logo
من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط

من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط

عمون٢٨-٠٧-٢٠٢٥
في زمن أصبحت فيه الشاشات النافذة الأوسع إلى العقول والقلوب، بات منشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي كفيلًا بإثارة جدل وطني، أو حتى تقويض سمعة شخص، أو إشعال قضايا حساسة تمس النسيج الاجتماعي. هذا النفوذ المتنامي للمؤثرين في الأردن يطرح اليوم تساؤلات بمن يحدد مسؤولياتهم؟ ومن يحمي المجتمع من "الترند" حين يتحول إلى سلاح بلا ضوابط؟ وما هي الضمانات التي تحمي المجتمع في ظل إطار قانوني لم يتكيف بعد مع سرعة الثورة الرقمية؟
تبدو المشكلة أكثر وضوحًا حين نتأمل واقعًا يفتقر إلى أطر قانونية حديثة تنظم دور المؤثرين، رغم تحولهم إلى فاعلين بنسبة معينه في تشكيل الوعي العام، وتوجيه النقاشات الوطنية. فبينما تنظم القوانين الأردنية عمل الصحفيين ووسائل الإعلام التقليدية، نجد أن المؤثرين الرقميين – رغم امتلاك بعضهم مئات الآلاف من المتابعين – لا يخضعون لأي تصنيف قانوني محدد. هذا الغموض لا يخلق فقط حالة من الفوضى التنظيمية، بل يمنح بعض المؤثرين إحساسًا زائفًا بأنهم فوق القانون، وأن شعبيتهم الرقمية تُحصّنهم من المساءلة، مهما تجاوزوا أو نشروا من معلومات مغلوطة أو تحريضية.
واقعة حديثة سلطت الضوء على هذه الإشكالية حين تم استدعاء أحد المؤثرين من قبل الأجهزة الأمنية، على خلفية شكوى إلكترونية قدمها ضده أحد الأفراد نتيجة خلاف شخصي. ورغم أن الجهات الرسمية أوضحت أن القضية لا علاقة لها بمحتوى سياسي أو تضامني مع فلسطين، سرعان ما اجتاحت مواقع التواصل حملة من التفسيرات غير الدقيقة، تزعم أن سبب الاستدعاء يعود إلى نشر المؤثر لمقطع تضامني مع غزة. المفارقة أن العديد من المؤثرين الآخرين نشروا محتوى مشابهًا دون أن يتعرضوا لأي إجراءات قانونية، لكن بعض المتابعين – مستندين إلى تأويلات المؤثر نفسه – أصروا على تجاهل الرواية الرسمية. هذا المشهد كشف عن ميل بعض المؤثرين إلى توظيف عدد متابعيهم لحشد التعاطف وحصد الاعجاب، وتوجيه الرأي العام بشكل منفلت، وترويج سرديات تتجاهل السياق القانوني الحقيقي للأحداث.
في غياب تعريف قانوني واضح للمؤثر، تتحول المنصات الاجتماعية إلى ساحة رمادية، يختلط فيها الرأي الشخصي بالتأثير الجماهيري، دون ضوابط أو معايير. فالحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها عشرات الآلاف لا تختلف من حيث التأثير عن المنصات الإعلامية الكبرى، إلا أنها لا تخضع لنفس الالتزامات المهنية أو الأخلاقية، ولا حتى للمساءلة الصحفية. وفي دول مثل مصر، لجأت السلطات إلى وضع معايير رقمية، مثل تجاوز 5 آلاف متابع، كشرط لاعتبار الحساب وسيلة إعلامية خاضعة للتنظيم. أما في الأردن، فلا توجد آلية قانونية مماثلة، ما يُبقي الواقع القانوني في حالة ارتباك، ويفتح المجال أمام إساءة استخدام التأثير دون رقابة أو مساءلة.
المشكلة لا تقتصر على غياب الرقابة، بل تمتد إلى غياب الحماية أيضًا. فالمؤثرون، على عكس الصحفيين، لا يتمتعون بأي غطاء نقابي أو مهني يحدد حقوقهم ويدافع عنهم في حال تعرضهم لأي مساءلة أو إساءة استخدام قانوني. هذا الفراغ المزدوج – غياب الرقابة وغياب الحماية – يخلق بيئة مشوشة لا تضمن لا للمجتمع حقه في محتوى مسؤول، ولا للمؤثرين أنفسهم حقهم في الوضوح القانوني.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع بروز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي باتت تتيح لأي شخص إنتاج محتوى يبدو حقيقيًا بشكل مخادع، بما في ذلك فيديوهات مفبركة (Deepfakes) وأخبار مزيفة تنتشر كالنار في الهشيم. دون إطار تشريعي يحكم هذه الأدوات، قد يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة تضليل ممنهج، خاصة عندما تُستخدم هذه التقنيات من قبل مؤثرين لديهم قاعدة جماهيرية ضخمة، ويغيب عنهم الوعي الإعلامي أو المسؤولية القانونية.
كل ذلك يستدعي بناء نهج وطني تشريعي متكامل، يوازن بين حماية حرية التعبير وضمان الأمن الرقمي والاجتماعي. على هذا النهج أن يبدأ بتعريف واضح للمؤثرين وفق معايير شفافة تأخذ بعين الاعتبار عدد المتابعين، طبيعة المحتوى، ومستوى التفاعل والتأثير. ويجب أن يتضمن إطارًا قانونيًا يُلزم المؤثرين بالتعامل المسؤول مع البيانات الشخصية التي يحصلون عليها، ويمنع إساءة استخدامها لأغراض تجارية أو دعائية أو تضليلية. كما ينبغي أن يتضمن قواعد أخلاقية صارمة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، من بينها ضرورة الإفصاح الصريح عن أي محتوى منشأ أو معدّل بواسطة الذكاء الاصطناعي.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون صلاحيات الجهات الرقابية محددة وواضحة، تستند إلى القانون لا إلى الاجتهاد الشخصي، وتخضع للمراجعة القضائية الفعالة لضمان عدم تعسف السلطة في استخدامها. في المقابل، يجب أن يتم رفع الوعي الرقمي والقانوني لدى المؤثرين، عبر حملات توعوية وبرامج تدريبية، تتيح لهم فهم حقوقهم وواجباتهم، وتزودهم بالمهارات التي تُمكّنهم من صناعة محتوى مسؤول ومؤثر في آن.
من المهم أيضًا بناء جسور تعاون واضحة مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية، تتيح للدولة الأردنية فرض التزامات قانونية على هذه المنصات دون المساس بحرية التعبير أو فرض رقابة غير مبررة على المستخدمين.
في النهاية، لم يعد المؤثرون مجرد شخصيات رقمية يتابعها الجمهور بدافع الترفيه أو الفضول، بل أصبحوا شركاء حقيقيين في تشكيل المزاج العام وصناعة التأثير. وبالتالي، فإن تجاهل دورهم أو الاستمرار في التعامل معهم خارج الإطار القانوني سيترك المجتمع مكشوفًا أمام فوضى رقمية متنامية.
لقد آن الأوان لأن نبني في الأردن بيئة رقمية ناضجة، تحترم الحقوق، وتضبط المسؤوليات، وتُحصّن الفضاء العام من العبث. فالمؤثرون ليسوا فوق القانون، لكنهم أيضًا ليسوا خارجه. وبين هذا وذاك، يكمن مستقبلنا الرقمي.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تربط دفع 1.9 مليار دولار للولايات والمدن بموقفها من مقاطعة إسرائيل
واشنطن تربط دفع 1.9 مليار دولار للولايات والمدن بموقفها من مقاطعة إسرائيل

الرأي

timeمنذ 15 دقائق

  • الرأي

واشنطن تربط دفع 1.9 مليار دولار للولايات والمدن بموقفها من مقاطعة إسرائيل

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات والمدن الأميركية التي تقاطع الشركات الإسرائيلية لن تتلقى المساعدات الاتحادية للاستعداد للكوارث الطبيعية راهنة التمويل الاتحادي الروتيني بموقف الولايات والمدن السياسي. وقالت الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ في بيان إنه يتعين على الولايات والمدن الأميركية إتباع "الشروط والأحكام". وتتضمن الشروط أن تقر الولايات بأنها لن تقطع "علاقاتها التجارية مع الشركات الإسرائيلية تحديدا" كي تتلقى الأموال من الوكالة. وجاء في 11 إشعارا من الوكالة بشأن المنح اطلعت عليها رويترز أن هذا الشرط ينطبق على 1.9 مليار دولار على الأقل تعتمد عليها الولايات في تغطية تكاليف معدات البحث والإنقاذ ورواتب مديري الطوارئ وأنظمة الطاقة الاحتياطية ونفقات أخرى. وهذا أحدث مثال على استخدام إدارة ترامب للتمويل الاتحادي المنتظم في تعزيز رسالتها السياسية على مستوى الولايات. وقالت وزارة الأمن الداخلي، المشرفة على الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ، في أبريل الماضي، إن مقاطعة إسرائيل محظورة على الولايات والمدن التي تتلقى أموال المنح منها. وقالت الوكالة في تموز إنها ستطلب من الولايات إنفاق جزء من أموال مكافحة الإرهاب الاتحادية في مساعدة الحكومة على القبض على المهاجرين، وهي أولوية للإدارة الأميركية. ويستهدف هذا الشرط حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وهي حملة هدفها ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. وعلت أصوات مؤيدي الحملة في عام 2023 بعدما ردت إسرائيل على هجوم حركة حماس عليها بشن حملة عسكرية على قطاع غزة. وقال متحدث باسم وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم في بيان "ستطبق الوزارة كل قوانين وسياسات مكافحة التمييز، ومن بينها ما يتعلق بحركة مقاطعة إسرائيل التي ترتكز صراحة على معاداة السامية". وهذا الشرط رمزي إلى حد كبير. وقالت الدورية القانونية لجامعة بنسلفانيا إن لدى 34 ولاية على الأقل بالفعل قوانين أو سياسات مناهضة لحركة المقاطعة. ووصف محمود نواجعة المنسق العام لحركة مقاطعة إسرائيل في بيان الإثنين، شرط الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ "بالمخزي". وقالت هولي هافنجل مديرة سياسة معاداة السامية في اللجنة اليهودية الأميركية إن اللجنة تدعم سياسة إدارة ترامب. واللجنة هي منظمة مناصرة تدعم إسرائيل. وجاء في إشعار يتعلق بالمنح نُشر الجمعة، أن الوكالة ستطلب من المدن الكبرى الموافقة على السياسة الخاصة بإسرائيل للحصول على 553.5 مليون دولار مخصصة لمكافحة الإرهاب في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وكشف الإشعار عن أن من المقرر أن تتلقى مدينة نيويورك 92.2 مليون دولار من البرنامج، وهو أكبر مبلغ من بين كل المستفيدين. وتستند المخصصات على تحليل الوكالة "للخطر النسبي للإرهاب".

جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن
جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن

الرأي

timeمنذ 28 دقائق

  • الرأي

جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر الثلاثاء أنّه اعترض صاروخا أطلقه الحوثيون في اليمن، حيث تم تفعيل صفّارات الإنذار عملا بالإجراءات الاحترازية المتّبعة. وقال جيش الاحتلال في سلسلة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي إنّه "في أعقاب صفّارات الإنذار التي دوّت قبل قليل في مناطق إسرائيلية عدة، اعترضت دفاعات سلاح الجو الإسرائيلي صاروخا أُطلق من اليمن".

أسعار النفط تستقر وسط تصعيد ترمب لهجته تجاه الهند
أسعار النفط تستقر وسط تصعيد ترمب لهجته تجاه الهند

الغد

timeمنذ 33 دقائق

  • الغد

أسعار النفط تستقر وسط تصعيد ترمب لهجته تجاه الهند

استقرت أسعار النفط بعد تراجع دام ثلاثة أيام، مع تقييم المستثمرين للمخاطر المحيطة بالإمدادات الروسية، في وقت صعّد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من تهديده بفرض عقوبات على الهند بسبب شرائها النفط من موسكو. اضافة اعلان تداول خام "برنت" دون 69 دولاراً للبرميل بعد أن فقد أكثر من 6% خلال الجلسات الثلاث السابقة، بينما استقر خام "غرب تكساس" الوسيط قرب 66 دولاراً. وقال ترمب إنه سيقوم بـ"رفع كبير" في التعرفة الجمركية على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي، في إطار محاولة للضغط على موسكو للتوصل إلى هدنة في أوكرانيا. ووصفت نيودلهي الخطوة بأنها غير مبررة. وشهد النفط اتجاهاً هابطاً في الجلسات الأخيرة بعد مكاسب دامت ثلاثة أشهر. ويُعزى هذا الضعف إلى مؤشرات على تباطؤ أكبر اقتصاد في العالم وسط الإجراءات التجارية الأوسع التي ينتهجها ترمب، مما يهدد الطلب على الطاقة، إلى جانب تحرّك تحالف "أوبك+" لتخفيف قيود الإمدادات. وقد أثارت هذه العوامل مجتمعة مخاوف من حدوث تخمة في المعروض النفطي خلال النصف الثاني من العام، ما يضغط على الأسعار. وجاء التحذير الأخير من ترمب للهند قبيل الموعد النهائي الذي حدده في 8 أغسطس أمام روسيا للتوصل إلى هدنة مع أوكرانيا. ومن المتوقع أن يزور المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف موسكو يوم الأربعاء، بحسب ما نقلته وكالة "تاس". وبرزت الهند كأكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً منذ الحرب على أوكرانيا في أوائل عام 2022، إذ استفادت من خصومات الأسعار بعد أن تجنبت الدول الغربية شراء الخام الروسي، لترفع وارداتها من مستوى يقارب الصفر إلى نحو ثلث إجمالي الواردات. وتعدّ الصين أيضاً من كبار مشتري نفط موسكو. وقد يدفع أي اضطراب في مشتريات الهند من النفط الروسي إلى بحثها عن إمدادات بديلة. وقالت شركة "ريستاد إنرجي" في مذكرة حديثة إن دول "أوبك+" الأخرى، وخصوصاً في الشرق الأوسط، تمتلك القدرة على تعويض أي نقص محتمل. وكان التحالف قد اتفق في عطلة نهاية الأسبوع على زيادة الإنتاج اعتباراً من سبتمبر بنحو 547,000 برميل يومياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store