
الكتابة بنفس ٍ طائفي
(هذا قبرُ حِجر بن عدي (رضي الله عنه)
الذي قتله ُ معاوية (رضي الله عنه)
لأنهُ من اصحاب علي (رضي الله عنه)
كلما تنزهت ُ في سرديات العقل الإسلامي، يسطع في شاشة ذاكرتي هذا النسق الملّفق
(*)
لا تخلو صفحة من صفحات (الفساد في الدولة الفاطمية)، (455) صفحة، من تكرار كلمة (الفساد) في الأقل مرتين في الصفحة الواحدة!! كتاب الباحثة تيسير محمد محمد علي شادي/مؤسسة شباب الجامعة/ ط1/ 2015 / دمنهور. يتناول فساد الدولة الفاطمية رباعياً (سياسيا – إداريا – اجتماعيا – اقتصادياً) والمتخفي في العنوان هو النسق الخامس من الفساد، وهذا المتخفي هو مهيمنة المبحث بأجمعه أعني المذهب الرسمي للدولة الفاطمية: مذهبها الشيعي. الفساد غير المعلن في العنوان التفسيري للكتاب، هو متن الكتاب وسواه حواشي. لها وظيفة مخفف الصادمة . و الطائفية هي الدافع الرئيس لهذا الكتاب (الصمود الذي تمتع به أهل مصر السنة رغم ما تعرضوا له من ضغوط على مذهبهم السني، وعدم تحولهم للمذهب الشيعي كان سبباً هاماً من أسباب اختيار هذا الموضوع ليكون موضوع الدراسة/ 20)
(*)
في ص448 تقول الباحثة ( أن تلاعب الفاطميين، بعقيدتهم لتحقيق أغراضهم وأهدافهم أدى إلى الفساد الديني فقد غيّر الفاطميون في قواعد الميراث الشرعي لجعل الميراث للإناث بالكامل حال عدم وجود ذكور عند الأب، وذلك ليثبتوا أحقية فاطمة – رضوان الله عليها– في ميراث الرسول صلى الله عليه وسلّم – وبالتالي هم ورثة السيدة فاطمة وكذلك الأحق بميراث الخلافة والحكم بالعالم الإسلامي../ 448).الدولة الفاطمية ترى في السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) منهاجا لها وهذه مبادرة ريادية عقائدية جريئة في مناصرة المرأة المسلمة، وبفاطمة ينتصرون لكافة النساء اللواتي في حالة غياب الذكور من الورثة.
(*)
تقول الباحثة أن الفاطميين فشلوا في اجتذاب المصريين(لما أظهره الفاطميون من سياسة معادية للصحابة رضي الله عنهم والمجاهرة بسبهم/ 17) هذا قولها في مقدمة كتابها وبعد ذلك تتوسع في هذا المجال عند تناولها للشخصية الفاطمية الإشكالية (الحاكم بأمر الله). أريد التوقف قليلا عند مفهوم (الصحابة) تبين لي من خلال متابعتي لما يجري في هذا المجال أن كلمة (صحابي) لا حدود لها!! فالصحابي عند المحدثين(هو من لقي النبي مؤمناً به، ومات على الإسلام) وهذا التعريف يورده، د. بكر شيخ أمين في كتابه (أدب الحديث النبوي) ويؤكد شيخ أمين(هو من أصح ما نُقل إلينا عن العلماء الأثبات، فهو يشمل كل فرد توافرت فيه لقيا النبي على الإسلام، وموته على ذلك، دون تفريق بين إنسان وآخر مهما كان جنسه أو لونه أو بلده../ 79/ )
هذه السعة لمفهوم (الصحابي) أو (الصحابة) تجعل حدود المفهوم مشوشة، بل هناك مفهوم أكثر سعة !! حين يقول بعض أصحاب الشافعي(مَن صحب النبي لحظة فهو صحابي/ 80) هنا علينا التميز بين أثنين: أصحاب الرسول / أتباع الرسول وهم الذين عاصروا الرسول. (وكلُ الأصحاب أتباعاً ومعاصرين له، في حين لم يكن كل
الأتباع المعاصرين أصحاباً له../ وضّاح صائب/ قتل ُ الإسلام وتقديس الجناة/ الانتشار العربي/ ط1/ 2011/ بيروت) ويقول الرسول عن أصحابه (فو الله لوكان لك أحُد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته) هكذا خاطب الرسول خالد بن الوليد،(حين قتل من بني جذيمة رغم إسلامهم، بعيد فتح مكة../ سيرة أبن هشام) والعجيب في لحظتنا الراهن نرى في الكتابات الصادرة عن الصحابة هناك مَن يكرّس وقته لتبرير أفعالهم وجعلهم أسطوريين، وباطن هذه الكتابات وموجهاته تستهدف الجيل المعاصر، كأنها تقول له : ليس بمقدوركم أن تكونوا حالة استثنائية مثل أولئك الأسلاف.
(*)
بعد فاجعة كربلاء، 61 هجرية صار ذكر آل البيت من المحرمات في الدولة الأموية، وكان علي (عليه السلام)، سيد البلاغة وإمام نهجها، يشتم على منابر بني أمية، وكان معاوية (يدفع الأموال والجوائز للشتّامين اللاعنين، ومعاوية شرّد وزلزل الأرض بمن أمتنع عن السب واللعن../ 146/ محمد جواد مغنية/ الشيعة والحاكمون/ دار التيار الجديد/ منشورات الرضا/ ط1/ 2012). أما الدولة العباسية فكانت أشد عتواً من الأمويين مع العترة المحمدية، لم يتنفس المذهب الشيعي بحرية إلا في عهد البويهيين.
(*)
فاجعة كربلاء 61 هجرية
موقعة الحرة في المدينة المنورة 62
الحجاج بالمنجنيق يحرق الكعبة 64
نسق ثلاثي من الوحشية يجرّد بني أميّة من أية صلة بالدين الإسلامي. والسؤال هنا : هل المذهب الإسماعيلي أشد خطورة ً على الدين الإسلامي؟ أم نسق بني أميّة الثلاثي، دع عنك قتل حجر بن عدي، وصلب غيلان الدمشقي وذبح الجعد بن الدرهم كما تذبح أضاحي عيد الأضحى..؟ الأهم في كتابها (الفساد في الدولة الفاطمية) أن يستعيد المذهب السني سيادته وأن تتخلص مصر من كل مؤثرات الإسماعلية.. اليوم تخلصت سورية من جور واستبداد الدولة العلوية، واستلمت مقاليد الحكم دولة سنية…………………
(*)
موقف الفاطميين في تأنيث الإرث هو الذي حرر المرأة من المذلة الاقتصادية، وهذا الموقف الفاطمي المشرّف ينقض قول الباحثة التالي: (.. أن تلاعب الفاطميين بعقيدتهم لتحقيق أغراضهم وأهدافهم أدى إلى الفساد الديني). أولاً يكتشف القارئ، في ما بين القوسين النسق الخامس من الفساد، غير المثبّت في عنوان الكتاب. أقصد(الفساد الديني) في الدولة الفاطمية، ثانيا أن الباحثة تريد رؤية الإسلام فقط من خلال مذهبها السني فقط، وخلافا لذلك فهو فاسد!! وحين توصم المذهب الشيعي بالفساد، فالباحثة تمارس عنفاً لفظيا، فيه تجني على المذهب الشيعي. ما فعله الفاطميون ينسجم مع مذهبهم الذي يجيز الاجتهاد. بينما (المذهب السني لا يترك موضوعيا حيزاً يذكر للاجتهاد بالمعنى القوي والحركي للكلمة.. لقد نضجت مؤشرات الاغلاق الفعلي لباب الاجتهاد وقد دافع السنيون بمرسوم ضمني في البدء ثم معلن عنه، عن شمولية نظامهم وفرضوا نوعا من الأمر الواقع في مجال الشرع والعقيدة/ 90/ سالم حميش/ التشكلات الأيديولوجية في الإسلام).
(*)
تقول المؤلفة: (عاشت مصر في كنف الدولة الفاطمية أزهى أيامها، وكذلك أشقاها/ 453)، لكن المؤلفة لم تخبرنا ولو عن يوم ٍ من تلك الأيام الزاهية.. فقط في خاتمة كتابها.
(*)
بخصوص فيضان النيل، لم تذكر المؤلفة، ولو مرة واحدة، العالم البصري: المولود في البصرة والمتوفى في القاهرة، أعني الحسن ابن الهيثم ، وهي أسهبت في الكلام عن فترة الحاكم بأمر الله، علما أن الروائي يوسف زيدان تناول هذه العلاقة في روايته (جنون أبن الهيثم/ ط1/ 2021/
(*)
تقول الباحثة عن فترة خلافة عثمان بن عفان (حيث نمت في عهده البذور الأولى لحركة التطوير والتجديد/ 78).. هل يصح أن نعتبر عثمان بن عفان رياديا لحركة التطوير والتجديد؟ لأنه قام بعزل ولاة الأقاليم الذين ولاّهم الخليفة عمر بن الخطاب؟ أليس ما فعله عثمان هو بداية الفتنة الكبرى في الإسلام؟ وكيف يكون التطوير والتجديد والباحثة تقر وتعترف أن عثمان (اتخذ من أقاربه من بني أمية بدلا منهم، فأبتعد عن مبدأ الشورى الذي اعتادت عليه المدينة)
(*)
تخبرنا الباحثة أن والي مصر في خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو (محمد بن أبي حذيفة/ 79) وهذا كلام لا اساس له من الصحة. الصحيح هو إن الأشتر مالك بن الحارث النخعي، ولاّه الإمام علي بن أبي طالب، على مصر في 37 هجري، لكنه مات قبل وصوله إلى مقر ولايته، فولّى الإمام علي (عليه السلام)، محمد أبن أبي بكر وقد قتل بعد خمسة شهور في صفر 38 هجرية. وفي ص113 والباحثة تحدثنا عن السلالة الإسماعلية (يرجع نسبهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقي) الأصح هو محمد الباقر.
(*)
حين كانت مصر يحكمها الولاة العرب، كان هؤلاء الولاة رياديين بالفساد، فسادهم بلغ القمة، ومقارنة بالولاة العرب الفسادين، يقف أسفل التل، الفساد في الدولة الفاطمية، الخليفة العربي المسلم يفشل إدارياً في السيطرة على الوالي العربي المسلم، والسبب هو استقلال هؤلاء الولاة بمصر بعيداً عن الخلافة (وهذا ما حدث في ولاية السري بن عبد الحكم وأبنائه، وعبد العزيز الجروي وأبنه، الذين استقلوا بمصر ما يقرب من العشر سنوات/ 91/ الفساد في الدولة الفاطمية) تقر وتعترف الباحثة بهذا الأمر، فهؤلاء الولاة العرب (بمثابة اللبنة الأولى لظهور الدولة المستقلة في مصر فكانت الدولة الطولونية ولحقت بها الدولة الإخشيدية، كذلك كان بعض الولاة يهملون في شؤون الولاية ويقفون مكتوفي الأيدي أمام الأزمات التي تتعرض لها مصر، هذا الأمر الذي أدى إلى عدم الاستقرار في نشر الفساد في باقي أعضاء الجهاز الإداري../ 91)..
(*)
بخصوص أهل الذمة، هناك رسائل متبادلة بين أبن العاص وأبن الخطاب، وابن العاص للتو أصبح والياً على مصر، وفي أحدى الرسائل يطلب أبن العاص من الخليفة عمر بن الخطاب كيفية تدبير أمور الولاية المصرية، هنا الخليفة ينهي فيها أبن العاص(عن استخدام أهل مصر من القبط في جباية الجزية أو العمل في بيت المال نظراً لخبرتهم وقدرتهم على الكتابة قائلاً له (كيف تُعزهم وقد أذلهم الله/ 55/ هشام حتاتة/ محمد ومعاوية/ التاريخ المجهول/ رؤية للنشر والتوزيع/ ط1/ 2017/ القاهرة)!! لا أقول كقارئ نوعي سوى (ليس الله بظلاّم للعبيد /51 الأنفال) إذن المراد من الفتح ليس نشر الإسلام بل مذلة البلدان، فعلا الخلفاء أرادوا محمد جابياً وليس مبشراً، وفي زمن الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز يكتب إلى عامل كتاباً بخصوص أهل الذمة( أما بعد فلا تدعن صليباً ظاهراً ألاّ كسر ومحق ولا يركبن يهودي أو نصراني على سرج وليركب على أكاف، ولا يلبس نصراني قباء ولا ثوب خز ولا عصبة/ ص127/ الخراج/ أبو يوسف .. وكذلك أبو عبيد / الأموال/ ص52) والفقهاء طبعا على دين خلفائهم.
(*)
تؤكد الباحثة ، أن الفاطميين، استعملوا في مؤسسات الدولة الفاطمية أهل الذمة بشكل واسع جداً، بحيث أصبحوا يتحكمون بمفاصل الدولة، كأن الباحثة بعد ثلاثة قرون هجرية تريد تكرار ما قاله أبن الخطاب إلى أبن العاص(كيف تعزهم وقد أذلهم الله) جاء في ص99 من (الفساد في الدولة الفاطمية): (مما جاء في أن العرب قد مثلوا أقلية بالنسبة لأهل البلاد الأصليين) ( وقد ظل العرب محتفظين لأنفسهم بالسيادة العليا حيث انصرفوا إلى السياسة والحرب، وتنفيذ أحكام الله، فأكتفوا بشغل المناصب الرئيسة، مثل الإمارة على مصر، ورئاسة المالية، والشرطة، والقضاء). سؤالي هنا :في تلك الفترة الإسلامية ماهي مؤهلات العرب الفاتحين؟ وكيف سيديرون شؤون البلاد وهم قطعات عسكرية؟ هنا تجيبنا الباحثة أن هؤلاء العسكر كانوا من المزارعين والحرفيين، لكن بشهوة الفتح (ابتعدوا عن الزراعة وسائر المهن الأخرى تركوها في أيدي أهل مصر من القبط). أما قول الباحثة أن العرب (انصرفوا إلى السياسة والحرب وتنفيذ أحكام الله).وما تقوله الباحثة، اقتبسته من كتاب علي حسني الخربوطلي (مصر العربية الإسلامية) وثبتت ذلك في حاشية الصفحة. ترى قراءتي أن هذا المقتبس لا يمتلك وسائل اقناع، العرب الفاتحون تحاصصوا المناصب فيما بينهم، وعينهم الثانية على فتح جديد، أما (تنفيذ أحكام الله) فسؤالي هنا: العرب الفاتحون محاربون؟ أم إداريون؟ أم فقهاء؟ الفاتحون العرب زجوا أنفسهم في خانق ضيق، وقد شخصّه المؤرخ البلاذري في قوله أن العرب (كونوا طبقة اجتماعية مستقلة، لها شخصيتها التي حتمت عليها عدم الاندماج مع غيرها من الطبقات الاجتماعية الأخرى، وقد انفردت هذه الطبقة بمميزات لم تمنح لطبقات المجتمع الأخرى، ولا سيما في العصر الأموي، مما أدى إلى ظهور الضغينة والشحناء بينها، وبين أهل البلاد/ 99- الفساد في الدولة الفاطمية). هذه الطبقة العربية المتعالية على سكان مصر، تسببت في شطر المكان إلى مستوطنة للعرب الفاتحين فيها بحبوبة من الرفاهية، وشعب مصري أصيل بلا حول ولا قوة، هذه الطبقة المسلمة فاسدة بمهارة عالية، سبقت الفساد في الدولة الفاطمية، وربما استفادت الدولة الفاطمية، من فساد الفاتحين الأمويين، وانتبذت بعيداً عن مصر (الغلابة).. إذن لا سبيل للمصالحة بين الفاتح الأموي والمواطن المصري. سيأتي الاندماج ليس أثناء الدولة الأموية بل في زمن المعتصم العباسي، الذي أمر بأسقاط العرب من ديوان الجند، وقطع أعطياتهم، وهكذا سيظهر عنصر جديد مصري عربي مسلم. لكن بقاء الحال من المحال، والسبب هو الضرائب الباهظة التي يصعب على الأقباط تسديدها.
(*)
تخبرنا المؤلفة أن الفاطميين عاشوا ما يقرب من قرنين في مصر، لم تتحدث المصادر عن زواج أحد الخلفاء الفاطميين من مصرية، بل كان أغلب زيجاتهم من السيدات النصارى فجاء العديد منهم من أبٍ مسلم وأم نصرانية، مثل الحاكم بأمر الله، والمستعلي، والآمر بأحكام الله.. وتستنتج من هذه الزيجات الكلام التالي (ولعل هذا كان سبباً في عدم بقائهم في مصر، وربما كان الأمر قد تغير كلية إذا كان خليفة فاطمي من أم مصرية/ 452) لا يعرف القارئ بماذا يرد على هذا المنطق العائلي، إلاّ بسؤال عن مصير كل الولاة العرب الذين جاؤوا بعد عمرو بن العاص، وكلهم عُربٌ أقحاح تزوجوا عربيات المنبت. فهل انسجم المصريون مع ابن العاص أو مع الذين جاؤوا بعده ؟
(*)
نتوقف عند هذا الكلام في 452: (شهدت الدولة الفاطمية بمصر الفساد بأنواعه الذي تعددت أشكاله، وأنماطه، قام المعز لدين الله الفاطمي بالقتل والتعذيب والسلخ لمن خالفه، أو اعترض عليه فقد أهدر آدمية البشر. وكذلك سكن القصور الفخمة وأنفق الذهب والجوهر ببذخ وبعض شعبه جائع..) علماً أن الباحثة نفسها تحدثنا عما هو أشنع من ذلك أثناء الدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون، والتي سرعان ما أصيبت بلعنة السلطة وعبث الثراء، وتمرد العباس على أبيه أحمد بن طولون، واستولى على المال والسلاح، ونصب نفسه ملكا على إفريقية، وانتهت المباراة بفوز الأب على ولده المتهور وزجه في السجن، وضربه بالسياط ، وحين جاء للحكم خمارويه بدأها بقتل أخيه، وأسرف في الانفاق من خزائن الدولة على جهاز ابنته قطر الندى لزواجها من الخليفة العباسي المعتضد../ ص82- 83.. إذن كل ما فعله الفاطميون هو السير على نهج ما كانت الدول تفعله في مصر، فالدولة الفاطمية توارثت الفساد بكل تنويعاته ممن حكموا مصر، وليس الفساد بدعة الدولة الفاطمية. وهل أصلحت الدولة الإخشيدية فساد الدولة الطولونية، والدولة الأيوبية هل عالجت فساد الدولة الفاطمية؟ وكذا الحال مع الدول المملوكية والعثمانية..؟
(*)
حين فتح العرب مصر، ظل أهل مصر هم الذين يقومون بإدارتها (أما العرب فقد أكتفوا بشغل بعض المناصب الرئيسة التي تؤهلهم بالأشراف على الإدارة بوجه عام، على أن هذه المناصب لم تكن طيلة الوقت في يد العرب، بل تغير متولوها طبقا لسياسة الدولة، فشغلها الفرس حينا، والترك حينا آخر، على أن هذا التغيير لم يكن بمؤثر ملحوظ على مصر, وإن كان النظام على ما يبدو من الوهلة الأولى محكما في شكله، إلا أنه لم يكن طيلة الوقت محكمّا في عمله فقد انتشرت بعض مظاهرة الفساد بين أهم أعضائه/ 90) واستمر هذا الفساد الإداري واستفادت منه الدولة الفاطمية، واستعملت المهرة في الإداريات وأغلبهم من أهل الذمة. واستمر الفساد الإداري منذ الفتح العربي فقد حكم مصر مائة وأثنا عشر أميراً .
(*)
في ص306 نتوقف عند هذا القول: (فقد كان من الأسباب الثانوية التي حفزت الفاطميين على فتح مصر علمهم بأن أحدى أميرات البيت الإخشيدي قد خرجت بنفسها لتشتري جارية تتمتع بها، فعد الخليفة المعز لدين الله أن ذلك دليل على مدى الترف، والضعف الذي حلّ بالدولة الإخشيدية، وأمرهم بالذهاب لمصر، وبشرهم بالنصر).. ترى المؤلفة أن التدهور الأخلاقي في المجتمع (من الأسباب الثانوية)!! بينما قبل ألف وخمسين عاما أعتبر المعز لدين الله (931- 975) أن التدهور الأخلاقي من الأسباب الرئيسة في تفكك جهاز الدولة الإخشيدية. فالتدهور الأخلاقي مرتبط جدليا بتدهور البنية الاقتصادية.. والبينة على ذلك، عندما دخل الفاطميون مصر وعدوا بتجويد السكة وصرفها على المعيار المعمول به في خلافتهم بالمغرب، لمنع الغش فيها وهذا الحال تقر به الباحثة وهي تقترض من (عطية مصطفى مشرفة) قوله التالي: (هذا الأمر الذي يدل على سوء الأحوال الاقتصادية في نهاية العصر الإخشيدي/ 339/ الفساد في الدولة الفاطمية).
(*)
وإذا كانت مؤلفة كتاب (الفساد في الدولة الفاطمية)، تقر وتعترف بذلك في خاتمة كتابها، أن الفساد ظاهرة عامة فلماذا خصت الدولة الفاطمية وحدها بذلك؟
(*)
بخصوص الضرائب القاسية، التي اثقلت كاهل المصريين، لم تكن بدعة الدولة الفاطمية، فهي معمول بها قبل الفاطميين كل ما في الأمر (أن الفاطميين بعد استيلائهم على مصر قد أبقوا على ما وجدوه فيها، ولم يحاولوا إلغاءها../ 511ص أيمن فؤاد سيد/ الدولة الفاطمية) هذا المصدر اقترضته المؤلفة في ص349 من كتابها.. إذن آليات الفساد كانت متوفرة قبل مجيء الدولة الفاطمية، وكل ما في الأمر وظفته الدولة الفاطمية لها في أزمنة المجاعات.
(*)
المؤلفة تتهم الفاطميين في تقريب الذميين واستعمالهم في دواوين الدولة، وتعطيل القوة المصرية، وهذا الاتهام يتكرر في كتابها (الفساد في الدولة الفاطمية) تقول في 329 عن تأزم العلاقة بين الحاكم بأمر الله والذميين (أنه كان من الصعب عليه، بل من المستحيل الاستغناء نهائيا عن أهل الذمة في دولته، وذلك لتميزهم ببعض الأعمال الهامة التي لا يجيدها غيرهم، بخاصة وظائف الدواوين، والمالية، والطب، لذلك فإننا نجد وصول البعض منهم إلى مناصب كبيرة في الدولة في عهده كان شيئاً بديهيا..)
(*)
في ص429 نتوقف عند الكلام التالي (وقد استطاع صلاح الدين القضاء على الدولة الفاطمية..) وهذا الكلام غير دقيق، أن الدولة الفاطمية تآكلت بسبب الحروب الأهلية ومحاصصة الحكام والولاة فيما بينهم والمجاعات.. وحين أقرت صلاح الدين وزيرا للدولة الفاطمية، فأن هذه الدولة كانت تحتضر مثل الدول في كل مكان، ثم تعلن المؤلفة تشفيها في قولها ( فعاد المذهب السني وعادت الخطبة للعباسيين) وكأن المذهب السني سيقيم العدل الإلهي بين الكافة والخاصة، هل المذهب الشيعي هو الذي أودع ابن تيمية الحبس؟ فقد حبسوه في القاهرة، ثم نقلوه إلى حبس في الإسكندرية ثم قضى بقية سنوات في قلعة مرارا في دمشق. وقد احتمل ابن القيّم وهو شيخ ابن تيمية كثيرا من الأذى ودخل الحبس مرة ً.
(*)
نعود لصلاح الدين، بعد موته توزع ميراث السلطة بين أولاده الثلاثة : مصر حصة ابنه (العزيز).. دمشق حصة ابنه (الأفضل).. حلب من حصة ابنه (الظاهر)، وما تبقى من مُلك صلاح الدين صار من حصة أخيه الملك (العادل) وسيدب الشقاق والفساد بين الأخوة وثعلب الحكم عمهم الأعوج (العادل) وفي حصة (العزيز) سيدب الشقاق بين الفرقتين العسكريتين العظيمتين: (الصلاحية) نسبة لصلاح الدين وفرقة (الأسدية) نسبة إلى أسد الدين شيركو، عم صلاح الدين… ثم يسيطر على أملاك أولاد أخيه الثلاثة عمهم (العادل) هل هذا الفساد الأيوبي له دخل بالمذهب الشيعي؟ أن الفساد موجود في كل حين وعند كل الملل والنحل، وبالتساوي أعني لم تختص به الدولة الفاطمية.
(*)
في ص 442 نقرأ الكلام التالي لاريب أن سقوط الخلافة الفاطمية، لم يكن مجرد انقلاب عادي، وإنما كان حدثا خطيراً في تاريخ العالم الإسلامي بوجه عام، وفي تاريخ مصر بوجه خاص.. ثم تعلن المؤلفة (فها هي دولة الفاطميين تنهار بعد قرنين من الزمان تقريبا، لتعود للعالم الإسلامي وحدته المذهبية) هذا الكلام الصادر من الباحثة، ينقضه تاريخ الإسلام ذاته لقد شهد الإسلام تعددية في الاتجاهات والتيارات والاجتهادات في فهم النصوص، أما الإصرار على وجود إسلام واحد فهو يؤدي(إلى نتيجتين أن للإسلام معنى واحداً ثابتاً لا تؤثر فيه حركة التاريخ ولا يتأثر باختلاف المجتمعات، فضلاً عن تعدد الجماعات بسبب اختلاف المصالح داخل المجتمع الواحد/ 79/ د. حامد نصر أبو زيد/ نقد الخطاب الديني/ ط4/ مكتبة مدبولي/ القاهرة).. ونعود للباحثة وقولها في ص115(.. ظل انتشار المذهب الشيعي في كثير من أرجاء العالم الإسلامي، حتى وصل إلى بغداد (عاصمة العباسيين).. وما تقوله الباحثة عن انهيار دولة الفاطميين وعودة العالم الإسلامي إلى وحدته المذهبية: تفنّده الحركات الثورية في الإسلام ويفنّده المذهب الشيعي الجعفري/ أئمة آل بيت الرسول (ص) الأئمة الاثني عشر، والمذهب الإسماعيلي، والمذهب الزيدي ومعتزلة البصرة ومعتزلة بغداد. وتأثير المذهب الشيعي لحد الآن ساطع في البنية الاجتماعية المصرية، ولا يمكن أن تنكره المؤلفة وهي تقول (أما المصريون في مصر، فقد عاشوا على المذهب السني/ 455 ) ثم تستدرك قائلة (غير أن التأثير الشيعي قد غلب على احتفالاتهم وأعيادهم، الذي تفاعل معها المصريون، فعاش المصريون على المذهب السني ولكن بتأثير شيعي) يبدو أن المؤلفة لا تحسب للمسيحين المصريين ولغيرهم حساباً، في قولها (فعاش المصريون على المذهب السني).. تستأنف قولها (ويظهر هذا في احتفالات الفاطميين التي تفاعل معها المصريون وأحبوها لما كانت تمثله لهم من أهمية معنوية وترفيهيه، بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية، حيث كانت توزع فيها العطايا من أموال وكسوة وطعام، وقد بقي من هذه الاحتفالات الكثير، وما زال المصريون يحتفلون بها ونذكر منها المولد النبوي الذي بدأ بدخول الفاطميين ومع الخليفة المعز. فأفرطوا في صنع الحلوى بأشكالها المختلفة كالطيور والخيول والعرائس (عروسة المولود) التي توجد حتى الآن .
السؤال هنا : ماذا تركت الدول التي سبقت الدولة الفاطمية، والتي تلت الفاطميين؟ ذهب الفساد السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي التي كرست المؤلفة كتابا عنه وبقيت شامخة ً بهيجة صناعة الفرح الاجتماعي للكافة والخاصة التي بادرت بها الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية وما زال مفعولها حيويا في مصر إلى ما بعد الآن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
خذوا العبرة من التاريخ!حمود النوفلي
خذوا العبرة من التاريخ: حمود النوفلي* يتداول هذه الأيام كثير من المرجفين والمنافقين بث روح الهزيمة والمطالبة بتسليم السلاح ورفع الراية البيضاء، وتعظيم قوة العدو وأنه لا يمكن مقاومته أو الانتصار عليه، وأن الحل هو التنازل له عن السيادة وعن أرض فلسطين وفوقها شرط أن يطبع كل العرب معه ويتعهدوا بعدم مقاومته ويتعهدوا بدمجه في المنطقة بالاقتصاد والزواج والسياحة وكل شيء، وعليه أود أن أذكر الجميع بعدة أمثلة ثم نختمها برد عن الواجب. * فيتنام: عانت سنوات من الحصار والقتل والتشريد، واضطر أبناؤها لحفر الأنفاق بأظافرهم وهم يواجهون أقوى دولة في العالم. والنتيجة: هزموا أمريكا وعاشوا أحرارًا. * أفغانستان: احتُلت من قبل الاتحاد السوفييتي ثم أمريكا، وهما أعظم قوتين في العالم، فحاصرهم العالم بأسره، واستمروا يقاتلون في الجبال عقودًا من الزمن رغم العذاب والدمار والتشريد. والنتيجة: انتصروا وهزموا القوتين العظميين، والآن يعيشون بسلام، هم وأجيالهم القادمة. * الجزائر: احتلتها فرنسا، إحدى أقوى دول العالم آنذاك، فقاومها شعبها لأكثر من 150 عامًا، وقدموا أكثر من مليون ونصف شهيد، ولا تزال جماجم أبطالهم حبيسة المتاحف الفرنسية. والنتيجة: انتصروا واستعادوا حريتهم، لهم ولأجيالهم. * ليبيا والصومال: احتلتهما إيطاليا لعقود، ورغم ذلك أصر أهل الأرض على المقاومة ورفضوا توقيع أي اتفاق استسلام أو تثبيت للاحتلال. والنتيجة: هُزمت إيطاليا، وتحررت الأرض، وبقي الشعب حرًّا. كل هذه الأمثلة كان فيها أهل الأرض وحدهم من يقاتلون، إذ لم تكن بلادهم مقدّسة تخص جميع المسلمين. فكيف بفلسطين؟! وهي أرض مقدّسة، ترتبط بعقيدة كل مسلم، كيف تُستثنى من هذا الواجب، ويُسلَّم جزء منها لمن وصفهم الله بأسوأ الصفات، وحذّر منهم مرارًا في كتابه العزيز، وجعل محاربتهم فرضًا من فروض الدين؟! هذه الأمثلة هي غيض من فيض، والتاريخ لم يشهد أبدًا أن شعبًا قدَّم تنازلات طواعية للمحتل بنسبة 72% من أرضه منذ أكثر من 32 عامًا، ومع ذلك لم يرضَ المحتل، فتمادى في القتل والنهب والتهجير في الـ22% المتبقية. والآن، يُطلب من أهل الأرض أن يُسلموا سلاحهم ويرفعوا الراية البيضاء، في وقت يُعلن فيه المحتل، وبشكل رسمي، نيته احتلال 100% من الأرض! إن هذا التخاذل والتنازل، وهذه الخيانة التي يمارسها بعض العرب، ستكون وصمة عار في جبين الأمة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمم، وستبقى مثالًا شاذًّا ومشينًا تتناقله الأجيال. لذلك، نقول: أفيقوا يا أمة الإسلام! قِفوا مع أهل فلسطين، وواجهوا الخونة الذين باعوا 78% من الأرض، ويتآمرون اليوم لبيع ما تبقى، حفاظًا على كراسيهم وصفقاتهم الدنيوية. أن تخاذلكم اليوم عن نصرة إخوانكم في الدين والعروبة، والقبول بعدو الله ورسوله أن توادوه وتصادقوه لهو هوان وخيانة وجريمة وذنب عظيم. أن صوتكم الهادر سوف يزلزل العدو ويقذف فيه الرعب، فلا يقبل العقل ولا المنطق أن تتحكم شرذمة لا يصل تعدادها 8 ملايين، تتحكم في أمم تعدادها يفوق 300 مليون، نعلم أن الغالبية غثاء كغثاء السيل، ولكن الأقلية لو قامت بالواجب لانتصرت لأن الحق لها، والأرض لها، والله وملائكته معها. كتبه المقهور من خيانة العرب/ حمود النوفلي. #غزه_تموت_جوعاً 2025-08-03


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
يا ماكراً ومنافقاً في ودِّنا عبثاً تحاولُ ليَّ قوة حشدِنا..!إيمان عبد الرحمن الدشتي
يا ماكراً ومنافقاً في ودِّنا عبثاً تحاولُ ليَّ قوة حشدِنا..! يا ماكراً ومنافقاً في ودِّنا عبثاً تحاولُ ليَّ قوة حشدِنا..! إيمان عبد الرحمن الدشتي لا يُعظّم الشرف إلا الشريف، ولا يُقدّر الغيرة إلا الغيور، ولا يفهم المبادئ والقيم إلا صاحبها وحاميها، ومَنْ دون هؤلاء، ممن يعلو صوتهم على الشرف والغيرة والمبادئ والقيم؛ فهم أراذل الخلق وأبواق سفارات الشر واللاهثين على فناء الدنيا ممن باعوا آخرتهم بالثمن الأوكس، مُصطفِّين معهم السُذّج والأغبياء الناعقون مع كل ناعق! لا نوجه لوماً لهذه الفئات التي تستشاظ غضباً وخُبثاً وسموماً وحقداً، على كل ما يَمُتّ بصِلة إلى ثوابتنا العقائدية، ومنها مؤسسة الحشد الشعبي المجاهدة، حيث الرجال الذين خبرناهم حُماة للأعراض والمقدسات، وسداً منيعاً بوجه هجمات الإذلال الخارجي، وخيانة أبناء الوطن العاقّين له والمسترخصين لعراقته وأصالته ولمقدساته، وبالتالي فإن هذه الثوابت تعارض مخططاتهم وغاياتهم الإجرامية. نداؤنا للبررة من أبناء الوطن، ومن تربّى على الأسس والأصول العقائدية والمجتمعية السليمة، أن 'كونوا أحراراً في دنياكم' كما قالها أبيُّ الظيم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ولا يغرنّكم المفتونين بحب الدنيا، ولا المستعبَدين لأسياد الاستكبار، ولا في ما يدعون إليه من حل الحشد او تجريده من سلاحه، بحجة تقنين السلاح وسحب المنفلت منه. يستغبي ذاته من يؤيد هذه الصيحات المغرضة وهو يعلم علم اليقين، بأن الحشد مؤسسة حكومية، وضمن الأطر القانونية حاله حال الفصائل العسكرية، ورجاله أبناء الشعب الأوفياء الأُمناء، والحاجة إليه ما تزال قائمة ما دامت المؤامرات الصهيوأمريكية، فعبثاً يحاولون النيل منه. ليس الأمس ببعيد عنا حتى نُخدع ونَسحق ذممنا ونتنكّر لمعروف الحشد، يوم سخى بأبنائه وبأرواحهم ودمائهم، فهل يحقّ لنا أن نتناسى كيف كنا قاب قوسين او أدنى من أن نكون في خبر كان؟! حتى انتفض الغيارى الذين كانوا بانتظار إشارة الإذن الشرعي، ساعة تلقّوا من سيد النجف العظيم رخصة الإنطلاق، لتحرير الأرض وحماية الأعراض التي استباحها شُذّاذ الآفاق، واستهان لانتهاكها فاقدي الرجولة والحمية، فكان الحشد المقدس مولود الفتوى المباركة، والآن يأتي من يحاول النيل من غِيرته وشرفه؛ ليُسجّل لنفسه ولأسياده 'واهماً' موقفاً مفضوح النية مخزيّ النتيجة. من هنا ننتخي الألسن التي ما تذوّقت الحرام، والنفوس الأبية والأقلام الحرة؛ للدفاع عن مؤسسة الحشد ورجاله الأشاوس، فالخطر بات على مقربة منّا، ومشاهد استباحة الدماء في كل يوم تتعاظم إقليميا، والأفاعي السامّة فاغرة أفواهها بوجه العراق وشعبه، وليس من الحكمة إضعاف من كانوا وما زالوا القوة الرافضة لكل أشكال التركيع، وليعمل الجميع على فضح محاولات التآمر أيا كانت واجهاتها. الحشد الشعبي هو الشمس التي أشرقت على ربوع الوطن، مُذ عصفت رياح الظلام وكادت أن تُحيل نهاره إلى ليل حالِك، ولن يخفت بريق شعاعه بتأييد الله تعالى، وسيبقى القوة الضاربة للظالمين والمستكبرين، حتى يكون طيّعاً بين يدي صاحب العصر والزمان أرواحنا فداء لتراب مقدمه. 2/ آب/ 2025


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
فتوى السلاطين!سعادة أرشيد
فتوى السلاطين! سعادة أرشيد في حين تتكالب الكوارث على غزه وأهلها من قتل وإحراق وتدمير وصولاً إلى الجوع القاتل الذي اصبح مسالة ضمير عالمي وسط غياب عربي إسلامي إبراهيمي من الدرجة الخطيرة، يتفاجأ المواطن الحزين بتسجيل نشرته مواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة لإمام الحرم المكي الشيخ عبد الرحمن السديس يقترح فيه دعم غزه وصمود أهلها ،ولكن مقتصرا على الدعاء لهم والتضرع إلى الله من أجلهم .وجاء في الكلام المسجل أن الجوع حمية صحية وفرصة ذهبية لتهذيب الجسد وان على المواطن الصالح المؤمن أن يلتزم بتوجيهات ولي الأمر تجاه هذه المسالة، ويدع الحديث عن التبرعات والأشياء المادية، فيما يجب أن يكون تركيزه على الروحانيات والدعاء والتضرع. سرعان ما جاءت محاولة النفي أو التشكيك بمصداقية هذا التسجيل المذكور من قبل بعض وسائل الإعلام السعودية والإبراهيمية التي ادعت أن ما نشر غير دقيق وان هنالك جزء مما ورد على لسان الشيخ عبد الرحمن السديس قد تم التلاعب به بواسطة الطرق الإلكترونية الحديثة المسماة بالذكاء الصناعي. وبما أننا لن ندخل في سجال حول ما إذا كان التسجيل صحيحاً أم مضافاً إليه فلا نملك الخبرة أو الوسائل، ولا نستطيع تأكيد ما ورد في التسجيل المسرب لكن يمكننا أن نقارن الكلام الوارد مع ما يجري على ارض الواقع ونقارنه به لنرى هل الممارسة الفعلية لإمام الحرم المكي و لولي الأمر تتطابق مع ما ورد، لنعرف في النهاية اذا كان التسجيل صحيحاً أم مدبلجاً. منذ السابع من تشرين أول 2023 نظرت السعودية إلى ما جرى صبيحة ذلك اليوم المجيد لا على انه عمل بطولي ونضال وطني قام به شعب محتل ومحاصر وضعيف الإمكانيات استطاع أن يحطم صورة العدو القوي وان يحرك المياه الراكدة وان يعيد المكانة للمسالة الفلسطينية التي كانت آخذة بالتآكل، وإنما نظرت إلى ذلك اليوم باعتباره مؤامرة وعملا خبيثا من أعمال محور الشر (المقاومة) يهدف إلى عرقلة عملية تطبيع السعودية مع الإسرائيلي فالتطبيق المعلن بين السعودية ودولة الاحتلال وان تأخر قليلا عن تطويعه كما الأمارات والبحرين إلا انه قائم بالواقع وان كان غير معلن وهو حجر الزاوية في استراتيجية الدولة ووري الأمر فيها وهو القادر برايهم على نقل السعودية إلى مرحلة اقتصادية وتكنولوجية متقدمة، ومن جانب آخر فهو مهم في تطوير علاقاتها مع واشنطن وكسب رضاها ومن اجل دعم مشروع تسيدها على موقع الزعامة العربي والإسلامي لذلك رأت منذ البداية أن عملية طوفان الأقصى ليس إلا قطعاً للطريق على تطبيعها وبالتالي على عرقلة مسيرتها نحو التقدم والزعامة. لذلك دأبت وسائل الإعلام السعودية من صحف وفضائيات على استخدام عبارات بدت لحسني النية محايدة ولمن أراد أن يضعها في مكانها الصحيح مضللة متامرة فالإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال هي أعمال عنف لا يحددوا مصدره، والمجاعة التي تفتك بالأبرياء والمساكين، ويتحمل مسؤولية قتلهم وتجويعهم من ارتكب «حماقة العمل» في صبيحة السابع من تشرين أول 2023 لا الاحتلال و جيشه وداعميه عالمياً و عربياً، وقد تجاهلت وسائل الإعلام تلك صمود اهل غزة والتفافهم حول المقاومة لا بل واعتبرتهم اسرى لدى المقاومة التي تتخذ منهم دروعا بشرية، فيما اعتبرت الأسرى (الإسرائيليين) الذين تحتجزهم المقاومة مختطفين و تشعر بالتضامن مع أهاليهم، تستضيف الفضائيات هذه المتحدث باسم جيش الاحتلال وتمنحه الوقت اللازم للحديث والكذب ووصف سلوك المقاومة بالتوحش والنازية وتصوير جيش الاحتلال باعتباره الجيش الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم فيما تشكك وسائل الأعلام هذه في عملية قصف المستشفى المعمداني الذي استشهد جراؤه قرابة 500 شهيد ثم تعود لتبرر عملية القصف بالقول أن قيادة المقاومة تتخذ من المستشفيات أماكن لإدارة عملياتها. ولا زالت المملكة العربية السعودية تتحدث عن مبادرة السلام العربية في بيروت والتي كان يدور محورها حول فكرة حل الدولتين والسلام الشامل مقابل التطبيع الشامل وهذا ما أعادت ترداده في الأيام الماضية على لسان وزير خارجيتها في مؤتمر نيويورك حيث قدمت تنازلا كبيرا عندما وصفت الاحتلال والمقاومة على انهما على ذات المستوى من المسؤولية وطالبت بإطلاق سراح من تحتجزه المقاومة فيما لم تأت على ذكر الألاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. رفض مؤتمر نيويورك التهجير القصري، ولكن يبدو لا باس في التهجير الطوعي في ظل الجوع والقتل، والاهم من كل ذلك أن الغطاء الممنوح (لإسرائيل) في الضفة الغربية لم يبقي مكانا غرب نهر الأردن يتسع لإقامة دولة، حتى لو كانت بالشكل فقط، فيما يقول السفير الأمريكي في تل أبيب أن لا شيء لدى حكومته يتحدث عن أي شكل من إشكال الدولة غرب نهر الأردن وأضاف أن من الممكن إقامة دولة للفلسطينيين، ولكن خارج فلسطين. عود على بدء، بناء على جميع المعطيات يمكن القول أن ما ورد في التسجيل المسرب على لسان الشيخ السديس هو صحيح سواء أقال ذلك أم لم يقل. 2025-08-03