
اين تقف إيران والسعودية وسوريا اليوم؟
إيطاليا تلغراف
مروان المعشر
وزير الخارجية الأردني الأسبق
تكاد تجمع أغلب التقارير الاستخبارية العالمية اليوم أن البرنامج النووي الإيراني لم يتم تدميره بالكامل بل تأخيره لفترة. كما يقدر أغلب المحللين أن اليورانيوم المخصب الإيراني، والذي يسهل نقله دون كشف ذلك، قد تم إخراجه بالفعل من المنشآت النووية التي ضربت. كما يشير عدد من الخبراء الأوروبيين الذين شاركوا في المفاوضات مع إيران والتي أدت الى اتفاق عام 2015 الى اعتقادهم أن إيران قد تغير سياستها الماضية في عدم انتاج أسلحة نووية وتقوم بذلك في السر، خاصة أن هناك احتمالا كبيرا أنها ما تزال تحتفظ بعدد من أجهزة الطرد المركزي في أماكن غير معلنة.
كل ذلك يأتي عكس التصريحات الأمريكية التي تزعم تدمير البرنامج بالكامل دون تقديم أدلة دامغة على ذلك، بل تحاول أمريكا اليوم إطلاق مفاوضات مع إيران هي أقرب إلى محاولة الحصول على اتفاقية استسلام إيرانية تبدو اليوم بعيدة المنال لكل من يعرف أسلوب التفكير الإيراني.
ما هي انعكاسات كل ذلك عربيا؟ لا من شك أن الضربة الأمريكية على إيران أوجدت تعاطفا عربيا شعبيا مع الدولة الفارسية حتى من قبل العديد ممن يختلفون مع السياسات الإيرانية الإقليمية وذلك لاعتقادهم أن إضعاف إيران في هذه المرحلة له ترجمة وحيدة هي تقوية إسرائيل. في رأيي أن المطلوب استراتيجيا ليس تقوية إسرائيل ولا شيطنة إيران، إنما توظيف المرحلة القادمة من أجل أن تتضمن أية مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران ليس الملف النووي فقط، بل أيضا سياسات إيران الإقليمية كما المساهمة الإيجابية لبلورة أفق سياسي لحل الصراع العربي الإسرائيلي. عدا ذلك، سيبقى التعاطف العربي الشعبي مع إيران قويا إن لم يتعاظم.
من ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة، ومنذ إدارة الرئيس بايدن، الإيحاء أن المملكة العربية السعودية على قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاقية «إبراهيمية» مع إسرائيل. كانت آخر هذه المحاولات ما صرح به مستشار الرئيس ترامب ستيف ويتكوف أن دولا عربية جديدة ستدخل هذه الاتفاقيات قريبا فيما اعتبره العديد من المراقبين تلميحا للسعودية وسوريا. ما حقيقة ذلك؟
إن دراسة التصريحات السعودية إضافة لحديثي المباشر مع مسؤولين سعوديين قريبين من صنع القرار يقودني للاستنتاج أن المملكة العربية السعودية غير معنية بتوقيع معاهدة سلام لا تتضمن التزاما واضحا لا رجعة عنه من قبل إسرائيل لمسار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. إضافة لذلك فإن أية اتفاقية سعودية إسرائيلية لن تبنى على أساس الاتفاقات الإبراهيمية التي لا تلزم إسرائيل بالقبول بدولة فلسطينية، بل ستعتمد المبادرة العربية للسلام المبنية على مبدأ الأرض مقابل السلام أساسا. ويضيف هؤلاء المسؤولون أن هذا الموقف السعودي واضح وراسخ بالرغم من كل المحاولات الأمريكية الجارية لتعكيره أو الإيحاء بغيره، وأن السعودية جادة في المضي قدما، وبالتعاون مع فرنسا، لعقد مؤتمر دولي قريبا لبلورة تحالف دولي عريض من أجل إقامة الدولة الفلسطينية بغض النظر عن الموقف الأمريكي. بالطبع، لا يعني ذلك نجاح هذه الجهود بالضرورة، ولكنه موقف مطمئن تجاه عدم استعداد السعودية للدخول في اتفاقية سلام على غرار الاتفاقيات الإبراهيمية الأخرى دون الالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية.
يختلف الوضع بالنسبة لسوريا. تستغل الولايات المتحدة حاجة سوريا لرفع العقوبات عنها وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين السوريين بعد عقود من المعاناة للضغط في اتجاه انضمام سوريا للاتفاقات الإبراهيمية. لكن سوريا دولة تحتل إسرائيل جزءا من أراضيها. لذا، فالدخول في اتفاقية سلام مع الدولة العبرية دون إعادة الجولان المحتل سيعرضها للوقوف ضد رأي عام داخلي رافض، كما أن الشعور الشعبي العربي المؤيد للثورة السورية والنصر الذي حققته ضد نظام بطش بشعبه لعقود، سينقلب ضد النظام الجديد إن فعلت سوريا ذلك.
إن الاهتمام بالوضع الداخلي السوري ووضعه كأولوية من قبل النظام الجديد مفهوم تماما، لكن ذلك لا يعني أن تستجيب سوريا للإملاءات الأمريكية التي تنتقص من سيادتها. تحسن سوريا صنعا إن ربطت موقفها بالموقف السعودي، واكتفت بالاتفاق على إجراءات امنية معمول بها أصلا منذ اتفاقية فك الارتباط السورية الإسرائيلية الموقعة عام 1974. أما التوقيع على اتفاقية سلام فلا بد أن يكون مربوطا باستعادة الجولان. تستطيع سوريا أن تكتفي بالإجراءات الامنية ونأمل أن هذا ما سيتحقق فعلا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
التالي
على هامش تألق بونو وحكيمي في كاس العالم للأندية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 2 أيام
- إيطاليا تلغراف
الظل النووي لإسرائيل: مفارقة الهيمنة في مواجهة إيران
ألطاف موتي نشر في 5 يوليو 2025 الساعة 15 و 33 دقيقة إيطاليا تلغراف ألطاف موتي (كاتب باكستاني باحث سياسي واقتصادي) في مسرح السياسة الشرق أوسطية المشحون بالتوتر، قلما تتصدر المشهد قضية بالزخم الذي تحظى به قضية البرنامج النووي الإيراني. فعلى مدى سنوات، صبّ المجتمع الدولي، بتوجيه من التحذيرات الإسرائيلية الصاخبة، جُلّ اهتمامه على أنشطة طهران لتخصيب اليورانيوم، وأجهزة طردها المركزي، ومسارها المحتمل نحو امتلاك قنبلة نووية. لقد دأبت إسرائيل على تصوير المشروع الإيراني باعتباره تهديدًا وجوديًا، ليس لأمنها القومي فحسب، بل للاستقرار العالمي برمته. ومن أجل ذلك، حشدت جهودها لفرض عقوبات شلّت الاقتصاد الإيراني، وانخرطت في عمليات استخباراتية معقدة، وأبقت دائمًا خيار الضربة العسكرية الاستباقية ورقة ضغط حية على الطاولة. إلا أن هذه السردية بأكملها ترتكز على مفارقة مدوية ومقلقة. فالصوت الأعلى في المنطقة، والداعي إلى منع الانتشار النووي، هو صوت القوة النووية الوحيدة فيها، وإن كانت تعمل في الخفاء. فإسرائيل، الدولة التي استعصت على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وأغلقت أبواب منشآتها النووية الحساسة في وجه المفتشين الدوليين، تمتلك ترسانة متطورة من الأسلحة الفتاكة. هذا السر، الذي ظل حبيس الكتمان لأكثر من نصف قرن، هو الحقيقة التي يتجاهلها الجميع عمدًا في كل محفل دبلوماسي يناقش أمن المنطقة. ولفهم الموقف الإسرائيلي العدواني تجاه إيران، لا بد أولاً من الولوج إلى عتمة برنامجها النووي الخاص، ومواجهة ذلك النفاق العميق الذي يشكل عصب سياستها الخارجية. د ولادة سر: عقيدة 'لن يتكرر ذلك أبداً' في صحراء النقب لقد وُلد الطموح النووي الإسرائيلي من رحم الصدمة والخوف. ففي أعقاب الهولوكوست وحرب عام 1948 الدامية، كان ديفيد بن غوريون، الأب المؤسس لإسرائيل وأول رئيس وزراء لها، مدفوعًا بهاجس وجودي واحد: 'لن يتكرر ذلك أبدًا'. كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن بقاء الدولة اليهودية في محيط معادٍ يتطلب ضمانة قصوى، سلاحًا رادعًا بقوة تمنع أي عدو من مجرد التفكير في محوها من الوجود. انطلقت هذه المساعي في خمسينيات القرن الماضي. وبينما كانت إسرائيل تستعرض علنًا قوتها العسكرية التقليدية، كانت تعمل سرًا على امتلاك السلاح المطلق. وجاءت اللحظة الحاسمة بدعم من فرنسا، التي كانت غارقة آنذاك في حربها الاستعمارية في الجزائر، ورأت في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا. وبموجب اتفاق سري، ساعدت فرنسا إسرائيل في تشييد مفاعل نووي ومصنع لإعادة معالجة الوقود المستهلك في قلب صحراء النقب، قرب بلدة ديمونا. أمام أعين العالم، كان الموقع مجرد 'مصنع للنسيج'. لكن هذه الكذبة الرسمية كانت مجرد قشرة خارجية لما سيصبح سياسة ممنهجة من الخداع الاستراتيجي. أُنيطت بوكالة الاستخبارات 'لاكام' مهمة تأمين التكنولوجيا والمواد الخام والخبرات من شتى بقاع الأرض، بوسائل غالبًا ما كانت تقع في دائرة العمليات السرية. وفي واحدة من أشهر تلك الفصول، التي عُرفت بـ'قضية بلمبات' عام 1968، 'تبخرت' 200 طن من خام اليورانيوم من سفينة في عرض البحر الأبيض المتوسط، لتجد طريقها إلى إسرائيل. وهكذا، خطوة خلف أخرى، وفي غياهب السرية المطلقة، كانت إسرائيل تشيّد قنبلتها. 'عاموت': عقيدة الغموض الاستراتيجي مع اكتمال برنامجها تقريبًا، صاغت إسرائيل عقيدة فريدة ومحكمة لإدارة وضعها النووي: 'عاموت'، أي 'الغموض' أو 'التعتيم' بالعبرية. وتتلخص هذه العقيدة في العبارة الرسمية المقتضبة: 'إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تُدخل الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط'. في ظاهرها، تبدو هذه العبارة تعهدًا بضبط النفس. أما في جوهرها، فهي درس بليغ في فن الغموض الاستراتيجي. لقد فسرت إسرائيل كلمة 'إدخال' على أنها تعني إجراء تجربة نووية علنية، أو الإعلان عن امتلاك السلاح، أو استخدامه. ومن خلال إحجامها عن تأكيد ترسانتها رسميًا، تحصد إسرائيل ثمار كونها قوة نووية دون أن تتحمل التبعات الدولية. فهي تتملص من العقوبات الدولية التي كانت ستفرض عليها حتمًا لو أعلنت عن نفسها قوة نووية، خاصة وأنها ليست طرفًا في معاهدة حظر الانتشار. وفي الوقت نفسه، فإن الاعتقاد السائد بأنها تمتلك أسلحة نووية بالفعل يوفر لها الردع القوي الذي سعى إليه بن غوريون. تسمح هذه السياسة لإسرائيل بالحفاظ على ما تسميه 'خيار شمشون': وهو تهديد الملاذ الأخير بتدمير المنطقة بأكملها إذا أصبح دمارها وشيكاً. إنها استراتيجية مرعبة، لكنها من منظور الأمن الإسرائيلي الصرف، فقد كانت فعالة بشكل ملحوظ في ردع الحروب واسعة النطاق بين الدول لعقود. إماطة اللثام: انکشافات فعنونو لسنوات طويلة، ظل برنامج إسرائيل النووي طي الكتمان، لا يعلم بأمره إلا نخبة قليلة. لكن في عام 1986، انقلب المشهد رأسًا على عقب، بفضل فني شجاع آثر ضميره على صمته، هو مردخاي فعنونو. بعد أن عمل لقرابة عقد في قلب مفاعل ديمونا، شعر فعنونو بالرعب من هول ما رآه، برنامجًا خطيرًا قائمًا على الخداع، فقام بتهريب عشرات الصور من داخل المنشأة. حمل فعنونو أدلته إلى صحيفة 'صنداي تايمز' في لندن، التي نشرت، بعد تحقيقات دقيقة أجراها كبار علماء الفيزياء النووية، تحقيقًا صحفيًا هزّ أركان العالم. لقد أظهرت صوره وشهادته أن إسرائيل لم تكن مجرد دولة تجري أبحاثًا، بل كانت تدير خط إنتاج عسكريًا متكاملًا لأسلحة نووية متطورة. وقدم تفاصيل دقيقة عن إنتاج البلوتونيوم، وقدّر أن إسرائيل تمتلك بالفعل ما يكفي لصنع ما بين 100 و200 رأس حربي نووي، وهو رقم فاق كل التوقعات. كان الرد الإسرائيلي خاطفًا وشرسًا. استدرجته عميلة للموساد إلى روما، حيث تم تخديره واختطافه وتهريبه بحرًا إلى إسرائيل. وهناك، حوكم في محاكمة سرية بتهمتي الخيانة والتجسس، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة 18 عامًا، أمضى قسمًا كبيرًا منها في الحبس الانفرادي. وحتى بعد انقضاء محكوميته، ظلت حريته في التعبير والتنقل مقيدة بشكل صارم. إن شراسة الرد الإسرائيلي لإسكات فعنونو تكشف مدى الأهمية المصيرية التي توليها إسرائيل لسرية برنامجها النووي. اليوم، بناءً على انکشافات فعنونو والتحليلات اللاحقة، تقدر منظمات مرموقة مثل 'اتحاد العلماء الأمريكيين' أن إسرائيل تمتلك حوالي 90 رأسًا نوويًا. كما طورت إسرائيل 'ثالوثاً' متطوراً من أنظمة التسليم: صواريخ باليستية من طراز أريحا تطلق من الأرض، وصواريخ كروز تطلقها الغواصات من غواصاتها من طراز دولفين التي تصنعها ألمانيا، وطائرات مقاتلة قادرة على حمل رؤوس نووية مثل إف-15، وإف-16، وإف-35. ازدواجية المعايير الصارخة: إسرائيل في مواجهة إيران وهنا تكمن المفارقة الكبرى التي تجعل الموقف الإسرائيلي تجاه إيران ليس فقط إشكالياً، بل وصمة من النفاق الصارخ. لنضع الحالتين في مقارنة مباشرة: • الالتزامات الدولية: إيران دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وتخضع لالتزامات قانونية دولية تمنعها من تطوير أسلحة نووية. أما إسرائيل، فقد رفضت بعناد الانضمام إلى المعاهدة، واضعة نفسها فوق القانون الدولي. • الرقابة والتفتيش: خضعت المنشآت الإيرانية، بدرجات متفاوتة، لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم كل الخلافات حول نطاق الوصول. في المقابل، ظل مفاعل ديمونا حصنًا منيعًا لم تطأه قدم أي مفتش دولي في تفتيش ذي معنى. إنه صندوق أسود بالكامل. • الشفافية مقابل السرية: البرنامج الإيراني، رغم كل الجدل المحيط به، يناقش علنًا، والعالم يعرف مواقع منشآته الرئيسية في نطنز وفوردو. أما البرنامج الإسرائيلي، فهو محاط بسياج من السرية المطلقة، وتعاقب الدولة بقسوة كل من يحاول كشف أسراره. وتطالب إسرائيل إيران بالالتزام بمجموعة من القواعد والشفافية التي تتجاهلها بشكل صارخ. كما تطالب المجتمع الدولي بمعاقبة إيران على احتمال تطوير سلاح قامت إسرائيل بالفعل ببنائه وتخزينه سراً. هذه الازدواجية في المعايير لا تمر مرور الكرام في العالمين العربي والإسلامي، حيث يُنظر إليها كمثال صارخ على تمكين القوى الغربية للعدوان الإسرائيلي مع محاسبة الدول الأخرى بمعيار مختلف. موقف عدواني يغذيه الاحتكار النووي إن ترسانة إسرائيل النووية غير المعلنة ليست مجرد درع دفاعي، بل هي أداة لتمكين سياساتها الإقليمية الهجومية. لقد منحتها هذه الترسانة الثقة للتصرف بغطرسة وبمنأى عن أي محاسبة، لعلمها أنه لا يوجد ردع تقليدي يمكن أن يهدد وجودها. وهذا المبدأ مكرس في 'عقيدة بيغن'، نسبة إلى رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن، التي تنص على أن إسرائيل لن تسمح لأي قوة إقليمية معادية بامتلاك أسلحة دمار شامل. عمليًا، كانت هذه العقيدة غطاءً لشن ضربات عسكرية استباقية: • في عام 1981، دمر سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل 'أوزيراك' النووي العراقي. • في عام 2007، شن غارة جوية مماثلة على منشأة سورية يشتبه في أنها نووية. • أما ضد إيران، فقد تجلت هذه العقيدة في 'حرب ظل' طويلة الأمد، شملت هجمات سيبرانية مدمرة مثل فيروس 'ستكسنت'، وحملة اغتيالات استهدفت نخبة علماء إيران النوويين. تُنفذ كل هذه الأعمال العدوانية تحت المظلة الحصينة للردع النووي الإسرائيلي. إن احتكار إسرائيل للقوة النووية في الشرق الأوسط يسمح لها بفرض إرادتها وترسيخ هيمنتها العسكرية دون خشية من ظهور قوة موازية. وبالتالي، فإن اعتراضها الشرس على البرنامج الإيراني لا ينبع فقط من الخوف من امتلاك عدو لدود للقنبلة، بل هو في جوهره صراع للحفاظ على مكانتها الفريدة كقوة نووية مهيمنة لا منازع لها. في الختام، إن الجدل العالمي المحتدم حول طموحات إيران النووية مشوه بصورة جوهرية بسبب الحضور الصامت والمشؤوم لترسانة إسرائيل الخاصة. إن سياسة 'الغموض' ورفض الانضمام إلى المنظومة العالمية لحظر الانتشار النووي يخلقان نفاقًا عميقًا يقوّض أي شرعية أخلاقية تدّعيها إسرائيل. كما أن ممارساتها العدوانية لفرض احتكارها النووي لا تؤدي إلا إلى إشعال فتيل عدم الثقة والعداء، بل وقد تدفع إيران بمزيد من الإصرار نحو امتلاك رادع خاص بها. إن الأمن الإقليمي الحقيقي لا يمكن أن يبنى على أساس من ازدواجية المعايير. فطالما احتفظت إسرائيل بترسانتها السرية وطالبت الآخرين بنزع سلاحهم، فإنها لا تتصرف كطرف مسؤول، بل كقوة عازمة على حماية تفوقها العسكري بأي ثمن. إن ظل ديمونا لا يلقي بظلاله القاتمة على صحراء النقب فحسب، بل يغيم على أفق السلام في الشرق الأوسط برمته. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق من إيطاليا..إشادة مغربية بإعلام وطني حصد التقدير العالمي


الشروق
منذ 2 أيام
- الشروق
ترامب: إيران ترفض التفتيش والتخلي عن تخصيب اليورانيوم
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الجمعة إن إيران لم توافق على تفتيش مواقعها النووية أو التخلي عن تخصيب اليورانيوم. وأضاف ترامب 'أعتقد أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لانتكاسة دائمة، ربما يضطرون للبدء من موقع مختلف. ستكون هناك مشكلة إذا استأنفوه'. وقال إنه لن يسمح لطهران باستئناف برنامجها النووي، مشيرا إلى أن إيران لديها رغبة في عقد اجتماع معه. وأضاف بأنه سيناقش ملف إيران مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عندما يزور البيت الأبيض الاثنين المقبل. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قرّرت، الجمعة، سحب مفتشيها من إيران بسبب مخاوف تتعلّق بالسلامة، ما أدى إلى قطع الصلة بين الوكالة وطهران، التي علّقت في وقت سابق من هذا الأسبوع التعاون معها. وذكر مصدر مطلع لصحيفة وول ستريت جورنال أن فريق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية غادر إيران براً أمس الجمعة، على الرغم من استئناف الرحلات الدولية من المطارات الرئيسية.


إيطاليا تلغراف
منذ 2 أيام
- إيطاليا تلغراف
سيناريو الحرب الثانية على إيران
إيطاليا تلغراف أحمد الحيلة كاتب ومحلل فلسطيني توقّفت الحرب على إيران في 24 يونيو/ حزيران الماضي، بعد أن قامت واشنطن بقصف أهم منشآت المشروع النووي الإيراني: نطنز، وأصفهان، وفوردو. وعقب تلك الخاتمة للمعركة التي استمرّت 12 يومًا، وقَعَ جدل واسع في الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، بشأن مدى تحقيق المعركة أهدافها؛ فالرئيس ترامب، وبشكل لافت، أكّد في أكثر من مناسبة تدمير المشروع النووي الإيراني، ردًا على تقارير أمنية وإعلامية شكّكت في جدوى الضربة الأميركية. إذا كانت الحرب تُقاس بأهدافها، فبنيامين نتنياهو حدّدها بالقضاء على المشروع النووي، وبتقويض القدرات الصاروخية لإيران، وبتغيير النظام كنتيجة للحرب، وإعادة رسم الشرق الأوسط. هذه الأهداف بكلّيّتها لم تتحقّق بعد، حتى المشروع النووي الإيراني من الصعوبة بمكان الحسم بأنه تم تدميره، وإخراجه عن الخدمة نهائيًا، ناهيك عن مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب. في هذا السياق، أشار رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى صعوبة تحديد حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية إلا بعد زيارتها. إيران بدورها قطعت الطريق على الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعليق التعاون معها، بعد اتهامها الوكالة ومديرها رافائيل غروسي بالتواطؤ مع إسرائيل، وتمهيد العدوان على إيران. هذا الواقع عقّد القدرة على التقدير الحقيقي لمستوى الأضرار التي أصابت المشروع النووي، في وقت تؤكّد فيه طهران أنها أمّنت مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وبأنها 'لن تتخلى عن التكنولوجيا النووية'، وأن بإمكانها استئناف تخصيب اليورانيوم خلال وقت قصير إذا رغبت، كما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. الدعاية لا تُلغي واقعًا يمكن لإسرائيل إعلان النصر والتباهي به، ولكن ذلك أمر يمحوه الواقع إذا كان مخالفًا لادعائهم وزعمهم. بنيامين نتنياهو، وفي كلمة له أمام أعضاء حكومته، في 1 يوليو/ تموز، أشار إلى أن إيران سعت لبناء ثلاث إستراتيجيات في مواجهة إسرائيل حسب قوله، وهي: بناء مشروع نووي إيراني، ومنظومة صاروخية، ومحور من الحلفاء المناهضين لإسرائيل. هذا يشير إلى أن إسرائيل، وفقًا لهذا المنظور، ما زالت تعيش في قلب المعركة وليس نهايتها، فهي لم تستطع القضاء على المشروع النووي، ولا هي قوّضت المنظومة الصاروخية لإيران، ولا هي قضت على حلفاء إيران أو أصدقائها في المنطقة. صحيح أن إسرائيل أضعفت حزب الله اللبناني، لكنه ما زال قائمًا ويمكن له أن يرمّم ذاته بنيويًا وعسكريًا، كما أن حماس ما زالت تقاتل قتالًا استثنائيًا رغم الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال في غزة على مدار 21 شهرًا. كما أن الحشد الشعبي في العراق لم يصب بأذى، واليمن وأنصار الله، رغم الضربات الأميركية والإسرائيلية، يظهرون قدرة على التحكم والتأثير في مسارات التجارة الدولية عبر باب المندب، وإيذاء إسرائيل والضغط عليها دعمًا لغزة. واقع الحال يقول إن إسرائيل حققت إنجازات مهمّة في مواجهة إيران، لكن الأخيرة لم ترفع الراية البيضاء ولم تستسلم، ومن المتوقّع أنها ستحاول النهوض بقوّة بعد العدوان الإسرائيلي عليها، وبروز حجم المخاطر المهدّدة لها ولمصالحها القومية. مسيرة التعافي الضربة الإسرائيلية التي لم تنجح في هزيمة إيران، ستدفعها لإعادة حساباتها على قاعدة الحصانة الداخلية، وامتلاك معالم القوّة الإستراتيجية الرادعة لإسرائيل، على عدّة مسارات متوقّعة، ومنها: أولًا: تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة التهديدات الخارجية، استنادًا لتضامن الشعب الإيراني ووحدته (معارضة وموالاة)، أثناء المعركة الأخيرة، ناهيك عن تنظيف بيتها من شبكة العملاء، وآليات الاختراق الإلكتروني لجسدها السياسي والمؤسسي. ثانيًا: التشبّث بمشروعها النووي، وتطوير منظومتها الصاروخية التي أثبتت قدرتها وجدواها في المواجهة الأخيرة، علاوة على ترميم أنظمة دفاعها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي، وهو هدف يمثل تحديًا حقيقيًا لطهران في ظل الحسابات المركّبة لحليفتها روسيا، غير الراغبة في إغضاب الرئيس ترامب، وإسرائيل التي تربطها بها علاقات جيدة، ما يدفع إيران للبحث عن مصادر أخرى. ثالثًا: النهوض بشبكة علاقاتها المناهضة لإسرائيل، كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن. فالمعركة الأخيرة أثبتت أهمية قوّة حزب الله اللبناني؛ فإسرائيل لم تكن لتتجرّأ على ضرب طهران لو كان حزب الله بعافيته كما كان سابقًا. يعزّز هذا التوجّه لدى إيران، اقتراب إسرائيل من شواطئها عبر سياسة التطبيع، ومساعي واشنطن لإعادة تموضع إسرائيل في المنطقة العربية، عبر توسيع دائرة التطبيع بينها وبين دول عربية إضافية. رابعًا: توطيد علاقاتها مع دول الجوار، ولا سيّما باكستان وتركيا، اللتان دعمتا موقف إيران وحقها في الدفاع عن نفسها، في استشعار منهما لخطورة ما تقوم به إسرائيل من مسعى لتغيير خارطة القوى والجغرافيا السياسية في المنطقة. حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن سعي أنقرة لامتلاك قدرات دفاعية رادعة لأي طرف يمكن أن يفكّر في استفزاز تركيا، مؤشّر على قلق تركيا من تداعيات الحرب على إيران، ومن فرضية استهداف مصالحها لاحقًا في ظل تراجع الثقة بينها وبين إسرائيل، واضطراب العلاقة السياسية بينهما بسبب دعم تركيا للموقف الفلسطيني، ونفوذها المتعاظم في سوريا. التحضير للمعركة ضد إيران إذا كانت إسرائيل شنّت عدوانها على إيران لأسباب ما زالت قائمة، ولتحقيق أهداف سياسية وعسكرية لم تتحقّق بعد، وإذا كان الهجوم أتى بمفاعيل عكسية في السلوك الإيراني، فهذا يعني أن فرضية شن إسرائيل هجومًا ثانيًا على إيران أمر وارد ومتوقّع. ادعاء نتنياهو تحقيق النصر على إيران، لا يعكس بالضرورة حقيقة الموقف الإسرائيلي وتقديراته الأمنية بشأن تحقيق الأهداف. إسرائيل، في عقيدتها السياسية، لا تقبل امتلاك إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية مشروعًا نوويًا، أو امتلاك قوّة عسكرية منافسة لها في عموم المنطقة والشرق الأوسط. وهذا يذكّرنا بما حدث مع العراق، الذي تعرّض لغزو وتدمير بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وكان الهدف هو التخلّص من قوّة العراق كدولة عربية مناهضة لإسرائيل. إسرائيل ربما تجد في الظرف الحالي فرصة مواتية لتوجيه ضربة أخرى لإيران، قبل أن تتمكّن الأخيرة من ترميم نفسها واستعادة إمكاناتها وجهوزيتها لأي معركة قادمة، وهذا مشروط بأمرين: الأول: جهوزية إسرائيل داخليًا وعسكريًا وقف الحرب على إيران يشكّل فرصة لإسرائيل لسد الثغرات التي ظهرت أثناء المعركة السابقة، وللتزوّد بالأسلحة المناسبة وملء مستودعاتها من الذخيرة. وفي هذا الصدد كان لافتًا موافقة واشنطن، قبل أيام، على تزويد إسرائيل بذخائر بقيمة 510 ملايين دولار. ناهيك عن أن نتنياهو قد يستغل مستوى التأييد الشعبي له في إسرائيل، بسبب هجومه الأخير على إيران، كي يقوم بهجوم آخر. ثانيًا: موافقة الرئيس ترامب حسب استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، بعد الحرب على إيران، فإن أغلبية ساحقة من الجمهوريين أيّدوا انضمام الولايات المتحدة لإسرائيل في ضربات عسكرية على المواقع النووية لإيران، حيث أيّد ذلك 68% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا، في حين أيده 87% ممن تبلغ أعمارهم 50 عامًا فأكثر. هذا التوجّه للأغلبية يريح الرئيس ترامب، الذي كان يخشى من ردة فعل جمهوره، الذي أوصله للبيت الأبيض تحت عنوان: 'لنجعل أميركا عظيمة مجددًا'، عبر الاهتمام بالاقتصاد والبعد عن الحروب المستنزفة. يبقى هنا قدرة نتنياهو وفريقه على إقناع الرئيس ترامب بأن أي عملية أخرى ضد إيران لن تهدّد مصادر الطاقة في الخليج العربي، والتي تُقدّر بـ20% عالميًا، وبأن العملية ستكون خاطفة وحاسمة، ما سيأتي بإيران مستسلمة إلى طاولة المفاوضات، دون أن يكون لهذه العملية الجراحية تداعيات كبيرة على المنطقة أو على الاقتصاد الأميركي والدولي. ليس مستبعدًا أن إحياء مسار المفاوضات مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة، والسعي للوصول لهدنة لمدة 60 يومًا على أمل التوصّل لوقف دائم لإطلاق النار، أن يكون المقصود منه تخفيف الضغوط على إسرائيل دوليًا بسبب جرائمها في غزة، ولمنحها الفرصة لتركيز عملياتها العسكرية ضد إيران. تقديم نتنياهو لزيارته إلى واشنطن، من نهاية يوليو/ تموز الجاري إلى بداية الأسبوع الثاني منه، يدل على أن هناك ما يستدعي اللقاء العاجل وعلى مستوى رفيع. هذه الزيارة المستعجلة لواشنطن، ليست بالضرورة للتباحث بشأن غزة، بقدر ما هي مرتبطة بالنقاش حول إيران ومشروعها النووي والصاروخي، وماهية الخيارات للتعامل معها، إضافة إلى علاقات إسرائيل السياسية في الإقليم، وإمكانية توسيع دائرة التطبيع بينها وبين دول عربية أخرى. زيارة نتنياهو ستأخذ أبعادًا إقليمية تتعلّق باستكمال المهام لإعادة رسم الشرق الأوسط، وذلك في سياق تبادل الأدوار بين واشنطن الداعية للسلام، وبين إسرائيل صاحبة اليد الغليظة، المدعومة من أميركا العظمى، ورئيسها الذي يرى أنه معنيّ بتحقيق إرادة الرب ونبوءة السماء بدعم 'إسرائيل الكبرى'. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف