
أسرار جديدة تُكشف عن سجن صيدنايا.. معلومات خطيرة!
وقال التحقيق إنَّ 'عمليات الشنق أصبحت أمراً روتينياً داخل أكثر مصانع الموت رعباً في عهد بشار الأسد'، وأضاف: 'مرة كل شهر، عند حلول منتصف الليل تقريباً، كان حرّاس سجن صيدنايا ينادون أسماء المحكوم عليهم بالإعدام، وهم بالعشرات دفعة واحدة، ثم يلفّون الحبال حول أعناقهم، ويسحبون الطاولات من تحت أقدامهم، فيصدر صوت احتكاك حاد يتردد صداه في أرجاء المبنى'.
وأضاف: 'أما من في الزنازين المجاورة، فكانوا يسمعون صوت اختناق الضحايا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، إلا أنه في منتصف آذار من عام 2023، تسارع الإيقاع بشكل دراماتيكي، بحسب شهادة ستة شهود'.
ووقعت مجزرة 2023 الجماعية، التي لم يُكشف عنها سابقًا، في الوقت الذي كان فيه رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، على وشك الخروج من عزلته الدولية.
لكن الانهيار المفاجئ لنظام الأسد أواخر العام الماضي كشف مدى فداحة الخطأ في تقديرات المجتمع الدولي. ففي واحدة من أولى خطواتهم عند دخولهم دمشق فجر يوم 8 كانون الأول، اقتحم الثوار السجن، وأطلقوا النار على الأقفال، وحرروا من تبقى من السجناء، كاشفين النقاب عن أحد أسوأ نماذج القتل المنهجي الذي ترعاه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية.
وداخل السجن، الذي يتكوّن من مبنيَين من الخرسانة تحيط بهما الأسلاك الشائكة على أحد سفوح الجبال قرب دمشق، نفّذ نظام بشار الأسد عمليات تعذيب وقتل على نطاق هائل يُرجّح أنها أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص على مدى أكثر من عقد.
وجرت عمليات القتل بأسلوب بيروقراطي نادر في التاريخ الحديث، إذ احتفظ جهاز الأمن التابع للأسد بسجلات دقيقة عن نقل المعتقلين إلى سجن صيدنايا ومرافق أخرى، فضلاً عن وثائق المحاكم وشهادات وفاة من تم إعدامهم.
ويقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق لشؤون جرائم الحرب: 'إنها أسوأ فظاعة في القرن الحادي والعشرين من حيث عدد القتلى وطريقة تورّط الحكومة بشكل مباشر'، وأضاف: 'أرى صلة مباشرة بينها وبين ما فعله النازيون وروسيا السوفييتية من حيث التنظيم المنهجي للإرهاب الذي تمارسه الدولة'.
وقد ربط عدد من السجناء السابقين بين مجزرة آذار وتلك 'الإصلاحات' التي أعلنها الأسد لاحقًا في العام نفسه، ضمن جهوده لكسب القبول الدولي، ففي وقت لاحق من عام 2023، ألغى الأسد المحكمة الميدانية العسكرية التي كانت ترسل العديد من المعتقلين إلى صيدنايا، وخفّف بعض أحكام الإعدام، ويعتقد معتقلون سابقون وخبراء في جرائم الحرب أن النظام ربما سعى إلى تنفيذ موجة قتل جماعية أخيرة قبل أن تؤدي تلك الإجراءات إلى إبطاء آلة الموت.
وأكد التحقيق أن تمكُّن الناجين اليوم من التحدث علنًا، ونشر أسمائهم ووجوههم، يُظهر كيف غيّر سقوط النظام بنية المجتمع السوري، فقد شملت قائمة من زُجّوا في صيدنايا خلال الحرب منشقين عن الجيش، ومقاتلين معارضين، وناشطين سلميين، كما شمل المعتقلون الذين أجريت معهم مقابلات ضمن هذا التحقيق عالمًا نوويًّا ومهندسًا اعتُقل لمجرد أنه كان صديقًا على فيسبوك لشخص عبّر عن انتقاده للنظام.
وتُظهر شهاداتهم حجم التعذيب والقتل الذي وقع داخل السجن، بعد سنوات من التقارير التي وثّقت هذه الانتهاكات، والتي صدرت عن محققين تابعين للأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ومؤسسات مجتمع مدني كمركز العدالة والمساءلة السوري وقوة الطوارئ السورية ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، بمعنى آخر، كان العالم يعرف عن صيدنايا، لكنه فشل في إيقاف الجرائم التي ارتُكبت بداخله.
وبالإضافة إلى آلاف من عمليات الإعدام المنظمة، يقول معتقلون سابقون وخبراء في جرائم الحرب إن عدداً مماثلاً ربما قُتل في صيدنايا تحت التعذيب وظروف الاحتجاز القاسية، والتي شملت الضرب بالعصي والأنابيب المعدنية، إلى جانب الجوع والعطش والأمراض.
وكان السجناء يُحتجزون في زنازين ضيقة معدنية الجدران، تعج بالقمل، ولا تحتوي إلا على فتحة صغيرة للتهوية، وكان يُمنع عليهم النظر في أعين الحراس، إذ قد يعرّضهم ذلك لضرب مبرح ينزفون إثره حتى الموت على أرض الزنزانة.
ويقول علي أحمد الزوارة، وهو مزارع من ريف دمشق اعتُقل عام 2020 عن عمر 25 عاماً بسبب تهرّبه من الخدمة العسكرية: 'كان صيدنايا كابوساً. كان مجزرة مستمرة. معظم من دخلوا لم يخرجوا أحياء'.
أما المئات الذين خرجوا أحرارًا في كانون الأول، فكانوا يشكلون أقلية ضئيلة مقارنة بعشرات الآلاف من السوريين الذين فُقدوا خلال الحرب. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي جهة رقابية موثوقة، فقد اختفى قسريًّا نحو 160,123 سوريًّا على يد نظام الأسد طوال سنوات النزاع.
وما زالت بعض العائلات تأمل في أن يكون أحبّاؤها على قيد الحياة، بينما بدأت عائلات أخرى تعيش نوعًا غريبًا من الحداد، تتقبل فيه فكرة موت أقاربها، من دون أن تعرف متى أو كيف ماتوا، فضلًا عن عدم قدرتها على دفنهم أو وداعهم الأخير.
تقول دينا قش، زوجة عمّار درعا، وهو موزّع جملة اختفى عام 2013 بعد اعتقاله عن عمر 46 عامًا: 'رغم أننا نعلم أنه انتهى به المطاف في صيدنايا، فإننا لا نعرف ما الذي جرى له. لم نستلم جثمانه قط'.
وأكدت العائلة في كانون الأول أن درعا أُرسل إلى صيدنايا بعد العثور على وثائق تثبت ذلك في أحد مقارّ الاستخبارات عقب سقوط النظام، وتضيف: 'علينا أن نقول: يرحمه الله، لكننا دائمًا نُتبعها بعبارة: سواء كان حياً أو ميتاً'. (عربي21)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


OTV
منذ 24 دقائق
- OTV
المفتي قبلان : قضيتنا لبنان بعيدا عن التفصيل السياسي والطائفي ولعبة الزواريب
أصدر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، بيانا، قال فيه :'بعيدا عن أي ضغط طائفي وتأكيدا لوحدة هذا البلد وعائلته اللبنانية، فإن قضيتنا لبنان بعيدا عن التفصيل السياسي والطائفي ولعبة الزواريب، واللحظة لحماية رأس لبنان وسط حريق وخراب يطال قلب المنطقة وأطرافها عبر خرائط أميركية إسرائيلية مجنونة تعمل على تمزيق المنطقة وإنتاج سايكس بيكو بقوة النار والدمار والمجازر وبطريقة تخدم فقط واشنطن وتل أبيب، والعرب ومجلس التعاون والجامعة العربية مهددون بأسوأ خرائط غامضة ومفاجئة ضمن دوافع وأساليب لا سابق لها على الإطلاق، ولا أمان بالشرق الأوسط كله، وإنتاج التاريخ يبدأ من الخيارات الكبيرة وحالا'. أضاف :' ولبنان جزء من البلدان التي تلتهمها نيران الخرائط وخرابها، والحكومة اللبنانية مشلولة ولا وجود لها في عالم المسؤوليات الوطنية، ولأن اللحظة للتاريخ وسط طاحونة هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية أقول: لا نريد أبواق فتن تعتاش على الإرتزاق والحرائق، ولا مسؤولين يمارسون دور الببغاء لصالح واشنطن ومشاريع جنونها، ولا إعلام متصهينا، ولا نواب وجهات تدلي بمواقف وفق اللوائح الموزعة عبر الغرف المعتمة'. ولفت الى 'ان لعبة المقامرة بالبلد ممنوعة بشدة، والسلاح بثلاثية الدفاع الوطني ليس ضرورة للسيادة فقط بل ضرورة وجودية للبنان ووحدته الوطنية وكيانه المستقل، ولسنا بحاجة لحكومة لا تدين العدوان الإسرائيلي أو تدينه ضمن لعبة سواتر سخيفة، وما نريده طواقم وقيادات شجاعة وطنيا وإلا ضاع لبنان، ولم يمر على لبنان وزارة خارجية فاشلة ومستهترة كما هي الحال مع وزارة الخارجية اللبنانية اليوم'. وتابع المفتي قبلان :'مشكلة البلد بتجار الأوطان والجماعات التي تعيد إنتاج الحقد الوطني من الحقد السياسي، وما نريده حماية لبنان بأرضيته ومرافقه المالية والنقدية والسياسية والأمنية والخرائطية'. وقال :'مشكلة القرض الحسن أنه مؤسسة آمنة وضامنة وليس فيها عسس لواشنطن لذلك لم تنهب الناس كما فعل حزب المصارف والبنك المركزي وعلى عينك يا تاجر، ولا يحتاج القرض الحسن شهادة من مرافق فاسدة أو متهمة، ومنطق كل الإقليم اليوم تختصره حقيقة أنّ 'من لا يملك قوة وطنية داخلية ستسحقه نار الفتن الأميركية الإسرائيلية'. وتوجه المفتي قبلان الى العرب مناشدا 'أن حماية سوريا واستقرارها ونسيجها الوطني وتنوعها الطائفي ضرورة وجودية لسوريا وطبيعة دورها التاريخي، وحفظ المنطقة من حفظ سوريا واستقرارها وتنوعها الطائفي وثقلها الإقليمي'. واعتبر ان 'الرئيس جوزاف عون كحارس وطني وقامة دستورية، يدرك ما يجري في المنطقة من كوارث وجودية وهو بوصفه الدستوري الكبير ضامن رئيسي للمصالح السيادية وما يلزم لحماية العائلة الوطنية والكيان اللبناني'. وقال :' اللحظة للم شمل العائلة اللبنانية بعيدا عن الأبواق الرخيصة وجماعة المواقف التافهة، والمجنون بهذه الأيام لا يناقش بسلب لبنان أسباب قوته السيادية، وما قاله توم براك يكشف الوجه الحقيقي لواشنطن التي تجيد لعبة الحروب الأهلية وتمزيق البلاد'. وختم المفتي قبلان :'لا قيمة للبنان بلا عائلته الوطنية، ولا يمكن فصل لبنان عن البركان الإقليمي الهائج، ولا شيء واضحا، والشك والغموض يلفان المنطقة كلها، ولا مكان آمن على الإطلاق بالشرق الأوسط، ولحظة تسونامي خراب المنطقة كلها لا تحتاج إلى أكثر من خطأ غير مدروس، والعين على القامات الوطنية والروحية الكبيرة لحفظ لبنان من لعبة الصغار الذين يجيدون تجارة إشعال الحرائق وتمزيق الأوطان'.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
قبلان: قضيتنا لبنان بعيدا عن التفصيل السياسي والطائفي ولعبة الزواريب
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أصدر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، بيانا، قال فيه :"بعيدا عن أي ضغط طائفي وتأكيدا لوحدة هذا البلد وعائلته اللبنانية، فإن قضيتنا لبنان بعيدا عن التفصيل السياسي والطائفي ولعبة الزواريب، واللحظة لحماية رأس لبنان وسط حريق وخراب يطال قلب المنطقة وأطرافها عبر خرائط أميركية إسرائيلية مجنونة تعمل على تمزيق المنطقة وإنتاج سايكس بيكو بقوة النار والدمار والمجازر وبطريقة تخدم فقط واشنطن وتل أبيب، والعرب ومجلس التعاون والجامعة العربية مهددون بأسوأ خرائط غامضة ومفاجئة ضمن دوافع وأساليب لا سابق لها على الإطلاق، ولا أمان بالشرق الأوسط كله، وإنتاج التاريخ يبدأ من الخيارات الكبيرة وحالا". أضاف :" ولبنان جزء من البلدان التي تلتهمها نيران الخرائط وخرابها، والحكومة اللبنانية مشلولة ولا وجود لها في عالم المسؤوليات الوطنية، ولأن اللحظة للتاريخ وسط طاحونة هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية أقول: لا نريد أبواق فتن تعتاش على الإرتزاق والحرائق، ولا مسؤولين يمارسون دور الببغاء لصالح واشنطن ومشاريع جنونها، ولا إعلام متصهينا، ولا نواب وجهات تدلي بمواقف وفق اللوائح الموزعة عبر الغرف المعتمة". ولفت الى "ان لعبة المقامرة بالبلد ممنوعة بشدة، والسلاح بثلاثية الدفاع الوطني ليس ضرورة للسيادة فقط بل ضرورة وجودية للبنان ووحدته الوطنية وكيانه المستقل، ولسنا بحاجة لحكومة لا تدين العدوان الإسرائيلي أو تدينه ضمن لعبة سواتر سخيفة، وما نريده طواقم وقيادات شجاعة وطنيا وإلا ضاع لبنان، ولم يمر على لبنان وزارة خارجية فاشلة ومستهترة كما هي الحال مع وزارة الخارجية اللبنانية اليوم". وتابع المفتي قبلان :"مشكلة البلد بتجار الأوطان والجماعات التي تعيد إنتاج الحقد الوطني من الحقد السياسي، وما نريده حماية لبنان بأرضيته ومرافقه المالية والنقدية والسياسية والأمنية والخرائطية". وقال :"مشكلة القرض الحسن أنه مؤسسة آمنة وضامنة وليس فيها عسس لواشنطن لذلك لم تنهب الناس كما فعل حزب المصارف والبنك المركزي وعلى عينك يا تاجر، ولا يحتاج القرض الحسن شهادة من مرافق فاسدة أو متهمة، ومنطق كل الإقليم اليوم تختصره حقيقة أنّ "من لا يملك قوة وطنية داخلية ستسحقه نار الفتن الأميركية الإسرائيلية". وتوجه المفتي قبلان الى العرب مناشدا "أن حماية سوريا واستقرارها ونسيجها الوطني وتنوعها الطائفي ضرورة وجودية لسوريا وطبيعة دورها التاريخي، وحفظ المنطقة من حفظ سوريا واستقرارها وتنوعها الطائفي وثقلها الإقليمي". واعتبر ان "الرئيس جوزاف عون كحارس وطني وقامة دستورية، يدرك ما يجري في المنطقة من كوارث وجودية وهو بوصفه الدستوري الكبير ضامن رئيسي للمصالح السيادية وما يلزم لحماية العائلة الوطنية والكيان اللبناني". وقال :" اللحظة للم شمل العائلة اللبنانية بعيدا عن الأبواق الرخيصة وجماعة المواقف التافهة، والمجنون بهذه الأيام لا يناقش بسلب لبنان أسباب قوته السيادية، وما قاله توم براك يكشف الوجه الحقيقي لواشنطن التي تجيد لعبة الحروب الأهلية وتمزيق البلاد". وختم المفتي قبلان :"لا قيمة للبنان بلا عائلته الوطنية، ولا يمكن فصل لبنان عن البركان الإقليمي الهائج، ولا شيء واضحا، والشك والغموض يلفان المنطقة كلها، ولا مكان آمن على الإطلاق بالشرق الأوسط، ولحظة تسونامي خراب المنطقة كلها لا تحتاج إلى أكثر من خطأ غير مدروس، والعين على القامات الوطنية والروحية الكبيرة لحفظ لبنان من لعبة الصغار الذين يجيدون تجارة إشعال الحرائق وتمزيق الأوطان".


المردة
منذ ساعة واحدة
- المردة
أفيقوا أيها اللبنانيّون من سباتكم العميق!
إلى كلّ الذين يعوّلون على الولايات المتحدة ورئيسها الهائج، إلى كلّ القادة اللبنانيين، والمسؤولين، والسياسيين، وزعماء الطوائف، والأحزاب، والناشطين، وشرائح أبناء الشعب، نطلق الصيحة بصوت عالٍ، ونقول لكم: إنّ الأميركي الذي تعتمدون عليه، لا يكنّ أيّ اعتبار لكم، ولوطنكم، وسيادتكم، وشعبكم، وأرضكم، ووجودكم! توم برّاك، المبعوث الأميركيّ إليكم، لا يمثل إلا الوجه الأسود لأقبح وأحطّ سياسة خارجيّة حيال الدول المستضعفة، تتبعها دولة عظمى جسّدت في داخلها أقذر سياسات الاستعمار القديم والجديد، وأكثرها نفاقاً، وظلماً، واستبداداً، وقهراً، وغدراً. في كلماته المقتضبة، اختزل برّاك دولة مستقلة، غير عابئ بحكام لبنان وشعبه، ولا بالذين ارتموا في أحضان واشنطن، وراهنوا عليها، واستنجدوا بها، واعتبروها «المخلّص» العتيد، و»الوسيط النزيه»، وهي التي لا تعرف إلا مصالحها، وإنْ أدّى ذلك إلى سحق دول، وإلحاق القهر، والفقر، والاستبداد، والجوع بشعوبها. متى يدرك اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، لينهضوا، وينتفضوا بقادتهم، وأحزابهم، وطوائفهم، وقواعدهم الشعبيّة، وهم أمام خطر يهدّد وجودهم في الصميم، ويضعهم أمام تحدّ كبير، واستحقاق مصيريّ، جراء ما تحضره وتبيّته كلّ من واشنطن وتل أبيب، وعملاؤهما في المنطقة للبنان واللبنانيّين؟! بريطانيا بلفور، بسياستها القذرة، ووعدها المشؤوم، وإرثها اللاأخلاقي، واللاإنساني اختزلت عام 1917 فلسطين وشعبها، لحين أن شهد العالم العربي نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948! وعد بريطانيّ جاء بعد اتفاق السيّئي الذكر سايكس وبيكو عام 1916، الذي قسّم دول المشرق بين الدولتين الاستعماريّتين، بريطانيا وفرنسا، ورسم حدودها. ها هي الولايات المتحدة بعد مئة عام بقليل تريد أن تعيد رسم خريطة جديدة لدول المنطقة التي تصوّب عليها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، بما يخدم أهدافها الاقتصاديّة، والطاقويّة، والأمنيّة، والاستراتيجيّة، ويلبّي أهداف «إسرائيل»، ومطامعها التوسعية! مَن يستعرض سياسات الولايات المتحدة وتدخلها السافر في العديد من دول العالم، يجد أنّ الحلّ السياسيّ الذي نفذته على دولة ما، لم يترك وراءه إلا الفوضى، والانقسامات، والخلافات، والأحقاد بين الشعب الواحد. إذ لا يهمّ الولايات المتحدة، من يحكم الدول، ولا يهمّها نوع أنظمتها، أكانت ديمقراطية أو دكتاتورية، أو عائلية، أو أوتوقراطية، أو ثيوقراطية، طالما أنّ حكامها يسيرون في الفلك الأميركي. في كلّ بلد تدخلت فيه الولايات المتحدة، غرق لاحقاً في الفوضى العارمة، لتتركه بعد ذلك عن عمد، يتخبّط في حالة من عدم الاستقرار السياسي، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والمعيشية، والمالية فيه! أنظروا إلى أفغانستان، والصومال، واليمن، وليبيا، والسودان، والعراق، ولبنان، وسورية! هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق قال يوماً: «ليس من صالح الولايات المتحدة أن تحلّ مشكلة في العالم. من صالحها أن تمسك بخيوط المشكلة، وتدير هذه الخيوط وفق مصالحها الأمنية والاستراتيجية». للبنانيين نقول: اعلموا أنّ خيوط المشكلة في لبنان يمسكها الأميركي، لكن ليس لحلها، وإنما ليديرها وفق المصالح الأمنية والاستراتيجية لواشنطن وتل أبيب! لا يهمّ الولايات المتحدة و»إسرائيل» إنْ بقي لبنان أو قسّم، أو أزيل عن خريطته السياسية! ألم تقسّم بولندا قبيل بداية الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية عملاً باتفاقية مولوتوف – ريبنتروب السرية عام 1939، التي بموجبها احتلّ السوفيات ثلث أراضي بولندا، والألمان الثلثين الباقيين. ألم تختفِ بولندا عن الخريطة السياسية لأوروبا بسبب ثلاثة تقسيمات متتالية أعوام 1772، و1793، و1795؟! ألم تسلخ الولايات المتحدة عام 1904 مقاطعة بنما عن كولومبيا، لتعترف بها كدولة مستقلة، ما أتاح لواشنطن في ما بعد التحكّم بها، والسيطرة على قناة بنما؟! هل يتوهّم اللبنانيون في هذا الظرف الحرج الذي يتقرّر فيه مصيرهم، أنّ واشنطن حريصة على لبنان، دولة، وسيادة، وأرضاً، وشعباً؟! هل يدرك اللبنانيون حقاً، وهم في مستنقع خلافاتهم، وتناحرهم ونكاياتهم، واستخفافهم بما يُحاك ضدّهم، أنهم جميعاً مستهدفون، وأنّ حلّ المشاكل الشائكة، والتسويات الكبرى، لا تتمّ إلا على حساب الضعفاء، والمغفلين، والمشرذمين، والمنقسمين على أنفسهم، الباحثين وهماً عن مصالحهم ومصالح وطنهم في أحضان الأميركان! لا تدعوا سايكس بيكو يتجدّد ويتكرّر على يد ترامب – نتنياهو، كلاهما يجسّدان مفهوم التسلط، والعنجهية، والاستبداد، والسيطرة، والاستغلال، مفهوم مبني على استخدام القوة الغاشمة، وسياسة الإكراه والابتزاز، والتسويف، وإنً أدى ذلك إلى تقسيم الدول، وقتل شعوبها، وتشتيتها، وتهجيرها ومحوها من على خريطتها الجغرافية والسياسية والديموغرافية! إنّ الدولة اللبنانية بكلّ قياداتها وشعبها، وطوائفها، مدعوة اليوم، كي تقف وقفتها التاريخية بكلّ جرأة ومسؤولية وطنية عالية، لاتخاذ قرار شجاع، وأن تهبّ هبة رجل واحد للوقوف في وجه المؤامرة الكبرى لإجهاضها، والتي يبشر بها ويمهّد لها المبعوث الأميركي بكلّ خبث ووقاحة، غير مكترث مطلقاً بوجود لبنان ودولته، وسيادته، وغير مبال بقياداته وأحزابه وشعبه. لو كانت الولايات المتحدة تتصف فعلاً بالنزاهة، والصدقية، والأخلاقية، لأعلنت على الملأ أنها حريصة على سيادة لبنان وشعبه، وأنها لن تسمح مطلقاً بالاعتداء على لبنان، أو تغيير هويته، وحدوده، أو سلخ أجزاء منه وضمّها للآخرين. الدولة والزعماء والشعب اللبناني برمّتهم أمام مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، فلا مجال أمامهم بعد الآن، تجاهل ما يخطط للبنان، أو استمرارهم في تراشقهم السياسي، وسجالاتهم العقيمة، وخلافاتهم الداخلية المدمّرة، إذ انّ الحفاظ على وجود لبنان وبقاء شعبه مسؤولية الجميع دون استثناء، لأنّ الأميركي والإسرائيلي كلاهما يريدان معاً ترسيم الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من لبنان وسورية، برعاية أميركية كلية، حتى يصبّ الترسيم الجديد للبلدين في خدمة ومصالح واشنطن، وتل أبيب وأنقرة، ويمهّد في ما بعد، إلى تعديل وترسيم حدود الدول الأخرى في المنطقة، ووضعها على مشرحة التقسيم، وإنْ كانت تدور في الفلك الأميركي! «إذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام»، جملة متفجّرة قالها برّاك ومشى، دون أن يوضح ما تخبّئه واشنطن للبنان. هل الولايات المتحدة خيال المآتة في هذا الشرق حتى يترك لبنان للعودة القسرية إلى بلاد الشام؟! وهل هذا سيتمّ بفعل فاعل، بعيدة عنه الولايات المتحدة كلّ البعد؟! وهل يحصل هذا دون موافقة ومباركة مسبقة، مشبعة بالخبث، والتواطؤ، والنفاق، والخداع من قبل الإمبراطورية المستبدة، التي نصّبت نفسها زوراً على العالم، كحامية لسيادة الدول، وحرية شعوبها، وحقوقها، وتقرير مصيرها؟! الدولة اللبنانية برئيس جمهوريتها، وحكومتها، ومجلس نوابها وشعبها على المحك، وهم جميعاً أمام الله والتاريخ. هل يجرؤ حكام لبنان، على رفع الصوت عالياً في وجه القرصان العالمي، ويتوحّدوا كي يحبطوا ما يهدّد وجودهم، وأرضهم، وحتى لا يشهد لبنان مأساة نكبة كبرى كمأساة نكبة فلسطين! الولايات المتحدة تريد ابتزاز لبنان وتخيّره بين اثنين: إما الاعتراف بـ «إسرائيل» والتطبيع الكامل معها، دون قيد أو شرط، وإما البديل بإزالة لبنان عن الخريطة السياسيّة للمنطقة، وضمّه إلى مَن ترعاهم واشنطن، وترعرعوا في أحضانها! إلى كل الذين عاهدوا واشنطن وراهنوا عليها، واعتمدوا على سياساتها، و»صدقيّتها» و»غيرتها» عليهم وعلى لبنان، علهم يتّعظون من كلام توم برّاك، الذي لخص موقف الولايات المتحدة المستقبلي من لبنان، بكلمات تهزّهم هزاً، وتهزّ معهم «السيادة» التي يتبجّحون بها ليلاً ونهاراً. ترى ماذا هم فاعلون حيال واشنطن حتى لا يتحوّل كلّ لبنان إلى حائط مبكى تذرف عليه دموع الخانعين، المتخاذلين، وما هو خيارهم بعد اليوم؟! أبالقبول بشروط الأمر الواقع الأميركي – الاسرائيلي، أم بالنحيب على حائط البيت الأبيض الأميركي، أم بالوقوف وقفة رجل واحد يستميت في الدفاع عن الوطن النهائي لأبنائه، وإحباط المؤامرة الكبرى، وإنقاذ وطن من براثن المحتلين ! كلام براك. يؤكد مرة أخرى، أنّ الدبلوماسية لا تكفي وحدها لتحرير لبنان من المحتلين، ومواجهة ما يُحاك من مشاريع تقوّض وجوده، دون قوة السلاح التي يجب أن تكون في قبضة جيش، ومقاومة شعب لتحرير الأرض، ومواجهة المعتدين، وإحباط مشاريعهم المدمّرة بحق لبنان ووجوده. *وزير الخارجية والمغتربين الأسبق