
حادثة التسمم الكحولي: عندما يتحوّل الخلل إلى اختراق
المؤلم هنا وجود وفيات وإصابات لعشرات المواطنين نتيجة تناول مشروبات كحولية مغشوشة تحتوي على مادة الميثانول، وهي مادة شديدة السمية تُستخدم في الصناعات وليست صالحة للإستهلاك البشري بأي حال. و يؤدي شرب الميثانول إلى ظهور أعراض قاتلة تبدأ بالغثيان والدوار، وقد تتطور سريعًا إلى العمى الدائم، وتلف الدماغ، والفشل الكلوي، وصولًا إلى الوفاة إذا لم يُعالج الشخص في الوقت المناسب. هذه الحادثة أيضا، كشفت عن اختلالات عميقة لا يمكن تجاهلها، وطرحت تساؤلات حرجة حول مدى فعالية الرقابة القانونية، وكفاءة المنظومة الصحية، واستعداد المجتمع لمواجهة مثل هذه الأزمات.
إن أخطر ما في هذه الواقعة يتمثل في الطريقة التي تم بها تداول مادة قاتلة على شكل مشروب داخل أسواق يُفترض أن تكون خاضعة للرقابة دائما. إدخال الميثانول إلى سلاسل التوزيع يرقى إلى مستوى جريمة مكتملة الأركان، وهو ما يُحيلنا إلى وجود اختراق واضح في نظام المراقبة والتفتيش على المنشآت المرخصة فما بالك غير المرخصة. فأن تُباع مادة مميتة دون أن تكتشفها الجهات المختصة إلا بعد وقوع الكارثة، يعني أن ثغرات خطيرة قد تم إستغلالها، وأن جهات ما سواء من داخل المؤسسات أو خارجها فشلت في أداء دورها أو تغاضت عن الخطر عمداً، فماذا عن غير المكشوف؟؟
الجانب القانوني في هذه المسألة لا يقل خطورة عن الجانب الصحي، حيث يُعد تصنيع وتوزيع الكحول المغشوش جريمة تستوجب أقصى درجات المساءلة القانونية. وإذا ثبت أن هذه المنتجات خرجت من منشآت تعمل تحت غطاء قانوني، فالمسؤولية هنا مضاعفة، وتتحول المسألة من مجرد إهمال إلى تواطؤ واحتمال وجود شبكات تستغل الثغرات القانونية لتحقيق أرباح على حساب أرواح الأبرياء في منتجات اخرى كذلك.
من جهة مختلفة، كشفت الحادثة عن جانب اجتماعي شديد الحساسية، يتمثل في ثقافة العيب والصمت والخوف من الوصمة الإجتماعية. و ربما مازال بعض الضحايا يترددون في التوجه إلى المستشفيات طلبًا للعلاج بسبب ما قد يواجهونه من انتقادات اجتماعية أو أحكام أخلاقية فقد ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بالتعليقات التي حملت طابع السخرية والتهكم والتشمت بالضحايا، بإعتبارهم "شاربي خمر يستحقون ما جرى لهم"، وهي ظاهرة خطيرة تكشف عن خلل عميق في البنية القيمية لدى بعض أفراد المجتمع. فبدلًا من التعاطف الإنساني أو الدعوة للعلاج والوقاية، ظهرت موجات من الإدانة العلنية والإزدراء، وكأن المرض أو الموت يمكن أن يكون "عقوبة اجتماعية" مستحقة. هذا التوجه، وإن كان يستند ظاهريًا إلى مواقف دينية، إلا أنه يتجاهل أن التقدير الديني الصحيح يجعل الإنسان مسؤولًا عن وزره الفردي أمام الله، ولا يبرر أبدًا التشفي به أو التهاون بحياته.ولا يجوز أن تتحول الأخطاء الفردية إلى مبرر للهجوم أو التشمت، خاصة في وقت الأزمات لنعود ونكرر أننا بحاجة إلى ثقافة الأزمات .
ما حدث ليس أزمة صحية عابرة، بل يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن المجتمعي والصحي، ويكشف عن الحاجة الملحّة إلى مراجعة شاملة للأنظمة الرقابية والتشريعية، إلى جانب ضرورة إعادة النظر في تعاملنا الثقافي مع قضايا الصحة العامة. إن مواجهة هذا النوع من الجرائم يتطلب موقفًا حازمًا من الدولة فلا نعلم ما هو المخفي في بضائع أخرى، يجب محاسبة جميع المتورطين، سواء كانوا من المصنعين أو الموزعين أو المتسترين، إضافة إلى مراجعة معايير التفتيش وإجراءات الترخيص وإعادة هيكلة دور الجهات الرقابية.
كما أن المجتمع ذاته مدعو لفهم أن السلامة الصحية يجب أن تكون فوق أي حكم أخلاقي أو ديني. إن تعزيز ثقافة الوقاية، والحديث الصريح عن المخاطر، وتقديم العلاج والدعم دون إدانة، يشكلون الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على حماية أفراده.
في النهاية، ما وقع ليس مجرد حادث بل إنذار، وإذا لم تُتخذ خطوات حقيقية لمعالجة هكذا تسيب، فقد نكون أمام كارثة أكبر مستقبلًا، وربما بأعداد ضحايا أكثر. المسؤولية اليوم لا تقع فقط على عاتق الدولة، بل على كل فرد ومؤسسة تسهم في تشكيل منظومة هذا المجتمع..
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 40 دقائق
- سرايا الإخبارية
العين عبيدات المدير السابق للغذاء والدواء يكشف تفاصيل تروى لاول مره عن تسمم الكحول ويؤكد : مؤسسة الغذاء والدواء هي المسؤوله عن الرقابه
سرايا - قال العين الدكتور هايل عبيدات، المدير العام السابق للمؤسسة العامة للغذاء والدواء، إن مادة "الميثانول" التي تسببت في وفاة 9 مواطنين وإصابة نحو 57 آخرين، تُستخدم في صناعات مثل طلاء السيارات، ودهان الأثاث، وطلاء الأظافر، وغيرها من الاستخدامات الصناعية. وبيّن عبيدات، في حديثه اليوم الثلاثاء ضمن برنامج "من المكتب" الذي يقدمه الزميل هاشم الخالدي، أن الكحول الخام يحتوي على مادتين: (الإيثانول) وهي المادة المسموح باستخدامها في صناعة المشروبات الكحولية، و (الميثانول) وهي مادة يمنع استخدامها في المشروبات الكحولية لما لها من سمّية عالية. وأضاف أن جميع المواصفات العالمية تُلزم بعدم تجاوز نسبة (الميثانول) في المشروبات الكحولية ما مقداره (1 بالألف) لكل مليلتر موضحًا أن الوصول إلى تركيز 10 ملغم/لتر يعتبر سامًا، وإذا بلغ 15 ملغم/لتر يصبح قاتلًا. وحول مدة ظهور الأعراض بعد تناول مادة (الميثانول) السامة، أوضح عبيدات أن الأعراض تبدأ بالظهور خلال ساعات، حيث يشعر المصاب بدوار، وتشوش في الرؤية، وقد يتعرض لتلف في شبكية العين، إضافة إلى آلام شديدة في البطن. وأضاف أن المريض قد يُصاب بفشل كلوي بعد 20 ساعة من تناوله المادة، مشيرًا إلى أن هناك فرصة لإنقاذه خلال أول 6 ساعات فقط. وفيما يتعلق بالمسؤولية الرقابية، قال عبيدات إن المسؤولية تقع على عاتق جهتين رئيسيتين: مؤسسة المواصفات والمقاييس من جهة التراخيص والمواصفات، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء من جهة الرقابة. وتاليًا الفيديو عبر موقع "سرايا":- View this post on Instagram Loading


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : تفاصيل وفاة 9 أردنيين بمشروبات كحولية تحتوي على مادة الميثانول
الثلاثاء 1 يوليو 2025 09:00 مساءً نافذة على العالم - تفاصيل وفاة 9 أردنيين بمشروبات كحولية تحتوي على مادة الميثانول شهد الأردن مأساة بعد وفاة 9 أشخاص وإصابة 50 آخرين إثر تناولهم مشروبات كحولية مغشوشة تحتوي على مادة الميثانول السامة. التحقيقات الأمنية كشفت عن مصنع متورط في تصنيع هذه المشروبات وتم توقيف المسؤولين. وحذرت وزارة الصحة من خطورة شراء الكحول من مصادر غير مرخصة.


خبرني
منذ ساعة واحدة
- خبرني
تفاصيل حالات التسمم الكحولي بالميثانول في الأردن
خبرني - شهد الأردن كارثة صحية خطيرة إثر تسمم جماعي بمادة الميثانول السامة نتيجة تناول مشروبات كحولية ملوثة، أسفرت عن وفاة 9 أشخاص وإصابة 50 آخرين، بحسب وزارة الصحة. .تفاصيل الحالات في المستشفيات: وفق تقرير مديرية إدارة الأزمات، توزعت الحالات عبر مستشفيات في الزرقاء، عمان، والبلقاء، كالتالي: مستشفى الأميرة إيمان - معدي: سجل 26 حالة (18 متوسطة، 7 حرجة، وفاة واحدة). تم تحويل 6 مرضى إلى مستشفى الأمير حسين السلط، مريضين إلى مستشفى الحسين السلط، 3 إلى مستشفى الشونة الجنوبية، ومريضين إلى مستشفى البشير، بينما خرج 3 مرضى على مسؤوليتهم الشخصية. مستشفى البشير: استقبل حالتين (واحدة متوسطة، واحدة حرجة)، دون وفيات. مستشفى الزرقاء الحكومي: سجل 10 حالات (3 حرجة، 7 وفيات)، وهو الأعلى بتسجيل الوفيات. مستشفى الأمير حمزة: حالة واحدة متوسطة، دون وفيات. مستشفى الأمير حسن: حالتين (واحدة متوسطة، وفاة واحدة)، إحدى الحالات لمواطن مصري. مستشفى ابن الهيثم: حالة واحدة حرجة، دون وفيات. تفاصيل الحادثة: بدأت الحادثة في 28 يونيو 2025، عندما نقل 4 أشخاص متوفين إلى مستشفى في الزرقاء، وأظهرت الفحوص وجود نسب مرتفعة من الميثانول في عيناتهم. تبين أن مصدر التلوث مصنع مرخص للمشروبات الكحولية، تم إغلاقه مع توقيف المسؤولين عنه. أكدت التحقيقات تورط أشخاص بشراء الميثانول واستخدامه في تصنيع المشروبات، مع ضبط كميات كبيرة من المنتجات الملوثة من الأسواق. ألقت مديرية الأمن العام القبض على مشتبه بهم، وأحالت القضية إلى محكمة الجنايات الكبرى، التي وجهت تهم القتل والشروع بالقتل لـ12 متهمًا، وتدخل بالقتل لـ13 آخرين.