
كيف يُعيد ترمب تعريف الإعلام السياسي؟
لا يبدو أن الصدع الكبير في العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهة، ومعظم الكيان الإعلامي الأميركي من جهة أخرى، في طريقه إلى الالتئام؛ بل يبدو أنه ينحو إلى الاتساع يوماً بعد يوم.
من يتابع تعليقات ترمب على أداء المؤسسات الإعلامية الرئيسة، في بلاده، والأوصاف التي يطلقها على بعض الإعلاميين، يعرف أن ما يجمع الجانبين سوء تفاهم مُقِيم وعداء منهجي. ومن جانبها، فإن بعض تلك الوسائل باتت تتراجع، وتُعيد حساباتها، تحت وطأة الضغوط التي تتعرض لها.
يقودنا هذا إلى حالة عداء مُستحكم بين الرئيس وعدد لا يُستهان به من وسائل الإعلام الرئيسة في مجتمعه، وهي حالة قد يتشارك الجانبان قدراً من المسؤولية عنها، ولكنها لا يمكن أن تقع في حال كان الحكم مُنفتحاً ورشيداً.
والشاهد أن ترمب يريد أن يكرر ما فعله قادة سلطويون، عاشوا في عهود سابقة، إزاء المجال الإعلامي؛ إذ يخبرنا التاريخ بأن كثيراً من السياسيين الذين اعتقدوا بامتلاكهم «الحقيقة المطلقة» سعوا سعياً حثيثاً إلى تحويل وسائل الإعلام إلى «آلات دعاية»، تُلمِّع صورتهم، وتلطخ سمعة أعدائهم، وتعمل على نقل رؤاهم للجمهور من دون أي تدخل، فإن لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يشنون عليها الهجمات العنيفة، ويصفون الإعلام والعاملين فيه بأبشع الأوصاف.
وبالطبع، فإن حرية الإعلام تدفع أثماناً غالية لقاء تلك المحاولات، وهي أثمان تدفعها أيضاً الأوطان؛ لأن حرية الإعلام ليست منحة أو ميزة للإعلاميين، ولكنها «مصلحة عامة»، وهي أيضاً من المؤشرات الرئيسة التي تُصنَّف على أساسها المجتمعات لجهة الديمقراطية والتقدم، أو الديكتاتورية والتخلف.
وحين يسعى بعض القادة المُتسلِّطين إلى إخضاع المجال الإعلامي، أو تعقيمه في الحد الأدنى، حتى يصبح مجالاً مُواتياً لهم، فإنهم يصطدمون بالقوى الحية في هذا المجال، ويحاولون إخضاعها، باللين أو بالقوة، لتنفيذ مخططاتهم.
وعندما يشعر هؤلاء القادة بأن المجال الإعلامي يفرز ممارسات تعوق تلك المخططات، فإنهم يتحولون إلى شيطنته واستهدافه.
لا تختلف تلك السياسات عما فعله القادة المستبدون الذين عبروا في التاريخ، والذين حوَّلوا وسائل الإعلام في بلادهم إلى آلات تُردد معزوفات التأييد لهم، وتذم خصومهم، وتَحُط من شأنهم.
يحاول الرئيس الأميركي إعادة تعريف المجال الإعلامي في بلاده؛ بل وإعادة تعريف وظيفة الإعلام ذاتها، أو هذا على الأقل ما يبدو واضحاً حتى الآن.
فقد كتب الرئيس ترمب، يوم الجمعة الماضي، على حسابه في موقع «تروث سوشيال»، إن الصحافية ناتاشا برتراند التي تعمل في شبكة «سي إن إن»، يجب توبيخها، و«طردها كالكلب»، بداعي أنه شاهدها لمدة ثلاثة أيام تنشر «أخباراً مزيفة» عن نتائج الضربة الأميركية للمواقع النووية الإيرانية.
ولم يكتفِ الرئيس الغاضب بذلك؛ بل إنه وصف بيوتاً إعلامية مرموقة؛ مثل «نيويورك تايمز»، وغيرها، بأنها «حثالة»، وقد حدث ذلك رغم أن «سي إن إن» دافعت عن الصحافية ناتاشا أمام هجمات الرئيس، مؤكدة، في بيان رسمي، أن عملها استند إلى تقييم مهني صادر عن جهة استخباراتية.
ليست تلك بالطبع هي المحطة الأولى في الصراع العنيف الذي يتفاقم بين ترمب من جانب، ووسائل إعلام مؤسسية رئيسة في الولايات المتحدة من جانب آخر؛ بل هي إحدى هذه المحطات التي بدأها الرئيس مبكراً قبل فوزه في انتخابات 2016 التي حملته نتائجها إلى سدة الرئاسة في ولايته الأولى.
يريد ترمب أن يختزل الاتصال الرئاسي في صورة تدوينات يطلقها على منصة يمتلكها ويديرها بنفسه، ومن ثَم يقوض عمل منظومات الإعلام المؤسسي في هذا الشق الحيوي والخطير، ويفرغها من مضمونها.
وفي إطار سعيه لإعادة تعريف وظيفة الإعلام، يريد أن يجعل تلك الوظيفة مُقتصرة، في المجال السياسي، على ترديد كلامه، وتأكيد تصريحاته، والتصفيق لأفعاله، مهما كانت مُلتبسة أو مثيرة للجدل.
وعندما ستظهر أي مقاربات ناقدة لما يقوله ويفعله، فإنه سيسارع إلى وصف تلك المقاربات بأنها «خائنة»، و«مُضللة»، كما سيصف الصحافيين الذين ينقلونها بأنهم «كلاب يستحقون التوبيخ والطرد»، وأما وسائل الإعلام التي يعملون فيها، فليست سوى «حثالة».
سيفسر لنا هذا سيل الشتائم التي يوجهها الرئيس لصحافيين ووسائل إعلام بعينها، وسيشرح لنا أيضاً لماذا استهل ولايته الحالية برفع مجموعة من الدعاوى ضد وسائل إعلام رئيسة، بغرض إنهاكها، وتشتيتها، وحملها على الامتثال لإرادته، وتنفيذ أجندته.
يُعيد ترمب تعريف المجال الإعلامي الأميركي على نحو غير مسبوق في التاريخ، كما يُحدد مسار الاتصال السياسي الرئاسي في خط أحادي: من الرئيس إلى الجمهور وكفى، وهو أمر قد يأخذ هذا الإعلام إلى واقع مَأسَوي لم يكن يخطر ببال أكبر المتشائمين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 38 دقائق
- العربية
خبير للعربية: سياسات ترامب تضغط على الدولار وتزيد عدم اليقين
قال أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد في جامعة قطر، د. جلال قناص، إن تراجع الدولار عالميا يعود إلى السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر من أسعار الفائدة، مشيرا إلى أن رالي صعود الأسهم الأميركية يعتمد على الاستثمارات قصيرة الأجل وهذا يهدد الأسواق. وأوضح في مقابلة مع "العربية Business" أن بنك التسويات الدولية بشكل عام نوعا ما يقدم تقارير دولية عن البنوك المركزية ويعمل بشكل مقرب منها ويعتبر أيضا مؤسسة دولية لديها أفكار نقدية تقدمية، وتقريره الأخير يعكس الواقع الحالي في ظل سياسة الرئيس الأميركي شكلت نقطة تحول جوهرية بالاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بموضوع الرسوم الجمركية. وأضاف في مقابلة مع أن المشكلة ليس فقط الرسوم الجمركية ولكن طريقة إدارة ترامب للعملية، وأنه خلق حالة عدم اليقين أو التنبؤ بتصرفاته بما يريد أن يعمله اليوم أو غدا أو بعد غد، أصبح هناك ما يسمى في الأخبار الأميركية بـ"التاكو" وأن ترامب سغيير رأيه رأيه، ولن يذهب إلى النهاية، وبالتالي الأسواق باستطاعتها أن تستمر في "الرالي". أضاف أن حالة عدم اليقين تزيد، والمستثمرون الذين يفكرون بالاستثمارات على المدى الطويل لا يستطيعون اتخاذ هذه القرارات، ومن ثم فإن نوعية الاستثمارات التي تدفع الرالي هي نوعا ما قصيرة المدى. وأوضح أن الاعتماد الكبير على الاستثمارات قصيرة الأجل يزيد المخاطر لأنها في أي لحظة قد تنكمش وهو ما ينعكس على الأسواق سريعا بهبوط الأسواق خصوصا في ظل مواجهة الاقتصاد العالمي لمشكلات كبيرة مثل سلاسل التوريد، والتضخم وهو إحدى المشكلات أمام البنوك المركزية وليس لديهم القدرة على رؤية التأثيرات الحقيقية لهذه الرسوم الجمركية و انعكاسها على التضخم في المديين المتوسط والطويل. وذكر أن البنك المركزي الأوروبي يهيئ المجال بتخفيض سعر الفائدة حتى إذا كانت هناك زيادة في الدين العام نتيجة الاستثمار في البنية التحتية أو الإنفاق العسكري سيدعم عملية الإنفاق لأن معدل الفائدة سيكون أقل، لأن البنك المركزي الأوروبي يتحكم في هذا السعر. منافسة أوروبا لأميركا والصين وتابع أن إعادة إنتاج أوروبا في الاقتصاد العالمي الحديث ومنافسة أميركا والصين يحتاج إلى استثمارات كبرى ولكن البنك المركزي ممكن أن يخفف سعر الفائدة بشكل أكبر حتى يدعم هذه العملية، وهذه ليست مشكلة إذا كانت الاستثمارات تتجه إلى إعادة بناء البنية التحتية، وزيادة الإنتاجية مع تخفيض سعر الفائدة. وعلى صعيد الولايات المتحدة أشار قناص إلى مشكلتين رئيسيتين، الأولى ارتفاع أسعار الفائدة يرفع تكلفة الاستدانة ما يقلص مساحة الحيز المالي، والمشكلة الأكبر تتعلق بترامب، مشيرا إلى أن انخفاض الدولار عالميا مرتبط بتأثير سياسات ترامب أكتر من ارتباطه بسعر الفائدة. وتابع "سعر الفائدة المرتفع يجب أن يرفع الدولار وليس العكس، لكن بعض النظريات ليست بالضرورة صحيحة دائماً لأن الواقع يمكن أن يشكل موضوعا مختلفا". التحوط من الدولار وقال إن المستثمرين ينظرون بقلق إلى هذا الموضوع، لأن أكثر الاستثمارات بالدولار، وبدأوا يتحوطون عبر التحول إلى بعض العملات الأخرى مثل اليورو، وهذا رفع العملة الأوروبية رغم انخفاض سعر الفائدة بمنطقة اليورو. أضاف أن الدول النامية لديها دين عام كبير جدا ومرتبط بسعر الفائدة الأميركية، ومع ارتفاع سعر الفائدة تزيد الضغوط على هذه الدول لأن الدين لديها بالدولار. وذكر بنك التسويات الدولية في تقرير حديث أن التوترات التجارية والقضايا الجيوسياسية تهدد بكشف انقسامات عميقة في النظام المالي العالمي. وأضاف البنك أن الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة وغيرها من التحولات السياسية تؤدي إلى إنهاك النظام الاقتصادي، مشيرا إلى أن الاقتصاد العالمي يمر بلحظة محورية بدخوله حقبة جديدة من لضبابية المتزايدة وعدم القدرة على التنبؤ بما يختبر مدى الثقة في المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك المركزية.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
كندا تلغي الضريبة الرقمية وتستأنف المفاوضات مع الولايات المتحدة
أعلنت كندا استئناف المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة وإلغاء الضريبة الرقمية على الشركات التكنولوجية الأمريكية، التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوقف المباحثات. وفرضت أوتاوا ضريبة الخدمات الرقمية العام الماضي، ومن المتوقع أن تُدر 5.9 مليار دولار كندي على مدى خمس سنوات، ومع أن هذا الإجراء ليس جديداً، إلا أن رابطة صناعة الحواسيب والاتصالات الأمريكية أشارت أخيرا إلى أن هذا الرسم كان سيحمّل مقدمي الخدمات الأمريكيين ضرائب بمليارات الدولارات في كندا بحلول 30 يونيو. وكانت واشنطن قد طلبت إجراء محادثات لتسوية النزاع حول هذه المسألة، لكن ترمب أعلن بشكل مفاجئ الجمعة إنهاء المفاوضات التجارية مع كندا «فوراً»، مؤكداً أن ذلك يأتي رداً على الضريبة. وأوضح أن أوتاوا ستعرف التعرفة التي ستُفرض عليها خلال الأسبوع الحالي. وقال وزير المالية الكندي فرانسوا فيليب شامبان في بيان: «إن ترمب ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني اتفقا على استئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى صفقة بحلول 21 يوليو 2025». وأضاف: «كندا ستلغي ضريبة الخدمات الرقمية تحسباً لاتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة يعود بالنفع المتبادل». وكان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت قال لشبكة «CNBC» (الجمعة) إن واشنطن تأمل في أن تقوم الحكومة الكندية بتعليق ضريبة الخدمات الرقمية «كبادرة حسن نية». أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
قصف إسرائيلي مكثف على غزة قبيل محادثات البيت الأبيض
تحدث فلسطينيون في شمال غزة عن واحدة من أقسى ليالي القصف الإسرائيلي منذ أسابيع بعدما أصدر الجيش أوامر إجلاء جماعي اليوم الإثنين، في حين من المقرر أن يصل مسؤولون إسرائيليون إلى واشنطن في مسعى جديد من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى وقف إطلاق النار. ومن المتوقع أن يصل أحد المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض بعد يوم من دعوة ترمب إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 20 شهراً، وذلك لإجراء محادثات في شأن وقف إطلاق النار في غزة وحول إيران وصفقات دبلوماسية أوسع نطاقاً محتملة في المنطقة. لكن لا توجد أي مؤشرات إلى الأرض في القطاع على توقف القتال. وأفاد سكان بأن دبابات إسرائيلية توغلت في المناطق الشرقية من حي الزيتون بمدينة غزة وقصفت مناطق عدة في الشمال، كما قصفت طائرات أربع مدارس في الأقل بعدما أمرت مئات العائلات التي كانت تحتمي بداخلها بالمغادرة. وقالت السلطات الصحية إن 25 شخصاً في الأقل قتلوا في الغارات الإسرائيلية اليوم منهم 10 في حي الزيتون. ولم يصدر تعليق حتى الآن من الجيش الإسرائيلي الذي يقول إن هناك مسلحين فلسطينيين مندسون بين المدنيين. وتنفي الجماعات المسلحة ذلك. وجاء القصف العنيف بعد أوامر جديدة بإخلاء مناطق شاسعة في الشمال، حيث كانت القوات الإسرائيلية تنشط هناك من قبل وخلفت وراءها دماراً واسع النطاق. وأمر الجيش الإسرائيلي السكان هناك بالتوجه إلى الجنوب، قائلاً إنه يعتزم محاربة مسلحي "حماس" الذين ينشطون في شمال غزة. الخطوات التالية بعد يوم من دعوة ترمب إلى "التوصل إلى اتفاق في غزة واستعادة الرهائن" قال مسؤول إسرائيلي إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، من المتوقع أن يزور البيت الأبيض اليوم لإجراء محادثات في شأن إيران وغزة. وفي إسرائيل من المتوقع أن يجتمع مجلس الوزراء الأمني لمناقشة الخطوات التالية في غزة. وقال رئيس الأركان الإسرائيلي الجمعة الماضي إن العملية البرية الحالية على وشك تحقيق أهدافها، فيما تحدث نتنياهو أمس الأحد عن ظهور فرص جديدة لاستعادة الرهائن الذين يعتقد أن 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة. وأفادت مصادر فلسطينية ومصرية مطلعة على أحدث الجهود الجارية لوقف إطلاق النار إن قطر ومصر اللتين تضطلعان بدور الوساطة كثفتا اتصالاتهما مع طرفي الحرب، لكن لم يتحدد موعد بعد لإجراء جولة جديدة من المحادثات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال مسؤول في "حماس" إن التقدم يعتمد على تغيير إسرائيل موقفها وموافقتها على إنهاء الحرب والانسحاب من غزة. وتقول إسرائيل إنها لن تنهي الحرب إلا بنزع سلاح "حماس" وتفكيكها، لكن الحركة الفلسطينية ترفض إلقاء سلاحها. واندلعت الحرب بعدما اقتحم مسلحون بقيادة "حماس" إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهو ما تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واقتياد 251 رهينة إلى غزة. وتقول وزارة الصحة في غزة إن الحرب الإسرائيلية اللاحقة أسفرت عن مقتل أكثر من 56 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وتشريد كل سكان القطاع تقريباً والبالغ عددهم نحو 2.3 مليون، وألقى بالقطاع في براثن أزمة إنسانية. وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80 في المئة من القطاع حالياً صار منطقة عسكرية إسرائيلية أو تحت أوامر إخلاء.