
في باريس لم تقم دولة فلسطينية… لكن خطوة ماكرون لا تزال تاريخية
السبب الأول، أن إعلان ماكرون يأتي رغبة من فرنسا للوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ. الدولة الكولونيالية السابقة والمسؤولة، هي وبريطانيا، عن ترسيم حدود الشرق الأوسط في القرن العشرين (اتفاق سايكس بيكو 1916)، تشعر بمسؤولية أخلاقية عن مصير الفلسطينيين ومصير الإسرائيليين أيضاً. كان هذا صحيحاً عندما ساعدت فرنسا في بناء المفاعل النووي في ديمونا، ووفرت طائرات ميراج قبل حرب الأيام الستة. كان ميتران دعا من فوق منصة الكنيست إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في آذار 1982، وأما جاك شيراك فاعتبر ياسر عرفات صديقاً شخصياً، والآن يأتي ماكرون في السنتين الأخيرتين في ولايته ويحاول ترك بصماته على مكانة فرنسا الفريدة في تاريخ المنطقة المعقد. هذا قرار يعتبره أخلاقياً وتاريخياً ويتنبأ بالمستقبل.
السبب الثاني، أن ماكرون في نهاية ولايته التي ستنتهي في 2027، يبقى سياسياً في نهاية المطاف، وإعلانه غير موجه فقط للجالية المسلمة الكبيرة في الاتحاد الأوروبي التي تعيش في فرنسا، بل إلى كل الرأي العام الفرنسي الذي أصبح يميل لصالح الفلسطينيين بشكل متزايد. بسبب استمرار الحرب في غزة، بصورة أبعد من كل التنبؤات، ها هو المنحى قد تغير؛ فصور الأطفال الفلسطينيين الجائعين تملأ الشبكات الاجتماعية والصفحات الأولى في الصحف والقنوات الإخبارية في فرنسا، ويريد ماكرون أن يظهر في المقام الأول في الداخل، كمن يقوم بعمل حتى ولو كان رمزياً.
بعد وقوفه إلى جانب إسرائيل في 7 أكتوبر، كان ماكرون هو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي طالب بتشكيل تحالف دولي ضد حماس، لذا غير الرئيس الفرنسي توجهه بشكل واضح؛ هو الآن مصمم على الظهور بأن لفرنسا أداة ضغط على إسرائيل، وأن قلبها ليس فظاً تجاه معاناة الفلسطينيين. وباستثناء الجالية اليهودية التي ردت بخيبة أمل وباستثناء اليمين المتطرف (جزء منه وليس جميعه)، الذين انتقدوا ماكرون، فإن خطوته هذه تشكل إجماعاً في فرنسا وتمنحه دعماً من المعسكرات المختلفة.
وثمة مبرر آخر للقرار، وهو مبرر دبلوماسي. ففرنسا الآن بعد وقت طويل من كونها دولة عظمى، لاعبة مؤثرة في الساحة الدولية. أمام التحدي الذي تضعه أيضاً أمامها ولاية ترامب الثانية، فإن الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكنها من إسماع صوت مختلف. يريد ماكرون بذلك ترسيخ مكانة فرنسا كمحور لسياسة دولية مختلفة عن سياسة الرئيس الأمريكي الانعزالية والاستفزازية. إضافة إلى ذلك، تسلح ماكرون قبل هذه الخطوة بدرع واق يتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. مبادرة باريس تعرض كتعاون بين السعودية وفرنسا. ربما يتعرض الرئيس الفرنسي لوابل من الازدراء من قبل ترامب، لكن احتراماً لداعميه السعوديين الذين تعهدوا بضخ مئات المليارات في الاقتصاد الأمريكي، سيكون الرئيس الأمريكي أكثر حذراً. بهذا المعنى، لماكرون فرصة لا بأس بها في هذه الخطوة المنسقة، وليست إخطاراً فقط. إذا أدت إلى موجة اعتراف بالدولة الفلسطينية، ستسجل فرنسا لنفسها نجاحاً غير مسبوق في الساحة الدولية والادعاء 'كنا هناك أولاً'.
في نهاية المطاف، تصعب رؤية رد على سياسة نتنياهو في قرار فرنسا، الذي أثبت بشكل واضح أنه لا ينوي وقف الحرب في غزة، وليكن ما يكون إلا إذا أمره ترامب بفعل ذلك. إسرائيل في عهد نتنياهو، عزلت نفسها بشكل متعمد عن الحلفاء والشركاء التجاريين والعلميين الرئيسيين لصالح حرب أبدية على أنقاض غزة. الأوروبيون والمصريون والسعوديون والحلفاء في الخليج، جميعهم توسلوا لإسرائيل لخلق 'اليوم التالي' في القطاع، الذي لا يرتكز إلى القوة فقط، بل إلى حل يوفر أفقاً للفلسطينيين. ولكن كل من له عقل يدرك أن بيبي وسموتريتش وبن غفير لا ينوون إجراء أي تحسين في ظروف حياة الفلسطينيين، مع بنية تعايش تحتية، وهو الحل المحتمل الوحيد، بل تدمير ما بقي من سلطة أبو مازن وحلم الترانسفير وريفييرا غزة.
بناء على ذلك، قرر ماكرون الرد على هذا التحدي الذي يضعه تحالف نتنياهو والمتطرفين أمام المجتمع الدولي، وإثبات أن الدبلوماسية الدولية ليست فرعاً لمركز الليكود. جوقة الإدانات المعادية في إسرائيل وفرت الدليل على من يتعامل معه ماكرون. لقد كان فيها انشغال قليل بالجوهر وانشغال كثير بالصرخات الارتدادية على 'أسلمة' فرنسا، التي تقف كما يبدو من وراء هذا القرار. الإجابات المختلطة والمضحكة، من ماي غولان وحتى عميحاي شكلي، أثبتت بأن وزن إعلان ماكرون التاريخي ربما أكبر مما تحاول إسرائيل تسويقه. ميري ريغف حصلت على التاج، وكيف لا وهي التي تقول 'انظر إلى دولتك، باريس تظهر مثل كابول'.
وزيرة المواصلات الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل، معروفة كهاوية رحلات 'مهنية' في أرجاء العالم. وصلت إلى فرنسا في السابق. ويجدر أن تقضي نهاية الأسبوع في فرنسا، وتتعلم فيها شيئاً عن شبكة المواصلات العامة في العاصمة الفرنسية، التي هي من الشبكات المتطورة والودية في العالم. يجب قول الحقيقة: في ظل ريغف ونتنياهو وكل حكومة 7 أكتوبر، اقتربت إسرائيل من حالة كابول أكثر ما اقتربت إليها فرنسا، سواء من حيث الأمن أو التعليم والمواصلات أيضاً. هذا الأمر حتى ألف صرخة من صرخات 'اللاسامية' لن تغيره.
سيفي هندلر
'يديعوت أحرونوت' 27/7/2025

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ ساعة واحدة
- BBC عربية
29 فلسطينياً قُتلوا خلال اعتداءات مستوطنين في الضفة الغربية منذ قرابة عامين، آخرهم الناشط عودة الهذالين
قضى ناشط فلسطيني ارتبط اسمه بفيلم "لا أرض أخرى" الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في مارس/ آذار 2025، متأثراً بإصابته برصاص مستوطن في الضفة الغربية. عودة الهذالين، واحد من تسعة وعشرين فلسطينياً قُتلوا خلال اعتداءات مستوطنين في الضفة الغربية، منذ أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق ما صرّح به عبدالله أبو رحمة مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية لبي بي سي. وكان الهذالين من أبرز النشطاء المناهضين للتوسع الاستيطاني في منطقة جنوب الخليل، كما عمل مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية ببلدة يطا، وهو أب لثلاثة أطفال. وقالت وزارة الصحة، إن عودة البالغ من العمر31 عاماً، توفي صباح يوم الثلاثاء، متأثراً بطلق ناري أصابه في صدره مساء الاثنين، في قرية أم الخير شرق يطا. بدوره، أوضح علاء الهذالين، ابن عم الضحية، أن جثمانه لا يزال محتجزاً لدى السلطات الإسرائيلية، ومن المقرر نقله للتشريح في معهد الطب العدلي "أبو كبير" في تل أبيب. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أعلنت في وقت سابق، أنها تحقق في "حادث وقع قرب الكرمل"، وهي مستوطنة مجاورة لأم الخير. وجاء في بيان للشرطة: "تم احتجاز مواطن إسرائيلي في مكان الحادث، ثم اعتقلته الشرطة للاستجواب". وأضاف البيان: "اعتقل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي أربعة فلسطينيين على خلفية الحادث، بالإضافة إلى سائحين أجنبيين كانا في مكان الحادث". وتابعت الشرطة: "بعد الحادث، تأكدت وفاة فلسطيني، ويجري التحقق من تورطه الدقيق في الحادث". ويقول نشطاء إن المستوطن الذي أطلق النار يُدعى "ينون ليفي"، وهو مدرج بالفعل على قائمة العقوبات الأوروبية والبريطانية، وفقاً لموقع تتبع عقوبات الاتحاد الأوروبي. مقتل 6 فلسطينيين في الضفة الغربية على يد مستوطنين خلال 2025 وأفاد نشطاء من منطقة مسافر يطا، أن الناشط عودة هذالين قُتل جرّاء اقتحام مجموعة من مستوطني "كرمائيل" والبؤرة الاستيطانية "شمعون" محيط منازل المواطنين، وتنفيذهم أعمال حفر استفزازية، استكمالاً لمحاولات سابقة لتوسيع السيطرة على أراضي القرية. وخلال محاولة الشبان منع المستوطنين من الاقتراب، قام أحدهم بدهس الشاب أحمد الهذالين بمقدمة حفّار، ما أدى لإصابته برضوض وكدمات وُصفت بالمتوسطة، نُقل إثرها إلى مستشفى يطا الحكومي. لاحقاً، أطلق أحد المستوطنين النار على عودة هذالين، وأصابه في صدره، فيما منعت القوات الإسرائيلية طواقم الإسعاف من الوصول إليه، قبل أن يُنقل إلى مستشفى "سوروكا" في بئر السبع، حيث أُعلن عن وفاته. ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن شاهد عيان أنه قدّم إسعافات أولية للهذالين الذي كان فاقداً للوعي، وأنه حاول إنعاشه عدة مرّات قبل أن يصل إسعاف إسرائيلي، لكن الإصابة كانت قاتلة. واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية الثلاثاء، أن أعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون إسرائيليون في الضفة الغربية هي "أعمال إرهابية" بعد عملية "قتل" ناشط نسبت إلى مستوطنين. وقال ناطق باسم الوزارة "تشجب فرنسا جريمة القتل هذه بأشد العبارات فضلاً عن كل أعمال العنف المتعمدة التي يرتكبها مستوطنون متطرفون بحق الفلسطينيين والتي تكثر في أرجاء الضفة الغربية"، مضيفاً أن "أعمال العنف هذه هي أعمال إرهابية". وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، نفّذ المستوطنون أكثر من 2.153 اعتداء خلال النصف الأول من العام الجاري، تسببت بمقتل 6 فلسطينيين على الأقل. ويعيش في الضفة الغربية حوالى ثلاثة ملايين فلسطيني إلى جانب ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي يقيمون في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي. وفي حادثة أخرى، أعلنت الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية أن الشاب محمد الجمل (27 عاماً) قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي قرب مدخل مدينة الخليل الشمالي، حيث احتجز جثمانه. وفي بيان للجيش الإسرائيلي، قال إن الشاب ألقى حجراً باتجاه الجنود خلال "نشاط عملياتي" في المدينة، وأن الجنود "أطلقوا النار عليه لإزالة التهديد. تم تحييده، دون وقوع إصابات في صفوف قواتنا"، وفق تعبير البيان. وفي سياق منفصل، نفذت القوات الإسرائيلية فجر يوم الثلاثاء حملة مداهمات واعتقالات واسعة في مناطق متفرقة بالضفة الغربية. وبحسب مصادر محلية، أعاد الجيش الإسرائيلي اعتقال ثلاثة من السجناء المحررين في صفقة التبادل الأخيرة بين حماس وإسرائيل، وهم: سعيد ذياب وسامح الشوبكي وسائد الفائد، بعد اقتحام منازلهم في مدينة قلقيلية. إلى ذلك، أدانت السعودية مطالبة الكنيست الإسرائيلي بفرض السيطرة على الضفة الغربية وغور الأردن، وما تُمثله من تقويض لجهود السلام، مشددة على رفضها التام لانتهاكات السلطات الإسرائيلية للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وأكد مجلس الوزراء السعودي يوم الثلاثاء، تطلع البلاد إلى أن يسهم "المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية"؛ في كل ما من شأنه تسريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإرساء مسار توافقي لتنفيذ حل الدولتين، وتعزيز أمن دول المنطقة واستقرارها.


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
أسير إسرائيلي: جنودنا مكثوا أياما في نفس المنزل الذي احتجزتني فيه حماس.. دون أن يدركوا
في الأيام الأخيرة نشهد انهياراً للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة، لدرجة طريق مسدود في ثلاثة جوانب: مسألة المخطوفين، والجبهة العسكرية، وتوريد الغذاء إلى غزة. بالنسبة للمخطوفين، في قيادتنا – من رئيس الوزراء فنازلاً – الكل كان مقتنعاً بأن الصفقة في متناول اليد. صحيح أن هذا بعد حتى الآن، أو مثلما لخصه الرئيس ترامب أمس: 'حماس لن تحرر العشرين مخطوفاً المتبقين. هم يستخدمونهم كدرع'. الجبهة العسكرية تجاه غزة عالقة هي الأخرى. صحيح أن قواتنا تضرب بنى حماس التحتية، لكن لم يدخل الجيش بعد إلى الـ 25 في المئة من أراضي غزة التي ما زالت حماس تحكمها. وثمة انهيار آخر في سياسة واقع التموين، الذي يسمى خطأ 'مساعدات إنسانية'؛ فقد كانت الخطة الأصلية هي تحويل توزيع الغذاء في غزة إلى الصندوق الأمريكي الإسرائيلي GHF ومن خلاله الفرز بين الإرهابيين وغير المشاركين، لكن الجيش الإسرائيلي لم يرغب في القيام بهذا الفرز. إلى جانب ذلك، حملة الأكاذيب شديدة القوة وكأن جوع غزة أجبر نتنياهو على أمر سلاح الجو بإنزال المؤن من الجو إلى المناطق التي تسيطر فيها حماس. كما تمت زيادة دراماتيكية لكمية الشاحنات التي تدخل مباشرة إلى غزة، في تضارب صريح مع سياسة الإغلاق التي قررها الكابنت قبل بضعة أشهر. هذا ما يسمى انهيار السياسة. فضلاً عن ذلك، فإن تلك الشاحنات التي طالبت بها حماس الأسبوع الماضي في إطار صفقة، تحصل عليها الآن بالمجال بدون مخطوفين وبدون مقابل. هذا العنصر بحد ذاته غير معقول، ومع ذلك، المشاكل لا تنتهي هنا؛ فالمشكلة الأكبر هي أن أحداً في القيادة الإسرائيلية لا يعرف كيفية الخروج من المتاهة التي ترتبط عناصرها معاً. هكذا يفهم من الحديث مع المحافل العسكرية والسياسية على حد سواء. نتنياهو: 'هناك حملة إعلامية' يدعي الجيش الإسرائيلي بأن الدخول إلى تلك الـ 25 في المئة التي لا يسيطر فيها على غزة سيعرض سلامة المخطوفين الأحياء للخطر، لكن ليس مؤكداً بأنه ادعاء صحيح. غير قليل من المخطوفين شهدوا بأن جنازير الدبابات مرت من فوق رؤوسهم، ومع ذلك حرص آسروهم على إبقائهم سليمين ومعافين. بل إن أحد المخطوفين روى أنه كان مع آسريه تحت مدرج بيت مكث فيه جنود الجيش الإسرائيلي بضعة أيام. وكانوا أدخلوه إلى هناك وأخرجوه بسلام. وشكراً للرب، هو اليوم معنا سليماً ومعافى. في جلسة الكابنت العاصفة التي بحثت فيها المعاضل، طلب رئيس الأركان زامير تلقي تعليمات صريحة من المستوى السياسي بالدخول إلى تلك الـ 25 في المئة الحساسة. وقال سموتريتش معقباً، إن الحكومة لم تأمر الجيش قط بالامتناع عن العمل في هذه المناطق، وإن هذه سياسة قررها الجيش لنفسه. غضب زامير، واتهم وزير المالية بأنه 'يعرض المخطوفين للخطر'. أما وزير المالية، الذي كان عصبياً، فلم يصمت: 'وأنت تمنع النصر'. نتنياهو يرفض أن يصدر لزامير أمراً صريحاً بالدخول إلى هذه المناطق، خوفاً انتقاد بعض من أبناء العائلات واللجنة القيادية المحيطة بهم. 'هناك حملة إعلامية'، قال نتنياهو عدة مرات في جلسات الكابنت. لا يهم من المحق في هذا الجدال، النقطة أن رئيس الأركان لا يعرف خطة بشأن كيفية الانتصار في الوضع الحالي و/أو جلب المخطوفين. كما أن زامير يعارض تحمل مسؤولية توزيع الطعام على الغزيين. وهكذا نشأت صدامات بينه وبين نتنياهو وسموتريتش، تشبه تلك التي كانت بين هرتسي هليفي والاثنين. فجوات وشقاقات وتوترات بدلاً من التعاون بين الطرفين مثلما رأينا في حملة 'الأسد الصاعد'، بدا أن فجوات وشقاقات متبلة باعتبارات سياسية وخوف من الرأي العام، تشجع توترات ولا تحل أي مشكلة. هيئة أركان زامير أكثر قتالية واندفاعاً من سلفها. يؤمن الجيش اليوم ي بأن المزيد من الضغط سيكسر حماس في النهاية، لكنه لا يعرض خططاً مرتبة أو جدولاً زمنياً بكيف ومتى سيحصل هذا. في الوقت نفسه، من المهم التشديد على أن ذنب الجمود لا يقع على الجيش فقط. كما أسلفنا، رئيس الوزراء هو الذي افترض بأن صفقة مخطوفين خلف الزاوية. كتحصيل حاصل، لم يطلب أيضاً من الجيش حسماً فورياً لحماس. ويعود السبب في ذلك إلى أن نتنياهو يسبّق تحرير المخطوفين على النصر. الموضوع أن كل الأحداث والشقاقات تأخذ وقتاً طويلاً وغالياً جداً ضدنا: معاناة المخطوفين، أولاً وقبل كل شيء، لكن إسرائيل تلحق كل يوم أضراراً دولية هائلة بسبب تمديد القتال. الجمهور يجهل ذلك، لكن موجات الصدى سترافقنا سنوات طويلة. ترامب معنا، هذا صحيح، لكنه هو ورجاله طلبوا إدخال المؤن إلى غزة. لهم إعلامهم ودول العالم تضغط، ولنا أيضاً عالم خارج ترامب – ألمانيا مثلاً: نتنياهو راعى الألمان عندما قلب السياسة المتعلقة بالمؤن رأساً على عقب. أمام مرمى إعلامي بلا حارس كل هذه الحملة، بالمناسبة، أصبحت ممكنة لأن نتنياهو هو الذي يجفف منظومة الإعلام الرسمي القومي. حماس، والأمم المتحدة وباقي كارهي إسرائيل، يقاتلون أمام مرمى إعلامي بلا حارس. وهكذا أدت الخسارة الإعلامية إلى أن وجدنا أنفسنا أننا نحن الذين نغذي مخربي حماس. فهل لنتنياهو خطة خروج من الورطة؟ التجربة تفيد بأن له أرانب في القبعة. سياسياً وموضوعياً على حد سواء: السياسية التي يتخذها صعبة على الهضم، لدرجة أنه ملزم أن لها تفسيراً لا نعرفه، فإذا لم يكن تفسير كهذا فستتفكك حكومته في يوم أو يومين، والانتخابات المبكرة ليست هي ما تحتاجه إسرائيل في وضعها الصعب. بدلاً من ذلك، ولإخراج العربة الإعلامية من الوحل الغزي، ثمة حاجة لأن يكف كل من نتنياهو وكاتس وسموتريتش وزامير، عن الشقاق والدخول إلى عصف أدمغة يؤدي إلى خطة متفق عليها. اليوم لا يوجد مخطوفون ولا يوجد نصر، بل توريد مساعدات لحماس وهدن يومية في الحرب، في الوقت الذي نصرخ فيه من تحت الأرض. هذه نتيجة قاسية لا يمكن التسليم بها. أو كما صاغ ذلك الرئيس ترامب الذي يزور بريطانيا: 'قلت لبيبي إنه ينبغي له أن يفعل هذا بطريقة أخرى'. أرئيل كهانا إسرائيل اليوم 29/7/2025


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
أوروبا واتفاقها التجاري مع ترامب في مهبّ الرياح
باتت أوروبا في مهبّ رياح عاتية محمّلة بأتربة سوداء ونار مستعرة، مع الاتفاق التجاري الأخير الذي توصلت إليه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بداية الأسبوع. رياحٌ ربما تهزّ اقتصاد دول القارة وعملتها الموحّدة وصادراتها وأسواقها ومعيشة مواطنيها، وتساهم في إضعافها مالياً وتجارياً وربما سياسياً، وتعمق خلافاتها مع روسيا، خاصّة وأن الاتفاق يضع نهاية لتدفق الغاز والنفط الروسيَين نحو دول القارة، وهو ما تعتبره موسكو حرباً اقتصادية جديدة تضاف إلى الحروب المالية والعقوبات التي تشنّها القارة منذ اندلاع حرب أوكرانيا. وفي نظرة لبنود الاتفاق التجاري الأميركي الأوروبي نجد أنه لا يقف عند حدّ تقديم أوروبا تنازلات مهينة ومذلة وغير مسبوقة لترامب وإداراته، في محاولة لطيّ أسوأ نزاع تجاري تواجهه، ولا عند الخسائر المالية الضخمة التي سيتكبّدها الاقتصاد الأوروبي جرّاء تنفيذ بنود الاتفاق، ومنها سداد ما يزيد عن تريليون دولار هي كلفة استيراد الغاز والسلاح والوقود النووي الأميركي، وضخ استثمارات في الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، ولا عند حدّ زرع ترامب فتنةً كبرى بين دول الاتحاد الأوروبي لدرجة تدفع دولة في ثقل فرنسا الاقتصادي للخروج علناً واصفةً الاتفاق بأنه "يوم أسود" لأوروبا، وأن تشتعل الخلافات العميقة بين قادة ألمانيا بشأن تقييم الاتفاق، لكن الخطر الأكبر يكمن في بنود الاتفاق الغامضة، وآليات تنفيذه، والضمانات المقدّمة من الطرفَين، ومدى التزام ترامب بالبنود المتّفق عليها، وعدم الانقلاب عليها مستقبلاً، وممارسة تهديدات جديدة خاصّة مع انتهاء الفترة الزمنية. من بين الأسئلة : هل ستعود أوروبا لشراء الغاز الروسي، أم ستواصل الاعتماد على الغاز الأميركي، ومَن يتحمل فاتورة استيراد الوقود الأكثر كلفة من الولايات المتحدة مقابل الغاز الروسي الرخيص؟ الاتفاق يطرح عشرات الأسئلة التي قد لا يجد كثيرون إجابةً شافية لها، وفي مقدمتها؛ ما هي الواردات الأوروبية الخاضعة للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 15%، وهل تقتصر على السيارات وأشباه الموصلات والمستحضرات الصيدلانية والأدوية، وهل هذه هي النسبة الأعلى، ومَن هي الجهة المسؤولة عن ضخّ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي؛ القطاع الخاص الأوروبي أم الحكومات، وما هو الموقف في حال امتناع المستثمرين الأوروبيين عن ضخّ كل تلك الاستثمارات في فترة حكم ترامب؟ من بين الأسئلة أيضاً: هل ستعود أوروبا لشراء الغاز الروسي بعد مرور ثلاث سنوات هي فترة الاتفاق مع ترامب، أم ستواصل الاعتماد على الغاز الأميركي، ومَن يتحمل فاتورة استيراد الوقود الأكثر كلفة من الولايات المتحدة مقابل الغاز الروسي الرخيص، وما هي مخاطر اعتماد أوروبا كلياً على الطاقة الأميركية؟ موقف التحديثات الحية ليلة تركيع أوروبا أمام السمسار ترامب وهل هناك إطار قانوني ملزم للطرفيين ببنود الاتفاق، وما هي صادرات الاتحاد الأوروبي المعفاة من الرسوم التي جرى الاتفاق عليها، هل مثلاً الطائرات ومكوّناتها والسلع الضرورية مثل الأدوية غير المسجّلة والسلع الغذائية والرقائق ومستلزمات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، وبالتالي تجري حماية المستهلك الأوروبي من خطر التضخم، أم تقتصر على السجائر والنبيذ والمشروبات الكحولية؟ ماذا عن واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية التي لا تزال الولايات المتحدة تفرض رسوماً جمركية عالية عليها وبنسبة 50%؟ صحيح أنّ توقيع الاتفاقية بين واشنطن وبروكسل وضَعَ، وإن مؤقتاً، حداً لحرب تجارية شرسة كادت أن تندلع بين أكبر اقتصادَين في العالم، وأنّ أوروبا تفادت بتوقيع الاتفاق الدخول في نزاع تجاري شرس مع إدارة ترامب المتعطّشة لحصد الأموال من كل صوب وحدب، لكن المشكلة تكمن في التفاصيل التي لم يحسمها لقاء ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في اسكتلندا يوم الأحد الماضي.