
عدوّ حبيبي مايكون طبيبي
رمز الكتانيين المنحرفين دينيا ووطنيا هو الشيخ عبد الحي الكتاني، الذي آتاه الله آيات فانسلخ منها، وضلّ عن علم فهلك عن بينة، ومعارضته للسلطان محمد الخامس لا يبرر ارتماءه في حضن فرنسا إلى درجة أنه كان ثالث ثلاثة في المؤامرة على خلع محمد الخامس عن عرشه في سنة 1953 إلى جانب الدمية ابن عرفة و'القرد البشري' التهامي الجلاوي.. وكانت فرنسا قد وضعته على رأس اتحاد زوايا المغرب العربي، فكان كثير التنقل بين أجزائه حتى سماه الإمام الإبراهيمي 'الهائم'. وقد كتب عنه مقالا كان آية مبنى ومعنى، وقد نشره في الجريدة المجاهدة 'البصائر' في 26/4/1948. (آثار الإمام الإبراهيمي ج 3 صص539-547). وقد قبض الله روحه في 1962، ودفن في فرنسا، فما بكت عليه السماء والأرض، لأنه آثر العاجلة ووذر الآجالة.
وأما رمز الكتانيين لإصلاحيين الوطنيين فهو محمد إبراهيم الكتاني (1907-1990)، وقد كني لوطنيته 'أبو المزايا'. كان مثله الأعلى وأسوته المثلى هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي حتى أنه سماه: 'آية الله' وذلك في مقال نشره في جريدة العلم المغربية في بداية شهر أكتوبر من سنة 1953، وكان يقول: 'أنا كتّانيّ نسبا لا طريقة'. وكان يتردد على الجزائر، وله صور مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
والد محمد إبراهيم الكتاني اسمه أحمد، وهو من علماء القرويين، ولد حوالي 1874، وتوفاه الله في 1922، وقد ترك أعمالا علمية كثيرة بين رسالة وكتب.
شاهد أحمد الكتاني احتلال في فرنسا لبلده المغرب في 1912، فدعا الله -عز وجل- أن لا يلاقيه بفرنسي، وأن لا يريه وجه فرنسي، وقد أبرّه الله وكرم وجهه فأسلم روحه ولم تقع عيناه على فرنسي مباشرة.
في آخره عمره مسه الضر، واشتد عليه المرض، وأعيا داؤه الرقاة فاقترح عليه أن يؤتى بطبيب فرنسي، وألحوا عليه في ذلك فانتفض غاضبا وقال: 'عدو حبيبي مايكون طبيبي' فذهب قوله مثلا سائرا.
وقد ذهب في تفسير كلامه مذهبان، أحدهما يقول إنه قصد بكلمة 'حبيبي' رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وثانيهما يذهب إلى أنه يقصد بكلمة 'حبيبي' بلده المغرب. والتعبير يحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما، رحم الله كل مسلم عدو لفرنسا الصليبية، وضاعف العذاب لكل خوّان أثيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 3 ساعات
- الشروق
في الذكرى الأولى لاستشهاده.. إسماعيل هنية كما عرفته
لم يكن يخطر ببالي يوماً أن أكتب في رثاء الصديق والأخ إسماعيل هنية، 'أبو العبد'؛ ذاك الذي كنت أراه أصغر من أن يُرثى، وأقرب إلى روح الحياة من أن يخطفه الموت بهذه الطريقة الفاجعة. لقد أصابت عملية اغتياله في طهران الجميع بالذهول، وأعادت مشاهد التغريبة الفلسطينية بكل ما فيها من جراح ونزيف ومآسٍ، فيما شيّعه الآلاف من رفاقه ومحبيه من إيران إلى قطر، حيث دُفن بين دعاء القلوب ودموع العيون. في الذكرى الأولى لاستشهاده، أجدني أسترجع ما يقارب العقدين من الزمن قضيناها معاً في ميادين العمل السياسي والفكري والتنظيمي، جمعتنا تفاصيل كثيرة من المسؤولية اليومية والحوارات والمواقف التي تكشف عن معدن هذا الرجل وعمق تجربته وإنسانيته. صفحات من الذاكرة لم أعرف الشهيد إسماعيل هنية عن قرب قبل الانتخابات التشريعية عام 2006، لكن خطاباته خلال الحملة كانت لافتة؛ يمتلك حنجرة قوية وكاريزما خطابية تلامس وجدان الجماهير، خاصة في الأوساط الإسلامية التي تهتم بقوة البيان وبلاغة الطرح. فاز هنية، كما فازت حماس، بأغلبية مفاجئة، وتشكلت الحكومة العاشرة التي كنت أحد مستشاريها السياسيين، بتكليف مباشر منه، في لقاء جمعنا في القاهرة. كان أبو العبد قريباً من الجميع، هادئاً، مستمعاً جيداً، وصاحب صدر رحب للحوار والتعدد. لم يكن رجل تصادم، بل رجل توازن، يسعى للتوفيق أكثر من فرض الرأي. تلك الروح التوافقية جعلته محبوباً حتى عند خصومه، وكانت إحدى أبرز نقاط قوته. القيادة بالكاريزما والمرونة لم يكن هنية مجرد وجه إعلامي أو خطيب مفوه؛ بل كان سياسياً حاذقاً، يتقن فن الإدارة واللعب ضمن تعقيدات المشهد الفلسطيني والإقليمي. كان رحمه الله يدرك أن السياسة ليست شعارات بل توازنات، ولهذا سعى بذكاء إلى فتح قنوات الحوار مع العالم الخارجي، والتواصل مع الدبلوماسيين والسفراء، رغم التحريض المتواصل ضده وضد الحكومة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. كنت أرافقه في كثير من هذه اللقاءات، وأشهد له ببساطة التعبير، ورشاقة العرض، وقدرته على نقل الرسائل بلغة يفهمها الغرب دون أن يفرّط في ثوابت القضية. لم يكن يخشى النقد الداخلي، وإن ضاق به أحياناً، لكنه بقي ثابتاً على قناعته بأهمية الانفتاح السياسي والديبلوماسي. وحدة لم تكتمل كانت العلاقات بين أبو العبد وعدد من قيادات حركة فتح، وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن والنائب محمد دحلان، علاقات قديمة تتجاوز حدود الخصومة السياسية. لقد ظل أبو العبد يرفض الانزلاق إلى القطيعة، ويحرص على 'شعرة معاوية'، حتى في أشد الأوقات حرجاً بعد الانقسام عام 2007. لم يُعرف عنه أنه أساء لخصومه، بل ظل متمسكاً بلغة الاحترام، محافظاً على ما تبقى من خيوط الوحدة الممكنة. ولكن الواقع الفلسطيني بانقسامه المعقّد لم يكن ليسمح بإصلاحٍ يسير، وقد باءت كل محاولاته – رغم إخلاصه – بالفشل، نظراً لتشعب المصالح وتعقّد الحسابات. وقد ساعدت تجربته كابن للمخيم وصاحب مسيرة طويلة في النضال والميدان في أن يوازن بين منطق القيادة وشعور القرب من الناس. لم تكن المناصب عنده تشريفاً، بل تكليفاً، ولهذا بقي قريباً من الجميع، يحمل همّ الوطن والمخيم والقضية في قلبه، دون أن تغريه الأضواء أو يفسده الكرسي. الإرث الذي تركه لا يمكن الحديث عن مسيرة أبي العبد دون التوقف عند محطات رئيسية: توليه رئاسة الوزراء، ثم قيادة الحركة سياسياً، وصولاً إلى تمثيلها على المستوى الإقليمي والدولي. لقد عرّف العالم بحماس بلغة جديدة، وأكسبها حضوراً لم تكن تحظى به من قبل. فتح له خطاب الاعتدال أبواب العواصم العربية والإسلامية، واحتضنته القاهرة وتونس وقطر وتركيا، كما استقبله قادة الحركات الإسلامية والعلماء والدعاة باعتباره نموذجاً لحكم الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع. وحتى في الغرب، حيث الصورة مشوّهة، استطاع أن يكسر بعض الحواجز، رغم حملات 'الشيطنة' التي لم تهدأ. كلمة وداع في عام على استشهاده، لا يسعنا إلا أن نذكره بما له لا بما عليه. ليس من باب المجاملة، بل اعترافاً بالفضل، واحتراماً لما قدمه من تضحيات وخدمة، وبذل دمائه من أجل القضية والوطن. سيكتب التاريخ عن إسماعيل هنية أنه كان رجل وحدة، وأنه سعى – رغم كل المعوّقات – إلى تجاوز الانقسام. وستذكره الأجيال كقائد حمل همّ شعبه، وصبر على التجربة بكل ما فيها من تعقيد وضغوطات، دون أن يتخلى عن إنسانيته أو يُسقط البُعد الأخلاقي من العمل السياسي. رحم الله الأخ الشهيد، وتقبله في الصالحين، وألحقنا به على خير، وجعل من ذكراه منارة يهتدي بها القادة الجدد في درب التحرر والكرامة.


إيطاليا تلغراف
منذ 13 ساعات
- إيطاليا تلغراف
الهويّة المركّبة في المغرب: قراءة في تعقّد الانتماء وتعدّد الروافد
إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه المغرب، رسميًا المملكة المغربية، هو كيان سياسي-تاريخي يتجاوز في بنيته الراهنة مجرد الانتماء الجغرافي إلى شمال غرب إفريقيا. إنه فضاء حضاريّ مركّب، انصهرت فيه قرونٌ من التفاعلات بين عناصر سلاليّة وثقافيّة متنوّعة، ما جعله أحد أكثر النماذج التاريخيّة تعقيدًا على مستوى البناء الهوياتي في العالم الإسلامي المتوسطي. هذا، ولا يمكن تفكيك بنية التسميات الرمزية المتداولة في المغرب – من مولاي إلى آيت، ومن سيدي إلى بني وأولاد – بمعزل عن هذا التراكب الهوياتي العميق، الذي تشكّل في تقاطعات المشرق والمغرب والأندلس، وتحوّل من مجرد جغرافيا إلى جغرافيا للرمز والدلالة. * التسميات الرمزيّة في المغرب: بين الامتداد العرقي والدلالة الهوياتيّة في المجتمع المغربي، تتجاوز الأسماء والانتماءات الرمزيّة وظيفتها التعريفيّة، لتتحوّل إلى شفرات اجتماعيّة تُجسِّدُ الامتدادات العرقيّة والهوياتية، وتُترجمُ خرائط النفوذ الرمزي والمكانة والدور داخل الهرم الاجتماعي. فمن خلال قراءة ودراسة وتحليل لبنية التسميات الرمزيّة في الثقافة الشفهيّة بالمغرب، نجدها تأخذ طابعًا سوسيو-أنتروبولوجيًا أعمق، عبر استحضار الوظيفة الثقافية والاجتماعية لهذه التسميات؛ بحيث أنها بحق ذات حوامل دلاليّة مركّبة، تختزنُ تاريخًا طويلاً من التشكّلات الإثنية والرمزيّة والاجتماعيّة. – مولاي ولالة: شرف النسب وتجليات الرمزية الدينية مولاي: استعمال هذه الصيغة يحيل إلى النسب الشريف، تحديدًا إلى المنتسبين إلى آل البيت، سلالة فاطمة الزهراء رضي الله عنها. وهي دلالة على 'البركة' الرمزيّة و'العصمة الاجتماعيّة' التي يتمتّع بها هذا النسب في المخيال الجمعي. لالة: تقابلها في النسق الأنثوي، وتشير إلى المرأة ذات الأصل النبيل أو الشريف، وغالبًا ما تُطلق على النساء المنتميات إلى البيوتات ذات الوجاهة أو الشرف النَسَبي، أو حتى مكانة رمزيّة روحيّة (كأولياء الله الصالحين من الإناث). – أولاد، بَنِي، بْنِي: سُلالاتٌ تُعبّر عن الامتداد القبلي العربي أولاد (Aoulad): غالبًا ما تشير إلى انتماء عربي واضح، حيث تُستعمل في تسمية القبائل ذات الجذور الهلاليّة أو المعقلية أو غيرها من القبائل العربية التي استوطنت المغرب. بَنِي / بْنِي: تختلف بحسب السياق الجغرافي واللساني؛ وتُستعمل أكثر في شمال المغرب، وتحمل ذات الدلالة القبليّة العربية، مثل: بني حسان، بني زروال، بني مطير، بني مسكين… إلخ. آيْتْ: العلامة الأمازيغيّة للقبيلة والنسَب آيت (Aït): تمييز صريح للانتماء الأمازيغي، وتُستعمل على نطاق واسع في الأطلس الكبير والمتوسط، وسوس، وتمثل شكلًا من أشكال الانتساب الجماعي في صيغة 'أولاد' أو 'بني' في النسق العربي. مثل: آيت باها، آيت حدو، آيت عطا… وغيرها. في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية؛ نجد اقتران: آيت ب: سيدي أو مولاي؛ فنسمع بـ: آيت سيدي علي مثلًا، أو نايْت سيدي امبارك، وآيت مولاي علي. هذه البنية تدل على الأفق الجماعي للفكر الأمازيغي، حيث القبيلة ليست فقط وحدة نسبيّة بل أيضًا وحدة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة. سيدي وأگرّامْ: الولاية والشرَف الروحي سيدي (Sidi): صيغة تبجيل واحترام، وقد تحيل على وليّ صالح، كما يمكن أن تُدمج مع النسب الشريف، خصوصًا في مناطق الجنوب أو الأطلس، لتدل على شخص يُجمع الناس على صلاحيّته أو علمه أو نسبه الشريف. أگرّامْ (Agrram): من التسميات المرتبطة ببعض الزوايا المرابطيّة أو الصوفيّة، وتدلّ على الفرد الصالح أو المتنسّك أو المرتبط بمنظومة صوفيّة روحيّة ودينيّة تراثيّة. الخلاصة: التسميّة كحاضنة لهوية مركّبة إن تنوع هذه التسميات في المغرب يعكس تراكب الطبقات الحضاريّة والهوياتيّة: من العروبة إلى الأمازيغية، ومن النسب الشريف إلى الولاية الصوفيّة، ومن الامتداد القبلي إلى الانتماء الرمزي للمجال. وهي تسميّات لا تُفهم فقط من منظور لغوي أو أنسابي؛ بل ينبغي تحليلها كرموز مُحمّلة بالدلالة السوسيو-تاريخيّة، تؤطّر موقع الفرد داخل المجتمع، وتحكم نظرة الآخرين إليه ضمن البنية التركيبيّة الثقافيّة المتشابكة والمتضامنة والمتآزرة والمتكاملة والمتعايشة للمغرب. * بين الامتداد الحضاري والتفاعل التاريخي: عندما تصبح الجغرافيا حاضنة للهويّة إنّ فَهمَ التسميات الرمزية التي يحملها الأفراد والقبائل في المغرب، لا يستقيم دون استحضار حركة التاريخ والجغرافيا، من خلال الانتقال بين ضفّتي المتوسط، وبين المجال المغاربي والمجال المشرقي، ومن خلال استيعاب العلاقة المعقّدة التي ربطت المغرب بالعالم الإسلامي في المشرق، وبالأندلس في الغرب، وبإفريقيا جنوب الصحراء. لقد كانت هذه العلاقة الدينامية تتجلى في حركة العلماء والفقهاء والمتصوفة، كما في أعراف الزواج والمصاهرة، بل وحتى في تبادلات اللسان والزي والعمارة، بما يجعل من كل تسمية سوسيو-رمزية أثرًا موغلًا في هذا الحراك. وهكذا، فالتسمية هنا ليست مجرّد اسمٍ وظيفي أو نسبٍ جامد، بل هي وعاءٌ مشحون بالدلالة، وخزانٌ رمزيّ يعكس دينامية اجتماعية وثقافية ممتدة. * من صناعة الانتماء إلى هندسة الذاكرة: الدولة والهويّة المتعدّدة في ظل الدولة الوطنية الحديثة، لم تكن مهمة تدبير التعدّد الهوياتي بالمغرب مهمة عفوية أو تلقائية، بل كانت ولا تزال فعلًا سياسيًا بامتياز، تدخل فيه اعتبارات الرمزية والشرعية والوحدة الوطنية. فقد تعاملت الدولة المغربية مع هذا التنوع لا من باب القطيعة أو التذويب، بل من خلال تبنّي منطق التركيب بدل الإقصاء، والإدماج بدل التفتيت، وهو ما تجلّى في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 التي أقرت رسميًا بأنّ الهوية المغربية 'متعددة الروافد'. هذا الاعتراف، رغم طابعه القانوني، لا يُخفي حجم التوترات الرمزية الكامنة بين بعض المكوّنات، وفي مقدّمتها العلاقة الجدلية بين البعد العربي والبعد الأمازيغي، وهي علاقة تتأرجح تاريخيًا بين التناغم والتنافس، بين التماهي والتمايز، بما يجعل من 'الهوية' – كما في فكر بول ريكور – فضاء تأويليًا متجدّدًا لا كيانًا مغلقًا. الهجرة والمصاهرة والثقافة المُركّبة: أسئلة ما بعد الأصالة المغرب ليس بلدًا ذا أصل واحد، بل فضاءٌ عرف موجات متتالية من الهجرة والاستقرار، من الفينيقيين والرومان، إلى العرب والمرابطين والموحدين، ثم اليهود الأندلسيين، والأفارقة الزنوج، والموريسكيين الهاربين من محاكم التفتيش. لقد أنتج هذا المسار ثقافةً هجينة لا تختزل في بعد واحد، ولا يمكن ردّها إلى أصل صافٍ أو إثنيّ نقيّ. بل إنّ 'الهوية المغربية' تُبنى – بالمعنى السوسيو-أنثروبولوجي – في تفاعلات متواصلة، تعيد فيها الجماعات إنتاج تمثّلاتها الرمزية، وتُعيد الدولة ضبطَ حدود الاعتراف والانتماء داخل الفضاء العمومي. ولعل أبرز مثال على هذا، هو إدماج الحروف الأمازيغية (تيفيناغ) في المشهد الرسمي، وإعادة الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين دون الإطاحة بالبعد العربي الإسلامي، بل بمحاولة هندسة توازن رمزي بين الروافد كلها. الهوية المغربية: مكوّنات وروافد في حقل تفاعل دائم يمكن الحديث، في ضوء ما سبق، عن الهوية المغربية وفق هذا التقسيم المفاهيمي: – أولًا – المكوّنات الأساسية: 1. الهوية العربية: وتشمل البعد اللغوي والديني والثقافي القادم من المشرق. 2. الهوية الإسلامية: كإطار روحي وشرعي يجمع كلّ المكونات. 3. الهوية الأمازيغية: بما فيها من تنويعات لغوية وثقافية وزمنية. – ثانيًا – الروافد الحضاريّة: * الحسانية: في الجنوب الصحراوي للمملكة. * اليهودية المغربية: كعنصر تراثي عريق منغرس في المدن والأسواق والعادات. * الأندلسية: بما تحمله من موسيقى، وعمران، وذوق اجتماعي. * المتوسطية: بفعل التواصل التاريخي مع أوروبا. * الإفريقية: بحكم الامتداد الجنوبي والعمق الصحراوي. كلّ هذه الروافد لا تُفهم كمجرّد إضافات، بل هي لبنات أصيلة في البناء المغربي، ومكوّنات مؤسسة للوعي الجماعي، تنتظم داخل ما يمكن تسميته بـالدولة ذات الهوية المركّبة. * نحو وعي نقدي بالهوية: أيّ مستقبل للمشترك الرمزي؟ السؤال الجوهري لا يتعلق بما كانت عليه الهوية المغربية، بل بما يجب أن تكون عليه في المستقبل. فهل نتجه نحو تأصيل الهجنة كقيمة، أم نحو تطهير الهويّة من تعدّدها باسم 'الصفاء'؟ هل نحن أمام نموذج تعايش فعليّ، أم أمام توازن هشّ تحكمه الحسابات السياسيّة والعرقيّة والقبليّة، أكثر مما تحكمه قناعات مجتمعيّة راسخة؟ هذه الأسئلة لا نملك إجابات عنها ولا تملك الدولة وحدها مفاتيحها، بل تتطلّب مجهودًا جماعيًا في التربية والثقافة والتعليم، والإعلام، بما يجعل من الاختلاف طاقة تكامل لا مشروع صراع. * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ مفكّر وباحث مغربي متخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي. له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). إيطاليا تلغراف التالي كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟


إيطاليا تلغراف
منذ يوم واحد
- إيطاليا تلغراف
التدافع بين الناس سنة ربانية وسبيل للتمكين في الأرض
د. علي الصلابي نشر في 2 أغسطس 2025 الساعة 19 و 30 دقيقة إيطاليا تلغراف بقلم الدكتور علي محمد الصلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن سنة التدافع متعلقة بالتمكين تعلقًا وطيدًا «فالله تعالى يعلم أن الشر متبجح، ولا يمكن أن يكون منصفًا، ولا يمكن أن يدع الخير ينمو – مهما يسلك هذا الخير من طرق سلمية موادعة – فإن مجرد نمو الخير يحمل الخطورة على الشر، ومجرد وجود الحق يحمل الخطر على الباطل، ولا بد أن يجنح الشر إلى العدوان، ولا بد أن يدافع الباطل عن نفسه بمحاولة قتل الحق وخنقه بالقوة… فمن هنا يقع التدافع بين الحق وأهله، والباطل وحزبه، وتلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً» (1). «وهي سنة فطرية جارية بين الناس حفظًا لاستقامة حال العيش، واعتدالاً لميزان الحياة» (2). لقد ورد تقرير هذه السنة الربانية في القرآن الكريم بصفة عامة ولكن جاء التنصيص عليها في آيتين كريمتين منه (3): الآية الأولى: قوله تعالى في سورة البقرة: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251]. الآية الثانية: قوله تعالى في سورة الحج: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]. والملاحظ أن آية البقرة تأتى بعد ذكر نموذج من نماذج الصراع بين الحق والباطل المتمثل في طالوت وجنوده المؤمنين، وجالوت وأتباعه، ويذيل الله تعالى الآية بقوله: (وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251]، (مما يفيد أن دفع الفساد بهذا الطريق إنعام يعم الناس كلَّهم) (4). وتأتى آية الحج بعد إعلان الله تعالى أنه يدافع عن أوليائه المؤمنين، وبعد إذنه لهم – سبحانه – بقتال عدوهم، ويختتم الآية بتقرير الله تعالى لقاعدة أساسية: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]. إن من الضروري للأمة الإسلامية أن تعي سنة الله تعالى في دفع الناس بعضهم ببعض: «لتدرك أن سنة الله تعالى في تدمير الباطل أن يقوم في الأرض حق يتمثل في أمة، ثم يقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق» (5). إن الحق يحتاج إلى عزائم تنهض به، وسواعد تمضى به، وقلوب تحنو عليه، وأعصاب ترتبط به.. إنه يحتاج إلى الطاقة البشرية، الطاقة القادرة القوية، والطاقة الواعية العاملة.. إنه يحتاج إلى جهد بشري، لأن هذه سنة الله تعالى في الحياة الدنيا سنة ماضية (6): (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر: 43]. وهكذا يتضح أن سنة التدافع من أهم سنن الله تعالى في كونه وخلقه، وهي كذلك من أهم السنن المتعلقة بالتمكين للأمة الإسلامية, وما على الأمة إلا أن تعى هذه السنة، لتستفيد منها وهي تعمل لعودة التمكين الذي وعدت به من الله رب العالمين (7). ولذلك يهتم القرآن الكريم بتعليم المسلمين ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، ويبين بكل جلاء ووضوح سنن الله تعالى في الآفاق والمجتمعات والأمم، ويبين كيفية وقوع هذه السنن وما هي الأسباب التي تتخذ، فعندما أراد الله لبنى إسرائيل أن ينصرهم على عدوهم ويمكن لهم في الأرض سبق ذلك التمكين وذلك النصر أمور ذكرها الله في قصة طالوت عليه السلام.. وقد أجاد سيد قطب – رحمه الله – في بيان هذه الحقائق فقال: (والعبرة الكلية تبرز من القصة كلها، هي أن هذه الانتفاضة- انتفاضة العقيدة – على الرغم من كل ما اعتورها أمام التجربة الواقعة من نقص وضعف، ومن تخلى القوم عنها فوجًا بعد فوج في مراحل الطريق على الرغم من هذا كله، فإن ثبات حفنة قليلة من المؤمنين عليها قد حقق لبنى إسرائيل نتائج ضخمة جدًا، فقد كان فيها العز والنصر والتمكين، بعد الهزيمة المنكرة، والمهانة الفاضحة، والتشريد الطويل، والذل تحت أقدام المتسلطين، ومن خلال التجربة تبرز بضع عظات أخرى جزئية، كلها ذات قيمة للجماعة المسلمة في كل حين من ذلك: 1- أن الحماسة الجماعية، قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها فيجب أن يضعوها على محك التجربة، قبل أن يخوضوا بها المعركة الحاسمة. 2- أن اختبار الحماسة الظاهرة والاندفاع الثائر في نفوس الجماعات، ينبغي أن لا يقف عند الابتلاء الأول. أ- فإن كثرة بنى إسرائيل هؤلاء قد تولَّوا بمجرد أن كتب عليهم القتال استجابة لطلبهم، ولم تبق إلا قلة مستمسكة بعهدها مع نبيهم، وهم الجنود الذين خرجوا مع طالوت. ب- ومع هذا فقد سقطت كثرة هؤلاء الجنود في المرحلة الأولى وضعفوا أمام الامتحان الأول، وشربوا من النهر، ولم يجاوز معه إلا عدد قليل. ج- وهذا القليل لم يثبت كذلك إلى النهاية، فأمام الهول الحي، أمام كثرة الأعداء وقوتهم، تهاونت العزائم، وزلزلت القلوب. د- وأمام هذا التخاذل ثبتت القلة القليلة المختارة، واعتصمت بالله، ووثقت بوعده، وهي التي رجحت الكفة وتلقت النصر، واستحقت العز والتمكين. لقد تمت تصفية بنى إسرائيل ثلاث مرات، وخلاصة الخلاصة، هم الذين صدقوا الله في الجهاد فصدقهم الله وعده، وأنزل عليهم نصره. 3- في ثنايا هذه التجربة تكمن عبرة القيادة الصالحة الحازمة المؤمنة، وكلها واضحة في قيادة طالوت – تبرز فيها: أ- خبرته بالنفوس. ب- عدم اغتراره بالحماسة الظاهرة. ج- عدم اكتفائه بالتجربة الأولى. د- محاولته اختبار الطاعة والعزيمة في نفوس جنوده قبل المعركة. هـ – فصله للذين ضعفوا، وتركهم وراءه. و- ثم – وهذا هو الأهم – عدم تخاذله، وقد تضاءل جنوده تجربة بعد تجربة، ولم يثبت معه في النهاية إلا تلك الفئة المختارة فخاض بها المعركة. 4- والعبرة الأخيرة التي تكمن في مصير المعركة.. أن القلب الذي يتصل بالله، تتغير موازينه وتصوراته، لأنه يرى الواقع الصغير المحدود بعين تمتد وراءه إلى الواقع الكبير الممتد الواصل، وإلى أصل الأمور كلها وراء الواقع الصغير المحدود، فهذه الفئة المؤمنة الصغيرة التي ثبتت وخاضت المعركة وتلقت النصر كانت ترى من قلتها وكثرة عدوها، ما يراه الآخرون الذين قالوا: (لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) ولكنها لم تحكم حكمهم على الموقف إنما حكمت حكمًا آخر، فقالت: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ثم اتجهت لربها تدعوه: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وهي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين، إنما هو في يد الله وحده، فطلبت منه النصر، ونالته من اليد التي تملكه وتعطيه. وهكذا تتغير التصورات والموازين للأمور عند الاتصال بالله حقًا، وعندما يتحقق في القلب الإيمان الصحيح، وهكذا يثبت أن التعامل مع الواقع الظاهر للقلوب أصدق من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون!. ولا نستوعب الإيحاءات التي تتضمنها القصة، فالنصوص القرآنية – كما علمتنا التجربة- تفصح عن إيحاءاتها لكل قلب بحسب ما هو فيه من الشأن، وبقدر حاجته الظاهرة فيه. ويبقى لها رصيدها المذخور، تتفتح به على القلوب، في شتى المواقف، على قدر مقسوم (8). إن القرآن الكريم يحتاج منا إلى تأمل وتفكر عميق، وسنجد خبرات لا تعد ولا تحصى في كل شئون الحياة الدنيوية والأخروية، وتمد العاملين من أجل الإسلام بالصبر والثبات. إن دعاء القلة المؤمنة (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ليس خاصًا بها، بل يصلح لكل فئة مجاهدة صابرة، تقف أمام أعدائها، وهناك لفتة في ترتيب فقرات الدعاء الثلاثة: الصبر وتثبيت الأقدام والنصر، فكل فقرة مبنية على ما قبلها وترتيبها ترتيبًا مرحليًا، فعند مواجهة الأعداء يحتاج المجاهد أولاً إلى الصبر- بمفهومه الشامل وميادينه المتعددة – فإذا صبر حاز المرحلة الثانية وهي ثباته وتثبيت قدميه، ولن تثبت الأقدام إلا عند الصابرين وإذا ثبتت الأقدام واستبسل المجاهد في القتال نصره الله على الأعداء، ونلاحظ في الدعاء الالتفات إلى أهمية الحالة النفسية والناحية المعنوية، وتقديمها على الحالة الخارجية المادية، ولذلك قدم الصبر على المعركة، وعلى تثبيت الأقدام فيها، كما نلاحظ تناسقًا وتنسيقًا بين موقفي اغترافهم من النهر اغترافًا، بينما يطلبون إفراغ الصبر عليهم إفراغًا، وصبّه عليهم صبًا، ولعل في هذا إشارة أخرى: فمن استعلى على الدنيا وحاجاتها، لم تتعبده ملذاتها، من حرم نفسه من بعض متاعها ومباحاتها، ابتغاء وجه الله، عوّضه الله عن ذلك، وأمده الله بمدد من عنده، فها هي القلة المؤمنة امتنعت من الشرب من النهر، واستعلت بذلك على متاع الدنيا ومباحاتها، فعوّضها الله عن ذلك الصبر حيث أفرغه عليهم إفراغًا، ونلاحظ: أن داود عليه السلام خرج من وسط الجيش المجاهد، فمن ميدان المعركة بدأ أمره، وترقى في طريق القيادة والملك والحكمة والمسئولية، وفي هذا إشارة إلى أن العمل هو الذي يخرج القادة، والميدان هو الذي يكشف عن المواهب، فالقائدان طالوت وداود ظهرا من وسط الناس، وقدمهما للناس الميدان والعمل والواقع، فهذه هي طريقة القادة الذين يقودون الأمة إلى طريق النصر والتمكين (9). ومن حكمة الله تعالى في قتل داود لجالوت، أن داود كان فتى صغيرًا من بنى إسرائيل، وجالوت كان ملكًا قويًا وقائدًا مخوفًا… ولكن الله شاء أن يرى القوم وقتذاك أن الأمور لا تجرى بظواهرها، إنما تجرى بحقائقها، وحقائقها يعلمها هو، ومقاديرها في يده وحده، فليس عليهم إلا أن ينهضوا بواجباتهم، ويفوا الله بعهدهم ثم يكون ما يريده الله بالشكل الذي يريده. وقد أراد أن يجعل مصرع هذا الجبار الغشوم على يد هذا الفتى الصغير، ليرى الناس أن الجبابرة الذين يرهبونهم ضعاف يغلبهم الفتية الصغار حين يشاء الله أن يقتلهم. إن انتصار بنى إسرائيل على جيش طالوت نوع من أنواع التمكين التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم, وإن النظرة المتأملة للقرآن الكريم تكسب الذين يسعون لتحكيم شرع رب العالمين تجارب بشرية ضخمة, وتمدهم بتجارب الموكب الإيماني كله في جميع مراحله، وتورّث أجيال الأمة ميراث الأنبياء والمرسلين في نظرتهم للواحد الديان، والحياة، والكون، وحقيقة الإنسان ومناهج التغيير التي خاضوها في هذه الحياة. المصادر والمراجع: ( ) في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/742). (2) انظر: التمكين للأمة الإسلامية لمحمد السيد محمد، ص 218. (3) المصدر نفسه، ص 219. (4) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب (3/514). (5) في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/1091) (6) انظر: لقاء المؤمنين لعدنان النحوي (2/117). (7) انظر: التمكين للأمة الإسلامية، محمد السيد محمد، ص 225. (8) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/260- 263). (9) انظر: مع قصص السابقين في القرآن، صلاح الخالدي، (1/332). (10) فقه النصر والتمكين، علي محمد الصلابي، ط1، مكتبة التابعين، القاهرة، 2001، ص 85-90. إيطاليا تلغراف السابق بين توجيهات الملك وصمت الحكومة: أين هي العدالة الاجتماعية؟