logo
نداء إلى محافظ المنيا

نداء إلى محافظ المنيا

الأربعاء 30 يوليو 2025 01:50 صباحاً
نافذة على العالم - حين تتحول وسيلة نقل صغيرة إلى أزمة مجتمعية وأمنية واقتصادية، فإننا أمام ظاهرة تحتاج إلى وقفة واعية وتشخيص عميق. مركبة التوكتوك، تلك المركبة التي تسللت إلى الشارع المصري في مطلع الألفينات، لم تكن نتاج رؤية أو تخطيط منهجي لتطوير منظومة النقل المحلي، بل جاءت كاستجابة ارتجالية لفراغ تنموي طال المناطق الريفية والعشوائية، حيث تغيب المواصلات العامة وتنحسر فرص العمل والتعليم.
لكن الأهم أن دخول تلك المركبة إلى السوق المصري لم يكن عشوائيًا تمامًا، بل كان انعكاسًا لمرحلة من فساد تزاوج السلطة بالمال في عهد نظام مبارك، حين تغوّلت شبكات المصالح على حساب الصالح العام. فقد كان استيراد التوكتوك يتم عبر رجال أعمال بعينهم، يرتبطون بعلاقات نافذة مع دوائر القرار، فوجدوا في تلك المركبة وسيلة للربح السريع عبر تسويقها في بيئة تفتقد للخدمات. وهكذا، تحولت أزمة تنموية إلى تجارة مربحة لقلة، وفوضى يومية يعاني منها ملايين المواطنين.
ولفهم أسباب انفجار تلك الظاهرة، يجب العودة إلى التحولات الكبرى التي مرت بها مصر منذ التسعينيات، حين بدأت الدولة تطبيق برنامج "الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي" بالتعاون مع صندوق النقد الدولي عام 1991. أدى ذلك إلى تقليص دور الدولة في الخدمات العامة، خاصة في التعليم الفني والزراعة والصناعة، وهي القطاعات التي كانت تشكّل قاعدة لتشغيل الشباب في الريف والمدن الصغيرة. وفي نفس الفترة، أصدر وزير التعليم الأسبق الدكتور حسين كامل بهاء الدين قرارات أضعفت المنظومة التربوية، مثل إلغاء العقاب البدني دون بديل تربوي، مما ساهم في اهتزاز هيبة المعلم وفقدان الانضباط داخل المدارس. بالتوازي، صدر في عام 1997 قانون العلاقة الجديدة بين المالك والمستأجر، والذي عُرف شعبيًا باسم "قانون طرد الفلاح"، فتعرّض ملايين الفلاحين للطرد من أراضيهم، وحدث نزوح كثيف من الريف إلى أطراف المدن بلا تأهيل أو عمل. وهكذا، نشأ جيل بلا فرص تعليم حقيقي، ولا أمل في التوظيف، فكانت مركبة التوكتوك هي الخيار الأخير - خيار الضرورة - لمن وجد نفسه على هامش الدولة.
في قلب محافظة المنيا، تبرز مدينة سمالوط وقراها كصورة حية لتلك الظاهرة. فقد أصبحت شوارع المدينة، والطرق الرئيسية والفرعية في القرى التابعة لها، تحت سيطرة شبه كاملة للتوكتوك. اختفت الحافلات الصغيرة، وتعذر التنقل الآمن، وتحولت بعض المداخل والمخارج إلى نقاط ازدحام مروري وفوضى عشوائية، بينما انتشرت مظاهر الانفلات والتحرش والبلطجة، دون رقابة فعلية. لقد تحولت التوكتوك من وسيلة نقل إلى أداة للفوضى، تهدد النظام العام، وتعبّر عن غياب التخطيط والرؤية المجتمعية.
وفي مواجهة ذلك، لا يمكن الاكتفاء بتنظيم جزئي أو تقنين محدود، بل لا بد من اتخاذ قرار واضح وجاد بإلغاء تلك المركبة نهائيًا داخل المدن والقرى، وعلى رأسها سمالوط، كخطوة أولى نحو بناء مجتمع منضبط وآمن. إن التوكتوك لا يليق ببيئة تنموية تحترم الإنسان، ولا يصلح لأن يكون جزءًا من الجمهورية الجديدة التي تسعى مصر لتأسيسها.
ولكن، لا يمكن إلغاء التوكتوك دون تقديم بديل واقعي وإنساني، يراعي من كانوا يعملون عليه تحت ضغط الحاجة. ولهذا، فإن الحل الأمثل هو إنشاء مراكز تدريب مهني حديثة في مدينة سمالوط وكافة قراها، تكون مهمتها إعادة تأهيل الشباب حرفيًا وتقنيًا، ومنحهم شهادات مهنية معتمدة تؤهلهم للالتحاق بوظائف مناسبة ومحترمة في القطاعين العام والخاص. هذه المراكز ينبغي أن ترتبط تعاقديًا مع المصانع، والشركات، ورجال الأعمال، لتكون جهة مسؤولة عن توفير العمالة الفنية الماهرة، بعد تدريبها بشكل عصري ومنضبط.
وفي موازاة ذلك، يجب على الدولة أن تُدخل وسائل نقل آدمية حديثة داخل المدن والقرى، مثل الميني باص الكهربائي أو وسائل النقل التشاركي الآمن، تحت إشراف مروري وإداري صارم، يحترم كرامة المواطن، ويُعيد الانضباط للشوارع المصرية، ويعكس صورة حضارية للدولة.
تشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد مركبات التوكتوك في مصر تجاوز 3 ملايين مركبة بحلول عام 2020، 90% منها غير مرخصة. وهذا الرقم المهول يعكس حجم الانفلات، وضرورة الحسم، وليس التسويف. إن وجود هذه المركبات في قلب القرى والمدن مثل سمالوط لا يجب أن يكون أمرًا واقعًا نقبله، بل تحديًا يجب مواجهته.
من هنا، أوجه نداءً مباشرًا إلى اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أن يتبنى مشروعًا وطنيًا يبدأ بإلغاء التوكتوك في مدينة سمالوط وقراها، مع إنشاء منظومة تدريب وتأهيل حقيقية للشباب، وإدخال وسائل نقل حضارية وآمنة. إن نجاح هذه المبادرة سيكون خطوة نوعية نحو إعادة تشكيل الواقع المحلي على أسس علمية وتنموية.
التنمية لا تبدأ من البنية التحتية فقط، بل من كرامة المواطن، وسلامة المجتمع، وأمن الشارع، وفرص العمل الحقيقية. إن مركبة التوكتوك، رغم حجمها الصغير، تعكس صورة أزمة كبيرة، لا تحتمل التأجيل، لكنها تحمل أيضًا مفتاحًا لتصحيح المسار وبناء مستقبل أفضل.
………….
•كاتب وباحث سياسي
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إحالة المتهم بالتحرش بالسيدات للمحاكمة
إحالة المتهم بالتحرش بالسيدات للمحاكمة

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

إحالة المتهم بالتحرش بالسيدات للمحاكمة

أحالت جهات التحقيق المختصة بالخانكة سائق للمحاكمة؛ لاتهامه بالتحرش بسيدة بمنطقة الخصوص. واعترف المتهم أمام جهات التحقيق بإرتكابه واقعة التحرش بسيدة أثناء استقلالها معه لتوصيلها، وأكدت التحريات أن المتهم سبق اتهامه بالتحرش بالسيدات أثناء استقالهن معه كانت بداية الواقعة عندما ورد بلاغ من سيدة مقيمة بدائرة القسم بتضررها من سائق لقيامه بالتحرش بها حال سيرها بدائرة القسم. عقب تقنين الإجراءات أمكن تحديد وضبط مرتكب الواقعة وبحوزته التوك توك المستخدم فى الواقعة وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة على النحو المشار إليه. تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وتولت النيابة العامة التحقيق.

لميس الحديدي تحذر من استخدام «تيك توك» بدون ضوابط وتأثيره السلبي على المجتمع
لميس الحديدي تحذر من استخدام «تيك توك» بدون ضوابط وتأثيره السلبي على المجتمع

خبر صح

timeمنذ 5 ساعات

  • خبر صح

لميس الحديدي تحذر من استخدام «تيك توك» بدون ضوابط وتأثيره السلبي على المجتمع

أعربت الإعلامية لميس الحديدي عن قلقها الكبير من الانتشار السريع والعشوائي لتطبيق 'تيك توك' في مصر، حيث اعتبرت أن هذه المنصة أصبحت وسيلة سهلة للكسب السريع، لكنها تحمل مخاطر ثقافية وأخلاقية تهدد تماسك المجتمع واستقراره. لميس الحديدي تحذر من استخدام «تيك توك» بدون ضوابط وتأثيره السلبي على المجتمع مقال له علاقة: التعليم تؤكد عدم صحة تسريبات نتيجة الثانوية العامة 2025 قبل اعتمادها وفي منشور عبر حسابها الرسمي على موقع 'إكس' (تويتر سابقاً)، قالت الحديدي: 'التيك توك في مصر بقى عامل زي غزو التوك توك، فجأة موجود في كل الشوارع، أي حد يسوقه في أي سن، بدون ترخيص، يأخذ مخدرات، يمشي عكس الاتجاه، ويسبب حوادث ويقتل ناس، حاجة سهلة بتجيب فلوس بدل ما نشتغل شغلانة بجد، ده مجتمع ذاهب إلى الهاوية إن لم ننتبه' وأضافت الإعلامية أنها تشعر بالقلق من انتشار هذا النوع من المنصات التي قد تساهم في نشر سلوكيات سلبية وتفكك القيم الاجتماعية، داعية إلى ضرورة وضع ضوابط وتنظيمات تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التطبيقات، مع التركيز على التوعية الثقافية والأخلاقية بين الشباب. أولى جلسات حجب التيك توك وفي هذا السياق، حددت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة جلسة 9 سبتمبر المقبل لنظر أولى جلسات الدعوى المقامة من المحامي أحمد مهران، للمطالبة بحجب منصة 'تيك توك' أو إخضاعها لضوابط قانونية ومعايير أخلاقية تتوافق مع القيم والعادات والتقاليد المجتمعية، وكذلك النصوص الشرعية والمبادئ الدينية. تهديد للهوية الثقافية والدينية للمجتمع وتأتي هذه الدعوى استجابة لمطالب عدد كبير من المواطنين الذين أبدوا تخوفهم من المحتوى المتداول على المنصة، وما قد يمثله من تهديد للهوية الثقافية والدينية للمجتمع، إضافة إلى تأثيره على النشء. وأكد مقيم الدعوى أن هذه الخطوة لن تكون مؤثرة إلا إذا تحولت إلى مطلب شعبي واضح، مطالبًا بدعم جماهيري واسع لضمان وصول الرسالة إلى مؤسسات الدولة والبرلمان، بهدف اتخاذ إجراءات تحفظ القيم المجتمعية وتحمي الأجيال القادمة. ضبط التيك توكرز المسيئين رسالة حاسمة وفي سياق آخر، أشادت النائبة هند رشاد أمين سر لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، بالتحرك السريع والحاسم من وزارة الداخلية في ضبط عدد من صناع المحتوى على تطبيق 'تيك توك'، لنشرهم مواد مرئية خادشة للحياء العام، ومخالفة للقيم والعادات الأصيلة للمجتمع المصري، مشيرة إلى أن هذا التدخل يعكس حرص الدولة على حماية الهوية الثقافية والأخلاقية للمجتمع، ومواجهة أي محاولات لهدم القيم والترويج لسلوكيات مرفوضة. مقال له علاقة: ثلاثة مصابين بإصابات خطيرة نتيجة تصادم وسقوط من أعلى كوبري في الشرقية وأكدت رشاد أن المنصات الرقمية أصبحت جزءًا مؤثرًا في تشكيل وعي الشباب والمراهقين، وهو ما يتطلب تعزيز الرقابة والمتابعة القانونية لأي محتوى غير لائق، خاصةً ذلك الذي يسعى لجذب الانتباه من خلال الإثارة والانحلال تحت ستار الحرية الشخصية أو التعبير عن الرأي.

تأجيل محاكمة متهمين قتلا سائق "توك توك" بالرصاص لسرقته في الجيزة
تأجيل محاكمة متهمين قتلا سائق "توك توك" بالرصاص لسرقته في الجيزة

بوابة الفجر

timeمنذ 11 ساعات

  • بوابة الفجر

تأجيل محاكمة متهمين قتلا سائق "توك توك" بالرصاص لسرقته في الجيزة

قررت محكمة جنايات الجيزة تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق "توك توك" وسرقة مركبته، إلى جلسة خلال شهر أكتوبر المقبل، وذلك لاستكمال الإجراءات القانونية وإعلان المتهمين بأمر الإحالة. وكانت نيابة شمال الجيزة قد أمرت بإحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات بعد توجيه عدة تهم إليهما، تضمنت القتل العمد مع سبق الإصرار، والسرقة بالإكراه، إلى جانب حيازة أسلحة نارية وبيضاء دون ترخيص. ووفقًا لما كشفته التحقيقات، فإن الواقعة بدأت عندما استوقف المتهمان المجني عليه، ويدعى "عمرو ع."، أثناء قيادته مركبة "توك توك" في أحد الطرق العامة، وطلبا منه توصيلهما إلى منطقة نائية بعيدة عن أعين المارة. وما إن وصلا إلى هناك، حتى باغتاه بالتهديد، حيث أخرج أحدهما سلاحًا ناريًا، بينما كان الآخر يحمل سلاحًا أبيضًا، وطالباه بترك المركبة. ورغم التهديد، أبدى السائق مقاومة شجاعة، إلا أن المتهم الأول أطلق عليه رصاصة استقرت في رأسه وأردته قتيلًا في الحال. عقب الجريمة، استولى الجانيان على "التوك توك" وفرّا هاربين من موقع الحادث.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store