logo
فرح وسعاد.. الحكاية الخفية في قلب الشيخ الحصري

فرح وسعاد.. الحكاية الخفية في قلب الشيخ الحصري

الدستورمنذ يوم واحد
رسم كتاب "غرام المشايخ" للكاتب أيمن الحكيم، صورة إنسانية بالغة العمق للشيخ الجليل محمود خليل الحصري، شيخ عموم المقارئ المصرية، من خلال الإشارة إلى علاقته بأهم امرأتين في حياته: أمه "فرح"، وزوجته "سعاد محمد الشربيني"، اللتين تقاسمتا قلبه ومحبته، ورافقته كل منهما في محطة حاسمة من محطات حياته الحافلة بالعطاء والقرآن.
ويقول 'الحكيم': لو شققت عن قلب الشيخ الحصري، ستجد امرأتين تتربعان فيه وتقتسمان هذا القلب العامر، الأولى هي "فرح"، أمه التي ربته ورعته، ونفذت وصية والده قبل رحيله المبكر بأن يهب "محمود" لخدمة القرآن الكريم، ومن أجل رؤيا رآها الأب، ترك قريته في الفيوم، وجاء بزوجته وطفله الصغير ليجاور طنطا، عاصمة القرآن، وكان على الأم أن تستكمل المسيرة وتحقق الرؤيا.
كان "محمود" طفلها المدلل، فهو الصبي الوحيد بين أربع بنات، وكان يعشقها ويعتبرها محور الكون، ولما كان تلميذا في المعهد الأزهري بطنطا، كان يقطع مسافة خمسة كيلومترات سيرا على الأقدام بين المعهد وقريته "شبرا النملة"، ليقتصد من مصروفه الضئيل ثمن قطعة حلوى يشتريها لها، ويدخل السعادة على قلبها.
وفي يوم شديد المطر والعواصف، أحال طرق القرية إلى برك من المياه، طلبت منه أمه أن يحضر لها أخته "أمينة"، وكانت متزوجة في بيت على أطراف القرية، وكان الليل قد حل، فأخذ "الكلوب"، وخاض في الأوحال، وذهب إلى بيت "أمينة" وحملها على كتفيه، وجاء بها إلى أمه.. فلم يكن يرد لها طلبا.
وفي آخر عمرها، كان هو الذي يتولى رعايتها، بما في ذلك نظافتها الشخصية، فيمشط لها شعرها، ويبدل ثيابها، ويطعمها بيديه، فقد كانت "فرح" هي سيدة قلبه وأميرته حتى رحلت عن الدنيا.
ويتابع: أما المرأة الثانية المستقرة في قلب الشيخ محمود خليل الحصري (17 سبتمبر 1917 - 24 نوفمبر 1980)، فهي "سعاد محمد الشربيني"، شريكة عمره، وأم أولاده السبعة، ورفيقة رحلته من "شبرا النملة" إلى عرش التلاوة.
وتزوجها الشيخ في مقتبل شبابه عام 1938، وكان حينها في مطلع العشرينيات من عمره، واستأجر لها بيتا في شارع "السكة الجديدة" الذي يربط بين محطة السكة الحديد والمسجد الأحمدي، ذلك المسجد الذي سيلعب دورا محوريا في حياة الشيخ فيما بعد، حيث سيعين قارئا له، ويصدح صوته من جنباته لسنوات طويلة، ويبدأ منه طريق مجده وشهرته.
وبعد سنواته في طنطا، حمل الشيخ الحصري أسرته وأحلامه وجاء إلى القاهرة، فقد كانت "سعاد" هي "وش السعد" عليه، ففي عام 1944، تم اعتماده قارئا بالإذاعة المصرية، ثم قارئا لمسجد مولانا الحسين، واختار الشيخ حي العجوزة ليسكن فيه، وأصبحت شقته الواسعة بشارع "الفالوجا" واحدة من معالم الحي العريق، حتى أن الشارع حمل اسمه.
وأنجبت "سعاد" للشيخ سبعة من الأبناء، هم بالترتيب: "علي"، الابن الأكبر وقد ولد في طنطا، و"إفراج" التي اشتهرت لاحقا باسمها الفني "ياسمين الخيام"، و"شوقية" التي توفيت ولها أبناء يعملون في سلك القضاء، و"محمد" الذي تخرج في كلية الطب بجامعة الأزهر وتوفي عام 2018، و"السيد" وكان من كبار موظفي مجلس الشورى، وقرأ لفترة في مسجد "العزباني" بالموسكي، و"حسين" الابن الأصغر، وسماه على اسم مولانا الحسين، و"إيمان" الابنة الصغرى.
وأصبح "المطبخ" هو المحل المختار للسيدة "سعاد"، فلم تكن تغادره، لسبب بسيط هو أن الضيوف لا يغادرون بيتها، فكان البيت يستقبل زواره طوال ساعات الليل والنهار، والطعام "واجب" مقدس لكل ضيوف الشيخ، من "الأكابر" أصحاب الفضيلة، وفي مقدمتهم الإمام الأكبر عبد الحليم محمود، إلى عابري السبيل وأصحاب الحوائج.
كان الشيخ لا يرد طلبا لسائل، وبعضهم كان يطلب منه جبة أو قفطانا، فيخلع ما يرتديه ويقدمه بنفس راضية، وكان للشيخ حيل لطيفة حتى لا يحرج المحتاج أو يمن عليه، فكان يضع المال داخل مصحف ويهديه إليه، حتى لا يعرف الحاضرون ولا ينظرون إليه نظرة تسوئه.
لم تكن الحاجة "ياسمين الخيام" تبالغ عندما وصفت مائدة بيتهم بأنها تحولت إلى "مائدة الرحمن"، بفضل كرم والدها "الشيخ الحصري"، و"جهاد" والدتها في المطبخ، التي ما زالت تحتفظ ببعض "الحلل" الضخمة التي كانت تعد فيها الطعام، أشبه بما كان يستخدمه الطباخون في "الأفراح البلدي".
ويضيف: كان الشيخ يفاجأ بوفود من دول إسلامية، خاصة من إفريقيا وشرق آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية، يأتون إلى القاهرة لزيارة الشيخ الذي تعلموا من تسجيلاته ترتيل القرآن، وكانت "سيدة المطبخ" جاهزة دائما بالطعام.
لم يكن الشيخ يمارس التفرقة الطبقية بين ضيوفه على مائدة الطعام، يجلس من حضر، مهما كانت درجته، فقط كان هناك "كرسي" مخصوص لا يجلس عليه إلا الإمام الأكبر محمود شلتوت، شيخ الأزهر، وكان من أقرب الناس إلى قلب الشيخ الحصري، وله بمنزلة الوالد.
ونظرا لانشغالات الشيخ الحصري الكثيرة، أصبحت "أم علي" هي "أركان حرب الأسرة"، فقد تولت تدبير شؤون البيت، ورعاية الأولاد، وتميزت بالحزم والشدة، ما زال أولادها يتذكرون "المقصوصة" التي كانت لا تفارق يدها في المطبخ، تقلب بها الطعام، وتعاقب بها من يخطئ من أبنائها، ضربا حانيا لا يوجع.
ويشدد: لم تكن زوجة الشيخ ترضى عن تدليله لأولاده ومنحهم المال بلا حساب، فتوصل الشيخ إلى فكرة عملية: أن يعقد مع أولاده "صفقة" بموجبها يحصل كل منهم على قرش صاغ عن كل سطر يحفظه من القرآن الكريم، أي أن كل صفحة من المصحف يقابلها ١٥ قرشا، وهو مبلغ محترم آنذاك.
ومن طول العشرة، كانت السيدة "سعاد" تفهم الشيخ من نظرة عينيه، ففي إفطاره، لا بد أن يكون طبق "الفول المقشر" حاضرا، وفي الغداء طعامه المسلوق، وفي العشاء "سلطانية الزبادي"، وفي الصيف لا ينقطع "البطيخ" من البيت، فاكهته المفضلة بجانب الجبنة البيضاء.
تعرف جدول يومه وتحفظه، يبدأ يومه بصلاة الفجر، يوقظ أبناءه ليصلوا خلفه، ثم ينام حتى العاشرة صباحا، ليستيقظ على إفطاره الجاهز: الفول، الجبنة القريش، السلطة، ورغيف الخبز، ثم يخرج لمتابعة أعماله.
رغم المجد الذي بلغه، وسفره لقارات الدنيا، وصداقاته مع ملوك ورؤساء، لم ينس الشيخ الحصري أنه الفلاح ابن الأسرة البسيطة من الغربية، فظل محافظا على تقاليده الريفية، وكان يعتقد أن البنت خلقت لتكون زوجة وأما، فعارض التحاق "إفراج" بالجامعة، ولم يسمح لها بالغناء إلا بعد استشارة الإمام عبد الحليم محمود، الذي أفتى بأن الغناء حلال ما دام لا يثير فتنة، فسمح لها على مضض، واختارت اسما فنيا جديدا.
ربما تعاطفت الأم مع طموحات ابنتها، لكنها لم تكن تخالف رأي الشيخ حتى لو بدا ثقيلا، مثلما حدث في زفاف "إفراج" حين أصر على إحياء الحفل بإنشاد التواشيح الدينية.
ويؤكد الحكيم: رغم الصرامة التي طبعت وجه الشيخ، إلا أن العارفين به يجمعون على أنه كان يحمل قلبا حانيا، ففي "شبرا النملة"، كانت هناك شجرة طالما استظل تحتها، فلما تحسنت أحواله، اشترى الأرض التي عليها الشجرة، وكان يطلب من سائقه التوقف عندها، وينزل ليمر بجانبها مشيا احتراما وتقديرا.
على هذه الأرض، بنى مسجدا، وهو واحد من ثلاثة مساجد تحمل اسمه، بجوار مسجده في العجوزة، ومسجده في مدينة 6 أكتوبر، وكان من كرمه أنه أعد جدولا بأسماء أهله وأقاربه، يصطحب عددا منهم كل عام لأداء الحج على نفقته الخاصة.
ورحل الشيخ عقب واحدة من تلك الرحلات إلى الأراضي المقدسة، وقد رحل مطمئنا على بيته وأولاده، لأن في البيت "أركان حرب" اسمها سعاد محمد الشربيني.. كانت دوما أول من يستيقظ وآخر من ينام.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحياة الدنيا .. ممر وليست مستقرًا
الحياة الدنيا .. ممر وليست مستقرًا

بوابة ماسبيرو

timeمنذ 3 ساعات

  • بوابة ماسبيرو

الحياة الدنيا .. ممر وليست مستقرًا

أكد برنامج ( قطوف من حدائق الإيمان ) أن الحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة ، ومهما عظُمت فهي حقيرة ، ومتاعها قليل ، فهي دار لهو ولعب وزينة وتفاخر بين الناس بالأموال والأولاد والمناصب . وتطرق البرنامج إلى حقيقة الدنيا كما أوضحها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ، فقال عز من قائل : ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ ؛ [ الروم: 55]. كما قال الله تبارك وتعالى : ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [ النساء: 77]. ووجه البرنامج عدة نصائح لكل من ضاقت عليه الدنيا ، وقُدر عليه رزقه ، وتثاقلت عليه الهموم ، لعل من أهم هذه النصائح أن يتذكر العبد دائمًا أن الدنيا فانية ، وأن كل ما أصابه في هذه الدنيا من بلاءات وأكدار فإنما وقع بسبب ذنوبه ، قال تعالى : ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ ؛ [ الشورى: 30] ، فعليه أن يكثر من الاستغفار ، وأن يسارع بالتوبة ، فإن ذلك من أعظم أسباب دفع البلايا والمصائب ، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفعَ بلاءٌ إلَّا بتوبةٍ". يذاع برنامج ( قطوف من حدائق الإيمان) يوميًا علر أثير إذاعة القرآن الكريم ، تقديم الإذاعي فوزي عبد المقصود .

تصريح صادم من طارق الشناوي بسبب حفيدة أم كلثوم
تصريح صادم من طارق الشناوي بسبب حفيدة أم كلثوم

الاقباط اليوم

timeمنذ 6 ساعات

  • الاقباط اليوم

تصريح صادم من طارق الشناوي بسبب حفيدة أم كلثوم

علق الناقد الفني طارق الشناوي على تصريح السيناريست مدحت العدل على هامش افتتاح المقر الجديد لجمعية المؤلفين والملحنين، بشأن تفاجؤه بسبب اعتزال حفيدة كوكب الشرق أم كلثوم الفن وقرارها بأن تتفرغ للعبادة والحجاب بعد ان لفتت الأنظار إليها بشكل واضح اثناء مشاركتها فى برنامج المواهب the voice . وقال الشناوي فى مداخلة هاتفية لبرنامج 'الستات' المذاع على قناة النهار تقديم الإعلامية سهير جودة ، ان مدحت العدل لم يقصد الحديث عن الحجاب هو فقط يعلق على قرار الحجاب لان لا يوجد علاقة بين الغناء والحجاب لأن ذلك سيوصل رسالة بتحريم الفن، فمثلا عايدة الأيوبي مازالت تتواجد على الساحة الغنائية بشكل كبير ، وأيضا الفنانة الراحلة هدي سلطان كانت ترتدي الحجاب. وأضاف طارق الشناوي، قائلا: "ان اى شخص يعشق الفن بمجرد شعوره ان شحص اخر يحرم الفن يعتبره وكأنه يحرم الحياة . واستكمل طارق الشناوي ، معلقا: "هناك أزمة فى المجتمع وهى الفهم الخاطئ للفن ، والسيدة ام كلثوم كان والدها شيخ جامع وكانت من حفظة القرآن وتعلمت اساس الغناء من التواشيح الدينية. واختتم طارق الشناوي حديثه، بدهشته عن كيف وصلنا لذلك الأمر وأصبح الكثير يعادي الفن بشكل واضح ، والحجاب حرية شخصية ولكن الفن يجب ان نتصدي لكل من يعاديه أو يحرمه والفن حلال بدليل ان ام كلثوم كانت تتمني تسجيل القرآن الكريم بصوتها.

سيدة قلب "أمير التلاوة".. حكايات وكواليس من حياة قارئ الفجر محمود علي البنا
سيدة قلب "أمير التلاوة".. حكايات وكواليس من حياة قارئ الفجر محمود علي البنا

الدستور

timeمنذ 8 ساعات

  • الدستور

سيدة قلب "أمير التلاوة".. حكايات وكواليس من حياة قارئ الفجر محمود علي البنا

في كتابه "غرام المشايخ"، يكشف الكاتب أيمن الحكيم جانبا مختلفا من حياة كبار قراء القرآن في مصر، جانبا إنسانيا حميما قد لا يعرفه جمهورهم العريض، حيث يتجاوز الصوت الرخيم وسرادقات العزاء، إلى بيوت هؤلاء المشايخ، وقصص حبهم وعلاقاتهم الأسرية. من بين ما وثقه الكتاب، تأتي حكاية الشيخ محمود علي البنا، أحد أعمدة دولة التلاوة في القرن العشرين، وعلاقته بزوجته "سيدة" التي كانت، كما يروي مقربون، سيدة قلبه ورفيقة دربه وسر سكينته، حتى إن حكايتهما معا بدت كأنها قصة حب خالدة كتبت بالوفاء والدموع. يقول الحكيم: في كل بيت من بيوت قراء القرآن الكبار، تجد أن لكل منهم سورة معينة تميز بها، ارتبط اسمه بها وارتبطت هي بصوته، الشيخ محمد رفعت كانت سورة "مريم" ساحته الأثيرة، والشيخ سيد سعيد بلغ الذروة في "يوسف"، أما الشيخ عبد الباسط فملك قصار السور بلا منازع، وإذا ذكر "قرآن الفجر" فلا يشار إلا إلى الشيخ محمود علي البنا، الذي كان صوته في الفجر يتألق بفتوحات نورانية لم يصل إليها أحد قبله أو بعده، كان يقرأ الفجر مجانا في أي مسجد دون تردد، واثقا أن الملائكة تملأ المكان، وأن وعد "إن قرآن الفجر كان مشهودا" يتجلى فيه. ولد محمود علي البنا في 17 ديسمبر 1926 بقرية شبرا باص بمحافظة المنوفية، ونشأ على حب القرآن، ونذرته أمه له منذ ولادته، عاش حياته كلها في خدمة كتاب الله، وعرف بأناقته ووسامته وأدائه العذب، حتى استحق عن جدارة لقب "أمير التلاوة". بدأت رحلته الكبرى حين انتقل إلى القاهرة وهو شاب في أوائل العشرينات، وشارك في مسابقة لحفظ القرآن نظمتها جمعية الشبان المسلمين، ففاز بجائزة مالية قدرها عشرة جنيهات، لكنه ربح ما هو أعظم: شريكة عمره. وتابع "تعرف الشيخ الشاب في الجمعية على المهندس محمود راشد، زميله في حي شبرا، الذي دعاه مرارًا إلى بيت أسرته، وهناك توطدت علاقته بالحاج علي راشد، والد صديقه، وهو رجل أزهري فاضل، رأى الحاج علي في الشيخ البنا شابا خلوقا متدينا، فزوجه ابنته "سيدة"، رغم اعتراض أقاربه الذين تمسكوا بتقاليد تمنع زواج بنات "آل راشد" من خارج العائلة، لكنها كانت السابقة التي غيرت كل شيء. تزوج البنا عام 1948، وهو في الحادية والعشرين، بينما كانت زوجته تصغره بست سنوات، عاشت معه في شقة بسيطة بحي شبرا، وهناك أنجبت له ابنهما الأول "شفيق"، الذي أصبح لاحقا لواء مهندس وأحد كبار مسؤولي رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبعدها انتقلت الأسرة إلى شقة في شارع مصر والسودان، ثم إلى منزل البنا في مصر الجديدة. كانت "سيدة" بحق سيدة قلب الشيخ، وقدم السعد عليه، فقد تم اعتماده قارئا بالإذاعة المصرية بعد شهور من زواجهما، في 17 ديسمبر 1948، وأصبح صوته بعد ذلك معروفا في أنحاء مصر كلها. يضيف: "أنجبت له 7 أبناء، هم: شفيق، آمال (صحفية بالأخبار)، علي (محاسب وخبير كمبيوتر)، أحمد (رجل أعمال وهاو لقراءة القرآن)، محمد (طبيب باطنة في السعودية)، ناهد (خريجة تجارة)، وشريف (رجل أعمال) وكان لافتا أن خمسة من أبنائه حصلوا على بكالوريوس تجارة، وهي مصادفة أثارت تعجب كثيرين. سيدة كانت سيدة البيت بحق، تدير المنزل بحكمة وحب، تهيئ للشيخ جوه الخاص، تعرف ما يحب وما يكره، تبدأ يومه بفتة اللبن التي لا بديل لها، وتمنع عنه المياه الغازية والمشروبات الباردة حرصا على صوته، كانت معه في كل شيء، حتى أنها باعت قطعة أرض ورثتها لتساعده في شراء بيت، فاشترى لها لاحقا أضعاف ما باعته. يروي ابنه الشيخ أحمد البنا، الأقرب إلى والده، أنه كان مضرب المثل في الكرم: بنى بيتا لجديه في قريته وهو لا يزال يسكن بالإيجار، أهدى كل ابن سيارة يوم تخرجه، بل فاجأ أحمد عند زواجه بسيارة 504 جديدة. يقول: "سألته ليه يا بابا؟ قال لي: مش معقول عربيتك تعطل ومعاك مراتك وتقف في الشارع". حتى في بناء بيت العائلة في مصر الجديدة، خصص لكل ابن شقة، وعندما عاتبته شقيقته قائلة: "هتدي البنات زي الولاد؟" أجابها: "ده مش ورث يا رتيبة.. ده على حياة عيني". يختتم الحكيم: رحل الشيخ البنا في 20 يوليو 1985 عن عمر ناهز 59 عاما، عاش منها 37 عاما مع "سيدة قلبه"، التي لم تنسه يوما بعد وفاته، استمرت بعده عشر سنوات، وحرصت كل جمعة على زيارة ضريحه في شبرا باص، تقرأ له الفاتحة وتبكي، ثم تعود إلى القاهرة بقلب مثقل، يقول ابنه أحمد: "أمي في آخر أيامها كانت لا تزن أكثر من 38 كيلو، كأن الحزن على أبي كان يأكل من عمرها وصحتها". وعندما توفيت، دفنت إلى جواره في الضريح الذي يضم جسد من قرأ فأطرب، ومن سمع فبكى، وفي قبره رقدت إلى جانبه شريكة عمره، كما أوصى هو قبل وفاته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store