logo
مكافحة الجوع العالمي.. هل أصبحت مسؤولية أميركا؟

مكافحة الجوع العالمي.. هل أصبحت مسؤولية أميركا؟

الاتحاد٢٧-٠٦-٢٠٢٥
مكافحة الجوع العالمي.. هل أصبحت مسؤولية أميركا؟
«لا تحاول ابتزازي عاطفياً» - عبارة يرددها الكثير من قُراء مقالاتي الأخيرة التي كتبتها من غرب أفريقيا وجنوب السودان، التي تناولت فيها وفيات الأطفال بسبب تقليص المساعدات الإنسانية الأميركية. دعوني أحاول الرد على مخاوف المنتقدين في تعليقات «نيويورك تايمز» وعلى وسائل التواصل الاجتماعي: «إنها بالفعل مآسٍ، لكنها ليست مآسينا أو مشاكلنا. لا أقصد أن أبدو قاسي القلب، لكننا لسنا أطباء العالم، ولا يمكننا إنهاء كل معاناة»، صحيح أننا لا يمكننا إنقاذ كل طفل يحتضر، أو كل أم تنزف حتى الموت أثناء الولادة. لكن عجزنا عن إنقاذ الجميع لا يعني أننا لا يجب أن نحاول إنقاذ أحد.
يمكن إنقاذ طفل جائع على شفا الموت باستخدام معجون الفول السوداني «بلامبي نت» الخاص، بتكلفة دولار واحد فقط في اليوم. ويمكن الوقاية من فقر الدم الذي غالبًا ما يُسبب نزف ووفاة النساء أثناء الولادة، من خلال توفير مكملات معدنية وفيتامينات ما قبل الولادة بتكلفة 2.13 دولار أميركي طوال فترة الحمل. «من المعروف أن المساعدات الإنسانية الأميركية مليئة بالمشكلات. فلماذا يتحمل على دافعي الضرائب الأميركيين، المثقلين أصلاً بالضغوط والديون، تكاليف هذا الخلل؟» لقد تابعت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لعقود، وأسوأ خلل رأيته على الإطلاق كان الفوضى التي تلت تفكيك الوكالة هذا العام.
يموت طفل بسبب سوء التغذية تقريباً كل 15 ثانية، بينما يوجد 185.535 صندوقاً من معجون الفول السوداني مكدسة في مستودع بولاية رود آيلاند تم دفع تكلفتها بالفعل من أموال دافعي الضرائب الأميركيين. وتقول نافين سالم، المديرة التنفيذية لشركة «إديسيا نيوتريشن» التي تصنع هذا المعجون وتملك المستودع، إن الحكومة الأميركية تمتلك الصناديق لكنها الآن تبدو عاجزة عن معرفة كيفية إيصالها إلى المحتاجين.
ووفقًا لمارك مور من شركة «مانا نيوتريشن»، هناك 500 ألف صندوق آخر من المعجون، مدفوع الثمن أيضًا من أموال دافعي الضرائب، متكدس في مستودع في ولاية جورجيا، حيث تبدو الحكومة «مرتبكة» بشأن كيفية التصرف بها بعد إغلاق الوكالة. وبينما تتراكم تكاليف تخزين المنتج على الحكومة، يموت الأطفال بسبب نقصه، فهل هناك خلل أكثر قسوة وعبثية من هذا الوضع؟ «لدينا احتياجات هائلة في الولايات المتحدة. لا تستطيع العائلات إلحاق أطفالها في المرحلة التمهيدية، أو إيجاد رعاية للأطفال، أو تحمل تكاليف الدراسة الجامعية. ولا يحصل ملايين الأميركيين على الرعاية الصحية. الكثير من الأشخاص مشردون. فلماذا إذًا تُنفق الموارد الشحيحة على أطفال سيراليون بدلًا من الأطفال الأميركيين؟
أُكافح في نشاطي وفي تبرعاتي الشخصية لتحقيق توازن بين الاحتياجات المحلية وتلك الدولية، بناء على ثلاثة مبادئ أولها أن الاحتياجات ببساطة أكبر في الخارج، ففي رحلتي السنوية ضمن مبادرة «أربح فرصة السفر»، استضيف طالباً جامعياً معي في رحلة صحفية. وكانت رحلتي هذا العام في غرب أفريقيا، شاركتني فيها صوفيا بارنيت، وهي شابة نشأت في رعاية التبنّي، من أصل سكان أصليين، وتخرجت لتوها من جامعة براون بمعدل امتياز كامل. وكانت صوفيا نفسها فقيرة، لكنها أخبرتني أن الفقر في أفريقيا من نوع مختلف تماماً، يؤدي إلى موت الأطفال جوعاً.
ثانياً، المال يُحدث فرقاً أكبر في الخارج. فقد تحدثنا إلى أم في ليبيريا فقدت ابنها هذا العام لأنها لم تملك 20 دولاراً لشراء دواء مضاد للملاريا كان يحتاجه. حاول أن تنقذ حياة في الولايات المتحدة مقابل 20 دولاراً فقط، بالطبع لا يمكن ذلك.
ثالثًا، من الطبيعي أن نهتم أكثر بمن هم قريبون منا، لكن تعاطفنا لا ينبغي أن يعتمد على لون البشرة، أو لون جواز السفر. وكانت المساعدات الإنسانية الأميركية، حتى العام الحالي، تنقذ نحو ست أرواح في الدقيقة، مقابل ما لا يتجاوز 0.24% من الدخل القومي الإجمالي، بحسب تقديرات تقريبية من مركز التنمية العالمية. ويبدو أن هذا استثمار مربح، ولا أعتقد أنه يأتي على حساب مساعدة الأطفال الأميركيين. أنت تغض الطرف عن الفساد وسوء الإدارة في الخارج، وهما يمثلان المشكلة الحقيقية.
لماذا لا تعالج حكومات الدول التي تزورها تلك الاحتياجات بدلاً من إلقاء اللوم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لماذا لا تحاسب الحكومات الأخرى على إخفاقاتها؟ إن بعض الدول تأخذ مسألة الحوكمة بجدية بالغة. لقد اصطحبت صوفيا معي إلى سيراليون جزئياً لأنني أردت إظهار التقدم إلى جانب التحديات، فسيراليون دولة هشة لا تزال تتعافى من حرب أهلية، لكنها تميزت في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، وبدعم مناسب، يُمكنها أن تصبح دعامة للاستقرار في المنطقة.
ربما يكون أسوأ ما قد يحدث للإنسان هو فقدان طفل، وفي عام 1950، كان 27% من الأطفال حول العالم يموتون قبل سن الخامسة، والآن يموت حوالي 4% منهم. ومنذ عام 2000 فقط، انخفض معدل وفيات الأطفال بأكثر من النصف. هذا بفضل التطعيمات، وعلاج الجفاف الفموي، وتشجيع الرضاعة الطبيعية، ومعجون الفول السوداني، وبفضل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. إلا أن الولايات المتحدة خفضت تمويل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الربحية التي ساهمت في هذه المكاسب. وكان من أبرز شخصيات القرن الماضي جيمس ب. غرانت، الأميركي الذي قاد اليونيسف، وتمكن بالتمويلات الأميركية من إنقاذ عشرات الملايين من الأرواح. وبسبب نقص الميزانيات، تواجه اليونيسف والوكالات الأخرى قرارات صعبة بشأن ما يجب تخفيضه.
قد يبدو تقديم المساعدات الغذائية عملاً إنسانياً، لكنه يؤدي فقط إلى زيادة عدد السكان ومزيد من الجوع في المستقبل. ما تحتاجه أميركا ليس الغذاء ولا الرعاية الطبية، بل تنظيم الأسرة. تقدم معظم الدول مساعدات إنسانية أكثر من الولايات المتحدة على أساس نصيب الفرد، حيث تأتي النرويج في الصدارة، إذ تُقدم أكثر من أربعة أضعاف ما يُقدمه الفرد الأميركي.
كثيرون مستعدون لدعم المُحتاجين، إلا أن البعض يرى أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أصبحت وعاءً مالياً يسارياً سيئ الإدارة لتمويل جميع أنواع البرامج الليبرالية حول العالم التي لا يُحبّذها دافعو الضرائب الأميركيون. وتدفع برامج المساعدة ثمن الإفراط الليبرالي. صحيح أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانت بيروقراطية إلى درجة مُحبطة، لكنها كانت بحاجة إلى إصلاح وليس تفكيك.
وصحيح أيضًا أن الوكالة مولت مشاريع ليبرالية مفضّلة لم تكن دائماً فعّالة من حيث التكلفة أو قائمة على أدلة أثناء الإدارات «الديمقراطية»، تماماً كما أن الإدارات «الجمهورية» موّلت مشاريع محافظة بددت الأموال. لكن هناك مقياس جدير بالاعتبار، إلى جانب دورها في كبح تفشي الأمراض وتعزيز القوة الناعمة الأميركية، ربما أنقذت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أرواحاً مقابل كل مليار دولار أُنفق، يفوق ما أنقذته أي وكالة حكومية أخرى. ولا يبدو هذا فشلاً، بل انتصاراً أخلاقياً وإدارياً.
*صحفي أميركي حاصل على جائزتي بوليتزر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نادر وخطير.. أمير صلاح الدين يروي لأول مرة تفاصيل مرض اكتشفه بالصدفة
نادر وخطير.. أمير صلاح الدين يروي لأول مرة تفاصيل مرض اكتشفه بالصدفة

العين الإخبارية

timeمنذ 16 ساعات

  • العين الإخبارية

نادر وخطير.. أمير صلاح الدين يروي لأول مرة تفاصيل مرض اكتشفه بالصدفة

كشف الفنان أمير صلاح الدين عن معاناة طويلة مع مرض نادر وخطير في المخ تم اكتشافه مصادفة بعد تعرضه لحادث أثناء تصوير فيلم "نوارة". وأوضح أمير صلاح الدين أن الفحوصات الطبية كشفت عن وجود تمدد شرياني بحجم 2.5 سم، ما شكّل صدمة للأطباء الذين أبلغوه بأن حالته كان من المفترض أن تنتهي بالوفاة منذ طفولته. وقال في مقابلة مع برنامج "معكم منى الشاذلي": "الدكتور قالي المفروض تكون ميت من عندك 5 أو 6 سنين، إزاي عايش؟"، مشيرًا إلى أن التمدد الشرياني كان ضخمًا بدرجة تفوق الطبيعي بكثير. وأضاف أن شعورًا غير مفسر بالخلل كان يلازمه منذ سنوات، إلى أن جاءت الصدفة التي كشفت عنه بعد الحادث. تكلفة العملية تجاوزت التوقعات، إذ تطلبت زراعة أكثر من 300 ملف شرياني دقيق (كويل) يتجاوز سعر الواحد منها 15 ألف دولار، ما مثّل تحديًا كبيرًا أمام استكمال العلاج. ورغم الضغط الطبي للإسراع في إجراء الجراحة، أشار أمير إلى أن استشارته مع الطبيب الراحل معتز الفقي قادت إلى قرار بتأجيل التدخل الجراحي، وهو ما ساهم لاحقًا في نجاح الخطة العلاجية. وتمت الجراحة أخيرًا في مصر بواسطة طبيب فرنسي متخصص، أجرى إجراءً دقيقًا لتركيب دعامة داخل الشريان المتضرر، دون تسجيل أي مضاعفات تُذكر، في عملية وُصفت بأنها عالية الدقة، تبعها برنامج متابعة طبية دورية لضمان استقرار الحالة. من جانبها، كشفت الفنانة ليالي نافع، زوجة أمير، أن المرض تم اكتشافه في فترة خطوبتهما، حيث قضيا تلك المرحلة بين الأطباء والمستشفيات، بينما فضل أمير عدم إشراك عائلته في تفاصيل مرضه، مكتفيًا بوجودها إلى جانبه في هذه الرحلة القاسية. aXA6IDUwLjExNC4yOS4yMTEg جزيرة ام اند امز US

عيادة في بيرو تكشف أسرار شاكيرا
عيادة في بيرو تكشف أسرار شاكيرا

صقر الجديان

timeمنذ 2 أيام

  • صقر الجديان

عيادة في بيرو تكشف أسرار شاكيرا

وأعلنت هيئة الرقابة الصحية الوطنية في بيرو (سوسالود) أمس الخميس، عن فرض مبلغ تجاوز 668 ألف سول (ما يعادل 187 ألف دولار) على عيادة ديلغادو أونا، بسبب تسريبها معلومات طبية سرية لشاكيرا. وقد تلقت الفنانة الرعاية الطبية في هذه العيادة بعد تعرضها لآلام شديدة في البطن خلال زيارتها لليما في فبراير الماضي. وتدخلت السلطات بعد اكتشاف انتهاك العيادة لخصوصيتها. وصنفت الهيئة نشر البيانات الطبية على أنه انتهاك جسيم، يحظى بالحماية بموجب الدستور البيروفي وقانون الصحة العام واللوائح المنظمة لحماية حقوق المرضى. وأكدت الهيئة في بيانها أن 'كل مستفيد من الخدمات الصحية، بغض النظر عن جنسيته أو نوع التأمين أو المكان الذي يتلقى فيه العلاج، له الحق في أن يعامل باحترام كامل لكرامته وخصوصيته، مع ضمان سرية وحماية البيانات المتعلقة برعايته الصحية'. من جانبها، أصدرت العيادة بيانا أوضحت فيه أن القرار ليس نهائيا، وأنها ستقدم طعنا أمام محكمة الهيئة الرقابية خلال الأيام المقبلة.

التمويل التأميني من «فاو».. مبادرة بـ100 مليون دولار لتحصين سلاسل الغذاء العالمية
التمويل التأميني من «فاو».. مبادرة بـ100 مليون دولار لتحصين سلاسل الغذاء العالمية

العين الإخبارية

timeمنذ 3 أيام

  • العين الإخبارية

التمويل التأميني من «فاو».. مبادرة بـ100 مليون دولار لتحصين سلاسل الغذاء العالمية

تم تحديثه الخميس 2025/7/3 06:19 م بتوقيت أبوظبي استحدثت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) برنامج تمويل مدعوماً بإعادة التأمين يغطي 12 نوعاً من المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي. أهداف البرنامج الجديد وقالت المنظمة إن مرفق التمويل لمواجهة الأزمات الغذائية الناجمة عن الصدمات يهدف إلى البناء على المبادرات القائمة لتوقع حالات الطوارئ الغذائية المتفاقمة ومنعها قبل حدوثها. أعلنت المنظمة ذلك في مؤتمرها الوزاري بروما هذا الأسبوع، وقالت في بيان أصدرته في أول يوليو/تموز الجاري إنها تعمل بنشاط مع الشركاء لتفعيله وتوسيع نطاقه. وقال مدير عام فاو شو دونيو "في كل عام، يجد ملايين الأشخاص أنفسهم عرضة للجوع بسبب الجفاف والفيضانات والصراعات والصدمات الاقتصادية". وأضاف "يمكننا هذا من استباق الكوارث وإنقاذ الأرواح والحفاظ على سبل العيش". تصنيف المخاطر المغطاة تهدف هذه الخطوة إلى جمع 100 مليون دولار بشكل مبدئي، وتقول المنظمة إنه من المقرر تقسيمها بالتساوي بين حلول تتعلق بالمخاطر تسميها المنظمة "قابلة للتأمين" و"غير قابلة للتأمين". وتدرج الفاو الجفاف وهطول الأمطار المفرط والفيضانات والأعاصير المدارية والزلازل وصحة الحيوانات في إطار المخاطر القابلة للتأمين. أما المخاطر غير القابلة للتأمين، فتشمل ظاهرة النينيو وغيرها من التقلبات الجوية وموجات الحر والجراد والبراكين والمخاطر السياسية والصراعات. ويتمثل جزء آخر من المبادرة في ما تسميه المنظمة أول مساحة متكاملة للمعلومات والإنذار المبكر بمخاطر الأمن الغذائي، والتي ستكون في مقرها بروما. الجدول الزمني للتنفيذ ومن المقرر أن ترصد هذه المبادرة مخاطر انعدام الأمن الغذائي في الوقت المناسب لتنسيق الرصد والإنذار والاستجابة بشكل مبكر. aXA6IDgyLjI3LjIxOC43MiA= جزيرة ام اند امز LV

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store