
أزمة الاقتصاد الروسي تتفاقم مع تأميم الكرملين أصولاً بـ50 مليار دولار
بلغت القيمة الإجمالية للأصول المصادرة منذ عام 2022 نحو 3.9 تريليون روبل (49.5 مليار دولار أمريكي)، بحسب تقديرات محامي شركة "نيكتوروف، سافيليف آند بارتنرز" (Nektorov, Saveliev & Partners) المتخصصة في القانون التجاري والتي تتابع هذه القضايا عن كثب ومقره موسكو. وعلى مدار الأشهر الاثني عشر الماضية، تضاعفت قيمة الأصول المصادرة ثلاث مرات.
ومن بين هذه الحيازات، تعود أصول بقيمة 1.5 تريليون روبل إلى شركات ذات أهمية استراتيجية ويسعى الكرملين إلى إحكام قبضته عليها. أما باقي الأصول فتنتمي إلى قطاعات صناعية مختلفة، وغالباً ما تُباع إلى ملاك جدد، مع تحويل عوائدها إلى خزينة الدولة. وقد رصد محامو الشركة القانونية حتى الآن 102 حالة مصادرة من هذا النوع.
مصادرة الأصول تدر أرباحاً للميزانية الروسية
قد تُسهم وتيرة مصادرة الأصول المتزايدة في دعم خزينة الدولة وتعزيز نفوذها، إلا أن هذه السياسة قد تقوض قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود، وتضعف القطاع الخاص الذي كان ركيزة أساسية في مواجهة العقوبات والاضطرابات التي أعقبت حرب أوكرانيا عام 2022.
ولجأت السلطات إلى تبريرات متعددة لهذه المصادرات، شملت مسائل تتعلق بعمليات الخصخصة السابقة ومزاعم الفساد، وصولاً إلى التطرف المزعوم والدفاع عن الصالح العام، بحسب محامي "نيكتوروف، سافيليف آند بارتنرز".
قال أندريه ياكوفليف، الاقتصادي والباحث المشترك في مركز ديفيس التابع لجامعة هارفارد، إن "الكرملين يحل مشكلتين دفعة واحدة". وأوضح أن مصادرة الممتلكات التي يُعاد بيعها لاحقاً توفر مصدر دخل جديد للميزانية، كما أنها "تعيد تشكيل نخبة رجال الأعمال بحيث يرتبط مصيرهم ببقاء النظام".
تلقت الميزانية الفيدرالية الروسية 132 مليار روبل من عائدات بيع الأصول خلال العام الماضي، متخطية بفارق كبير الهدف المحدد عند مليار روبل فقط. وجاء الجزء الأكبر من هذه العائدات من أصول صادرها مكتب الادعاء العام، بما في ذلك وكالة السيارات "رولف" وشركات في قطاعي الكيماويات والزراعة.
وفي مارس، أعلن وزير المالية أنطون سيلوانوف عن نيته الحفاظ على هذا المستوى من العائدات خلال عام 2025.
تحذيرات من ضعف الكفاءة الاقتصادية
لكن الاقتصادي ياكوفليف حذر من أن استبدال أصحاب الشركات من القطاع الخاص، ممن يمتلكون عقوداً من الخبرة، "بأشخاص يدينون بنجاحاتهم للدولة سيقلل حتماً من الكفاءة الاقتصادية الكلية".
دق قادة الأعمال ناقوس الخطر، حيث أعربوا عن قلقهم بشأن ما اعتبروه موجة من عمليات التأميم خلال لقاءات متكررة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "آر بي سي" (RBC) في يناير، فقد صاغت مجموعة ضغط تمثل أبرز الشركات والمديرين التنفيذيين في روسيا تعديلات تشريعية تهدف إلى حماية حقوق أصحاب الشركات من التأميم.
انضم بعض الساسة إلى النقاش أيضاً. فقد حذر أندري ماكاروف، عضو مجلس الدوما، خلال اجتماع عُقد الشهر الماضي بين كبار رجال الأعمال ومسؤولين حكوميين، من أن تحقيق نمو اقتصادي مستدام لن يكون ممكناً دون حماية حقوق الملكية، مشيراً إلى أن البديل هنا هو الاعتماد على الإنفاق الحكومي الوفير، لكن خزائن الدولة لن تدوم إلى الأبد.
مصادرة الأصول خيار مريح لتمويل العجز
تُعاني المالية العامة الروسية من تدهور متزايد، مع تآكل الاحتياطيات المتاحة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.
حذر ياكوفليف من أن تراجع أسعار النفط وارتفاع قيمة الروبل يُهددان باستنزاف الاحتياطيات النقدية المتبقية في صندوق الرفاه الوطني بحلول نهاية العام. وأضاف: "هذا يثير تساؤل حول كيفية تمويل الإنتاج العسكري والجيش، وهنا يصبح بيع الأصول المصادرة لرجال أعمال مقربين من النظام خياراً مريحاً".
حتى عندما تُباع هذه الشركات بأسعار مخفضة، فإنها قد تدر عائدات تُقدر بمئات المليارات من الروبلات.
شملت عمليات المصادرة كيانات مملوكة لأجانب، بمن فيهم أولئك الذين يحملون جوازات سفر روسية، إضافة إلى أي أصول سبق خصخصتها عبر سلطات إقليمية أو مرتبطة بمسؤولين حكوميين.
كذلك، أصبحت روابط الملكية مع شخصيات داعمة لأوكرانيا سبباً كافياً لتعريض الأصول للتدقيق. ففي يونيو الماضي، أمرت محكمة في موسكو بتأميم الشركة الروسية المطورة للعبة "وورلد أوف تانكس" (World of Tanks)، بعدما صُنف مؤسسوها كمتطرفين بسبب جمع أحد الشركاء السابقين تبرعات لصالح أوكرانيا.
مصادرة شركات كبرى رغم النفوذ
في هذا الشهر، تحرك مكتب الادعاء العام لمصادرة شركة "يوجورالزولوتو" (Yuzhuralzoloto)، وهي شركة تعدين ذهب مملوكة لعائلة الملياردير المحلي كونستانتين ستروكوف والمقربين منه، بدعوى أنه كان يديرها بصورة غير قانونية أثناء شغله لمنصب عام.
ومن هذا المنطق، قد يواجه ما لا يقل عن نصف رواد الأعمال الإقليميين خطر مصادرة أصولهم، بحسب الاقتصادي ياكوفليف. وأوضح أن شغل مقعد في المجالس التشريعية المحلية كان في السابق وسيلة شائعة يستخدمها رجال الأعمال لحماية أنفسهم.
مع ذلك، قلل بوتين من أهمية المخاوف بشأن تزايد عمليات التأميم، ودافع عن إحدى المصادرات الأخيرة المتعلقة بمطار دوموديدوفو في موسكو، واصفاً إياها بأنها حالة فردية لها مشاكلها الخاصة الممتدة منذ فترة طويلة.
القانون لا يحمي أحداً
في معظم الحالات، لا تُفضي الدفاعات القانونية إلى أي نتيجة تُذكر. فقد قالت فلاديسلافا ديدينكو، المحامية لدى "نيكتوروف، سافيليف آند بارتنرز"، إن "المحاكم تميل بشكل حاسم لصالح جهة الادعاء، وترفض الطلبات وتستبعد الأدلة المقدمة".
أما المحامي إيغور سلابيكه، المدير التنفيذي لمؤسسة "بلدينغ ديمكراسي فاونديشن" (Building Democracy Foundation)، فأشار إلى أن المحاكم تتجاهل باستمرار ضمانات قانونية أساسية، من بينها قواعد تقادم القضايا ومبدأ التملك بحسن نية.
ومن بين المتضررين، رجل الأعمال الإقليمي ليف كانتور، الذي تعمل شركته في مجال الإنشاءات والتي نفذت أيضاً عقوداً مع الدولة.
ويقول كانتور: "قبل الحرب، كان لا يزال بإمكانك المقاومة. أما الآن، فكل شيء أشبه بجرافة لا تتوقف، الدولة تعصر كل شيء حتى آخر قطرة".
وبعد أن وُجهت إليه اتهامات ضريبية يعتبر أنها لا تستند إلى أساس من الصحة، غادر كانتور البلاد هرباً من الملاحقة الجنائية. وقال: "في روسيا اليوم، رائد الأعمال الذي كان بالأمس ضمن الإطار القانوني، أصبح اليوم خارجاً عنه".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 2 ساعات
- أرقام
انخفاض الطلب على قروض الرهن العقاري في أمريكا 10%
تراجع الطلب على قروض الرهن العقاري في أمريكا خلال الأسبوع الماضي، مع ارتفاع أسعار الفائدة على التمويل بسبب تجدد المخاوف بشأن الرسوم الجمركية وآفاق أكبر اقتصاد في العالم. أظهرت بيانات صدرت الأربعاء عن جمعية مصرفيي الرهن العقاري، انخفاض طلبات الحصول على قروض رهن عقاري بنسبة 10% على أساس أسبوعي مُعدّل موسمياً. وتراجع عدد طلبات إعادة تمويل القروض القائمة بنسبة 7% خلال الأسبوع الماضي، لكنه ظل أعلى بـ 25% مقارنة بالأسبوع المناظر من عام 2024. تزامن ذلك مع ارتفاع سعر الفائدة الثابت على قروض الرهن العقاري لأجل 30 عاماً إلى 6.82% من 6.77% خلال الأسبوع. وأوضح "جويل كان" نائب كبير اقتصاديي الجمعية، أن زيادة تكاليف الاقتراض بعد أسبوعين من الانخفاض، ترجع إلى ارتفاع عوائد السندات السيادية في آخر جلسات الأسبوع الماضي بسبب تجدد المخاوف بشأن تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد. وأضاف أن الطلبات المقدمة للحصول على تمويل لشراء منازل هبطت بنسبة 12% خلال الأسبوع، ورغم أنها ظلت أعلى بنسبة 13% على الصعيد السنوي، لكن هذه الوتيرة هي الأقل منذ مايو الماضي. وتابع أن سوق الإسكان شهدت ارتفاعاً في المخزون منذ بداية العام، لكن حتى البائعين المحتملين بدأوا في التراجع مع انخفاض الطلب والأسعار.


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
"Equiti Group": عودة التضخم الأميركي للارتفاع تعقّد موقف "الفيدرالي"
قال رئيس قسم الأبحاث في Equiti Group، رائد الخضر، إن بيانات التضخم الأميركية لشهر يونيو التي جاءت عند 2.9% على أساس سنوي، "تزيد المحنة" على رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وتجعله في موقع أكثر حرجا، مع عودة التضخم إلى الارتفاع، مشيراً إلى أن ذلك كان أحد أبرز المخاوف التي دفعت "الفيدرالي" سابقا إلى عدم التسرع في خفض أسعار الفائدة. لا خفض وشيكا للفائدة.. وسبتمبر الأقرب وأضاف الخضر في مقابلة مع قناة "العربية Business"، أن عودة التضخم إلى الارتفاع تبعد الأسواق أكثر عن هدف "الفيدرالي" البالغ 2%، ما يجعل خفض الفائدة إلى مستوى 1% الذي يطالب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستبعدا في الوقت الحالي. وتابع: "السيناريو الأرجح حاليا هو خفض واحد فقط بواقع 25 نقطة أساس في سبتمبر، مع احتمالية ضعيفة لخفض آخر في ديسمبر، ما لم يتدخل ترامب سياسيا أو تحدث تغييرات جذرية مثل إقالة باول". وأشار الخضر إلى أن رد فعل الأسواق جاء واضحا، إذ ارتفع الدولار أمام معظم العملات العالمية، بينما تراجع الذهب. وهو ما يعكس قناعة المستثمرين بأن "الفيدرالي" سيواصل الحذر في خطواته التيسيرية، رغم المطالبات السياسية. "قد يكون "الفيدرالي" قد تأخر في خفض الفائدة خلال الأشهر الماضية، لكن في ظل ارتفاع التضخم مجددا، فإن أي خفض قادم سيكون محدودا جدا"، وفق رائد الخضر. ماذا عن التضخم في الأشهر المقبلة؟ وبشأن التوقعات لبيانات التضخم المقبلة، لا سيما في ظل الرسوم الجمركية التي بدأت في التأثير على الاقتصاد الأميركي، قال الخضر إن الحرب التجارية المستمرة تخلق حالة من عدم اليقين يصعب معها بناء سياسة نقدية مستقرة. وأوضح أن الأسواق بدأت فعليا تسعير آثار الرسوم الجمركية المرتفعة، وبالتالي فإن استمرار القراءات المرتفعة للتضخم أمر مرجح. وتابع: "حتى لو أظهرت البيانات المقبلة ارتفاعا في التضخم بسبب الرسوم، فإن السوق ستكون قد استوعبت هذا الأثر بدرجة كبيرة... ما يعني أن الصدمة لن تكون كبيرة، ولكن المسار سيظل مقلقا لبنك الاحتياطي الفيدرالي".


أرقام
منذ 3 ساعات
- أرقام
مع التحولات في نمط الحياة الفاخرة .. ما أغلى المدن بالنسبة للأثرياء؟
في عام يتّسم بالغموض الاقتصادي والتوترات التجارية، يكشف تقرير "جوليوس باير" السنوي تحوّلات لافتة في نمط الحياة الفاخرة لدى الأثرياء حول العالم، فبينما تبقى بعض المدن باهظة المعيشة، بدأ الأغنياء يعيدون النظر في أولوياتهم، متجهين نحو نمط استهلاكي أكثر وعيًا يوازن بين المتعة والصحة والاستدامة المالية. تراجع استثنائي - للمرة الأولى منذ إطلاقه، سجّل مؤشر "جوليوس باير" تراجعًا في تكلفة أسلوب حياة الأثرياء بالدولار بنسبة 2%، نتيجة انخفاض أسعار السلع بنسبة 3.4% والخدمات 0.2%، ما يعكس تغيّرات في سلوك المستهلك الثري. مدن متصدّرة - تواصل سنغافورة تصدّرها كأغلى مدينة للأثرياء، تليها لندن ثم هونج كونج، فيما صعدت بانكوك وطوكيو ستة مراكز. تغيّرات إقليمية - هيمنت المدن الأوروبية والشرق أوسطية على نصف قائمة العشر الأوائل، مع تقدّم موناكو وزيورخ، وصعود دبي للمرتبة السابعة، وفي حين تراجعت باريس، ظلت جوهانسبرج في ذيل القائمة. استقرار آسيوي - احتفظت منطقة آسيا باستقرار نسبي في الأسعار، رغم صدارة سنغافورة للقائمة، في مقابل هبوط شنغهاي مركزين، وصعود بانكوك وطوكيو. صعود دبي - رسّخت دبي مكانتها كمركز جذب للأثرياء عالميًا، بفضل بيئة أعمال تنافسية، ومشاريع العقارات والضيافة التي تستقطب الأثرياء العالميين. تحوّلات إنفاق - تراجعت أسعار المنتجات التقنية عالميًا بنسبة 22.6%، في مقابل ارتفاع كبير في تذاكر السفر الفاخر بنسبة 18.2%، وارتفاع ملحوظ في كلفة التعليم الخاص والساعات الفاخرة. الصحة أولًا - كشف الاستطلاع أن غالبية الأثرياء باتوا يضعون الصحة وطول العمر في صدارة أولوياتهم، سواء عبر نمط حياة صحي أو استثمارهم في تقنيات متقدّمة مثل العلاج الجيني. ثروة مستدامة - أصبح العمر المتوقع عاملًا حاسمًا في قرارات الأثرياء الاستثمارية، ما دفع الكثيرين إلى مراجعة خططهم المالية من أجل تأمين استدامة ثرواتهم على المدى البعيد. عقلية الاستثمار - يفضّل الأثرياء في أوروبا وأمريكا الشمالية الحفاظ على ثرواتهم بدلًا من المخاطرة، بينما يميل أثرياء آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية إلى المخاطرة وتوسيع استثماراتهم. تجربة لا تملّك - تحوّل الأثرياء من اقتناء السلع الفاخرة نحو تجارب الحياة المميزة، حيث تراجع الإنفاق على الكماليات المادية، مقابل تزايد الطلب على السفر الخاص، والمطاعم الراقية، ما يعكس تغيّرًا أعمق في مفهوم الرفاهية، التي باتت تُقاس بجودة الحياة، لا بكم المقتنيات.