
علي نيابة: سيرة المجذوب الذي صار "خديوي الحسين" وقاضيه الأعلى
يروي الدكتور عصمت النمر، الباحث في التراث الشعبي، أنه حين كان شابا يزور مسجد الإمام الحسين في القاهرة، لم يكن يمر يوم دون أن يلتقي ذلك الرجل الذي يحتل "دكة خشبية" عند الباب الأخضر، مرتديا سترة عتيقة مرصعة بما يشبه النياشين، لكن إذا اقتربت ستكتشف أنها ليست إلا أغطية قزايز المشروبات الغازية، يعلو صوته بين الحين والآخر صارخا: "مدد يا حسين... تحقيق"، ثم يرفع سيفا خشبيا في يده، فيدير محكمة صورية، يدين فيها هذا ويبرئ ذاك، كان هذا الرجل هو "علي نيابة"، أحد أشهر مجاذيب الحسين، وشخصية أسطورية خالدة في ذاكرة أهل الحي.
خديوي الحسين.. المجذوب المتوج
يتابع النمر: إذا سألت أحد سكان حي الحسين القدامى عن "علي نيابة"، فإن أول ما يتبادر إلى أذهانهم رجل غريب الأطوار، ببدلة قديمة الطراز وسيف خشبي، يقف كأنه قاض ينطق بالحكم في ميدان شعبي، وقد اشتهر بلقبه الفريد: "خديوي الحسين"، لم يكن أحد ينازعه مكانته فهو المجذوب الأكثر حضورا، وسيرته تتناقلها الألسن كما تروى الحكايات العتيقة.
ويجيب النمر عن من هم المجاذيب؟
المجاذيب، كما يعرفون في الثقافة الشعبية القاهرية، هم أشخاص خرجوا عن المألوف العقلي والسلوكي، وأقاموا عند أبواب المقامات والأضرحة الكبرى كالحسين والسيدة زينب، بعضهم رجال وبعضهم نساء، يحيون "على باب الله"، ولا يطلبون سوى ما يلقى إليهم من نذور أو صدقات.
حديثهم غالبا ما يكون أشبه بالألغاز، يحمل معاني مبطنة يفهمها كل بحسب حالته فربما اعتبره المريض بشارة بالشفاء، أو اعتبره الطالب علامة على النجاح، أو تاجرا اعتبرها بشرى بالرزق، وقد كان الناس ينسبون إليهم الكرامات، ويأخذون كلامهم على محمل الجد رغم غرابته.
المجذوب ليس بالضرورة صوفيا
ويشرح النمر: هناك خلط شائع بين المجذوب والصوفي الزاهد، ولكن في الحقيقة، المجذوب غالبا ما يكون شخصا فقد اتزانه النفسي أو العاطفي بسبب كارثة أو صدمة، فانفصل عن العالم المادي واختار لنفسه نمطا من العيش الغريب، بعضهم يعيش نصف حياة لا هو في الدنيا تماما ولا خرج منها كليا، يتخلون عن البيوت والوظائف والملابس الحديثة، ويتخذون من المقامات ملاذا روحيا.
مظاهرهم ومعيشتهم
يقول النمر: عادة ما يرتدي المجذوب جلبابا مهترئا، أو قطعة خيش، ويحمل في يده عصا، يأكل مما يهدى إلى الضريح من نذور، وقد تكون وجباتهم من الفول النابت، أو أحيانا من لحوم الخراف والعجول التي تذبح تقربا لله، هذا الطعام لا يتوفر لهم بشكل دائم، ولكن حين يأتي، يقسم عليهم بالتساوي.
موقف العلماء من المجاذيب
يشير النمر: انقسم العلماء في تفسير ظاهرة المجاذيب فبينما اعتبر الشيخ عبد الوهاب الشعراوي أن بعضهم من أولياء الله الصالحين، لصدق توجههم إلى الله وإكثارهم من الذكر، رفض عبد الرحمن الجبرتي هذا الطرح، واعتبرهم خارجين عن الدين ولا علاقة لهم بالتقوى أو الورع.
حرافيش القاهرة.. وجه آخر للعطالة
كان للمجتمع القاهري طوائف أخرى من العاطلين عن العمل، أبرزهم "الحرافيش"، والذين بلغ عددهم نحو أربعة آلاف، كان لهم شيخ يترأسهم، ويقودهم إلى قلعة القاهرة في المناسبات الدينية والاجتماعية، للمطالبة بما يسمى "العادة" أرغفة خبز، رطلين من اللحم، ودينار ذهبي لكل فرد، كان الأمر يبلغ أحيانا حد الإرباك للسلطان نفسه، كما حدث مع السلطان الغوري حين وجد أن 5000 دينار لا تكفيهم، مما اضطره لاستقدام دنانير إضافية.
تنظيم الشحاتة في عهد نابليون
يتابع النمر: حتى الجنرال نابليون بونابرت حينما دخل مصر، لاحظ تفشي ظاهرة الشحاتة، فأصدر قانونا مكونا من خمس مواد، نظم فيه الظاهرة بدقة، المثير أن القانون فرق بين القادر على العمل وغير القادر، وكلف الطوائف الدينية ببناء "حوانيت" لإيواء الفقراء، مع تمويلها من أبناء الطائفة نفسها، وقام رفاعة الطهطاوي بترجمته لاحقا، ليكشف عن رؤية نابليون العملية، التي مزجت بين الشؤون الاجتماعية والدينية.
علي نيابة وسيف العدالة الخشبي
يقول النمر: علي نيابة لم يكن مجذوبا عاديا، فقد كان يرتدي بدلة تشبه زي عباس باشا الأول، الوالي العثماني المعروف، وربما استلهم مظهره منه، زين سترته بـ"نياشين" غريبة من أغطية قزايز المشروبات، واستعاض عن السيف المعدني بسيف خشبي بسيط، قيل أنه سرقه من أحد المساجد، حيث كان الأئمة يحملون سيوفا خشبية عند اعتلاء المنبر.
في قهوة شعبية قرب باب المسجد، نصب علي نيابة "محكمته"، يجلس كقاض شامخ، وبين الحين والآخر يقف على الدكة صارخا: "تحقيق! تحقيق!"، ويبدأ في محاكمة خيالية للمارة، يتهمهم ويستجوبهم، ومن يجيبه، فقد دخل رسميا في طقوس الجلسة، ثم وبعد أن يفرغ، يعلن: "القرار بعد الجلسة"، ويعود جالسا كأن شيئا لم يكن.
القصة المختلطة.. مجنون أم ضحية؟
يروي النمر: الراجح أن "علي نيابة" كان كاتب تحقيق في إحدى النيابات، وفصل من عمله، فاختلط عليه الأمر، وقرر أن يواصل "دوره" في الحياة على طريقته الخاصة، ومع مرور الوقت، تقبله الناس في الحسين، واحتضنوه كما اعتادوا احتضان كل مختلف وغريب.
المجاذيب والنذور: رزق بلا طلب
على عكس الحرافيش، لا يطلب المجاذيب شيئا من السلطان، بل يكتفون بالنذر الذي يقدم للمقامات، وقد ذكر علي باشا مبارك في "الخطط التوفيقية" أن الناس كانت تبعث إلى مقام الحسين والسيدة زينب سحارات مليئة بالخبز والفول النابت، توزع على المجاذيب والغرباء.
الحسين... واحة المجاذيب والقديسين
يختم النمر: من خلال حكاية "علي نيابة"، تتجلى صورة الحسين ليس فقط كمقام ديني، بل كملاذ إنساني يستوعب الهائمين، المجروحين، والمجاذيب الذين ضاعت خطواتهم في دروب الدنيا. وتبقى قصة "علي نيابة"، بقضائه الخشبي ونياشينه العجيبة، صفحة مضيئة في دفتر الحكايات الشعبية المصرية، التي تُروى كلما اجتمع الناس في قهوة، أو مروا بجوار المقام الشريف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الفجر
منذ 3 ساعات
- بوابة الفجر
أحمد موسى: وزير النقل له أعداء عشان شغال وفي ناس بتصفي حسابات شخصية
كشف الإعلامي أحمد موسى، أن الفريق كامل الوزير حقق وعده الذي تحدثنا عنه بالأمس وهو قطع زيارته إلى تركيا وعودته لمتابعة حادث الطريق الإقليمي والذي راح ضحيته 19 فتاة من المنوفية. وتابع خلال تقديم برنامج على مسئوليتي، المذاع على قناة صدى البلد، أن الفريق كامل الوزير يعمل منذ توليه الوزارة في 2019 نهضة ونقلة لم تحدث في تاريخ مصر. ولفت الإعلامي أحمد موسى إلى أن كل من يعمل في منصب يكون له أعداء، لأنهم لا يريدون له العمل، لافتا إلى أنه لا يوجد أحد فوق الحساب في مصر، وكل من تسبب في الجريمة المفجعة سوف يلاقي حسابه. وأكد أنه لا أحد يدافع عن أخطاء ونريد كشعب تطبيق القانون والعدالة على الجميع وهذا من شأنه أن يطمئن كل مواطن، وحق أولادنا وأسرنا سيأتي بواسطة النيابة العامة من خلال معرفة المسئول عن أي تقصير تسبب في الحادث. وأردف الإعلامي أحمد موسى: محدش يقدر يهبد أو يفتي أو يتقول على أي شخص لأن هناك نيابة عامة معنية بالأمر وكل من يهبد هراء لا يمكن تصديقه. وأكمل: بعض الناس عندهم تصفية حسابات شخصية وإحنا عارفين كده كويس والناس عارفاهم ومش لازم نقول أسماء وفي ناس ولجان شغالة على السوشيال ميديا، ومش عاوزينك تدخل في احتفالات ثورة 30 يونيو. واختتم الإعلامي أحمد موسى: مفيش واحدة من بناتنا توفاها الله إلا وحقها سيأتي، وكل مسئولي الدولة تحركوا بداية من رئيس الدولة، ومفيش حد هيقصر في دوره .


البشاير
منذ 4 ساعات
- البشاير
أحمد موسى: مفيش واحدة من بناتنا توفاها الله إلا وحقها هيعود
كشف الإعلامي أحمد موسى، أن الفريق كامل الوزير حقق وعده الذي تحدثنا عنه بالأمس وهو قطع زيارته إلى تركيا وعودته لمتابعة حادث الطريق الإقليمي والذي راح ضحيته 19 فتاة من المنوفية. وتابع خلال تقديم برنامج على مسئوليتي، المذاع على قناة صدى البلد، أن الفريق كامل الوزير يعمل منذ توليه الوزارة في 2019 نهضة ونقلة لم تحدث في تاريخ مصر. ولفت الإعلامي أحمد موسى إلى أن كل من يعمل في منصب يكون له أعداء، لأنهم لا يريدون له العمل، لافتا إلى أنه لا يوجد أحد فوق الحساب في مصر، وكل من تسبب في الجريمة المفجعة سوف يلاقي حسابه. وأكد أنه لا أحد يدافع عن أخطاء ونريد كشعب تطبيق القانون والعدالة على الجميع وهذا من شأنه أن يطمئن كل مواطن، وحق أولادنا وأسرنا سيأتي بواسطة النيابة العامة من خلال معرفة المسئول عن أي تقصير تسبب في الحادث. وأردف الإعلامي أحمد موسى: محدش يقدر يهبد أو يفتي أو يتقول على أي شخص لأن هناك نيابة عامة معنية بالأمر وكل من يهبد هراء لا يمكن تصديقه. وأكمل: بعض الناس عندهم تصفية حسابات شخصية وإحنا عارفين كده كويس والناس عارفاهم ومش لازم نقول أسماء وفي ناس ولجان شغالة على السوشيال ميديا، ومش عاوزينك تدخل في احتفالات ثورة 30 يونيو. واختتم الإعلامي أحمد موسى: مفيش واحدة من بناتنا توفاها الله إلا وحقها سيأتي، وكل مسئولي الدولة تحركوا بداية من رئيس الدولة، ومفيش حد هيقصر في دوره .


المصري اليوم
منذ 5 ساعات
- المصري اليوم
والدة طالب الدقهلية ضحية الثانوية العامة تروي تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته: كان بيحلم بكوابيس
أجرى «المصري اليوم»، بثًا مباشرًا مع والدة الطالب «عبدالرحمن»، ضحية الثانوية العامة بمحافظة الدقهلية، والذي تخلص من حياته بسبب ضغوط الامتحانات، وعدم تمكنه من حل امتحان اللغة العربية. وقالت الأم إن ابنها لم يستحمل ضغوط المراقب، وصراخه المستمر داخل اللجنة، وأصيب بحالة نفسية وتوتر وعدم تركيز، ولم يتمكن من تظليل «البابل شيت» نظرًا لانتهاء الوقت، وطلب من المراقب السماح له بدقيقة إضافية لكنه رفض. وأضافت: عبدالرحمن كان بينام ويحلم بكوابيس الامتحان، ويصحى مفزوع يقول والله ما مسامحه، ضيع تعبي طول السنة، والله أنا حليت الامتحان كله صح، حرمني من دقيقة كانت هتفرق معايا. وأوضحت الأم أنها حاولت طمأنت نجلها بأنها مجرد مادة، وعليه أن يركز في المادة الثانية وهي الفيزياء، لكنه ظل متأثرًا. وأشارت إلى أنه يوم الأربعاء الماضي أدى صلاة الفجر وبدأ المذاكرة، وكانت بجواره تشجعه وتخفف من توتره، وقبل ذهابه للدرس تحدث معها قائلة: قبل ما يخرج باسني، وقالي مش عايزك تكوني زعلانه يا ماما مهما حصل ولو جبت درجات قليلة، قولتلو والله حتى لو سقطت مش هبقى زعلانة ولا فارق معايا، قالي أنا اللي هاممني تعبي طول السنة يضيع ومبقاش بصورة مشرفة قدامك، قولتلو انت في نظري راجل ومحترم ومصلي وبار بأهلك، وسابني ونزل الدرس ومرجعش تاني. واستكملت قائلة: حسبي الله ونعم الوكيل، مش مسامحة المراقب، كان سابه دقيقة مكنتش هتفرق معاه في حاجة، لكن فرقت في عمر ابني وراح مني.