
مجزرة "الباقة".. عندما تحوَّل شاطئ البحر إلى مسرح للدماء والدموع
في هدوء يبعث على الأمل وسط الحرب الضروس على قطاع غزة، استجمّ نازحون وفارون من جحيم الاحتلال الإسرائيلي، في إحدى الاستراحات على شاطئ بحر غزة، باحثين عن بعض نسيم الهواء العليل الذي قد يمنحهم لحظة أمل وسط المعاناة المستمرة.
لكنّ ما حدث أول من أمس، كان صدمة جديدة لن تنسى، إذ أطلقت طائرات الاحتلال الحربية من نوع إف "16"صاروخًا مباشرًا استهدف تجمعهم، مخلفًا مجزرة راح ضحيتها 34 شهيدًا وعشرات الجرحى.
مذبح بشري
كان المشهد في استراحة الباقة، التي تقع على شاطئ بحر مدينة غزة، يحمل بصيص أمل ونقاء، حيث تجمعت نحو مئة عائلة من النازحين قسرا، يبحثون عن لحظة هدوء واستراحة لكن الاحتلال باغتهم بصاروخ دمر أمالهم وأحلامهم.
ويصف أحمد الهسي، أحد شهود العيان، الحادثة لـ "فلسطين أون لاين": قائلاً: "كنا على بعد أمتار قليلة عندما باغتنا القصف الصاروخي، ولم ينجُ أحد من بين المئة المتواجدين، فمنهم من أصيب بجراح بالغة، ومنهم من ارتقى شهداء تحت شظايا الصاروخ".
ويضيف الهسي: "لم نكن نعرف ما الذي يجعلنا هدفًا في وضح النهار، نحن فقط جئنا لنستنشق بعض الهواء بعيدًا عن أصوات الرصاص والقصف"، وسرعان ما اهتزت مشاعره بين الحزن والاستغراب لما حدث، متسائلاً، عن ذنب الأطفال والنساء والشبان الذين لم يطلبوا سوى لحظة أمل وسط الحرب الإسرائيلية الدامية.
ويعود باسم العجلة، النازح قسرا من حي الشجاعية، الذي استقر قرب المكان، بذاكرته إلى الوراء قليلًا، وكيف كانت الاستراحة ملتقى للفرح والراحة قبل أن تتحول إلى مكان تفوح منه رائحة الدماء والموت.
و يروي العجلة لـ "فلسطين أون لاين" بغضب: "في السابق، كانت هذه الاستراحة مزارًا للأهالي في غزة، واليوم تحولت إلى شاهد على وحشية الاحتلال التي لا تتوقف بحق المدنيين والأبرياء العزل".
أشلاء على الأرض
ويتنقل ماهر الباقة، أحد أبناء المنطقة، بين أطلال المكان، ويطبق كفًا على أخرى وهو يصف الدمار الذي حل بالاستراحة، ويشير إلى بقع الدم التي ما زالت على الأرض، ويقول لصحيفة "فلسطين": "لقد فقدت ثلاثة من أقاربي هنا، كل مكان أشار إليه يحمل قصة شهيد أو جريح".
ويضيف أن الاحتلال استهدف المكان بشكل متعمد، مشيرًا إلى حجم الدمار الناتج عن الصاروخ الذي أحدث حفرة عمقها خمسة أمتار وارتفاعها ثلاثة أمتار ما يدلل على تعمد الاحتلال في استهداف المدنيين وقتلهم بشكل متعمد.
وينظر الباقة، إلى البحر، ويحمل في عينيه الألم والأمل معاً، ويدعو الله عزل وجل، أن يضع حدًا لحرب الإبادة التي لم تترك لأهل غزة مكانًا آمنًا.
ويؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين مدني أو مقاتل، وأن استهداف مكان مأهول بهذا الشكل هو دليل واضح على استهداف المدنيين العزل.
رائحة الموت والدمار
في حين كان أحمد أبو حصيرة، من سكان المنطقة، في منزله عند وقوع القصف، ويروي تفاصيل اللحظة لـ "فلسطين أون لاين" قائلًا: "خرجت من نافذتي لأرى عمود الدخان يتصاعد، وعندما اقتربت من الاستراحة وجدت الدماء كشلال المياه على الأرض، وأشلاء الشهداء متناثرة، حتى أن البعض لم يستطع التعرف عليهم".
ويشير إلى أن الصاروخ الذي أطلقته طائرة من نوع "إف 16" دمر المكان بالكامل وجعل منه مكانا ينتر منه رائحة الموت والدمار الذي يعم المكان.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن حربه المدمرة على قطاع غزة، مسفرًا عن عشرات الآلاف من الضحايا بين شهيد وجريح، إضافة إلى أعداد هائلة من المفقودين والنازحين.
وتصف الأمم المتحدة، في بيان سابق، هذا التصعيد بأنه حرب إبادة جماعية، وسط تجاهل دولي واسع وأصوات قليلة فقط تدعو لوقف هذه المذبحة.
إلى اليوم، خلفت هذه الحرب أكثر من 189 ألف شهيد وجريح، بينهم غالبية من النساء والأطفال، في ظل تدمير واسع للبنية التحتية ونقص حاد في الاحتياجات الأساسية، الأمر الذي أسفر عن حالة إنسانية كارثية في القطاع.
تلك اللحظات التي قضوها أهالي غزة في الاستراحة البحرية، كانت محاولة بسيطة للابتعاد عن صخب الحرب، لكن الاحتلال كان له رأي آخر، فحول مكانًا للراحة إلى موقع مأساوي للدماء والدموع.
فهذه المجزرة ليست مجرد رقم في حصيلة الشهداء، بل هي صورة حية لفقدان الإنسانية وسط آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين اليوم
منذ ساعة واحدة
- فلسطين اليوم
مظاهرة في هولندا ضد تصدير قطع غيار لطائرات "اسرائيلية
شهدت مدينة بابندريخت الهولندية تظاهرة حاشدة احتجاجًا على استمرار شركة "جي كي إن فوكر" في تصدير قطع غيار لطائرات إف–35 متعددة المهام إلى كيان الاحتلال، رغم قرار قضائي سابق يحظر ذلك. وانطلقت المسيرة من ساحة ماركت الشهيرة باتجاه مقر شركة "جي كي إن أيروسبيس"، ورفع المشاركون لافتات تُندد بالدعم العسكري "لإسرائيل" وتدعو إلى قطع كافة العلاقات مع ما وصفوه بـ"دولة الفصل العنصري". وردد المتظاهرون شعارات تؤكد التضامن مع القضية الفلسطينية، من أبرزها: كلنا فلسطينيون. في بيان نُشر باسم المحتجين، تم التذكير بالحكم الصادر عن المحكمة الهولندية العام الماضي، والذي قضى بوقف تصدير مكونات الطائرات إلى "إسرائيل" نظرًا لانتهاكها القانون الإنساني الدولي في قطاع غزة. وأشار البيان إلى أن الشركة تواصل عمليات التصدير بطرق غير مباشرة، مما يجعلها، بحسب المحتجين، شريكًا في الجرائم المرتكبة في القطاع. يُذكر أن قضية تصدير السلاح لإسرائيل أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية الأوروبية، لا سيما مع تصاعد الدعوات لمحاسبة الشركات المتورطة في دعم العمليات العسكرية.


فلسطين أون لاين
منذ 5 ساعات
- فلسطين أون لاين
بالفيديو القسام تبث مشاهد لإغارة مقاتليها على قوات الاحتلال في خان يونس
أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عن سلسلة من العمليات النوعية ضد قوات وآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في كل من شمال وجنوب قطاع غزة خلال الأيام الماضية، في إطار في سلسلة عمليات "حجارة داوود". وبثت القسام عبر قناة الجزيرة مشاهد حصرية، تُوثّق كميناً محكماً نُفذه مقاتلوها الخميس الماضي في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة. وتُظهر المشاهد إغارة المقاتلين على تجمعات قوات الاحتلال وآلياته، بما في ذلك استهداف مباشر لآليات ودبابات إسرائيلية خلال معارك عنيفة شهدتها المدينة. من جانب آخر، أفادت الكتائب، في بلاغات عسكرية منفصلة، بأن مقاتليها استهدفوا يوم أمس الجمعة ناقلة جند إسرائيلية في شارع البيئة وسط مدينة خان يونس، باستخدام قذيفة "الياسين 105" المضادة للدروع، مؤكدة تحقيق إصابات مباشرة. في حين نفذ مقالتو القسام يوم 30 يونيو 2025 عملية مركزة استهدفت ثلاث دبابات من نوع "ميركفاه" باستخدام عبوتي "شواظ" محلية الصنع، وقذيفة موجهة من طراز "تاندوم"، عبر عمل فدائي مباشر داخل خطوط المواجهة. وفي اليوم السابق، 29 يونيو، أكدت القسام أن مقاتليها استهدفوا قوة إسرائيلية راجلة في المنطقة نفسها، مستخدمين قذيفة "RPG"، قبل الاشتباك المباشر معها بالأسلحة الرشاشة الخفيفة. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 7 ساعات
- فلسطين أون لاين
تقرير ضحى وأطفالها.. نزحوا من الموت فاحترقوا في المأوى
غزة/ يحيى اليعقوبي: عند ثلاجات الموتى في مجمع الشفاء الطبي، ترقد جثامين الشهيدة ضحى عبده (28 عامًا) وأطفالها الثلاثة: آدم (سنتان)، وخالد (6 سنوات)، وشام (7 سنوات)، إلى جانب زوجها محمد حجيلة وعدد من أقارب عائلته. استهدفتهم ثلاث طائرات إسرائيلية انتحارية مفخخة، عند الساعة الثانية من فجر الخميس، ليتحوّل المأوى الذي نزحت إليه ضحى قبل شهر هربًا من الموت في حي التفاح شرق غزة، إلى محرقة التهمت أجساد أبنائها وطمست ملامحهم، حتى لم يُعرفوا إلا بأسمائهم. في وداع يشبه العناق الأخير، احتضنت ضحى أطفالها الشهداء وكأنها تصرُّ على الرحيل معهم. رحلت الأم إلى حيث سبَقها زوجها محمد الذي استشهد في بداية الحرب، فواجهت وحدها مصاعب النزوح والحرمان، تنقّلت بأطفالها من مركز إيواء إلى آخر، في بحث عبثي عن ملاذٍ آمن لم يكن موجودًا. داخل المشرحة، حمل أحد أقارب العائلة جثمان الطفلة "لين"، لم تُكمل عامها الثاني، وقد لُفَّت بقطعة قماش ووُضعت فوق جثمان والدها صقر حجيلة، في مشهد يُمزق القلب. وداع لا يشبه الوداع مع ساعات الصباح الأولى، تجمّع أقارب الشهداء في ساحة المشرحة، والصدمة تكسو ملامحهم. لم تُمنح لهم فرصة لرؤية الوجوه، ولا حتى قبلة وداع؛ فالأجساد تفحّمت بفعل القصف، واكتفى الأهالي بنظرات باكية للأكفان البيضاء، ودموع صامتة اختلطت بصرخات الفقد والفاجعة. صرخ خال الشهيدة، عثمان عبده، بمرارة: "نتفاجأ بأنهم يرسلون طائرات انتحارية لتفجير عائلة من أم وأطفال! بأي شرعٍ يُقتلون؟ بأي ضمير؟ حرقوهم أحياء... نطلب الرحمة من الله لأهل غزة." جلست والدة ضحى قرب جثمان ابنتها الوحيدة، لا تكاد تصدق ما ترى. قبل يومٍ فقط زارتها، واحتضنت أحفادها، والآن تلقي عليهم نظرة الوداع الأخيرة، فقدت ابنها مصعب قبل أشهر، وها هي اليوم تعيش فاجعة فقد ضحى وأحفادها دفعة واحدة. "بدنا نروح مع بعض" يروي شقيق ضحى، عبد الرحمن، بكلمات ثقيلة تُغالب الدمع: "كانت أختي تخاف على أولادها كثيرًا. كانت تقول: إذا بدنا نستشهد، بدنا نروح مع بعض. ما بدنا يضل حدا يتحسّر على التاني." ويضيف لصحيفة "فلسطين": "جاءنا الاتصال فجرًا من شقيق زوجها، يخبرنا بما جرى، وعندما وصلنا صُدمنا بتفحّمهم جميعًا." يحاول عبد الرحمن التماسك وهو ينظر إلى الأكفان التي تضم أشلاء أبناء شقيقته: "كانوا في منتهى الجمال. شام كانت تحلم أن تصبح طبيبة، ووالدتهم كانت تدرّسهم بنفسها، ترفض إرسالهم للمراكز التعليمية خوفًا من القصف. كانت تبحث عن الأمان، لكنها لم تجده." وكان من المقرر أن يزورها في يوم استشهادها، يقول: "بعد نزوحنا من حي التفاح إلى منزل عمي، فكرت أن أذهب عندها لأدرس استعدادًا للثانوية العامة، لكن استُشهدت قبل أن أتمكن من رؤيتها. تحدثنا قبلها بيوم، كنا نشتاق إليها كثيرًا. فراقها قاسٍ." ويتابع: "كانت ترى زوجها محمد كثيرًا في المنام، قالت لنا مرارًا إنه يظهر لها في أحلامها... وكأنها كانت تودّعنا دون أن نعلم." فقدها كسر شيئًا داخله بصوت يختنق بالحنين، يقول عبد الرحمن: "بوجود الأخت، تشعر ببهجة العيد. برحيلها تفقد أشياء كثيرة. كانت قريبة منا جميعًا. بعد استشهاد زوجها، نزحت إلينا وعاشت بيننا... الفقد كسر فيها الكثير." ويتذكّر اليوم الأول لفقد زوجها محمد: "أخرنا إخبارها بوفاته ثلاثة أيام، خشينا على حالتها النفسية، لكنها بدأت تشعر، وحين علمت، دخلت في صدمة استمرت لأكثر من شهرين." استشهد محمد أثناء محاولته شراء دواء لابنه الصغير، وكان قد مرّ بوالده يساعده في تعبئة المياه، بينما ذهب الأب لشراء الدواء. في تلك اللحظة، قصف الاحتلال المنزل، واستشهد محمد مع والدته وشقيقاته. واليوم، بلحظة قصف جديدة، لحقَت بهم زوجته وأطفاله، ولم ينجُ من العائلة إلا شخص واحد. لا أمان حتى في النوم في زاوية أخرى، جلست قريبات الشهيدة يبكين بصمت موجع. كل العائلة كانت مجتمعة في مركز الإيواء التابع لمدرسة مصطفى حافظ، في لحظة سكينة قبل الفجر. لم يتوقع أحد أن تُغدر أحلامهم بثلاث طائرات مفخخة، تقصف المكان دون إنذار، لتسرق أرواحهم وهم نائمون. تقول إحدى القريبات، وهي تمسح دموعها: "ضحى كانت تخشى على أطفالها من القصف في محيط منزل والدها بحي التفاح، فذهبت إلى مركز الإيواء عند أهل زوجها. لكن حتى هناك لم يسلموا. ما ذنب الأطفال؟ ماذا رأوا من الدنيا ليُقصفوا بهذه الوحشية؟" نزحت ضحى – المعروفة بـ "أم خالد" – خمس مرات في الأسابيع الأخيرة، بحثًا عن بقعة آمنة. أرادت فقط أن تحمي أطفالها، أن تحافظ على شيء من رائحة زوجها الراحل. تختم خالتها بحسرة: "كان أولادها من أجمل ما يكون... أذكياء، وطيبون. لكن انظر كيف صاروا... أين حق الطفولة في غزة؟!" المصدر / فلسطين أون لاين