
التغير المناخي في جلسات محكمة العدل
هناك، في أقصى جنوب المحيط الهادئ، تقع مجموعة جزر تمثل أرخبيل دولتنا التي ذكرناها. فانواتو هي جمهورية حديثة الاستقلال، ولكنها قديمة قدم شعوبها الأصلية التي سكنتها منذ آلاف السنين.. تحركت هذه الدولة، وحركت معها مجموعة من دول وجزر المحيط الهادئ- الذي لم يعد هادئًا-، حيث تتعرّض فانواتو وغيرها من الدول الجزرية في ذلك المحيط للعديد من الأعاصير والأحداث المناخية المتطرفة، التي تسببت مؤخرًا في كوارث وخسائر لم تكن تحدث أو تتكرر بمثل هذه الوتيرة المتصاعدة من قبل.
توجهت فانواتو إلى محكمة العدل الدولية في سابقة تاريخية، طالبة رأيها الاستشاري في تحديد مدى الالتزامات القانونية بحماية النظام المناخي، وبشأن مسؤولية الدول الكبرى التي تسهم بانبعاثاتها وأنشطتها المفرطة في تفاقم الاحتباس الحراري، وتغيرات المناخ التي تتضرر منها بشكل أكبر الدول الجزرية الصغيرة، وتشكل تحديًا وجوديًا لها.. نعم، لقد وصل الخطر إلى كل مكان على الكوكب، فلم تعد هناك دولة بعيدة.
رغم أن التغيرات المناخية تؤثر على الجميع، فإنها لا تؤثر بنفس الطريقة؛ فالمجتمعات النامية، والفئات الأكثر هشاشة، والدول الجزرية مثل فانواتو، تعاني بشدة وتدفع ثمنًا باهظًا
عدالة غائبة
لم تعد قضايا التغير المناخي وآثاره الكارثية مجرد تحذيرات من قبل الخبراء، أو تهديدات محتملة، بل واقعًا مأساويًا أصبح جزءًا من مآسي كوكبنا التي نشاهدها يوميًا في نشرات الأخبار، ونعايش آثارها التي تسبب بها النشاط البشري المفرط منذ الثورة الصناعية.
فموجات الحر متزايدة الحدة، وتطرف الأعاصير والفيضانات، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات، وتلف المحاصيل، وشح المياه، كلها صارت جزءًا من واقعنا المناخي الجديد، بصورة يصفها برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة بأنها "تحدٍّ لم يسبق له مثيل، وأمر واقع علينا جميعًا، ولا توجد دولة بمنأى عنه".
ورغم أن التغيرات المناخية تؤثر على الجميع، فإنها لا تؤثر بنفس الطريقة؛ فالمجتمعات النامية، والفئات الأكثر هشاشة، والدول الجزرية مثل فانواتو، تعاني بشدة وتدفع ثمنًا باهظًا، بل إن وجودها الجغرافي على خريطة العالم مهدد بأكمله.
فالجزر تتعرض بوتيرة غير مسبوقة للعواصف والأعاصير، ولموجات تسونامي التي تهددها بالغرق والاختفاء، وليس فقط بتضرر بعض مناطقها وسكانها! فلسان حال هذه الدول الصغيرة والمجتمعات النائية- وبالكاد النامية- يقول: "هم يخربون، ونحن ندفع الفاتورة".
وقد تم تداول مفهوم "العدالة المناخية والبيئية" في المحادثات الدولية منذ مؤتمر ستوكهولم في سبعينيات القرن العشرين؛ وبدأت تتبلور ملامحه وتتطور مع تفاقم أزمات البيئة والتغيرات المناخية، وتضرر الدول النامية والفقيرة ومجتمعاتها الهشة، اجتماعيًا واقتصاديًا، بشكل كبير يفوق ما تعرضت له الدول الصناعية الكبرى.
محاسبة الكبار
تهدف تلك المطالبة برأي محكمة العدل إلى توصيات، ذات أهمية قانونية وسياسية في تحديد مسؤولية الدول في تفاقم أزمة المناخ، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى، التي تعد المسؤول الأول من حيث إسهامها الأكبر في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بسبب أنشطتها الصناعية المفرطة، ومدى إلزامها قانونًا بتحمل الكلفة الأكبر في مساعدة الدول المتضررة والأقل إسهامًا في تغيرات المناخ.
صحيح أن رأي المحكمة استشاري وغير ملزم بصفة قانونية، خاصة بالنسبة لبعض الدول الكبرى التي لا تعترف بشكل كامل بسلطة محكمة العدل، مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين، إلا أن رأي المحكمة سيكون له تأثير كبير على التقاضي بشأن المناخ عالميًا، خاصة مع تنديد الدول النامية بعدم كفاية التمويل المناخي، الذي تقترحه الدول الكبرى لمساعدة الدول الفقيرة في التعامل مع آثار وتداعيات الكوارث المترتبة على التغير المناخي، وهو ما جعل البعض يصف تلك الأرقام والتعويضات بأنها "قليلة بشكل مهين".
الأخطر هنا أنه لا يوجد أي إلزام قانوني أو قيود على هذه الدول الكبرى، ورأسمالياتها المتغولة والمفرطة في النشاط الصناعي، وترساناتها الحربية التي تنفق أضعافًا مضاعفة على القتل والدمار، هي أكثر بكثير من القليل المهين الذي تقترحه للتعويض عما تفعله ببيئة كوكب يئن وينهار فوق رؤوسنا جميعًا بلا تفرقة.
الإقرار بالتفاوت، وبغياب العدل في تحمل تكلفة الإنقاذ البيئي، يعد أحد أهم مكتسبات هذا النضال القانوني، وقد حقق نجاحًا يستحق أن نحافظ عليه، وننطلق منه نحو آفاق أكثر إلزامية وعدالة في تحمل تلك المسؤولية.
وهي مسؤولية حددتها اتفاقيات مثل اتفاقية باريس للمناخ في عنصرين؛ أولهما "المسؤولية التاريخية"، وهو إقرار بأن الجميع لم يساهموا بالتساوي في تغير المناخ، والعنصر الآخر هو "المسؤولية المشتركة"، وهو يوجب على الجميع اتخاذ إجراءات ينبغي أن تكون متناسبة مع حجم مساهماتهم في أزمة المناخ.
هذا يشكل خطوة على طريق الانتقال العادل للإنقاذ البيئي، والعمل الفوري للحد من آثار التغير المناخي الكارثية، وبناء إستراتيجيات التأقلم والتكيف مع الواقع المناخي الجديد، الذي يفرض نفسه علينا جميعًا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
نتنياهو يطالب الصليب الأحمر بتوفير الطعام للأسرى الإسرائيليين
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، اليوم الأحد، إنه طلب من جوليان ليريسون، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة، التدخل الفوري لتوفير الطعام والرعاية الطبية للأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وزعم نتنياهو أن ما وصفها بكذبة حماس عن التجويع تُروَّج في جميع أنحاء العالم لكن الحقيقة هي أن التجويع الممنهج يُمارس ضد الأسرى الإسرائيليين، بحسب زعمه. وكانت مقاطع فيديو نشرتها كتائب القسام، وسرايا القدس، أظهرت اثنين من الأسرى الإسرائيليين هما أفيتار دافيد وروم براسلافسكي، في حالة صحية متدهورة بسبب المجاعة في قطاع غزة. وأثارت مقاطع الفيديو حالة من الصدمة لدى الإسرائيليين الذين طالبوا بضرورة التوصل لصفقة مع المقاومة للإفراج عن أسراهم. وأظهرت المشاهد المنشورة أسيرين إسرائيليين شديدي الهزال والوهن، وكان الغرض منها تسليط الضوء على الوضع الإنساني الحالي بغزة، وما يعانيه القطاع المحاصر من سياسة التجويع. في الأثناء، نظم أهالي الأسرى المحتجزين الإسرائيليين في تل أبيب مظاهرة للمطالبة بإبرام صفقة لتبادل الأسرى. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن عائلات الأسرى أن جميع "المخطوفين" الإسرائيليين في خطر، ويجب الانسحاب من قطاع غزة فورا لضمان سلامتهم. وكانت عائلات الأسرى اتهمت حكومة نتنياهو بالتخلي عن أبنائها، وقالت إن الشروط التي وضعتها إسرائيل للتوصل إلى اتفاق غير واقعية. وتقدر إسرائيل وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، في حين يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية. وقبل أيام، انسحبت إسرائيل من مفاوضات غير مباشرة مع حماس بالدوحة بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة ، جراء تصلب مواقف إسرائيل بشأن الانسحاب من غزة وإنهاء الحرب، والأسرى الفلسطينيين، وآلية توزيع المساعدات. ومرارا، أعلنت حماس استعدادها لإطلاق الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، مقابل إنهاء حرب الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. لكن نتنياهو يتهرب بطرح شروط جديدة، بينها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ويصر حاليا على إعادة احتلال غزة.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
إعلان نيويورك: استعادة مسار الدولة الفلسطينية أم تسويق للوهم؟
إعلان نيويورك حول التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، بقدر ما حاول استعادة الزخم العالمي لحل الدولتين ووقف الحرب على قطاع غزة، بقدر ما أثار شكوكا حول إمكانية التنفيذ العملي على الأرض، وتجاوُز العقبات التي عطلته على مدار 32 عاما من اتفاق أوسلو. وبقدر ما حاول تحشيد أكبر تأييد دولي للمشروع، بقدر ما قدم تنازلات، لا يراها معظم الفلسطينيين مبررة، بحق المقاومة ودورها في الشراكة الفاعلة في صناعة القرار الفلسطيني دون قوالب أو إملاءات خارجية. المؤتمر الدولي، على مستوى الأمم المتحدة، الذي انعقد في الفترة 28-30 يوليو/ تموز 2025، وتشكلت ثمانية فرق عمل لتنضيج الأفكار ومشاريع القرارات المتعلقة بحل الدولتين سياسيا واقتصاديا وأمنيا وماليا، أصدر إعلان نيويورك بمشاركة 17 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وعلى هامش المؤتمر صدر إعلان عن وزير الخارجية الفرنسي حول اعتزام 15 دولة أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وتوجيه نداء لمن لم يفعل بالانضمام إلى الاعتراف. ومن بين هذه الدول 9 دول لم تعترف بعد، غير أنها عبرت عن استعدادها أو اهتمامها بالاعتراف. حمل الإعلان عددا من المؤشرات الإيجابية أبرزها: تحشيد مسار دولي قوي للدفع باتجاه حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس خطوط الهدنة قبل حرب يونيو/ حزيران 1967. وبغض النظر عن موقف كاتب هذه السطور من حل الدولتين، فإن هذا التحشيد الدولي قد يسهم في تصعيد الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز هذا الحل، وانشغل عمليا بشطب الملف الفلسطيني وبفرض خطة "الحسم" بضم ما تبقى من فلسطين المحتلة وتهويدها؛ وأخذ يتبنى فكرة "السلام مقابل السلام" أو "السلام بالقوة"! انضمام كتلة وازنة من الدول الأوروبية والحلفاء التقليديين الداعمين للاحتلال الإسرائيلي لأول مرة للاعتراف بدولة فلسطين وإنفاذ حل الدولتين، بما في ذلك فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، وأستراليا…؛ وهو ما يفرض مزيدا من العزلة الدولية والضغوط على الكيان الإسرائيلي. رفض العدوان الإسرائيلي على غزة، وإدانة اعتدائه على المدنيين، والمطالبة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات، ورفض التهجير القسري، ورفع التجويع، والمطالبة بإعادة الإعمار واستئناف تقديم الخدمات كالكهرباء والماء والوقود، والتأكيد على دور الأونروا؛ وهو ما يعني إفشال جزء كبير من المخطط الإسرائيلي في القطاع. إبداء نوع من الجدية في إنفاذ حل الدولتين، من خلال تشكيل لجان عمل تعالج التفصيلات السياسية والاقتصادية والأمنية والمالية، ومن خلال السعي لوضع جدول زمني محدد وصولا لاتفاق نهائي إسرائيلي فلسطيني. عدم المساس بوضع القدس، وتأكيد الوصاية الهاشمية، والتأكيد على أن غزة جزء من الدولة الفلسطينية، وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، ومطالبة الاحتلال الإسرائيلي بالإفراج عن عائدات الضرائب. الملاحظة الأساسية على هذه المؤشرات الإيجابية أنها لم تحمل جديدا في الموقف الذي تُعبر عنه معظم دول العالم تجاه قضية فلسطين منذ عشرات السنوات؛ وهي لخصت بشكل عام مئات القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على مدار الـ 55 سنة الماضية؛ وإن كانت حاولت استرداد روح المبادرة في وجه الأمر الواقع الذي يفرضه الإسرائيليون. وقد سبق للمنظومة الدولية الداعمة لمسار التسوية أن شكلت مجموعات عمل سياسية واقتصادية وأمنية ومتعلقة باللاجئين بعد اتفاق أوسلو، ولكنها لم تؤدِ إلى نتيجة. كما سبق تبني "خريطة طريق" لإنشاء دولة فلسطينية سنة 2003 خلال سنتين، وانتهت بالفشل بالرغم من الرعاية الأميركية للخطة. ولعل عددا من الدول الصديقة لـ "إسرائيل" أرادت أن تُنقذ" إسرائيل" من نفسها، بعد أن رأت أن السلوك والممارسات المتعجرفة المتطرفة لحكومة الكيان ستتسبب بإشعال عناصر الغضب والتفجير في المنطقة، وبالتالي سترتد خطرا وجوديا على بقاء الكيان نفسه. هل هو مسار مصمم للفشل؟ يوفر لنا إعلان نيويورك مرة أخرى "سيارة من دون عجلات"؛ ويتجنب التعامل المباشر مع جوهر المشكلة الذي عطل اتفاقات أوسلو ومسار التسوية. فبعد 32 عاما ثمة إجماع بين دول العالم أن الاحتلال الإسرائيلي عطل الاتفاقات، وتعامل مع مسار التسوية كغطاء لمزيد من التهويد والاستيطان وفرض الحقائق على الأرض، وجعل حل الدولتين مستحيلا. كما جعل الكيان نفسه "دولة فوق القانون"، مستفيدا من الغطاء الأميركي. وإعلان نيويورك هذا لا يوفر أي آليات جادة ولا أي ضمانات لفرض إرادة المجتمع الدولي وقراراته (التي زادت عن 950 قرارا) على الكيان الإسرائيلي. وتندرج كل الطلبات المتعلقة بالجانب الإسرائيلي في إطار الرغائب والدعوات والتمنيات. وليس ثمة عقوبات ولا تلويح بعقوبات رادعة لإجباره على الانصياع. ولذلك سيكون إعلان نيويورك إعادة تسويق لمسار أوسلو العقيم، وإعادة إنتاج للفشل. وهذا سيوفر المزيد من الوقت للاحتلال لمتابعة برامج التهويد، بينما سيتم متابعة الجانب الفلسطيني وفق آليات عمل دقيقة ومحددة تصب في الجيب الإسرائيلي، وتتابع الدور الوظيفي لسلطة رام الله في خدمة الاحتلال. إدانة حماس ونزع سلاح المقاومة لأول مرة تدين دول عربية وإسلامية في وثيقة رسمية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وتتهمها باستهداف المدنيين، مستجيبة للرواية الإسرائيلية التي نفتها حماس؛ بينما ترى الأغلبية الفلسطينية والعربية والإسلامية العملية في ذاتها عملا مشروعا، ومنجزا غير مسبوق. وهذا يعد تطورا خطيرا إذ رفضت هذه الدول قبل ذلك أي إدانة دولية لهذه العملية. أما الجانب الأخطر في الموضوع فهو مطالبة حماس بنزع أسلحتها وتسليمها للسلطة الفلسطينية، وهو في جوهره تحقيق لهدف إسرائيلي من الحرب على غزة. وهو إجراء يتم من طرف واحد، ويوفر عمليا الحرية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي في الاستمرار والاستقرار، ومتابعة برامج التهويد والاستيطان دونما مقاومة، وبالتالي، متابعة شطب الملف الفلسطيني، كما يحدث في القدس والضفة الغربية، وفي بيئة عربية ودولية تعترف أنها عاجزة تماما عن إلزام الاحتلال الإسرائيلي بشيء. وهكذا، فبدلا من مساعدة الطرف الفلسطيني على حماية نفسه كضحية تحت الاحتلال، يتم مكافأة المعتدي المحتل الذي ارتكب آلاف المجازر وتسهيل مهمته!! بينما لا توجد أي بنود حول نزع أسلحة الاحتلال الإسرائيلي أو فرض حظر دولي عليه. إخراج حماس من المشهد السياسي وتعميق الانقسام يقدم إعلان نيويورك رؤية تسهم في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني بدلا من تعزيزه، فهي تشترط لإجراء الانتخابات الفلسطينية في الضفة والقطاع أن يشترك فيها فقط الفلسطينيون الملتزمون بمسار أوسلو وبالالتزامات التي التزمت بها قيادة منظمة التحرير. وهذا يعني عمليا إخراج حماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة الرافضة لاتفاقات أوسلو من العملية الانتخابية، وصياغة "شرعية فلسطينية مصطنعة"؛ في الوقت الذي تشير فيه كل استطلاعات الرأي أن قوى المقاومة تتفوق شعبيا على القوى المؤيدة لمسار التسوية. ثم إن كل الاتفاقات الفلسطينية طوال العشرين سنة الماضية تؤكد على الشراكة الكاملة لكل القوى الفلسطينية في انتخابات السلطة والمجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير. ويأتي هذا الطرح متوافقا مع الاشتراطات الإسرائيلية الأميركية والرباعية الدولية التي أثبتت فشلها، كما يأتي متوافقا مع أطروحات محمود عباس وقيادة فتح التي تعرف عجزها عن أي منافسة انتخابية ديمقراطية شفافة مع حماس وقوى المقاومة. ويضع أحد البنود مزيدا من الملح على الجرح فيتحدث عن اعتماد تدابير محددة ضد الكيانات والأفراد الذين يعملون ضد مبدأ التسوية السلمية لقضية فلسطين. وبالطبع فلن تُتخذ هذه الإجراءات ضد الأحزاب الإسرائيلية الحاكمة التي عملت طوال العقود الماضية على إفشال هذا المسار وإسقاطه، وإنما سيتم ملاحقة قوى المقاومة الفلسطينية التي تمارس حقها الطبيعي والشرعي في مقاومة الاحتلال وتحرير أرضها من الاحتلال الإسرائيلي! دولة فلسطينية منزوعة السلاح يقدم إعلان نيويورك تنازلا خطيرا في بنية الدولة الفلسطينية المستقلة، ويتحدث عن دولة بلا جيش أو منزوعة السلاح. وبدل أن يوفر الضمانات لهذه الدولة لحماية نفسها من الاحتلال والعدوان والاستعمار الإسرائيلي؛ فإنه يُقدم الضمانات والطمأنات للقوة المحتلة المستعمرة التي تمارس المجازر ومصادرة الأرض والمقدسات بشكل منهجي؛ ويوفر لها أدوات الإغراء لمتابعة تغولها وفرض هيمنتها وإعادة الاحتلال متى أرادت، ووفق أي تفسيرات مصلحة ترتئِيها. إدماج الكيان الإسرائيلي في المنطقة يسعى إعلان نيويورك لمكافأة الاحتلال الإسرائيلي من خلال برنامج تطبيعي يؤدي لـ"إدماجه" في المنطقة. ويتجاوز الحديث عن محاسبة الاحتلال على جرائمه، وعن عدوانه المستمر على لبنان وسوريا، وعدوانه على إيران، ومحاولة فرض هيمنته الأمنية على المنطقة. وأخيرا، فعلى المجتمع الدولي أن يكف عن سياسة طمأنة المجرم المحتل وتقديم الحوافز له، ومعاقبة الضحية ومطالبتها بالمزيد من التنازلات والضمانات. كما أن عليه أن يكف عن فرض رؤيته الفوقية وإرادته لمواصفات الشرعية والقيادة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني لديه النضج الكافي لاختيار قيادته بنفسه وصناعة قراره. وإذا كان المجتمع الدولي جادا في دعم إنشاء الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة سنة 1967، فجوهر جهده يجب أن يتوجه لإجبار الاحتلال على الانسحاب، وليس لإخضاع الشعب الفلسطيني المظلوم لمعايير الاحتلال؛ ولا بمكافأة الاحتلال بمزيد من التطبيع وتوفير عناصر الاستقرار والازدهار له، حتى قبل أن يقوم بانسحابه. ويظلَ إعلان نيويورك ضمن مشاريع كثيرة تتهربُ من التعامل مع جوهر المشكلة، وهو إيجاد آليات قادرة على إلزام الاحتلال بالانسحاب وإنفاذ القرارات الدولية… وبالتالي سيعيد إنتاج الوهم والفشل.


الجزيرة
منذ 17 ساعات
- الجزيرة
صحف عالمية: إسرائيل أصبحت علامة سامة ولا يمكن الدفاع عما تقوم به
تناولت صحف عالمية الأثمان الباهظة التي تدفعها إسرائيل بسبب مواصلة حربها على غزة، والتي قالت إنها فشلت فيها بشكل لا يصدق حتى لم يعد غالبية من كانوا يدعمونها قادرين على الدفاع عما تقوم به من تجويع للمدنيين في القطاع. فقد سلطت صحيفة "جيروزاليم بوست" الضوء على كلفة الحرب الباهظة التي تتكبدها تل أبيب ، وطرحت السؤال الذي أصبح يتردد كثيرا بين الإسرائيليين حاليا، وهو: هل تأخرت إسرائيل في الانسحاب من القطاع؟ ولفتت الصحيفة إلى أن الإسرائيليين "يدفعون ثمنا مؤلما ويفوق التصور، لأن 900 جندي قتلوا خلال هذه الحرب، وأصيب آلاف آخرون لن تعود حياتهم كما كانت أبدا"، ناهيك عن ارتفاع حالات الانتحار بشكل غير مسبوق داخل الجيش. أما الكاتب أورون نهاري فكتب مقالا في "يديعوت أحرونوت" نعى فيه صورة إسرائيل أمام العالم، والتي قال إنها "أصبحت سيئة جدا، لأن فشلها لا يصدق". ووفقا للكاتب، فقد انتقلت إسرائيل من بلد يدعمه معظم دول العالم إلى "علامة سامة، حتى لم تعد أفضل وسائل الإعلام في العالم قادرة على مواجهة صورة طفلة جائعة". ويرى أورون أن إسرائيل "كان عليها أن تحسب حساب ذلك". وفي سياتل تايمز الأميركية، قالت جاكي كولز، إنه لا يمكن الدفاع عن سياسات بنيامين نتنياهو ، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية ، وإنه "يعجل بحدوث شرخ في دعم أميركا التاريخي لإسرائيل". واعتبرت الكاتبة أنه "من المؤلم أن نرى إسرائيل التي ولدت من رحم تعاطف العالم مع صور الهياكل العظمية الخارجة من معسكرات النازيين، مسؤولة عن الصور المروعة الخارجة اليوم من غزة". كما تناولت صحيفة الغارديان تقريرا لمجموعة مراقبة النزاعات الدولية قال إن إسرائيل أغلقت 88% من التحقيقات في الجرائم والانتهكات التي ارتكبتها قواتها في غزة دون أن تجد فيها أي خطأ أو أن تصل إلى نتيجة، بما فيها ذلك مقتل 112 فلسطينيا على الأقل كانوا يحاولون الحصول على الطحين في غزة خلال فبراير/شباط من العام الماضي". وأضاف أن إسرائيل "تسعى بذلك لإيجاد نمط من الإفلات من العقاب". إعلان وختاما، تناولت نيويورك تايمز، دعوى قضائية رفعها عدد من ذوي ضحايا 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجين (أونروا) بتهمة دعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني. وقالت الصحيفة إن هذه الدعوى جاءت بعد تغير موقف الولايات المتحدة من الوكالة في عهد دونالدد ترامب على نحو يفتح الباب أمام فرض عقوبات من وزارة الخزانة الأميركية على أونروا أو المؤسسات المرتبطة بها.