logo
إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!

إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!

الخبرمنذ 4 أيام
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: 'إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة'.
من نعم الله تعالى الكثيرة التي لا نحصي لها عددا، نعمة وسائل النقل بأنواعها، فإنها نعمة لمن استعملها في مرافق حياته المباحة. فالشريعة الإسلامية إنما جاءت بحقن الدماء والمحافظة عليها: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وفي الصحيح: 'من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة، في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا'، وفي الصحيح أيضا: 'من قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة'. ففي هذه الآية وفي الأحاديث التي مرت معنا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن يلقي السمع وهو شهيد.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الأنفس، وتجنيبها العطب والتلف، وإن من إلقاء النفس للتهلكة وتعريضها للعطب ما يفعله كثير من الشباب الطائش من قيادة السيارة بسرعة جنونية تفقد السائق بسببها التحكم فيها، مما يؤدي إلى العطب أو الموت له أو لغيره من الناس.
لقد قرر أهل العلم أن سائق السيارة إذا كان لا يعرف القيادة، وقاد السيارة بدون معرفة، ثم حصل له حادث ثم مات، فقد عرض نفسه للإتلاف، ولأنه لم يأخذ بالأسباب الواقية وهي معرفة القيادة، إذا فهو داخل تحت الوعيد الشديد الذي مر آنفا في الأحاديث الصحيحة والآية الكريمة. وأيضا، فإن السائق إذا تعدى السرعة التي تمكنه من التحكم بالسيارة، ووقع الحادث ومات، فهو داخل تحت الوعيد الشديد؛ لأن من فعلِ الأسباب الرفق، وعدم السرعة التي تهدد حياته وحياة البشر، فكم نرى وكم نسمع بالحوادث وكل ذلك سببه السرعة وعدم معرفة القيادة.
ومع وضوح الأمر وجلائه، فإننا نرى أرواحا تزهق، ونساء تُرمَّل، وأطفالا تُيَتَّم، وإعاقات مستديمة، وآلاف الملايين تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، ترى أطفالا في مقتبل العمر ما حالهم وقد فقدوا عائلاتهم، وما حال تلك المرأة وقد فقدت من يرعاها ويرعى أطفالها، وما حال الأسرة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق، أصبح مقعدا عاجزا، عالة على أهله ومجتمعه، بسبب ماذا كل هذا؟ بسبب فعل متهور، وتصرف طائش وعمل غير مسؤول.
تُرى ماذا يبقى إذا هانت الأرواح واسترخصت الدماء، وإلى أي هاوية هؤلاء ينحدرون، لقد فاضت نفوس زكية ودماء بريئة، فمتى يهتدي الضالون، ومتى يستفيق الغافلون، كل هذه المصائب، وكل هذه المآسي راجعة إلى الإخلال بحق الطريق، والتفريط في آداب المسير، والإهمال في قواعد المرور، فالطريق لم يوضع من أجل أن يتصرف فيه الضالون بسياراتهم كيف يشاؤون، متجاوزين الخلق الحسن، إن الطرق هي مسالك الناس إلى شؤونهم ومعابرهم، وإلى قضاء حوائجهم، وهي دروبهم في تحركاتهم، وتحصيل منافعهم، وهي سبيلهم إلى أسواق التجارة وكسب المعاش، وهي منافذهم إلى المدارس ودور العلم والمساجد، وكل أنواع الحركة والتنقلات.
إن الحوادث في ارتفاع كل يوم، ومع ذلك لم نر القلوب تتعظ وترعوي، فكم ترى من جثث تحت السيارات، وكم ترى اللحم وقد اختلط بالحديد، ومع ذلك فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا نفس تتعظ وتنتهي عن غيّها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.. والله ولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الفاشلون في امتحان الجوع - إيطاليا تلغراف
الفاشلون في امتحان الجوع - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 11 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

الفاشلون في امتحان الجوع - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف كمال أوزتورك كاتب وصحفي تركي ثمة قول شائع في تركيا: 'الله لا يمتحن أحدا بالجوع'. ذلك لأن الجوع يعد أقسى ألم يمكن للإنسان احتماله، ويعتقد أنه أقسى الابتلاءات. فالإنسان الجائع يفقد كل قيمه في لحظة، ويرتد إلى غرائزه الأولى، يفعل أي شيء للبقاء. لهذا يخشى الجوع وينظر إليه بوصفه اختبارا عظيما. لا أدري، ربما يقال هذا في بلدان أخرى أيضا. لم أستطع أن أنظر إلى صورة طفل في غزة عظام عموده الفقري بارزة من تحت جلده، يحتضن أمه، ولكن ما إن رأيت الصورة بطرف عيني حتى خطر ببالي ذاك القول: 'الله لا يمتحن أحدا بالجوع.' غير أنني لم أفكر في هذا القول من أجل ذلك الطفل النحيل حتى الهزال، ولا من أجل أمه التي برزت عظام وجنتيها، ولا حتى من أجل إسرائيل التي تقتل الفلسطينيين بأبشع أنواع الموت: الموت جوعا، وقد حكمت على مليوني إنسان بالجوع. بل أردت أن أقول هذه الجملة للبشرية جمعاء التي تشاهد موت أولئك الأطفال، الذين نُهشت أجسادهم حتى باتت عظامهم تعد عدا، دون أن يتحرك فيها ضمير: العالم يمتحن بالجوع، وهو يرسب في هذا الامتحان. الاحتياج الأشد للإنسان، غذاؤه وماؤه، يُقطع عنه، ويترَك لمصير الموت البطيء على يد نظام إسرائيل المجرم، وذلك وسط صمت عالمي مريب. بل إن إسرائيل لم تكتفِ بحرمان غزة من الغذاء، بل أطلقت الرصاص على الفلسطينيين الذين حاولوا توزيع القليل الذي دخل، فزادت فتكا وبشاعة. ومع ذلك، لم يصدر صوت من هذا العالم. لذلك، لا تخدعنكم بعض التصريحات الجوفاء التي تصدر عن دول تقول: 'يجب إيصال المساعدات إلى غزة'. فما لم تفتَح الحدود، وما لم ترسَل الإغاثات، وما لم يتوقف إطلاق النار، وما لم يمنع القتلة من مطاردة الأبرياء، فإن هذه الأقوال لا معنى لها.. لا معنى لكلام بلا فعل. الناس يقتلون جوعا، ومن يحاول الوصول إلى كيس دقيق يردى برصاصة، ثم يحاول رفاقه أن يحملوا كيس الطحين المغطى بالدماء فوق أكتافهم. من يرى يمكنه أن يعد عظام العمود الفقري للأطفال، ويحصي ضلوع الرجال العارية. العالم يمتحن بجوع هؤلاء البشر، ولم ينجح أحد في هذا الامتحان. وسيسجل التاريخ تحت صور تلك الأكياس الدموية، وتحت صور الأطفال الذين برزت عظامهم من الجوع، وتحت نظرة الأم العاجزة التي تضم طفلها: 'في تلك الأيام، ابتلِيَ العالم بالجوع، وخسر الجميع'. 'الله لا يمتحن أحدا بالجوع'، لن تقال هذه العبارة بعد اليوم من أجل الجوعى، بل من أجل الذين رأوا موت الجوعى ولم يحركوا ساكنا. ربما كان أولئك الذين جاعوا وماتوا أكثر حظا منا، لأنهم لم يكونوا يملكون خيارا آخر. أطفالٌ فقراء، أمهاتٌ عاجزات، آباءٌ منهكون، محاصرون، معدمون، عزل في وجه جيش هو من أعتى الجيوش بدعم من أقوى الدول. ماذا يمكنهم أن يفعلوا بأيديهم العارية؟ لذا، لن يدينهم التاريخ، ولن يعيبهم أحفادهم. لكن، ما عدا غزة، فإن العالم كله مسؤول. الذين لم يفتحوا المعابر لإيصال المساعدات، الذين لم يفرضوا عقوبات على إسرائيل، الذين أرسلوا السلاح، وقدموا المال، وأعلنوا دعمهم، وساندوا القتلة، الذين صموا آذانهم عن صرخات الأطفال الذين ماتوا جوعا، وأغلقوا أعينهم عنهم، وأظلمت قلوبهم.. هؤلاء، امتحانهم سيكون عسيرا. مسلم، مسيحي، يهودي، هندوسي، بوذي، ملحد.. أيا كان دينهم، أو عِرقهم، أو مذهبهم، كل من فشل في امتحان الجوع، لن يرحمه التاريخ، وحتى بعد أن يموت، ستدان قبوره من قِبل الأجيال القادمة. كما يُدان هتلر ومن دعمه كل يوم، ويُوصمون بوصفهم من أسوأ ما أنجبته البشرية، كذلك سيُذكَر نتنياهو وكل من دعمه في المستقبل. كل يوم، ستُنشر صور أولئك الأطفال الفلسطينيين الذين أصبحت عظامهم بارزة، وسيُقال: 'إسرائيل، الدولة الأكثر دموية في تاريخ الإنسانية'. وسيُقال: 'نتنياهو، الوجه الأكثر خزياً'. ثم سيعد بالأسماء رؤساء الدول الذين وقفوا صامتين أمام هذا الفتك بالجوع: 'هؤلاء هم رؤساء الدول الذين لم يفعلوا شيئا لمنع هذه المجازر الوحشية'. وسيعلَن عنهم صراحة: شركاء في الجريمة. ونحن أيضا- نحن المواطنين العاديين- سننال نصيبنا من العار.. هكذا، سيبدو الفشل في امتحان الجوع، في المستقبل. صدقوا ذلك. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

حكم بالإعدام قبل الميلاد
حكم بالإعدام قبل الميلاد

الشروق

timeمنذ 21 ساعات

  • الشروق

حكم بالإعدام قبل الميلاد

مَن مِن الكائنات العاقلة وغير العاقلة يخطر بباله ويسرح في خياله أن يوجد مثل هذا الحكم، وهو الحكم بالإعدام على مولود مايزال في صلب وترائب أبويه؟ لا يمكن أن يخطر مثل هذا الحكم إلا على من إذا ذكر اسمها ضجت الخلائق كلها لبشاعتها، ولا أعني إلا فرنسا المجرمة، فسجّل تاريخ القضاء 'براءة اختراع' هذا الحكم باسم هذه الدولة ذات التاريخ الأسود في العالم كله، إنها فرنسا المدعية لكل جميل، ولا تفعل إلا كل قبيح. عندما قدّر الله – عز وجل- أن يؤسس، الخيرة في الجزائر 'جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رخصت لهم فرنسا ذلك، ظنا منها أن هذه الجمعية كالجمعيات التي أسست على عينيها اللتين أعماهما الاحتفال القرني الذي زعمت فيه فرنسا الصليبية أنها لا تحتفل بمرور قرن على تدنيسها الجزائر الطاهرة، ولكنها تحتفل بتشييع 'جنازة الإسلام' في هذه الربوع، وأن 'الصليب حطّم الهلال' كما زعم أحد كبار سفهاء فرنسا. وهل يوجد في فرنسا غير السفهاء؟ ما أن حال الحول على تأسيس هذه الجمعية المباركة حتى استيقنت فرنسا المجرمة أن هذه الجمعية ليست كأحد من الجمعيات، فبدأ مكر الليل والنهار ضد هذه المعية، والكيد لها، والتربص بها لدرجة أنها أصدرت قرارا يمنع نوادي الجمعية من بيع المشروبات من شاي وقهوة حتى تفلس وتغلق أبوابها، ألا لعنة الله على فرنسا. أوحت فرنسا إلى بعض من تسرّب إلى جمعية العلماء أن يخبلوا أمر الجمعية، وأن يخربوها من داخلها فأسسوا جمعية 'ضرّة'، حملت اسما شريفا لتحقيق مهمة قذرة، وهو 'جمعية علماء السنة' – فكانت كمن ولد من سفاح ووالداه مسيلمة الكذاب وسجاح. سل أعضاء الجمعية الحرة أقلامهم، وسددوا ضرباتهم القائلة إلى هذه الجمعية التي سماها الإمام الإبراهيمي جمعية 'السنة الكسكسية'، لأن أعضاءها هم من أصحاب 'الزردات والوعدات' كما يقول المرحوم سي مولود قاسم، فكانت جريدة 'السنة المحمدية'، لم تصبر فرنسا المجرمة على لهجة 'السنة النبوية المحمدية' فعطلتها بعد 13 عددا، فأصدرت الجمعية جريدة 'الشريعة النبوية المحمدية'، فأوقفتها فرنسا بعد 7 أعداد، فأخرجت الجمعية جريدة 'الصراط السوي'.. استفحل كلب فرنسا فأصدرت قرارا بتوقيف 'الصراط' بعد 17 عددا، وقد ذيلت هذا القرار بحكم بشع بشاعة فرنسا وهو: 'لا يسمح لهذه الجمعية أن تصدر أية جريدة في المستقبل'. سخر الإمام الإبراهيمي من فرنسا 'الديمقراطية' بقوله إن فرنسا بتذييلها ذاك كانت كمن يحكم بالإعدام على مولود قبل ولادته. آه لو أن لي قوة لأذقت فرنسا ضعف الحياة وضعف الممات، لأنها 'مجرمة بالفطرة' كما يقول رجال القانون، ولأنهم كما قال شاعر: رأيت آدم في نومي فقلت له أبا البريّة: إن الناس قد حكموا أن 'الفرانس' نسل منك، قال إذن حواء طالقة إن صح ما زعموا

أرادت أن تكافئ ابنتها ولم تدري أنه شبحا سيعثوا بحياتها
أرادت أن تكافئ ابنتها ولم تدري أنه شبحا سيعثوا بحياتها

النهار

timeمنذ 2 أيام

  • النهار

أرادت أن تكافئ ابنتها ولم تدري أنه شبحا سيعثوا بحياتها

لم تكن مكالمة عادية، تلك التي تلقيناها في مركز الأثير للإصغاء، من سيدة بالكاد استطاعت أن تلقي السلام، نبرة صوتها تحكي قصة خوف على مختلف الأبعاد، بطلتها ابنتها التي لولا ستر الله وتفطن الأم لها لكانت ستلقي بنفسها في قاع بئر مظلم مخيف بل مرعب لكل امرأة تعي حجم الأمانة التي تحملها على عاتقها 'كأم' 'أنا في مأزق أريد النجاة'، كانت اول عبارة بعد سؤالنا عن أحوالها، ما استدعى منا الإنصات لمشكلتها، عرفنا بعدها أنها سيدة متزوجة، أم لخمسة أولاد، بنتين وثلاث ذكور، أكبرهم بنت في الـ14 من العمر، زوجها يعمل بعيدا عن المنزل ولا يزورهم إلا قليلا، أو يطمئن عليهم باتصالات هاتفية، سيدة وجدت نفسها تقوم بأدوار عديدة، استأثرت بنفسها، ووضعت تألق أولادها كأولوية، لكن كما يقال 'لكل فرس كبوة..' كانت فخورة بصنيعها ، تعتقد أنها تحتوي الأمر وكل ما يدور على حلبة بيتها تحت عينها، أولادها كلهم يُشهد لهم بحسن التربية، حتى في الدراسة نتائجهم ممتازة، ما جعلها تفكر رفقة زوجها مكافئتهم وإرضاء الصغار بلوحات رقمية، والبنت الكبرى بهاتف ذكي، تماشيا مع متطلبات العصر، خاصة بالنسبة لهذه الأخيرة، التي دوما كانت تقارن نفسها بتريباتها، وحصل ذلك في منتصف السنة الدراسية الفارطة، بعد نتائج الفصل الثاني التي ممتازة، لكن السيدة 'أم ريان' لم تكن تعلم أنها أدخلت شبحا لبيتها سيجر ابنتها جرا لفتنة ستحرق بيتها، فرحت البنت في البداية بالهاتف، وسيلة كانت موجهة للدراسة، لكن انحرف بها المسار إلى طريق غير طباعها، صارت شديدة التعلق بهاتفها، كلما سألتها ماذا تفعل تقول أنها تدرس أونلاين رفقة زميلاتها، كانت الأم في غاية السرور والفخر بإنجازها، اعتقد انها أحسنت التصرف، لكن على ما يبدو أن الأمور تعدت حدودها الطبيعية، البنت صارت تنام حتى ساعات متأخرة من الليل، وفي النهار شديدة الاهتمام بهندامها حتى داخل البيت، بدأت الأم تستغرب الأمر، فكيف لبنتها التي كانت تستشيرها في كل تفاصيل يومياتها صارت متكتمة تحب الانفراد في غرفتها، وهاتفها ممنوع على باقي إخوتها..؟؟ فتأكد للأم أنه سبب التغير، ومربط الفرس الذي سيقودها لفك لغز ابنتها، لم يكن حينها بيد السيد أم إياد حيلة أن تسأل عن طريقة الولوج في تلك الهواتف الذكية، والبحث في تطبيقاتها خاصة أين يوجد المحادثات، وما إن أُتيحت لها الفرصة واستطاعت الولوج في هاتف ابنتها اصطدمت بالطامة الكبرى..، صور شبه عارية، محادثات لساعات طويلة، كلمات لا أخلاقية، وحياة افتراضية كأنها حياة زوج وزوجة، يا له من يوم موجع، ويا لها من لحظة قاسية، شعرت فيها كان الدنيا أطبقت عليها، وبفشل ذريع وخيبة ضربتها في مقتل.. تقول السيدة في خضم مكالمتها: 'تمنيت لو أنني مت ولم أرى ما رأيت'، لم تتمالك أعصابها، وكشفت الأمر لابنتها، وانهالت عليها بالضرب، تقول أن البنت شعرت بحجم خطئها، وخجلت من فعلتها، ووعدتها بوضع حد لتلك العلاقة، لكنها تأخرت في قرارها فالأم لم تعد تثق بابنتها وصارت تراقب كل تحركاتها وقيدت تصرفاتها، فلم تعد تنعم بالحرية التي لطالما عاشت فيها، فوجدت السيدة أم إياد في براثين خيبة سببها ابنتها، لا تعرف كيف تواجه خوفها ولا كيف كانت ستواجه زوجها الذي استأمنها على العائلة إن حصل ما كان سيخرب بيتها، لكنها تحمد الله أنها تفطنت للمشكل واحتوته قبل أن تتعدى الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، لكنه بالمقابل سبب لها ضغوطات نفسية عكّرت مزاجها وصفو الحياة برمتها. كانت مكالمة مؤثرة جدا، جعلت ذاكرتي تستحضر عديد الأمثلة التي مرّت علينا، وقصص عديدة عشناها في واقعنا.. فيا معشر الآباء.. نعلم أنه موضوع كلاسيكي وأن الإنترنت صارت حتمية عصرية لحياتنا، لكن لا يجب أن ننسى خطورتها على أولادنا، حيث اقتحمت بيوت المسلمين وعاثت فسادا في أخلاقهم، عرف كيف يتوغل ويسدل بآثاره السلبية -نظرا لسهولة استعماله-، وهذه الخطورة لا يمكن حصرها ولا حصر تداعياتها، فباتت تشكل أزمة كبيرة، فلابد أن نتصدى لها ليس بمنع استعمالها لأنها وسيلة لا يستطيع الإنسان في عصرنا الحالي الاستغناء عنها، بل بغرس أفضل القيم في أولادنا، وتوثيق الوازع الديني فيهم ليكون لهم حصنا منيعا يحوط عليهم من الفتن التي تهددهم من كل حدب وصوب. لحظة اكتشاف الخطأ.. وعلاجه بحكمة كبيرة عندما يعلم أحد أفراد الأسرة بأن أحد المراهقين يسئ استخدام موقع التواصل الاجتماعي، لا يجب حينها أن يذهب لعقابه وتوبيخه، فهذا الأسلوب لم يعد يجدي في زماننا هذا، أو أن يقوم بفضح أمره أمام الجميع، فكل هذا سيدفع المراهق إلى رد فعل عنيد، وتكون النتيجة سلبية، بل يجب التريث في الأمر والتفكير مليا، وعلاجه بالشكل الذي يحقق أفضل نتيجة ممكنة. نبدأ باختيار أقرب أفراد الأسرة إلى هذا المراهق، سواء كان الأب أو الأم أو أحد الأخوة أو الأخوات الكبار، أو حتى في الدائرة الأوسع قليلا التي تضم الأخوال والأعمام وأبنائهم، بحيث يكون شخصا محببا إلى ذلك المراهق، ليتقرب ذلك الشخص من المراهق ويعمل على احتوائه حتى يستريح له أكثر، ويستطيع أن يحادثه في الموضوع بلا حرج، ويبين له فيما بعد خطورة هذا التعامل مع هذه الموقع، وعواقبها، ويسعى لإقناعه بأسلوب مبسط، ولا يمل من تكرار المحاولات ولا يسعى لفرض رأيه من أول مرة ويحتد على ذلك المراهق، فإن هذا قد يدفع المراهق إلى التعامل بسرية أكثر وبالتالي تتفاقم المشكلة. كما يجب فرض نوع من الرقابة الأسرية على ذلك المراهق، فلا يسمح له مثلا في الفترة التالية مباشرة بأن يجلس بمفرده مع الحاسوب أو هاتفه ساعات طويلة، ويكون ذلك بشكل غير مباشر، حتى لا يلاحظ المراهق أنه مراقب ويؤثر ذلك في نفسه فيلجأ إلى العناد والمكابرة. من المهم أيضا أن يتم إشغال المراهق بأكثر من أمر حتى لا يجد وقتا فارغا لتلك التطبيقات ويستغلها استغلالا سيئا، فيتم إشغاله بنشاط ثقافي أو اجتماعي، أو تكليفه بمهام ما في المنزل، بحيث لا يجد وقتا كثيرا، يتعرف فيه على أشخاص لا يعرفهم أو أن يدفعه الفضول إلى البحث في أمور لا تتناسب مع سنه. الوقاية خير من العلاج.. هي حقا معضلة كبيرة، في زمان الثورة الرقمية، خرجت فيه أجيال جديدة، لا تعرف من التربية إلا اسمها، حتى الوازع الديني صار أكثر من ضعيفا، فلا فروض ولا واجبات ولا حساب ولا عقاب، ولا رقابة ولا مسئولية، الدعوى للتحرر فيه منتشرة بطرق متنوعة، وفي مثل هذا الزمان، يجب أن نهتم كثيرا وننفذ القاعدة الذهبية 'الوقاية خير من العلاج'. يجب علينا أن نهتم بالتربية كثيرا، ليست التربية الظاهرية التي تهتم فقط بالمأكل والمشرب، والتحصيل الدراسي، بل تهذيب الأخلاق وتصفية العقول وتنقيتها من الشوائب والخبث الذي يبثه هذا المرض الخبيث 'الطفرة الرقمية'، والتركيز على القيم الدينية والالتزام بما أوجبه الله عز وجل، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. على الأولياء أن يتحلوا بالذكاء في التربية، ومسايرة العصر بحنكة وحرص شديدين، فزمن أولادهم غير زمنهم، وظروف أولادهم غير ظروفهم، ما يعني أن نقوم بتحيين أساليب التربية وفقا للمستجدات التكنولوجية والظواهر المجتمعية معتمدين على الدين الفضيل الذي أساسا أتى لإتمام مكارم الأخلاق. مجرد رأي.. إن هذا الموضوع خطير ومهم للغاية، ولا يمكن اختزاله في بضع سطور، بل يحتاج إلى دراسة معمقة تراعى فيه كل الظروف وتؤخذ فيه كل الاحتمالات، ويحسب لها من كل الأبواب، مستعينين في ذلك إلى مختصين تربويين ونفسيين واجتماعيين، وخبراء التكنولوجيا كذلك، بحيث تكون الدراسة واقعية تخرج بتوصيات قابلة للتنفيذ، نسأل الله السلامة لأولادنا، والتوفيق والسداد، وأن يجعلهم ذخرا لدين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store