرائيل والانتصار عليهما في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس رغم عدم تكافؤ المواجهة معهما بأن هزائم الجيوش العربية المتتالية أمام الجيش الصهيوني أثناء حروبهم معه مُنذ تأسيس الكيان اللقيط في 15 مايو عام 1948م وما تلا ذلك من حروب خلال العقود الماضية لم تكن هذه الهزائم تأتي من قلة في العُدة والعتاد والفارق في الإمكانيات بل على العكس فقد كانت إمكانيات العرب أكبر بكثير من إمكانيات العدو الصهيوني وقادرة على التغلب عليه وتحرير فلسطين عمليا بدل التهديد برمي إسرائيل في البحر إعلاميا وإنما كانت الهزائم بسبب عدم إيمان الأنظمة العربية وحُكامها بعدالة القضية الفلسطينية وغياب الإرادة الوطنية وعدم الدخول في المواجهة كواجب ديني وقومي لنصرة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى عقدة الخوف التي حلت على العرب جميعا تقدميين ورجعيين حسب ما كانوا يصنفون أنظمتهم ويوجه كل نظام منهما الاتهام للفريق الآخر بتحميله مسؤولية الهزائم التي أصابتهم وجعلتهم يعتقدون بأن الجيش الصهيوني جيش لا يُقهر فتجنبوا مواجهته لا حقا وتركوه يُعربد في المنطقة بل ويحتل بلدانا عربية كما فعل حين احتل لبنان بداية الثمانينات من القرن الماضي بقيادة المجرم شارون قبل أن يجبره حزب الله على الانسحاب عام 2000م ويخوض معه مقاتلوا الحزب معركة غير متكافئة عام 2006م عندما حاول احتلال لبنان مرة أخرى واستطاع حزب الله أن يهزمه ويجبره على وقف إطلاق النار. يأتي موقف اليمن المُعتدى عليه من قبل جيرانه والمحاصر مُنذ عشرة أعوام ليعري العرب جميعاً ويكشف حقيقة تخاذلهم وتآمرهم على القضية الفلسطينية في محاولة منهم لتصفيتها حتى يتخلصوا من الصداع الذي سببته لهم وجعلتهم أقزاما أمام الآخرين، بل إن العدو الصهيوني صار الكثير من قادته يسخرون من العرب وموقفهم مما يجري في غزة على مدار اثنين وعشرين شهراً من حصار وتجويع وارتكاب جرائم إبادة جماعية على أيدي الجيش الصهيوني لم يشهد لها التاريخ مثيلا بدعم أمريكي مباشر ومساندة غربية وصمت عالمي مُريب ويتساءلون أين العرب؟! ولأن العرب بحكم تجاربهم مع العدو الصهيوني وتعرضهم لهزائم متتالية منه فقد سخروا بداية من الموقف اليمني المساند للأشقاء في قطاع غزة وانضمام اليمن إلى محور المقاومة معتقدين أنما يقوم به اليمن هو فعل من باب المزايدة أو كما وصفه البعض بأنه مسرحية لكن عندما تمكن اليمن من فرض الحصار البحري على الكيان الصهيوني ومنع سفنه وسفن الشركات المتعاونة معه من العبور في البحرين العربي والأحمر وحال دون وصولها إلى الموانئ في جنوب فلسطين المحتلة وليفرض فيما بعد حصاراً جوي جزئياً من خلال فصف مطار اللد المُسمى بن غوريون وتطور الحصار البحري ليمتد إلى ميناء حيفا أشهر الموانئ الصهيونية وليصبح اليمن متصدراً لمحور المقاومة تغير الموقف العربي من عمليات اليمن المساندة لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي تزداد تصاعدا بعد أن وجد العرب أنفسهم أنظمة وحكاما أمام ضغوط أمريكية وإسرائيلية تطلب منهم التدخل لدى اليمن لوقف عملياته المساندة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ووقف قصف المدن الصهيونية بالصواريخ فرط صوتية والطيران المسير وقد ردت القيادة اليمنية على هؤلاء الفضوليين العرب بأن إيقاف اليمن لعملية إسناده في البحر والجو مرتبط بشكل أساسي بإيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار وإدخال المساعدات وهو مالم يقبل به العدو الصهيوني حيث سيشكل له ذلك هزيمة مطلقة بدلا ما كان يروج لنفسه إعلاميا بأنه يسعى إلى تحقيق النصر المطلق. ورغم محاولة العدو الأمريكي والإسرائيلي الحد من عمليات الإسناد اليمنية من خلال عدوانهما على اليمن وقصف منشآته المدنية مستخدمين كلما أوتوا من قوة فإن ذلك لم يثني اليمن عن موقفه المساند الذي أفقد أمريكا وإسرائيل القدرة على التمييز بين قصفهم للأهداف المدنية وبين ما يعتقدون أنها أهداف عسكرية بدليل إن العدو الصهيوني قام مؤخرا بشن غارات على موانئ الحديدة ومحطة الكهرباء وهي نفس الأهداف التي سبق له وقصفها عدة مرات، بينما اليمن يستهدف في مناطق الكيان الصهيوني أهدافا حساسة وحيوية، ولأن العدو الصهيوني تمادى في قصف الأهداف المدنية في اليمن فقد تم الرد عليه بعد فترة قصيرة من قصفه لها بقصف أهداف مماثلة في إطار معادلة المطار بالمطار والميناء بالميناء والكهرباء بالكهرباء بأحد عشر صاروخا وطائرة مسيرة طالت مطار بن غوريون وميناء أسدود ومحطة الكهرباء في منطقة عسقلان وميناء أم الرشراش وقد حققت العملية أهدافها بنجاح وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي للصواريخ اليمنية والطيران المسير حسب تأكيد بيان القوات المسلحة اليمنية واعتراف العدو الصهيوني بما لحقه من أضرار وإدخال الشعب اليهودي بالكامل إلى الملاجئ وإيقاف الحركة الجوية في مطار بن غوريون أثناء القصف، وهو الأمر الذي جعل عددا من القادة الصهاينة يؤكدون في تصريحات لهم بأن اليمن أصبح العدو الأخطر على إسرائيل. وقد جاءت عملية القوات البحرية اليمنية بالتعاون مع القوات الصاروخية والطيران المسير المتمثلة في إغراق سفينتين في البحر الأحمر مؤخرا خرقتا قرار اليمن بحظر الملاحة إلى موانئ الكيان الصهيوني إسنادا لغزة ولم يلتزم طاقم السفينتين بالتحذيرات التي وجهت لهما لتصيب العدو الصهيوني في مقتل ولتجعل أمريكا عبر وزارة خارجيتها تزبد وترعد وتهدد غير مستفيدة من مواجهة اليمن جيشا وشعبا في البحر الأحمر لما يقارب الشهرين لتنتهي المواجهة بهزيمة أمريكا أقوى دولة في العالم وإجبارها على سحب حاملات طائراتها وقطعها الحربية من البحر الأحمر بفعل الضربات اليمنية وإذا ما كررت المواجهة مع اليمن دفاعا وحماية عن الكيان الصهيوني فستلاقي نفس المصير ولا تخيف اليمن تهديداتها، مع أنها قادرة على أن تنهي كل هذه الاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة لو أرادت من خلال الضغط على الكيان الصهيوني الذي تدعمه مادياً وعسكرياً وتدافع عنه سياسياً في مجلس الأمن الدولي لإيقاف عدوانه على غزة ورفع الحصار عن أبنائه الذين يموتون جوعا كما يموتون بالقصف اليومي عليهم على مدار الساعة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية المكدسة خارج معبر رفح الذي يربط بين سيناء المصرية وقطاع غزة ولكن مصر للأسف الشديد أصبحت عاجزة عن ممارسة أي نفوذ كونها أكبر دولة عربية كانت متبنية للقضية الفلسطينية ودفعت من أجلها ثمنا باهظا وبعد إخراجها وإخراج جيش مصر من معادلة الصراع العربي –الإسرائيلي أصبحت مصر من خلال حيادها وكأنها الوجه الآخر للعدو الإسرائيلي بل وكأنها راضية بما يحدث لأبناء غزة من إبادة جماعية حيث لا يوجد لها موقف يمكن أن يُعتد به وسكوتها على ما تقوم به إسرائيل في غزة كما يقولون علامة الرضا.


المشهد اليمني الأول
٠٧-٠٧-٢٠٢٥
- المشهد اليمني الأول
من 1967 إلى 2025: كيف انقلب يونيو إلى شهر انتصار؟
لطالما ارتبط شهر حزيران/يونيو في الذاكرة العربية الجمعيّة بنكسة عام 1967، حين مُنيت الجيوش العربية بهزيمة قاسية أمام القوات الإسرائيلية المدعومة أميركياً، لكن يونيو 2025 جاء ليكسر تلك القاعدة، ويعيد رسم معالم هذا الشهر في الوجدان العربي من جديد، إذ شهد صموداً استثنائياً من إيران في وجه هجوم إسرائيلي-أميركي مباغت، تحوّل سريعاً إلى نصر سياسي وعسكري لطهران، وفي الوقت ذاته، كانت غزة تشتعل بمقاومة لا تلين، إذ نفّذت الفصائل الفلسطينية عمليات نوعية أربكت قوات الاحتلال، وأثبتت أنّ زمن الهزائم قد ولّى. ولعلّ ما جرى مؤخّراً يدفع العقل العربي ليراجع ذاته مجدّداً، ليتبيّن مضمون الرؤية التي حملها الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، الذي لم يعتبر ما جرى في عام 1967 نهاية الصراع، بل هزيمة في معركة لا تلغي إمكانية النصر مستقبلاً في الحرب، التي هي صراع وجود لا حدود. صمود وانتصار من غزة إلى طهران خلال شهر حزيران/يونيو 2025، سجّلت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، سلسلة عمليات نوعية أظهرت مستوى عالياً من الكفاءة والانضباط القتالي في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، ففي أواخر الشهر، نفّذت كتائب القسام عمليتين نوعيتين في شرق جباليا، استهدفت خلالهما دبابات ميركافا وآليات راجلة، مستخدمةً قذائف 'تاندوم' وكمائن دقيقة، في الوقت ذاته، شهدت جبهة الشجاعية خمس هجمات متفرّقة، تنوّعت بين القصف المدفعي، واستخدام الطائرات المسيّرة، وعمليات الاستهداف المباشر، شاركت فيها قوى متعدّدة مثل الجبهة الشعبية وكتائب شهداء الأقصى. أما على محور خان يونس، فقد أثبتت المقاومة براعة ميدانية لافتة، إذ تمكّنت من تنفيذ أربع عمليات فاعلة، أبرزها تفجيرات أدّت إلى مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين، وكمين مركّب استهدف قافلة عسكرية، فضلاً عن استعادة سيطرة مؤقتة على مستشفى ناصر بعد اشتباكات شرسة. تلك العمليات، التي بلغ عددها نحو 11 خلال شهر واحد، تعكس قدرة المقاومة على تجديد تكتيكاتها، ومواصلة الضغط الميداني رغم ظروف الحصار والقصف المستمر. وبأيّ حال من الأحوال، لا يمكن فصل التطوّر النوعي في عمليات المقاومة الفلسطينية خلال شهر يونيو 2025 عن الانتصار الإيراني في الحرب التي اندلعت مع 'إسرائيل' منتصف الشهر ذاته، فمع تصاعد المواجهة بين طهران و'تل أبيب'، ونجاح إيران في امتصاص الضربة المباغتة ثم الردّ عليها بفاعلية أربكت الداخل الإسرائيلي، بدأت الفصائل الفلسطينية، بتنفيذ سلسلة عمليات نوعية في جباليا وخان يونس والشجاعية، اتسمت بالدقة والمباغتة وكثافة النيران. لقد بدا واضحاً أنّ المقاومة تلقّت دفعة معنوية قوية من صمود إيران، ليس فقط لأنها أضعفت الجبهة المعادية، بل لأنها أكدت للمقاتلين في غزة أنّ هناك من يشاركهم المواجهة ضدّ عدو مشترك، وأنّ المواجهة الكبرى معه لم تعد بعيدة عن ميزان الردع الإقليمي. لقد منح الانتصار الإيراني غطاء سياسياً ومعنوياً للمقاومة، وشجّعها على رفع وتيرة الاشتباك، في رسالة موحّدة من محور يمتد من طهران إلى غزة: أنّ الردّ لا يأتي من جهة واحدة، بل من جبهات متزامنة تشكّل معاً طوق نار حول المشروع الصهيوني. متغيّرات المشهد خلال ثلاثين يوماً قبل اندلاع حرب الـ 12 يوماً بين إيران والعدو الإسرائيلي، كان معسكر اليمين داخل الأراضي المحتلة يعيش ذروة غروره السياسي والعسكري، شاعراً بأنه أصبح 'السيد المطلق' في المنطقة، وينفّذ سياساته من دون ردع أو كلفة تُذكر، خاصة بعد نجاحه في تنفيذ سلسلة اغتيالات استهدفت قادة بارزين في المقاومة، على رأسهم إسماعيل هنية، وإبراهيم السنوار، والسيد حسن نصر الله. وقد زاد من هذا الشعور بالهيمنة موجة التطبيع العربي المتسارعة، التي بدت وكأنها تسلّم بشرعيّة 'إسرائيل' الإقليمية من دون قيد أو شرط. لكنّ هذا الإحساس بالتفوّق انهار خلال أيام معدودة، إذ نجحت الصواريخ الباليستية التي أطلقتها القوات الإيرانية باتجاه الأراضي المحتلة في إحداث توازن ردع ميداني ومعنوي أربك الحسابات الإسرائيلية، ما أدى إلى: أ- كسر الهالة التي أحاطت بـ 'إسرائيل' في أعين مؤيّديها وخصومها على حد سواء، إذ تراجعت نغمة 'التفوّق الإسرائيلي المطلق'، وبدأت معادلات جديدة تتشكّل. بـ- تعزيز الثقة بمحور المقاومة، الأمر الذي منح الفصائل الفلسطينية ثقة أكبر في صلابة التحالف الإقليمي المقاوم لـ 'إسرائيل'، خاصة أنّ الدعم الإيراني يشكّل ركيزة عسكرية ومعنوية رئيسية للمقاومة الفلسطينية. تـ- تزامُن نهاية الحرب مع تصعيد عملياتي لفصائل غزة يشير إلى أنّ نتائج الحرب حفّزت الفصائل على المبادرة والهجوم، لا الاكتفاء بالدفاع، وكأنّ الانتصار الإيراني فُسّر على الأرض كضوء أخضر لمواصلة الضغط على 'إسرائيل' في وقت كانت فيه تعاني من إنهاك مزدوج. ثـ- إثبات القدرة على تحدّي الولايات المتحدة عسكرياً، فثمّة رسالة أرادت القيادة الإيرانية إيصالها خلال تلك الحرب، وهي أنها قادرة على تجاوز الخطوط الحمر الأميركية والردّ المباشر على مصادر الدعم الإسرائيلي، وقد تجلّى ذلك في قصف قاعدة 'العديد' الجوية في قطر، وهي أكبر القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. جـ- إثبات أنّ 'إسرائيل' لا تستطيع خوض الحرب منفردة، فرغم أنّ قوات الاحتلال هي من بدأت العدوان على إيران فجر الثالث عشر من حزيران/يونيو، إلّا أنّ ردود الفعل العسكرية والسياسية خلال الأيام القليلة التالية كشفت هشاشتها في المواجهة المفتوحة، ودفعتها إلى طلب العون من واشنطن، سواء عبر الدعم الاستخباراتي أو التدخّل الدبلوماسي لوقف التصعيد. عندما يصبح النصر خطراً على التحالفات الهشّة رغم وضوح نتائج الحرب الإيرانية الإسرائيلية، التي انتهت بصمود إيران وفرضها معادلات ردع جديدة، إلّا أنّ بعض المنصات الإعلامية الناطقة بالعربية بدت وكأنها تسير في اتجاه مغاير للواقع، إذ عملت على تشويش صورة النصر الإيراني أو التقليل منه، في ما يبدو جزءاً من خطاب إعلامي منضبط على الموجة الأميركية–الإسرائيلية، يُراد به التحكّم في وعي الشارع العربي، ومنعه من قراءة التحوّلات الجارية بروح مستقلة أو مقاومة، ويمكن فهم هذا التوجّه من خلال أربع ملاحظات رئيسية: أولاً، تعزيز خطاب 'التهوين' من المقاومة والانتصار تركّز بعض القنوات والمواقع على سردية مفادها أنّ المواجهة مع 'إسرائيل' وأميركا غير مجدية، وأنّ ما جرى بين طهران و'تل أبيب' مجرّد 'جولة رمزية' أو 'تبادل رسائل'، وهو خطاب يُراد به كسر أثر الصدمة الإيجابية التي أحدثها صمود إيران لدى الرأي العامّ العربي، ومنع تطوّر المزاج الشعبي باتجاه الثقة بجدوى المقاومة المسلحة أو التحدّي الإقليمي للهيمنة الغربية. ثانياً، تجنّب تسمية ما جرى 'انتصاراً' تجنّب الإعلام المحسوب على المحور الأميركي–الإسرائيلي استخدام مصطلحات مثل 'الردع'، أو 'الانتصار الإيراني'، واكتفى بعبارات غامضة كـ 'وقف إطلاق النار'، أو 'احتواء التصعيد'، في محاولة واضحة لـطمس المعنى السياسي والعسكري الحقيقي لما جرى، لأنّ الاعتراف بالانتصار الإيراني يعني الاعتراف بإمكانية هزيمة 'إسرائيل'، وهو ما يتجنّبه هذا الخطاب بشدة. ثالثاً، تخويف الشارع العربي من الاقتراب من إيران في مقابل التعتيم على النصر، يتمّ الترويج المستمر لصورة إيران كدولة 'خطرة' و'مغامِرة' أو 'مذهبية'، بهدف منع أيّ انجذاب شعبي نحوها، رغم أنّ إيران حازت خلال الفترة الماضية على قدر كبير من الشعبية العربية بسبب مواقفها الداعمة لفلسطين وتحدّيها للهيمنة الأميركية. رابعاً، الحيلولة دون تشكّل وعي عربي مستقل الهدف العميق لهذا التعتيم ليس فقط تشويه إيران، بل منع الشارع العربي من الإيمان بأنّ هناك بديلاً ممكناً عن الخضوع والتطبيع، ومنعه من تبنّي نموذج المواجهة كخيار سياسي. فالاعتراف بانتصار طهران قد يُلهب المزاج الشعبي، ويعيد الاعتبار لفكرة المقاومة، ويُحرّك الأسئلة حول جدوى المعاهدات والتحالفات التي كرّست التفوّق الإسرائيلي لعقود. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المشهد اليمني الأول
٢٩-٠٦-٢٠٢٥
- المشهد اليمني الأول
انـتصار إيران انـتصار للمقاومة وغــزة
لم يدخل الكيان الصهيوني هذه الحرب ويشن عدوانه المباشر والغادر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا وهو على ثقة عالية أنه بصدد انجاز نصر عسكري خاطف، وتحقيق أهدافه المعلنة في كل المنطقة، وهذا العامل الأول والرئيس الذي أغراه حتى يتجرأ على حرب كهذه كان يتهيب الانخراط فيها على مدى العقود الماضية. أما السبب الثاني، وهو لا يقل أهمية، فهو الدعم الأمريكي في كل خطوات إسرائيل العدوانية، بما في ذلك توفير مخرج الطوارئ لإيقاف الحرب، بعد 12 يوما من الهجمات المدمرة المتوالية التي زعزعت الداخل الإسرائيلي وأحالت ربيعه إلى يباب، بصورة لم يعرفها طوال الحروب السابقة التي أسست دولة الكيان وحافظت على تفوقها لأكثر من سبعين عاما. وبالنظر إلى أهداف العدوان على إيران، وهي أهداف تندرج في إطار المشروع الصهيوأمريكي، وفي سياق هذه الحرب التي لا يمكن فصلها عن معركة طوفان الأقصى وجريمة الإبادة في غزة، وإن اتخذت من النووي الإيراني ذريعة لها، نستطيع الجزم أن النصر الإيراني الكبير قد ألجم إسرائيل وأنهى أحلامها المريضة في استمرار معادلة الاستباحة الشاملة، وما تعنيه من سطوة وهيمنة على دول وشعوب المنطقة. وأن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو غرب آسيا، لن تكون ملامحه المستقبلية برسم أمريكي صهيوني، فمحور الاعتدال الذي بات على طريق أن يغدو محورا إسرائيليا خالصا، لن يمضي في التطبيع وخيانة القضية الفلسطينية على ورود مفروشة، كما كان يراد لو أن إيران قد هزمت لا سمح الله. هذا يعني كذلك أن المقاومة والممانعة قد توافرت لها فرصة إضافية لكي تبقى حاضرة وفاعلة في إحياء النظام الإقليمي العربي، الذي يعيش حالة موات غير مسبوقة بسبب القيادة الخليجية، التي ارتمت بكل ثقلها في الحضن الأمريكي، فيما هي تدعو حركات المقاومة للعودة إلى الحضن العربي، وكأنما هناك مشكلة في ترجمة المصطلحات. منحت إيران بانتصارها العسكري في هذه المواجهة التاريخية فرصة لانتعاش سيناريوهات أخرى خارج الدائرة الأمريكية، وهي سيناريوهات ما تزال في إعادة التشكل مجددا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها المحور في لبنان وسوريا، ثم الانكفاء في العراق ومراوحة حرب غزة في مكانها. ولا شك أن هذه السيناريوهات ذات الصبغة الإيجابية، ما تزال بحاجة إلى المزيد من الجهد السياسي والعمل الشاق، بالاستفادة من كل الدروس والتجارب القاسية التي كادت تعصف بكل المحور، مع ضرورة مواكبة المخطط الصهيوامريكي للمنطقة – بالدرجة نفسها من القوة والسرعة- الذي سيتخذ خطوات سياسية لا تقل أثرا وخطورة عن الاستهداف الاستخباراتي والعسكري. لقد كشفت يوميات طوفان الأقصى عوار النظام الإقليمي العربي، وغدت مظلومية غزة خارج حسابات الأنظمة والشعوب العربية في الغالب الأعم، الأمر الذي أغرى وشجع الكيان الصهيوني على حرب الإبادة والاستباحة، واستثمار كل إنجازاته العسكرية في سبيل تحقيق نبوءات اليهود بشأن إسرائيل الكبرى. ولأن إسرائيل كانت كما تزعم تحارب ما تسميه بأذرع إيران في المنطقة، وقد نالت منها على نحو لا يمكن إنكاره، فقد خططت للتخلص نهائيا مما تسميه رأس الاخطبوط في طهران. ولأنها فشلت فشلا ذريعا ولم تنجح في تحقيق هذا المخطط الشيطاني، بل على العكس فقد عرضت أمنها القومي ومنظومتها الردعية لخطر وجودي حقيقي على نحو غير مسبوق في تاريخها. وعليه بات على إسرائيل أن تراجع كل حساباتها في غزة كما في غيرها، وتعيد صياغة تقدير الموقف في ضوء الانتصار الإيراني وتداعياته المرتقبة، التي ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبدالله علي صبري