logo
الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد على أنظمة تكتيكية صارمةكرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد على أنظمة تكتيكية صارمةكرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب

الرياض٢٦-٠٦-٢٠٢٥
الكل يسعى لكسر هيمنة غوارديولا.. ولاعبو السيتي أدوات في نظام ميكانيكي
في الكرة الحديثة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال
الأكاديميات الأوروبية تُشبه مختبرات التجارب معتمدة على التقنيات الحديثة لا على الموهبة
تعيش كرة القدم الحديثة واحدة من أكبر تحوّلاتها المفصلية، حيث لم تعد كما كانت تُعرف، لعبةً تقوم على المتعة الفطرية، والانفعالات اللحظية، والمهارات الفردية، وردود الفعل الارتجالية، بل أصبحت في كثير من جوانبها اليوم أقرب إلى نظام صناعي معقّد تحكمه الحسابات، ويهيمن عليه التفكير التكتيكي البارد، مما جعل عددًا متزايدًا من الجماهير والمحللين يتساءلون: هل فقدت كرة القدم الحديثة روحها؟
متعة اللعبة تحتضر على يد الانضباط التكتيكي
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا لافتًا في الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم، إذ باتت الأندية الأوروبية الكبرى تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكتيكية صارمة تركّز على التمركز والانضباط والانتقال السريع، وهو ما أثّر مباشرة على المتعة التي كانت تستمدها كرة القدم من طريقة اللعب العشوائية في الملعب، وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة The Times البريطانية مؤخرًا تقريرًا بعنوان "كيف تعتنق الفرق أسلوب الفوضى لكسر هيمنة بيب غوارديولا" أوضحت فيه أن أنظمة اللعب الموضعي التي روّج لها غوارديولا حولت اللاعبين إلى أدوات في نظام ميكانيكي دقيق، لا مجال فيه للارتجال أو للحلول الفريدة القائمة على التهور الإبداعي على حد وصفهم.
وتذهب الصحيفة إلى أن الاعتماد على البيانات والتحليل أصبح خانقًا للّحظة الفنية الحرة، حيث إن اللاعب اليوم يدرَّب على اتخاذ القرار الصحيح تكتيكيًا، لا على المجازفة أو ما يمليه عليه قلبه، وهذا ما جعل بعض المباريات الكبرى تُشبه كثيرًا مباريات شطرنج بطيئة، قائمة على دراسة تحركات الخصم والتحرك بناءً عليها في مربعات ثابته وحركات مدروسة أكثر من كون المباراة لحظات مشحونة بالعاطفة والمتعة والجنون.
ولا يقتصر الأمر على غوارديولا وحده، بل إن كثيرًا من المدربين في البطولات الكبرى باتوا يسيرون على هذا النهج، مثل الإيطالي روبيرتو دي زيربي المدرب السابق لنادي برايتون، والألماني يوليان ناغلسمان في تجاربه مع لايبزيغ وبايرن ميونيخ، اللذان نجاحا بصناعة منظومات تكتيكية دقيقة تبتلع أي فرصة فردية للمفاجأة أو الارتجال، وقد أشار تقرير آخر نشرته صحيفة The Times البريطانية إلى أن بعض الأندية الأوروبية مثل نادي هاماربي السويدي باتت تُقيّم نجاح اللاعبين باستخدام مؤشرات أداء إحصائية محددة، مثل xT وxGA وxG per 90، ما يجعل من التحليل الرقمي عاملًا حاسمًا في تقييم اللاعبين، على حساب المكونين الرئيسيين للمتعة في كرة القدم وهما الموهبة الفطرية و الحس الفني.
عقلية الأكاديميات.. خوارزميات بلا مواهب
ومع هذه التحولات، تأثرت الأكاديميات الكروية بشكل مباشر، إذ لم تعد تسعى أغلب الأكاديميات العالمية المعروفة لتفريخ نجوم من طينة رونالدينيو أو زيدان أو حتى مردونا، بل باتت تُركّز على إخراج لاعبين منضبطين، قادرين على تنفيذ التعليمات بحذافيرها، وكأنهم آلات دقيقة لا ترتجل وتعمل حسب الخوارزمية التي يكتبها المبرمج، وتشير عدة تقارير صحافية إلى أن الأكاديميات الأوروبية باتت تُشبه مختبرات التجارب التي تعتمد على التقنيات الحديثة لا على الموهبة المحسوسة، حيث تطرقت صحيفة The Guardian في تقرير لها عن صعود تحليلات الأداء إلى قلب اللعبة في أندية مثل إيفرتون ومانشستر يونايتد إلى أن الأكاديميات بدأت تقيّم كل خطوة على أرض الملعب باستخدام تقنية الـ GPS، ومراقبة معدل نبضات القلب، وتحليل الفيديو المتعدد الزوايا من منصات مثل Opta أو Prozone، في الفريق الأول وحتى مع لاعبين درجات الناشئين، مما يؤكد على تحول مطبخ الموهبة الفطرية إلى مختبر تدريب ومصنع يطمح لصناعة ترس في منظومة ضخمة، مثل بكرة في ساعة ميكانيكية دقيقة يتحرك بانضباط، يقدّم أداءً محسوبًا لا يصنع فيه الوقت بل يتبعه.
وتشير عدة تحليلات إلى أن هذه العقلية جعلت من اللاعب الحديث عنصراً خاضعًا لمنظومة، فاقدًا للتمرّد الفني الذي كان يميز لاعبي الأجيال السابقة، ففي الأكاديميات الحديثة، لم يعد المراوغ أو اللاعب المغامر مرحبًا به كما كان الحال في السابق، بل يُفضل اللاعب القادر على الحفاظ على التمريرات القصيرة، والالتزام بمنطقة تحركه.
وعلى سبيل المثال، فإن عدد المراوغات الفردية الناجحة لكل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز انخفض بشكل ملحوظ بين موسم 2010 وموسم 2023، وبحسب تقرير صدر عن صحيفة The Times في ديسمبر 2024 شهد الدوري الإنجليزي انخفاض واضح جدًا في عدد المراوغات الفردية، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وذكر التقرير أن هذا التراجع يُعزى إلى تأثير التحليل البياني الذي يُعتبر المراوغة غير فعّالة في العديد من الحالات، وقد أظهرت بيانات من شركة Statsbomb انخفاضًا في عدد المراوغات، خاصة في الثلث الأخير من الملعب، وهو ما يتماشى مع فكرة ان الأكاديميات لم تعد تهتم لجماليات كرة القدم أكثر من صناعة عقل يتبع التعليمات ولا يبدع بارتجاله.
فتور في علاقة الجماهير واللعبة
هذه التحوّلات لم تمر دون أثر على الجماهير الشغوفة بهذه اللعبة، فقد أظهرت تقارير من وكالة AP وThe Guardian أن بطولة كأس العالم للأندية الأخيرة، رغم مشاركة أندية عالمية، شهدت تفاوتًا صادمًا في الحضور الجماهيري، إذ امتلأت مدرجات بعض المباريات، بينما لم يتجاوز الحضور في مباريات أخرى حاجز الـ 1000 متفرّج، رغم أن السعة الجماهيرية لبعض الملاعب تزيد عن 40 ألف مقعد.
وهذا الفتور الذي تعيشه المدرجات ليس فقط في بطولة كأس العالم للأندية، بل وصل كذلك حتى إلى قلب اللعبة، حيث أن الجماهير في أوروبا ورغم شعبية الأندية الكبرى هناك، تعيش دورياتها تراجعًا في متوسط الحضور، وناقش تقرير صادر عن UEFA عام 2024 هذا الموضوع مشيرًا إلى أن الحضور الجماهيري في الدوريات الخمسة الكبرى استقر أو تراجع قليلًا مقارنة بمواسم ما قبل جائحة كورونا، وهو مؤشر مقلق على فتور العلاقة بين الجمهور واللعبة.
من منتج شعبي إلى منتج تجاري بحت
ولا يمكن إغفال البُعد التجاري في هذه التحولات، فقد أظهرت تقارير مثل تلك التي نشرها موقع talkSPORT أن 72 % من جماهير البريميرليغ الإنجليزي يرون بأن أسعار التذاكر غير منطقية، بينما طالب 77 % منهم بوضع سقف لأسعار التذاكر لحضور المباريات، وهذا التحوّل في علاقة الجمهور باللعبة –من شغف عاطفي إلى تعامل استهلاكي– جعل كثيرين يشعرون بأنهم لم يعودوا جمهورًا بل زبائناً.
كما أن ضغوط حقوق البث وتكدّس المباريات لأغراض تسويقية جعلت الأندية تخوض مباريات لا تنتهي، مما يرفع من معدلات الإصابات، ويُفقد اللاعبين حيويتهم، ويخلق لدى المشجع شعورًا بالتخمة، لا الترقب والحماس واللهفة، ففي موسم 2022 / 23، لعب نادي مانشستر سيتي 61 مباراة في مختلف البطولات، أي ما يعادل مباراة كل 5 أيام تقريبًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ النادي.
ما يجب أن نفهمه بعد كل هذه الحقائق والمعلومات، أن التحولات التي عاشتها وتعيشها هذه اللعبة لن تكون أمرًا عابرًا في تاريخها، بل هي ظاهرة عميقة، انعكست وستنعكس على كل تفاصيل اللعبة، بدءًا من اللاعب، إلى المدرب، إلى المشجع الذي قد يقف حائرًا ولا يفهم أسباب كل هذه التغيرات، ولكن لعلّ السؤال الأكبر الذي ينبغي أن يُطرح: هل تستطيع اللعبة أن تستعيد توازنها بين صرامة النظام والإبداع؟ وبين التكتيك المقيد والحرية؟ وبين الاستثمار والربح والمتعة؟، حتى ذلك الحين، سيبقى كثيرون يفتقدون لكرة القدم التي عرفوها كلعبة تهزّ القلب وعاطفته قبل أن تُرضي العقل ومنطقة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«يورو السيدات»: إنجلترا تحبس أنفاس إيطاليا… وتبلغ النهائي
«يورو السيدات»: إنجلترا تحبس أنفاس إيطاليا… وتبلغ النهائي

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

«يورو السيدات»: إنجلترا تحبس أنفاس إيطاليا… وتبلغ النهائي

سجلت كلو كيلي هدف الفوز، بعد ارتداد الكرة إليها عقب ركلة جزاء سددتها في البداية، لتقود إنجلترا لعودة مذهلة من تأخرها بهدف لتهزم إيطاليا 2-1 عقب وقت إضافي الثلاثاء لتبلغ نهائي بطولة أوروبا لكرة القدم للسيدات حيث ستواجه ألمانيا أو إسبانيا. وكانت إنجلترا هي صاحبة أفضل الفرص في الوقت الإضافي، وعندما عرقلت إيما سيفيريني منافستها بيث ميد داخل منطقة الجزاء لتحصل على ركلة جزاء، استغلت كيلي الفرصة لحسم المباراة في المحاولة الثانية لها، وذلك في الدقيقة 119. حسرة لاعبات إيطاليا بعد ضياع حلم التأهل لنهائي اليورو (أ.ب) وحولت كيلي الكرة المرتدة من ركلة الجزاء التي تصدت لها حارسة مرمى إيطاليا إلى داخل المرمى لتقود منتخب إنجلترا إلى النهائي. ومع بداية اللقاء، دافعت إيطاليا بشكل رائع وانطلقت بقوة عبر الهجمات المرتدة، وأتى إصرارها بثماره في الدقيقة 33 من مباراة قبل النهائي المثيرة عندما وصلت الكرة من اليمين إلى باربرا بونانسيا، التي لمستها أولا قبل أن تطلق تسديدة قوية في سقف المرمى. كلو كيلي تحتفل بهدف الفوز القاتل لإنجلترا على إيطاليا (أ.ب) وسيطرت إنجلترا على الكرة وصنعت مجموعة من الفرص بينما استغلت إيطاليا حظها في بعض الأحيان. لكن في كثير من الأحيان أطلقت مهاجمات إنجلترا تسديدات من مسافة بعيدة كان من السهل التعامل معها أو ذهبت فوق العارضة دون أي ضرر بإيطاليا. صوفيا كانتورو لاعبة إيطاليا تبكي بعد توديع منتخب بلادها لليورو (رويترز) ومع تلاشي آمال إنجلترا في الدفاع عن لقبها تدريجيا، استغلت ميشيل أغيمانغ (19 عاما) كرة ارتدت إليها داخل منطقة الجزاء وأطلقت تسديدة في الشباك في الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع لترسل المباراة نحو وقت إضافي. وحقق منتخب إنجلترا ثاني ريمونتادا على التوالي حيث أنه نجح أيضا في دور الثمانية في قلب تأخره بهدفين أمام السويد إلى تعادل قاتل في آخر عشر دقائق قبل حسم الفوز بركلات الترجيح.ونجحت سارينا ويغمان، مدربة منتخب إنجلترا في الوصول إلى النهائي الخامس خلال خمس بطولات كبرى، بما في ذلك أول نهائيين لها في منصبها السابق كمدربة لمنتخب هولندا.على الجانب الأخر تبدد حلم منتخب إيطاليا في حصد اللقب بعد خسارة المباراة النهائية أمام النرويج ثم ألمانيا في نهائي كأس أمم أوروبا للسيدات في عامي 1993 و1997 على الترتيب.وتلتقي إنجلترا في النهائي يوم الأحد المقبل في بازل، مع الفائز في المباراة الأخرى بالمربع الذهبي والتي تجمع اليوم الأربعاء بين منتخب إسبانيا بطل العالم ومنتخب ألمانيا، صاحب الرقم القياسي في عدد ألقاب البطولة.وقررت ويغمان الإبقاء على المدافعة جيس كارتر على مقاعد البدلاء، بعد أن كشفت مؤخرا عن تعرضها لإساءة عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي طوال البطولة.

ليندزي هاريس ترحل عن القادسية
ليندزي هاريس ترحل عن القادسية

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

ليندزي هاريس ترحل عن القادسية

أعلنت إدارة نادي القادسية نهاية العلاقة التعاقدية مع الحارسة الأميركية ليندزي هاريس حارسة فريق السيدات لكرة القدم. وتألقت ليندزي في ظهورها الأول بالدوري الممتاز للسيدات النسخة الماضية وتمكنت من خروج الفريق في أكثر من مباراة بشباك نظيفة، كما خطفت جائزة أفضل حارسة في بطولة كأس الاتحاد السعودي بموسمه الأول.ويخوض الفريق معسكر تحضيري في إسبانيا تحديداً ماربيا، ويُختتم في 10 أغسطس (آب) المقبل تحضيراً للموسم الرياضي المقبل.

خريدة يبدأ مهمته في رئاسة الخليج… وتحديات مبكرة تنتظره
خريدة يبدأ مهمته في رئاسة الخليج… وتحديات مبكرة تنتظره

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

خريدة يبدأ مهمته في رئاسة الخليج… وتحديات مبكرة تنتظره

سيواجه المهندس أحمد خريدة الرئيس الجديد لنادي الخليج تحديات كثيرة في عهد إدارته التي تمت تزكيتها الثلاثاء لأربع سنوات مقبلة. وتتمثل أولى التحديات في وضع فريق كرة القدم الذي نجح في الصعود ثم البقاء للسنة الرابعة على التوالي في دوري المحترفين حيث أن هناك عدد كبير من اللاعبين المحلين والأجانب غادروا النادي، كما غادر مشرف كرة القدم محمود المطرود الذي أكتفى بالسنوات التي قضاها في أكثر من فترة سواء في الصعود الأول قبل قرابة العقدين أو حتى نهاية الموسم الماضي حيث ساهم بخبراته في تجاوز الكثير من الملفات ليخلفه الدكتور صادق آل هويدي في الإدارة الجديدة حيث أكتفى المطرود بكونه عضو ذهبي وداعم للإدارة والنادي بشكل عام. كما أن فريق كرة اليد يمثل أحد التحديات الأساسية خصوصا بعد انسحاب عدد من اللاعبين من الفريق وكسر اللاعبان علي آل إبراهيم وصادق المحسن عقديهما مع الخليج للانتقال لنادي آخر والاقرب نادي الأهلي حيث أن كرة اليد تمثل أهمية كبيرة لدى أنصار النادي والبعض يعتبرها أهم من كرة القدم بعض النظر عن مواردها المتواضعة مقارنة بمصاريفها. كما أن إلغاء ألعاب جماعية وفردية لتقليل المصاريف يمثل أحد أهم التحديات التي ستواجها إدارة خريدة. ومثل تواجد علي المحسن في منصب الرئيس التنفيذي وتسير الأمور في الفترة الانتقالية أهمية بالغة حيث تم حسم العديد من الصفقات مع بدء العد التنازلي لانطلاقة الموسم الرياضي. وبالعودة إلى تزكية إدارة " خريدة" لقيادة الخليج فقد تم باب الطعون لمدة يوم واحد قبل رفع ملف الانتخابات إلى وزارة الرياضة من أجل اعتماد المجلس الجديد في حال عدم وجود أي طعون أو عدم قبول طعون مقدمه في هذا الشأن حسب الأنظمة المعمول بها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store