logo
حزب الله يدين جريمة استهداف رجل دين شيعي في سوريا

حزب الله يدين جريمة استهداف رجل دين شيعي في سوريا

واكد بان هذه الجريمة "ارتكبتها أيادٍ مجرمة وغادرة تسعى إلى ‌زعزعة وحدة وسلامة سوريا وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب السوري ‌الشقيق".
وأوضح حزب الله أن هذه الجريمة الخطيرة التي طالت شخصية علمائية ودينية أفنت عمرها في خدمة الدين ‌والمجتمع، وكان راعيًا لبيوت تعليم القرآن الكريم وداعماً للشباب في مسيرتهم التربوية ‌والإيمانية ومبلّغاً ناصحاً وصوتاً صادحاً بالحق ومدافعاً عن المستضعفين، تفرض أوسع ‌موجة استنكار وإدانة من مختلف الهيئات العلمائية والصروح العلمية والروحية.
واكد الحزب، على "ضرورة ملاحقة هؤلاء المجرمين ومحاسبتهم مع كل من يثبت ‌تورطه أو انخراطه في هذه الجريمة الخبيثة"؛ مضيفا : إننا على ثقة تامة بأن الشعب السوري سيلفظ ‌هذا الفكر المتطرف الذي يهدد وحدة المجتمعات ويفتك بالاستقرار ويستهدف كل رأي معتدل ‌وفكر نيّر".
وتعرض الشيخ رسول شحود، أحد أبرز علماء المسلمين الشيعة في سوريا، الى عملية اغتيال غادرة مساء الاربعاء الماضي في قرية المزرعة بريف حمص الغربي، ما أثار موجة غضب شعبية ومطالبات واسعة بكشف الفاعلين ومحاسبتهم.
وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فقد اغتيل الشهيد الشيخ شحود بإطلاق نار مباشر من قبل مسلحَين اثنين كانا يستقلان دراجة نارية، وذلك عقب مغادرته مجلس عزاء عاشورائي حيث تمت ملاحقته وإطلاق النار عليه داخل سيارته.
ولفت المرصد إلى أن الشيخ شحود كان قد أُوقف قبل الجريمة عند حاجز يتبع لـ'الأمن العام' التابع للسلطات الحاكمة في إدلب، بزعامة أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ'أبو محمد الجولاني'.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العراق في قلب العاصفة .. هل ستصمد المقاومة في وجه المؤامرات؟
العراق في قلب العاصفة .. هل ستصمد المقاومة في وجه المؤامرات؟

موقع كتابات

timeمنذ 2 ساعات

  • موقع كتابات

العراق في قلب العاصفة .. هل ستصمد المقاومة في وجه المؤامرات؟

تشهد منطقة غرب آسيا واحدة من أكثر المراحل حساسيةً وتعقيدًا في تاريخها الحديث، في ملفات عدة في مقدمتها التفاوض الأميركي–الإيراني الذي يعود إلى الواجهة مجددًا، لكنّه لا يبدو أكثر من محاولة يائسة لإعادة ضبط التوترات بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، دون مراعاة حقيقية لحقوق شعوب المنطقة وسيادتها، هذه المحادثات لا تُعقد في فراغ، بل تتزامن مع تصعيدٍ همجي من قبل الكيان الصهيوني، الذي يمعن في ارتكاب المجازر اليومية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ويمارس أبشع أنواع الإبادة والتطهير العرقي. في سوريا، تستمر الاستباحة الممنهجة للأرض والقرار السيادي، في ظل صمت دولي مريب وتورط جماعات إجرامية – مدعومة من الخارج – في بيع البلاد ونهب مقدّراتها، فيما تُفتح الأجواء للصهاينة كي يقصفوا كيفما شاؤوا بلا ردع، أما في لبنان، فلا تزال الخروقات الجوية واستهداف المدنيين مستمرة، في محاولة مكشوفة لجر حزب الله إلى حرب استنزاف جديدة، ومع ذلك، يثبت الحزب في كل مرة أنه الرقم الأصعب، وأن الصمت أحيانًا ليس ضعفًا بل انضباطٌ استراتيجي ينتظر اللحظة المناسبة للرد. هذه التطورات الإقليمية لا تنعكس على العراق إلا بمزيدٍ من الضغط والتحديات، في الوقت الذي تُستهدف فيه المقاومة الإسلامية من قِبل أجندات مشبوهة تطالب بنزع سلاحها، نشهد حملةً إعلامية منظمة ضد الحشد الشعبي والترويج لمزاعم مشبوهة حول دمجه او حله، لا لشيء سوى لأنه حجر عثرة في طريق التطبيع والانبطاح، ولأنه صمام أمان البلاد والحامي للعباد، هذه المحاولات تتزامن مع إبقاء العراق في دائرة العزلة، خصوصًا بعد أن رفض الانجرار وراء قطار التطبيع الخليجي–الصهيوني، وتمسكه بموقفه التاريخي. المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، التي لطالما كانت البوصلة الأخلاقية والسياسية لهذا البلد، ما زالت على عهدها في الدفاع عن السيادة والكرامة، واخرها ما انطلق من رسائل وتحذيرات على لسان ممثلها الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، فيما يقف الحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية بمختلف فصائلها سدًا منيعًا بوجه مشاريع تمزيق العراق وجرّه إلى مستنقع الفوضى، لقد تحطمت أحلام نتنياهو وترامب على صخرة النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، حين اعتقدوا أن العراق سيكون الحلقة الأضعف، لكنه كان الأقوى رغم كل الجراح، وأربعينية الإمام الحسين (ع) ستكون الصوت والصدى الأكبر لبيان ثباته. إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد تحدٍ سياسي أو أمني، بل معركة وجود ومصير، وأن الالتفاف حول المقاومة وتحصين جبهتنا الداخلية هو واجب وطني وأخلاقي، يجب تطوير ملف التسليح، وتعزيز القدرات، ومسك الحدود بقبضة من نار، بما يضمن الحماية والدفاع والاستعداد لأي طارئ، لأن المطامع الصهيوأميركية لا تفهم إلا لغة القوة. لقد أثبتت تجارب حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وحماس والجهاد في فلسطين، أن العدو لا يتراجع إلا إذا خسر ميدانيًا، وأنه لا يحترم إلا من يقف له ندًا، لذا فأن علينا أن ننتبه إلى حملات التشويه التي تُشن على الحشد والمقاومة عبر مواقع التواصل، فهي ليست عبثية، بل جزء من مشروع مدروس يهدف لتفكيك الداخل وإسقاط العراق من داخله، ليكون بلدًا هشًّا بلا درع ولا سند.

مئة عام من التيه السيــــــــــــــــــــــاسى تيارات الإسلام السياسى لم تنجح فى ترجمة خطابها الإصلاحى إلى مشاريع حكم لاهتزاز مواقفها وانكماش قاعدتها الجماهيرية
مئة عام من التيه السيــــــــــــــــــــــاسى تيارات الإسلام السياسى لم تنجح فى ترجمة خطابها الإصلاحى إلى مشاريع حكم لاهتزاز مواقفها وانكماش قاعدتها الجماهيرية

الحركات الإسلامية

timeمنذ 3 ساعات

  • الحركات الإسلامية

مئة عام من التيه السيــــــــــــــــــــــاسى تيارات الإسلام السياسى لم تنجح فى ترجمة خطابها الإصلاحى إلى مشاريع حكم لاهتزاز مواقفها وانكماش قاعدتها الجماهيرية

بين دفتى كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق، لم يكن الجدل حول "الخلافة" مجرد خلاف فقهى أو سياسى عابر، بل كان بمثابة زلزال فكرى أطاح بمسلّمات راسخة فى الوعى الإسلامى التقليدي، وفتح الباب أمام مساءلة عميقة للعلاقة بين الدين والدولة. واليوم، وبعد مرور نحو قرن على صدور هذا الكتاب الذى كلّف مؤلفه عُزلة علمية واجتماعية، لا يزال صداه حاضرًا، بل ويعود إلى الواجهة مع تصاعد النقاشات حول تجديد الخطاب الديني، وحدود السلطة الدينية فى المجال العام. فى هذا الحوار الخاص، تلتقى 'البوابة' الدكتور عبد الباسط هيكل، الباحث والأكاديمى المصرى المتخصص فى تحليل بنية الخطاب الديني، وأستاذ العلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر. حيث يمتلك الدكتور هيكل مشروعًا نقديًا رصينًا يتقاطع فى جوهره مع الأسئلة التى طرحها على عبد الرازق منذ قرن، وقد عبّر عن ذلك فى عدد من مؤلفاته المهمة، مثل "باب الله: الخطاب الدينى بين شقى الرحا"، و"الحب والحقد المقدس"، و"المسكوت عنه من مقالات تجديد الخطاب الديني". ونناقش معه فى هذا الحوار رحلة الشيخ على عبد الرازق بين كتابيه "الإسلام وأصول الحكم" و"الإجماع"، ونتوقف عند البنية العميقة لنصوصه، وسياقه التاريخي، وإرثه المثير للجدل، كما نحاول عبر هذه الوقفة أن نمدّ الخيط من الماضى إلى الحاضر، لنسأل: ما الذى تغيّر؟ وما الذى لا يزال ساكنًا فى وجدان الخطاب الدينى المعاصر؟ وإلى نص الحوار. ■ ما الذى شكّل الأرضية الثقافية والفكرية التى خرج منها كتاب "الإسلام وأصول الحكم"؟ الشيخ على حسن أحمد محمد عبدالرازق ابن أسرة مصرية عريقة فى العلم، والسياسة، والعمل الوطني، والقضاء الشرعي، عُرفت بدور رائد فى الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية مما ترك آثارا واضحة فى فكره وشخصيته ونزعاته السياسية، اتخذت عائلته مسارا ثوريا مع ثورة عرابي، ثم عدلت عن ذلك إلى مسار إصلاحى متدرج ينطلق من العمل السياسى الحزبي، فوالِدُه "حسن أحمد محمد عبد الرازق" مِنْ مؤسسى حزب الأمة ٢٠ سبتمبر ١٩٠٧م، فأسس حسن مع محمود باشا سليمان وعلى باشا شعراوى وإبراهيم باشا سعيد حزب الأمة أوائل سنة ١٩٠٧، وشغل منصب وكيل الحزب، وكَاتَب الصحفَ الإنجليزية باسم الحزب، وألقى خطبة افتتاحه مستندا فى مبادئ الحزب إلى آراء الشيخ محمد عبده، وجاء فى إعلان التأسيس "حزب الأمة يستند إلى آراء المصلح محمد عبده فيسير بالبلاد وئيدا لا يُفزع الإنجليز، ولا يُفزع الخديوى ولا يتملقهما، فهو أداة لإعداد المصريين للوصول إلى السلطة عن طريق بناء الوعي، وأداته الأولى التعليم". وكان للوالد الشيخ على عبدالرازق دور وطنى فى ثورة ١٩١٩م، وما تبعها من أحداث، وعمّه "محمود باشا عبدالرازق" أسس مع الشيخ محمد عبده بعد عودته من المنفى الجمعية الخيرية الإسلامية بحلوان، وأخذ عبد الرازق فى جمع التبرعات لبناء المدارس التى ستكون نواة الإصلاح، وكانت مدرسة بنى مزار من أوائل المدارس الملحقة بالجمعية، وبعد رحيل الإمام أكمل أسرة عبد الرازق ما بدأه الإمام، حتى آتت الجمعية الخيرية الإسلامية بحلوان ثمارها فى الحياة الاجتماعية والفكرية. الشيخ على عبدالرازق بدأ تكوينه الدينى من الكُتّاب فى قرية "أبو جرج" حيث أتمّ حفظ القرآن الكريم قبل أن يلتحق بالأزهر، جمع عبدالرازق بين علوم الأزهر ومدرسة القضاء الشرعى إحدى أبرز أيقونات إصلاح التعليم الدينى فى بدايات القرن العشرين فكرة الشيخ محمد عبده التى رأت النور ١٩٠٧ عندما أسندت وزارة المعارف إلى سعد زغلول تلميذ الإمام محمد عبده. كذلك تأثر الشيخ على عبد الرازق بأخيه الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق وزير الأوقاف فى ستّ حكومات متوالية، وشيخ الأزهر، وأقرب تلامذة الأستاذ محمد عبده الأزهريين إليه وأكثرهم تأثرا به فكريا وعاطفيا، فاندمج على مع أصدقاء أخيه المقربين من أمثال: الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين، فمنزل آل عبد الرازق بحى عابدين فى مدينة القاهرة على حد وصف الكاتب أحمد أمين بأنه: "ملتقى للشباب من مختلف الاتجاهات". ودرس الشيخ على مع أخيه الشيخ مصطفى عبد الرازق على يد الشيخ المفتى محمد عبده فى الإجازات الصيفية فالشيخ على عبدالرازق عرف الإمام محمد عبده مبكراً منذ الطفولة، فكان الإمام صديق والده ورفيقه فى العمل الوطني، دائم التردد على منزل آل عبد الرازق بعابدين، فيربط حسن عبد الرازق والد الشيخ على صلة وثيقة بالأستاذ الإمام، ففى منزل آل عبدالرازق كان الإمام يُدرّس لعلى ومصطفى كتب نهْج البلاغة بشرح الشيخ، وتفسير جزء عمّ للشيخ محمد عبده، وجزءا من كتاب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للشيخ عبد القادر الجرجاني، وحماسة أبى تمام بشرح التبريزي، والعقائد العضدية، والبصائر النصيرية، و"مقامات الحريري" من كتب الأدب. ■ كيف تقرأ السياق الذى دفع الشيخ على عبد الرازق إلى خوض هذا النوع من المغامرة الفكرية؟ بداية فى حاجة إلى التأكيد أن وقت تأليف الكتاب ليس هو توقيت النشر، بمعنى الكتاب شرع الشيخ على فى تأليفه منذ توليه العمل بالقضاء الشرعى عام ١٩١٥م، فاندفع بحماسة البدايات وبشعور بالمسئولية تجاه مشروع الإصلاح للفكر والمؤسسات الدينية فى كتابة بحث سيصبح هو كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذى سينشر بعد عشر سنوات من تأليفه، الكتاب كان يستهدف أول الأمر البحث فى تاريخ القضاء الشرعي، ثم تناول الخلافة والحكومة فى الإسلام بمقتضى كون القضاء فرع منها، ولأن "أساس كل حكم فى الإسلام هو الخلافة والإمامة العظمى، فكان لابدّ من بحثها"، عمل عبد الرازق على هذا البحث تسع سنوات قبل أن ينشره فى كُتيب بعنوان "الإسلام وأصول الحكم" فى السابع من رمضان سنة ١٣٤٣ه - أول أبريل سنة ١٩٢٥م ، ورغم السنوات التى قضاها فى إعداد الكتاب، أكّد أنه ما زال فى مراحل البحث الأولى، ووعد أن يستدرك فى المستقبل ما يظهر فى هذا البحث من نقص، فإن لم يتمكن فإنه يرجو أن يكون بحثه أساسا صالحا لغيره من الباحثين للبناء عليه.. ■ هل تعتقد أن التجربة السياسية لسقوط الخلافة العثمانية كانت وحدها كافية لتحفيز هذا النص، أم أن ثمة بُنى معرفية أعمق تقف وراءه؟ الكتاب عند التأليف لم تكن الخلافة العثمانية سقطت، مسودة كتاب الإسلام وأصول الحكم كما جاء فى مذكرات الشيخ مصطفى عبدالرازق كانت فى ١٩١٦،١٩١٥، فالشيخ مصطفى كتب فى مذكراته عن قراءته لفصول من مسودة الكتاب عندما كان يعود الشيخ على نهاية الأسبوع من المنصورة، لكن نشْر الكتاب كان بعد إعلان إلغاء الخلافة، وهنا أحتاج أن أشير إلى أمر ثان وهو الموقف المعرفى من خلافة الأتراك/ العثمانيون الذى شاهد تفاوتا بين عبدالرحمن الكواكبى وعلى عبدالرازق وغيرهم الرافض لخلافة العثمانيين قبل أن تسقط فى الواقع، هى سقطت من أعينهم، وموقف آخر كان يرى إمكانيه ترميمها وإصلاحها. دوافع ■ ما دافع الشيخ على عبد الرازق باعتبارك متخصصًا فى تحليل بنية الخطاب الدينى للاشتباك مع قضية الخلافة وعلاقة الدين بالدولة؟ وكيف تقرأ لغة على عبد الرازق؟ هل مال إلى العقلانية الفلسفية، أم أنه حافظ على بنية "فقهية تقويضيه" للتراث؟ دفَع عبد الرازق إلى التفكير، الذى نتفق أو نختلف حول نتائجه، إيمانُه بأنّ فقر مجتمعات المسلمة يكمن فى فقر أفكارها، فلا يُقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء مادية فحسب، وإنّما بمقدار سلامة ودقة أفكار المجتمع: تلك المعتقدات والمسلمات والتصورات والمبادئ والنماذج التى تُسيطر على عقول أبناء المجتمع، فوجد عبد الرازق حامل عالمية الأزهر، وقاضى محكمة المنصورة الشرعية أنّه من الأفكار غير الجيدة التى أضرّت بالمسلمين "إلصاق الخلافة بالمباحث الدينية حتى صارت جزءًا من عقائد التوحيد، يدرسها المسلم مع صفات الله تعالى وصفات رسله الكرام، ويُلقنها كما يلقن الشهادتين، فهذا من جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين، فأضلوهم عن الهدى وعمّوا عليهم وجوه الحق، وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين أيضا استبدّوا بهم وأزلّوهم، وحرّموا عليهم النظر فى علوم السياسة، وباسم الدين خدعوهم وضيقوا على عقولهم، وانتهى كل ذلك بموت قوى البحث، وتجمد نشاط الفكر بين المسلمين، حتى أصيبوا بالشلل فى التفكير السياسي، والنظر فى كل ما يتصل بشأن الخلافة والخلفاء... داعيًا المسلمين إلى أن يسابقوا الأمم الأخرى فى علوم الاجتماع والسياسة، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذى ذلّوا له، واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم، ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجته العقول البشريّة، وأمْتنِ ما دلّت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم". من ناحية ثانية الكتاب ولغته كانت بداية لنوع جديد من الكتابة والبحث فى الدراسات الإسلامية، ومنهجية تقوم على العقلانية النقدية فى دراسة تاريخ الحكم الإسلامي، نختلف مع بعض نتائجها لكن كان ينبغى أن نحمى التجربة كخطوة على طريق البحث فى الفكر الديني، الذى أكّد الشيخ على عبد الرازق مرارا إلى آخر لحظة فى حياته أنه لم يكن نقدا للدين، ولكن لفكر دينى تشكّل حول أصولية الخلافة، وأنها النظام السياسى المأمور إلهيا بأن يتبعه المسلمون.. أظن أن الخطأ الذى وقع فيه الشيخ على وهو ما أشار إليه فى المقدمة أنه استخدمت الإشارات واللغة الاحتمالية التى تتنافى مع لغة البحث العلمي، لكن يشفع له أنها كانت بداية لنمط من الأبحاث والدراسات لم يكن معروفا حينها. ■ ما موقف تلامذة الإمام محمد عبده من كتاب "الإسلام وأصول الحكم"؟ كان الشيخ على عبد الرازق على وعى بموقعه من مدرسة الإمام محمد عبده، وطبيعة تلك المدرسة، فقدّم نفسه وأخاه، بوصفهما امتدادا لمدرسة الأستاذ الإمام المنقسمة على نفسها رغم امتدادها، على حدّ قوله: "دعوة الأستاذ الإمام دعوة عامة ومدرستـه لا يحدّها مكان ولا زمان ولا أشخاص، ولكنها مدرسة تتلاقى فيها الأرواح جنودا مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". فتلامذة الإمام محمد عبده تناكروا، وتنافروا؛ حتى أنّه كفّر بعضهم بعضا، فثار الشيخ رشيد رضا صاحب كتاب "الخلافة والإمامة العظمى" على كتاب عبد الرازق، ووصف ما جاء فيه: "بالكفر والضلال وتحليل الحرام وتحريم الحلال، لإنكار كتاب "الإسلام وأصول الحكم" كون الخلافة من أصول الدين وواجب شرعي". وكان الأفضل لتلامذة الإمام أن يتعاطوا مع كتاب "الخلافة والإمامة العظمى" ، وكتاب "الإسلام وأصول الحكم: بوصفهما اجتهاد مشروع، وفكر وتنظير يُكتفى بالردّ عليه باجتهاد وتنظير مثله، فمثل هذا هو الحراك الفكرى الصِّحى الذى يأتى كمقدمة ضرورية للنهضة، شريطة أن تظلّ المواجهات فكرية دون تكفير، أو تخوين، أو تسفيه، يُسلّم أطرافها أنهم لا يقدّمون الدين بل فهمهم واجتهادهم، غير أن هذا لم يحدث مع كتاب الإسلام وأصول الحكم، فدعا الشيخ رشيد رضا إلى محاكمة عبدالرازق محاكمة دينية لإنكاره الخلافة كأصل من أصول الإسلام فعلى حدِّ تعبير الشيخ رشيد رضا. ■ لماذا الضجة الكبيرة التى أحدثها الكتاب فى رأيك؟ أحْدَث َكتابُ الشيخ على عبد الرازق ضجة فى الأوساط الدينية والسياسية؛ لصدوره بعد شهور من إلغاء الأتراك الخلافة العثمانية، ولم يكن هذا بالأمر الهيّن، فعموم المسلمين كانوا يرون حكم الأتراك تجسيدا للخلافة بوصفها أصلا من أصول الدين رغم الظلم الواقع منها، وحالة الضعف الشديدة التى ألمت بها، وفى وقت كان ملك مصر الملك فؤاد الأول فى سعى دائب للحصول على لقب "خليفة المسلمين"؛ ليحتمى بجلال المنصب وقدسيته من النقد السياسي، وليتخلص من قيود الحياة الدستورية الناشئة فى مصر. كان عبد الرازق على وعى بطبيعة المعركة التى يخوضها، فليستْ معركة فكرية مع حماة الخلافة وحرّاس تديين فكرتها، بل معركة سياسية، فالسياسة فى عالمنا العربى تتغذى على الدينى وتتخذه وقودا لمعاركها.. لم يكن مصادفة فى ظنّى أن يَنشر عبد الرازق بحثه الذى يعمل عليه منذ سنوات فى هذا الوقت تحديدا! وملك مصر يترقب أن يُتوّج خليفة للمسلمين، ويُتابع عن قرب اكتمال التجهيزات لمؤتمر "الخلافة" الثانى بالقاهرة ١٩٢٥؛ فبعد إلغاء منصب الخليفة العثمانى فى تركيا ١٩٢٤، دعا الأزهر لانعقاد مؤتمر الخلافة الأول فى ٢٥ مارس سنة ١٩٢٤، وأوصى المؤتمر بالدعوة لانعقاد مؤتمر ثانٍ فى العام التالي؛ لواجب شرعى وهو اختيار خليفة جديد للمسلمين، ودعا الأزهر العلماء من مختلف بلاد المسلمين؛ لبيعة خليفة جديد مُرتقب، ورغم انعقاد المؤتمر الثانى فى الموعد المقرر إلا أنه فشل فى اختيار خليفة؛ لاختلاف الوفود المشاركة حول الإحياء والإلغاء للخلافة، وتعدد الطامعين فى لقب خليفة المسلمين، فى تلك الأجواء العاصفة خرج شيخ أزهرى (على عبد الرازق) بكتابٍ يُضفى شرعية على مبدأ إلغاء الخلافة التى أعلنها مصطفى كمال فى تركيا؛ فأطاح الكتاب بأحلام ملك مصر فى أن يُصبح خليفة المسلمين، فنشْر عبدالرازق كتابه فى هذا التوقيت كان تحديا واضحا للملك فى سعيه لاكتساب حصانة الخليفة. وهذا يُفسّر كراهية ملك مصر لعلى عبد الرازق إلى حد أن يُقيل الحكومة لتأخرها فى عزله من منصبه، وتكريمه الشيخ الخضر حسين ومنحه الجنسية المصرية لموقفه المناوئ لعبدالرازق.. فقبل إلغاء أتاتورك لنظام الخلافة، وقبل أن يُصبح سلطانا لمصر فى ٩ أكتوبر ١٩١٧، ثم أول ملك لمصر فى العصر الحديث بعد صدور تصريح ٢٨ فبراير ١٩٣٢، وهو يتطلع لأن يرث الخلافة بعد الأتراك، فقد بات من الواضح تخلخل قبضة الحكومة العثمانية على زمام الأمور، وخاصة خلال السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى ١٩١٤- ١٩١٨ التى توالت خلالها هزائم الجيوش العثمانية فعبدالرازق بحكم تكوينه ونشأته فى أسرة سياسية امتلك حاسةً سياسية مكّنته من وصف المعركة باسمها الحقيقى "إننا أمام معركة سياسية مستمرة، منهجنا منذ أيام عباس هو منهجنا إلى اليوم لا تتأثر باعتبارات شخصية، نُريد سلامة الحكم من شرور الاستبداد ومفاسد الطغيان (فى إشارة إلى خطورة أن يتدثر ملك مصر بعباءة الخلافة)، ولقد تعرضنا لغضب عباس (الخديوى عباس حلمى الثاني) يوم قمنا ندافع عن الأزهر الذى أراد أن يعبث بمصالحه، ويوجهها توجيها سياسيا لا خير فيه، ويوم سلط علينا وزراءه ومستخدميه يضربون الأزهريين بالسيـاط، ويتوعدون، ويهددون؛ وكان فؤاد أشد بأساً وأشد تنكيلاً من عباس، وقد سلط علينا وزرائه، وكثيراً من أشيـاعه فما منعنا ذلك من أن نرفع صوتنا بمعارضة أساليبه فى الحكم، الموقف السياسى الذى سلكناه فى عصرنا الحاضر هو بعينه الموقف السياسى الذى سلكه آباؤنا وأجدادنا من قبل فى أيام إسماعيل، ومن قبله أيام محمد علي". تطور الرؤي ■ إذا أعيد نشر "الإسلام وأصول الحكم" اليوم بعنوان جديد ومن دون اسم مؤلف، هل تظن أنه سيواجه الرفض ذاته؟ أم أن الوعى العربى قد تطور لتقبّل مثل هذه الرؤى؟ أظن أن ثمّة تغييرا وقبولا من المؤسسات الدينية لكثير مما جاء فى الكتاب لاسيما عدم أصولية الخلافة، فمؤتمر الأزهر المنعقد فى ٢٠١٤ وعام ٢٠٢١ أكّد صحة كثير من الأفكار التى تناولها كتاب الشيخ على عبد الرازق، ففضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى كلمة افتتاح مؤتمر الأزهر العالمى لمواجهة التطرف والإرهاب قال: "الخلافة من مسائل الفروع وليست من مسائل الأصول". وعلى الرغم من ذلك سيظل الرفض من جماعات التمايز الإسلام عن المسلمين/ جماعات الصحوة التى تراها من الأصول وترى الدولة الوطنية المعاصرة العقبة التى دون استعادة الخلافة، والواقع أنه ما زال لأفكارهم وجود قوى فى الثقافة الإسلامية المعاصرة، فما زالت أفكارها عن الخلافة المتخيلة فى صورة مثالية ثابتة عرفها الماضى مسيطرة على نحو سيُرفض معه كتاب "الإسلام وأصول الحكم" مرة ثانية. لو قُدّر لك أن تحاور الشيخ على عبد الرازق اليوم، ما هو السؤال الذى ستطرحه عليه؟ سيكون لدى سؤالان: لماذا جعلت عنوان الكتاب: الإسلام وأصول الحكم وليس المسلمون وأصول الحكم؟ فنحن أمام فعل المسلمين، وفكر المسلمين ولسنا أمام الدين، فمن الإشكاليات الشائعة الخلط بين الدين والفكر الدينى بين الإسلام والمسلمين.. أن تُولف كُتب تقول لنا الإسلام يقول!! بينما المجتهد أو المفكر هو من يقول. الإجماع ■ كتاب "الإجماع" أقل شهرة من "الإسلام وأصول الحكم"، لكنك فى إحدى دراساتك أشرت إلى قيمته النقدية، كيف ترى هذا الكتاب؟ وهل يمثّل استكمالاً لمشروع على عبد الرازق أم انحرافًا عنه؟ وهل يمكن اعتبار "الإجماع" محاولة لترميم العلاقة مع المؤسسة الدينية، أم استكمال لتفكيك أدوات شرعنتها؟ الكتاب نموذج للتفكير العقلانى النقدى فى الفقه الإسلامي، فهو استكمال لمشروعه الفكرى فى نقد التراث الفقهى والسياسى إلا أنه كان أكثر دقة فى لغته ونضجا فى أدواته فجمع بين التراثية والمعاصرة، وانتهى إلى نتائج قريبة مما انتهى إليه ابن حزم من القدامى والشيخ محمود شلتوت من المعاصرين. ففى كتابه يُثبت الإجماع وينفى الإجماع فى الوقت نفسه بمعنى أنه أعاد تحديد المساحات التى يُمكن أن نقول إنّ فيها إجماعا، فيتم تداول دال "الإجماع" وكأننا أمام مدلول واحد قابل للتحقق، فالمفهوم الأشهر فى الثقافة الإسلامية والأقرب إلى أذهان العامة، هو "اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فى عصر من العصور على حكم شرعي"، وهذا ما يستحيل تحققه، فلا يُمكن؛ أن يجتمع المجتهدون فى مكان واحد ليجمعوا على رأى فى مسألة ما؛ وهذا ما دفع بعض الأصوليين إلى تعريف الإجماع بأنه "اتفاق أكثر المجتهدين فحسب" ثم اختلفوا فى تحديد ضابط الأكثرية، والمقياس الذى نعرف به المجتهدين الذين سيُعتدّ باتفاقهم أو اختلافهم! وأطلق آخرون الإجماع على "اتفاق طائفة بعينها على رأى اجتهادي"، ثم اختلفوا حول تلك الطائفة بين قائل بأنهم "الصحابة" وقيل: "أهل المدينة"، وقيل: "أهل البيت"، وقيل "الشيخان: أبو بكر وعمر" وقيل: "الأئمة الأربعة"، كذلك اختلف الأصوليون حول طرق تحقق الإجماع هل يشترط أن يُصرح الجميع بالحكم مشافهة أو كتابة، أو يكفى تصريحُ بعضِهم وسماعُ الباقين مع سكوتهم؟ وهذا ما دفع أئمة الفقه القدامى إلى التشكيك فى حجية الإجماع، ومن ذلك قول أحمد بن حنبل: "من ادّعى وجود الإجماع فهو كاذب"، وقول ابن حزم: "ويكفى فى فساد ذلك أنّا نجدهم يتركون فى كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه إجماع، وإنما نحُوا إلى تسميته إجماعا عنادا منهم وشغبا عند اضطرار الحجة والبراهين إلى ترك اختياراتهم الفاسدة". وحصر الشافعى وابن حزم مفهوم الإجماع فى العمل الذى تلقّته الكافّة عن الكافة مما لا شبهة فى ثبوته عن صاحب الشرع"، وهو ما يُطلق عليه "المعلوم من الدين بالضرورة" مثل الظهر أربع ركعات، وهو فى هذه الحالة ليس مصدراً للعمل ولا دليلا وأصلا فى ثبوته، وإنّما هو أثر من آثار هذا الثبوت؛ فإرسال الخطاب الدينى كلمة "الإجماع" دون تقييد، وكأنه مفهوم واحد إطلاقى هى محاولة لإرهاب المخالف فى الرأي، واتّهامه أمام العامة بأنّه من الخارجين عن "الإجماع" بما فى ذلك من عواقب وخيمة، فمن اللوازم الشائعة بين الناس لمن يُتهم بمثل ذلك، على حدّ قول شيخ الأزهر محمود شلتوت، أنه متهم بـ"مخالفته سبيل المؤمنين، ومشاقّة الله ورسوله، وخرْق اتفاق الأمة، إلى غير ذلك مما يتحرّجه المسلم، ويخشى أن يُعرَف به عند العامة. وكثيراً ما نراهم يُردفون حكايتهم للإجماع بقولهم: "ولا عبرة بمخالفة الشيعة والخوارج" أو "بمخالفة أهل البدع والأهواء" أو "بمخالفة المعتزلة والجهمية" ونحو ذلك مما يُخيفون به.. وبهذا امتنع كثير من العلماء عن إبداء رأيهم فى كثير من المسائل التى هى محل خلاف ضناً بسُمعتهم الدينية، فوقف العلم، وحُرمت العقول لذة البحث، وحِيل بين الأمة وما ينْفعُها فى حياتها العملية والعلمية. ونحن معشر الأزهريين لا ننسى شيوع القول بحرمة الاشتغال بالعلوم الرياضية والكونية والحكم بالزندقة والإلحاد على من شذّ فتعلّمها أو أباح تعلمها!" السؤال الثاني: لماذا كتبت؟! ولماذا سكتت؟! الشيخ ألّف كتاب الإسلام وأصل الحكم وهو فى العشرينات ثم امتنع عن الكتابة حوالى أربعين سنة!!! لم يصدر بعدها سوى بحث وكُتيب سيرة ذاتية عن أخيه الشيخ مصطفى وكُتيب لم يكتمل عن سيرته هو، سؤال لماذا كتب الشيخ على عبد الرازق ولماذا سكت هو موضوع بحث لى قيد الكتابة. آخر أمر أريد التأكيد عليه هو طبيعة المعركة التى دارت حول كتاب الإسلام وأصول الحكم، وأنها كانت معركة سياسية وقودها الفكر الدينى وخير دليل على ذلك أن الشيخ على عبدالرازق بعد أن مُنع من التدريس، وعُزل من القضاء، وطُرد من جماعة علماء الأزهر وسُحبت درجة العالمية فى عهد الملك فؤاد، عاد مرة أخرى الشيخ العالم الأزهرى المؤمن، الذى يستحق التكريم فى عهد الملك فاروق فألغى الأزهر الحكم الذى أصدره فى عهد فؤاد ضد الشيخ عبدالرازق، وأعاد إليه مؤهله العلمى "درجة العالمية"، وأعاده إلى جماعة علماء الأزهر، واختير الشيخ عبد الرازق عضواً فى مجلس النوّاب، ثمّ فى مجلس الشيوخ، فوزيراً للأوقاف سنة ١٩٤٨، كما عمل محاضرا لطلبة الدكتوراه فى جامعة القاهرة على مدار عشرين عاما.

ممر داود ونيرانه المشروع الإسرائيلي الذي يشعل الشرق الأوسط ويحقق الحلم الصهيوني
ممر داود ونيرانه المشروع الإسرائيلي الذي يشعل الشرق الأوسط ويحقق الحلم الصهيوني

موقع كتابات

timeمنذ 7 ساعات

  • موقع كتابات

ممر داود ونيرانه المشروع الإسرائيلي الذي يشعل الشرق الأوسط ويحقق الحلم الصهيوني

ما يجري اليوم في غزة وجنوب لبنان وسوريا والعراق لا يمكن النظر إليه باعتباره أحداثًا متفرقة أو ردود فعل عسكرية منعزلة بل هو مشهد متكامل ينتمي إلى سياق أكبر يتمثل في مشروع استراتيجي تسعى إسرائيل إلى تنفيذه ضمن رؤيتها التوسعية المعروفة باسم مشروع ممر داود هذا المشروع لا ينفصل عن الطموح الإسرائيلي القديم المتجدد للهيمنة الإقليمية وإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط وفقًا لمصالحها ورؤيتها العقائدية والجيوسياسية مشروع ممر داود هو شريان بري استراتيجي يربط الجولان السوري المحتل بمناطق القنيطرة ودرعا والسويداء ثم يمتد شرقًا نحو البادية السورية ودير الزور وصولًا إلى الأراضي العراقية ومنها إلى إقليم كردستان العراق مع امتداد محتمل إلى كردستان سوريا لاحقًا هذه الجغرافيا المرشحة للتحول إلى ممر آمن لإسرائيل تمثل مفتاحًا لتحقيق أهداف أمنية واقتصادية وعسكرية على رأسها فصل الجبهة الإيرانية عن حزب الله وقطع خطوط الإمداد والدعم بينهما كما تتيح لإسرائيل التغلغل إلى عمق المنطقة العربية وإنشاء شراكات مباشرة مع مكونات محلية مثل الأكراد والدروز وبعض الجماعات المتطرفة التي يمكن توظيفها كأدوات في صراعاتها الإقليمية. إسرائيل فشلت في البداية في تحقيق هذا الممر عبر العراق بسبب وعي العراقيون وإدراكهم لهذا المشروع الخبيث ودور فصائل المقاومة وقدرتها على استعادة زمام المبادرة من الجماعات الإرهابية التي تم زرعها في المناطق الغربية وتلاحم الشعب العراقي بين كل الأطياف افشل ذلك التخطيط العدواني . ولذلك لجأت اسرائيل إلى الخطة البديلة التي تمثلت في إسقاط النظام السوري وتسليم الحكم إلى جماعات دينية متشددة تم تدريبها ورعايتها في تركيا بدعم أمريكي مباشر وكان الهدف من ذلك تفكيك الدولة السورية وضرب محور المقاومة وتهيئة الأرض لإنشاء منطقة فاصلة آمنة خالية من النفوذ المقاوم في المقابل تحركت إسرائيل نحو تعميق علاقاتها مع الأقليات داخل سوريا وبالأخص الأكراد والدروز ضمن سياسة التحالف مع الأطراف التي يمكن استخدامها لاحقًا كورقة ضغط أو كبديل في حال فشل الجماعات المسلحة في السيطرة على الأرض. وهذا النهج ينسجم مع رؤية صهيونية قديمة تعوّل على تفتيت الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية متنازعة تسمح لإسرائيل بالهيمنة عبر أدوات ناعمة أو تحالفات وظيفية.المشروع الداودي لا يقتصر على الأمن والميدان بل يمتد إلى الاقتصاد إذ تسعى إسرائيل لفتح طريق بري يربطها بكردستان العراق من أجل نقل النفط والغاز بعيدًا عن سيطرة بغداد ودمشق وطهران وبناء منظومة تعاون اقتصادي مع الإقليم الكردي تعزز من نفوذها وتفتح لها بوابة على العالم الإسلامي من خاصرته الضعيفة. كما يرتبط المشروع برؤية دينية توراتية تعتقد أن إسرائيل الكبرى هي وعد إلهي، وأن الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات هي حدود طبيعية يجب أن تستعاد، ليس بالضرورة بالاحتلال المباشر بل من خلال السيطرة السياسية والاقتصادية والأمنية.كل هذه التحركات تجري ضمن رؤية أمريكية أوسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ولكن هذه المرة على أسس طائفية وعرقية تُنهي مركزية الإسلام المقاوم وتروّج لما يسمى بالديانة الإبراهيمية كغطاء حضاري لتذويب الهويات الإسلامية والعربية. إسرائيل لا تسعى فقط إلى أن تكون كيانًا آمنًا بل أن تتحول إلى مركز القرار في المنطقة، واللاعب الأول الذي يُحكم قبضته على مفاصل الجغرافيا والسياسة والدين وان تكون هي ملك الشرق الأوسط الجديد والقابض عليه وعلى ثرواته وشعوب المنطقه . غير أن هذا المشروع يواجه عقبات جدية أبرزها حزب الله في جنوب لبنان الذي يمثل قوة عقائدية لا تزال قادرة على الردع ما يجعل من استهدافه أولوية إسرائيلية عاجلة خصوصًا من خلال دفع الفصائل المدعومة من الجولاني لفتح جبهة من داخل سوريا باتجاه الشرق اللبناني، في محاولة لاستنزاف الحزب وتفكيك قدراته وتعول اسرائيل كثيراً على تلك العصابات التي لان يجري اعدادها لضرب الحزب . كما أن العراق يمثّل حالة خاصة في هذا السياق حيث نجح الجيش العراقي الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وخلفهم الشعب العراقي بكل اطيافه في إجهاض المخطط الإرهابي الذي كان يستهدف غرب العراق وربطها بالجماعات المسلحة في سوريا ولهذا تطالب وتعمل الولايات المتحدة ومعها اسرائيل اليوم على تفكيك الحشد الشعبي هذه القوة من الداخل إما بدمجها قسريًا في الجيش أو بحلها نهائيًا تمهيدًا لتحييدها لكونها تقف جدار صلب وقوي يهدد بنسف المشروع الداوودي .إيران أيضًا تقف بوضوح ضد هذا المشروع وتعرف جيدا ماذا تبغي واهداف اسرائيل الاستراتيجية على الأمد المتوسط والبعيد وقد حاولت إسرائيل كسر إرادتها عبر ضربات جوية مركزة تحت ذريعة الملف النووي رغم أن البرنامج الإيراني خاضع للرقابة الدولية ولكن الهدف الحقيقي كان تحجيم دورها وفرض معادلة جديدة في الإقليم أما تركيا ورغم كونها عضوًا في الناتو إلا أنها بدأت تدرك أن الخطر يقترب منها بعد إيران، خصوصًا إذا تحقق حلم الربط بين كردستان وإسرائيل. وهنا يظهر التقاء مصالح بين أنقرة وطهران وموسكو في مواجهة هذا المشروع الذي لا يستهدف شدولًا بعينها، بل يسعى لتفكيك المنطقة بأكملها وتحويلها إلى فسيفساء طائفية هشة يمكن التحكم بها.المفارقة أن هناك من لا يزال يردد أن إسرائيل تدافع عن نفسها دون إدراك لحجم المشروع الذي يتحرك على الأرض منذ سنوات طويلة والذي لا يهدف فقط إلى تأمين حدود، بل إلى فرض واقع جديد تكون فيه إسرائيل الآمر والناهي في الشرق الأوسط وتُعاد فيه كتابة الجغرافيا والتاريخ لصالحها. نيران مشروع داود لا تحرق جبهة واحدة بل تشعل الشرق الأوسط كله ومن لا يرى ذلك الآن قد يدركه لاحقًا حين تصبح النيران أقرب مما يتصور وغدا لناظره قريب .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store