
تحلّل الدولة القومية
تناقض واضح بين احترام مبدأ سيادة الدول وتغليب مبدأ التزاماتها الدولية، بحجة الدفاع عن النفس (الأمن القومي).. وعدم السماح لأي طرف خارجي، وإن كان مكوّناً من الدول نفسها، ويستمد شرعيته الأممية من إرادة الدول نفسها والتزامها باستقراره ورعاية السلام في ربوعه. الإعلاء من مبدأ سيادة الدول على إقليمها، بما يفوق التزاماتها الأممية، تجاه السلام، لا بد أن يأتي يوم وتصطدم إرادة الدول في الدفاع عن سيادتها الوطنية بمبدأ تمسكّها بالتزاماتها الدولية. ذلك أن أي نظام دولي يقوم أساساً على كيانات «وطنية» هي في الأساس غيورة على سيادتها يعتريها «شكٌ فطريٌ» من أي تدخل خارجي، حتى لو كان يهدف إلى مساعدتها للدفاع عن نفسها وتنميتها، ينتج عن ذلك نظام دولي غير مستقر، يهدد سلام العالم وأمنه.
هناك، دوماً، في ذهنية أي كيان دولي (دولة) شكٌ وتربصٌ فطري من أن أي تطورٍ خارجي، على المستوى الإقليمي والدولي، يقترب من حدود إقليمها، حتى لو كانت هذه السلوكيات، الدولة نفسها، مشاركة فيها. ربما أحياناً تُفرض أوضاعٌ جيوسياسية عمل ترتيبات أمنية، لمواجهة عوامل ومتغيّرات عدم استقرار قرب مجال الدولة الإقليمي. صحيح، الدول أحياناً، تنجذب تجاه ترتيبات أمنية إقليمية تدعم أهدافاً إقليمية، تتغلب في تقدير قيمتها الأمنية على أي اعتبارات مصلحية أخرى، إلا أن الدول، في كثيرٍ من الأحيان، تميل لو استطاعت إلى الاعتماد على مواردها الذاتية، مقابل أي اقتراب تداخلي مع جيرانها أو حلفائها الخارجيين.
لو الأمر راجع للدول فإنها تفضل غلق حدودها على فتح منافذها البرية والبحرية والجوية والبحرية للبيئة الإقليمية والدولية، أخذاً بالمثل القائل: «الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح». لكن ليس دوماً تواجه الدول أي شكوك تنتابها من محيطها الداخلي والخارجي باللجوء إلى إستراتيجية العزلة، لأنها ليست إستراتيجية عملية لخدمة مصالحها الخارجية، بالذات أمنها، حتى بالنسبة للدول العظمى.
بدايةً، الدولة أي دولة، مهما بلغت قوتها وطغى غناها وتفوق تقدمها لن تبلغ مستوىً من الاكتفاء الذاتي بمواردها وإنتاجها وسوقها الداخلية، مما يجعلها تستغني عن البيئة السياسية (الخارجية) المحيطة بها. الدولُ عادة تلجأ للانخراط في محيط السياسة الدولية عالي الأمواج وصاخب الإيقاع، من أجل إشباع حاجات خاصة بها، بأقل تكلفة ممكنة، وأعلى عائد متوقع. الدول في محيطها الإقليمي والدولي، تتصرف مثل التاجر الحاذق، الذي يسعى إلى الربح الجزيل، بتكلفة أقل ومخاطرة محسوبة.
أحياناً، على سبيل المثال: الدول الكبرى تلجأ إلى سياسة حمائية تجارية، متى وجدت أن ذلك يصب في مصلحتها الاقتصادية، على الأقل من أجل خفض ميزانها التجاري. وأحياناً تلجأ إلى اتباع سياسة انفتاحية تداخلية مع محيطها الإقليمي وبيئتها الخارجية البعيدة، من أجل الاستفادة القصوى من عوائد التجارة الخارجية، في زيادة نصيبها من موارد البيئة الخارجية، مثل الاستفادة القصوى من ميزاتها التنافسية (الإنتاجية أو الريعية)، في السوق العالمية.
كل تصرفات الدول على مستوى محيطها الإقليمي وبيئتها الخارجية تدفعها غريزة أنانية متطرّفة، لدرجة «العمى السياسي»، أحياناً. حتى فكرة الدولة عن السلام والاستقرار والتكامل الإقليمي والتعاون الدولي تندفع لها الدولة بواعز خدمة مصالحها الأنانية، لا تبصّراً لقيمة السلام.. ولا سيادة الاستقرار، ولا تدبّراً لحكمة سيادة حالة التوازن للنظام الدولي.
نظام الدولة القومية الحديثة، الذي يُبقي على الخلفية الأنانية لأعضائه من الدول، على الالتزام بقيم السلام والاستقرار والتكامل والتعاون (الإقليمي والدولي)، إنما يعكس طفرة جينية سلبية إلى الوراء في تاريخ الإنسانية، لا بالضرورة نظرة تقدّمية لتبصّر قيم وعوائد التكامل الإقليمي والتعاون الدولي، بدل حركة الصراع والمنافسة، تطلعاً لوضعية الهيمنة الإقليمية والدولية، على حساب استقرار النظام الدولي وتعزيز قيمة التكامل والتعاون لمصلحة أعضائه البينية.
الدول هي، في حقيقة الأمر، يمكن النظر إليها نظرة تشاؤمية (رجعية) كونها معاول هدم ممنهج ومنظم، لمستقبلها، ولدورها في استقرار مجتمعات الأرض. لا غرابة أن الدول نفسها تطوّر من داخلها عوامل تقويضها، بظهور قوىً هدامة، تساهم في المساومة على سيادتها، لتعيد حركة الصراع العنيف على السلطة في المجتمعات الإنسانية، إلى المربع الأول، قبل ظهور نموذج الدولة القومية الحديثة، تأكيداً بأن حركة الصراع العنيف، لا قيمة التكامل والتعاون هي انعكاس فطري لطبيعة الإنسان الشريرة (الأنانية الجشعة).
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال يقدّم استقالته
قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، اليوم (الثلاثاء)، إنه قدّم خطاب استقالته، في إطار تعديل حكومي كبير متوقع هذا الأسبوع، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. ورشّح الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أمس (الاثنين)، النائبة الأولى لرئيس الوزراء يوليا سفيريدينكو لتولي هذا المنصب.


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
تحديات «السلام بالقوة»!
أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال خطاب تنصيبه في يناير الماضي مصطلح «السلام بالقوة»، وهو المصطلح ذاته الذي ارتكز عليه الرئيس الأمريكي رونالد ريغان خلال فترة الثمانينات ميلادية من القرن الماضي، وحقق الانتصار في الحرب الباردة وتراجع الشيوعية في أوروبا الشرقية، ثم نهاية الاتحاد السوفيتي في عام 1991، حيث تعود الجذور الأولى لهذا المصطلح إلى الخبير العسكري الروماني «فيجتيوس»؛ حينما عبّر عن ذلك صراحة: «إذا كنت تريد السلام فاستعد للحرب». القوة في قاموس ترمب ليس بالضرورة أن تكون خيار الحرب، ولكن المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي، وشرعنته بغطاء أخلاقي وسامٍ وهو السلام؛ وصولاً إلى أهداف أكثر تعبيراً عن المواقف الأمريكية في هذه المرحلة، وتحديداً في الجلوس على طاولة المفاوضات تحت الضغط، وربما الإذعان في قبول إملاءات التسوية. خيار السلام بالقوة الذي يمارسه ترمب اليوم بين روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وحماس، وأيضاً بين إيران وإسرائيل، وما يسعى إليه في حربه الاقتصادية مع الصين؛ ليس بالضرورة أن يتحقّق بالمنهجية ذاتها، التي نجح فيها الرئيس ريغان؛ حينما واجه الاتحاد السوفيتي في حرب باردة طويلة، وانتهت بانتصاره، أو على الأقل الاستفادة من أخطاء السياسة الإصلاحية الراديكالية للزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، ومن ثم التفاوض معه تحت الضغط، والوصول إلى حل سلمي للصراع الذي استمر لأربعة عقود. التحدي اليوم، الذي يواجه ترمب لتحقيق السلام بالقوة، هو أن الطرف الذي يريد التفاوض معه لم يعد وحيداً كما كان الاتحاد السوفيتي سابقاً، وإنما تحول هذا الطرف إلى كتلة من الأطراف المتحالفة فيما بينها، فروسيا والصين وكوريا الشمالية وحتى إيران يشكّلون اليوم تجمعاً مضاداً لفكرة السلام بالقوة، وفي المقابل أيضاً التكتل الأوروبي مع أوكرانيا الذي لا يرى الفكرة الأمريكية ممكنة من دون انحياز أمريكي لأوروبا، وخصوصاً بعد الاجتماع الأخير لقادة النيتو، وما أسفر عنه قبل أيام من دعم أمريكي لأوكرانيا بصواريخ الباتريوت، والتمهيد لذلك بحملة مضادة تجاه الرئيس فلاديمير بوتين. تحدٍّ آخر في المفاوضات الجارية حالياً لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، حيث بات واضحاً أن السلام بالقوة وإن كان مطروحاً على الطاولة، لكنه يبقى مؤقتاً، وليس كافياً لتحقيق طموح التكتل العربي والأوروبي بحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل؛ لتنعم المنطقة بسلام شامل وعادل ينهي حقبة طويلة ومريرة من الصراع. صحيح الرئيس الأمريكي قادر على تحقيق السلام العالمي، ولكن لم تعد فكرة السلام بالقوة كافية لوحدها لمواجهة تكتلات دولية لديها مصالح وأجندات من تحقيق السلام؛ فالمنهجية الأمريكية تحتاج إلى تحديث، فما تحقق في العصر الروماني من السلام بالقوة، وما تحقق أيضاً في عهد الرئيس ريغان، ليس بالضرورة أن يتحقق بالطريقة ذاتها أمام دول أخرى متكتلة لمصالحها، وتملك الحق أيضاً في طرح مشروعها لتحقيق السلام بالقوة، وهو صراع يحتاج إلى تنازلات، أو على الأقل صياغة رؤية جديدة من المصالح المشتركة، وهو ما يطرحه الأوروبيون اليوم، وينتظرون تفاصيل الرد الأمريكي عليه، وربما تتضح تلك الرؤية خلال زيارة ترمب المرتقبة إلى بريطانيا في منتصف سبتمبر المقبل. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 3 ساعات
- عكاظ
الخريجي يبحث التعاون الثنائي مع المفوض الأوروبي للهجرة في بروكسل
التقى نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبدالكريم الخريجي، اليوم في العاصمة البلجيكية بروكسل، المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة ماغنوس برونر. وجرى خلال اللقاء، بحث العلاقات الثنائية، ومناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. حضرت اللقاء، رئيسة بعثة المملكة لدى الاتحاد الأوروبي السفيرة هيفاء الجديع. أخبار ذات صلة