logo
د. ليث القهيوي يكتب: إستراتيجية بلا سيمفونية

د. ليث القهيوي يكتب: إستراتيجية بلا سيمفونية

سرايا الإخباريةمنذ 19 ساعات
بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
تتزاحم على المشهد الأردني في أوائل شهر تموز تصريحات مع قرارات حكومية كبرى بدت للسامع كأنّها مفاصل في خطة واحدة، لكنها تكشّفت سريعاً كقطعٍ تفتقر إلى خيط جامع. جاء تصريح وزير الاستثمار من سنغافورة، مُعلنًا أن المملكة بوابة لأسواق تتجاوز قيمتها خمسين تريليون دولار مستنداً إلى شبكة اتفاقيات تجارة حرّة مع القوى الكبرى، ومبشرًا بصناعات متقدمة كالرُقاقات الإلكترونية والأسمدة، في لحظة عالمية يتراجع فيها الاستثمار الأجنبي إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد. غير أن مثل هذا الخطاب، مهما بدت مفرداته واعدة، يصطدم بواقع لا يمكن تجاهله: فالمستثمر اليوم لا يُغريه حجم السوق بقدر ما يستوقفه مدى نجاعة البيئة التشريعية، وشفافية الإجراءات، وكفاءة التنفيذ، واستقرار القرار. الرسائل الطموحة لا تثمر في بيئة بيروقراطية خانقة، ولا تُقنع عقول المال في ظل فجوة معرفية وتردد في بناء الثقة. الاستثمار لا يُستجدى بالترويج فقط، بل يُنتزع بجدارة من خلال بنية مؤسسية ذكية تُشعر المستثمر أن رأس ماله لن يُستهلك في طوابير الموافقات، ولا يُحتجز في دوامة القرارات المرتبكة ونريد أن تترجم إلى واقع ملموس يلمسه المستثمر في كل تفصيلة من تفاصيل رحلته الاستثمارية.
وخرج وزير التعليم العالي على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن أن غالبية الجامعات الأردنية صُنّفت في المنطقة الحمراء على «مؤشر النزاهة البحثية»، كاشفاً عن عمليات اقتباس غير مشروع، وقواعد بيانات مزوّرة، ورسائل جامعية مدفوعة ترفع ترتيب المؤسسات في التصنيفات الدولية. غير أنّ الوزير استند إلى مقياس نزاهة غير واضح المعايير وغير معتمد لدى أي جهة أكاديمية دولية، ما جعل الإعلان نفسه موضع تساؤل عن دقته ومنهجيته. وبدلاً من طمأنة المستثمر بأنّ رأس المال البشري يخضع لتدقيق مستقل، زُرعت بذرة شك في قدرة الدولة على قياس ما تدّعي إصلاحه. التناقض الصارخ بين لغة وزير الاستثمار التي تروّج للكفاءات الرقمية وبين مؤشر نزاهة غير مُفسَّر أظهر فراغاً في التنسيق الإعلامي الداخلي، وكشف أن الوزارات تعزف كلٌّ بنغمتها من دون ضابط إيقاع.
أما قرار مجلس الوزراء بحلّ جميع المجالس البلدية ومجالس المحافظات قبل انتهاء مدتها، وتسليم إدارتها إلى لجان مؤقتة غير منتخبة، دون الإعلان عن أي معايير شفافة لاختيار أعضائها، فأثار تساؤلات جوهرية حول مدى انسجام هذا التوجه مع المرحلة الإصلاحية المُعلنة. ففي الوقت الذي يُفترض فيه تعزيز المشاركة الشعبية، وترسيخ مبادئ المساءلة والديمقراطية المحلية، يبدو أن القرار يتجه نحو تقويض التمثيل الشعبي بدلًا من تطويره، وتكريس المركزية بدلًا من تفكيكها، الأمر الذي يفتح الباب أمام مخاوف مشروعة من تحوّل الإصلاح إلى غطاء لإعادة إنتاج أدوات الإدارة التقليدية دون مراجعة جوهرية أو إشراك حقيقي للمجتمع المحلي، الحكومة برّرت الخطوة بدينٍ بلدي يتجاوز ستمائة مليون دينار، وضعف تحصيلٍ ضريبي، وأداء خدمي متدنٍّ أضعف الثقة الشعبية وعرقل معاملات الاستثمار العقاري والصناعي. من الناحية التقنية، تحل هذه الخطوة عقداً متراكمـة من البيروقراطية وتفتح المجال لتوحيد مسار الرخص وتبسيط الإجراءات التي يشكو منها رجال الأعمال منذ سنوات، لكن توقيتها في ذروة حملة تسويق دولية يرى فيها المستثمرون عمّان منصة إقليمية أثار تساؤلات حول الفراغ الإداري المؤقت: ما الضمانة أن تسلّم اللجان المؤقتة رخص البناء والتطوير في وقت يتيح للمشروعات التكنولوجية التقاط نافذة الطلب العالمي؟
عند تفكيك اللحظة يتضح أنّ الأردن يقف أمام فرصة مزدوجة وخطر مزدوج معاً، إذا أمكن تحويل تصريح الاستثمار إلى اتفاقيات ملزمة تدخل حيز التنفيذ بسرعة، وربط تمويل الجامعات بمعايير نزاهة مُعلنة تخضع لتدقيق خارجي، وإطلاق نافذة تراخيص إلكترونية موحدة تدار من مركز خدمة واحد يحل مؤقتاً مكان المجالس المنحلة، فإن الدولة ستحوّل تضارب الرسائل إلى تدرّج مدروس يثبت للمواطن ولرأس المال العالمي أن الصراحة مقدمة لفعل، لا مجرد تشخيص. أما إذا بقي المقياس العلمي غامضاً، وتأخرت اللجان المؤقتة في خدمة المستثمر والمواطن، وبقيت أرقام الخمسين تريليوناً على صفحات العروض الترويجية بلا قصص نجاح ميدانية، فسينتقل الشك من الألسن إلى منحنى الاستثمار الفعلي ويصبح كل تصريح بذاته عبئاً على الثقة الوطنية.
ما ينقص اللحظة ليس الجرأة على الاعتراف بالمشكلات ولا الطموح إلى صناعة المستقبل، بل منظومة قيادة تنسج الخيوط في رواية واحدة، وتوزع الأدوار بحيث يعرف الشارع والمستثمر من يجيب عن ماذا. فالصورة التي تصل الآن إلى الداخل والخارج هي أنّ رئيس الوزراء يتحرك، على الأغلب، بمفرده يملأ فراغ المنابر بينما يظل معظم الطاقم الوزاري بعيداً عن الميدان، الأمر الذي يوسع الفجوة بين طموح التصريحات وحاجات التنفيذ اليومية. إن لم تتدارك الحكومة هذا الخلل بتفعيل فريق عمل يظهر كتلة متماسكة أمام الجمهور، ستبقى سيمفونية الإصلاح مبعثرة الأنغام مهما علت نبرة كل عازف على حدة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النفط يتراجع مع تركيز السوق على العقوبات المحتملة والرسوم الجمركية
النفط يتراجع مع تركيز السوق على العقوبات المحتملة والرسوم الجمركية

الدستور

timeمنذ 22 دقائق

  • الدستور

النفط يتراجع مع تركيز السوق على العقوبات المحتملة والرسوم الجمركية

الدستور- تراجعت أسعار النفط الثلاثاء مع تفكير السوق في مهلة تستمر 50 يوما حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لروسيا لإنهاء الحرب على أوكرانيا وتجنب فرض عقوبات على مشتري نفطها، في حين استمرت المخاوف بشأن الرسوم الجمركية الأميركية. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت خمسة سنتات إلى 69.16 دولارا للبرميل بحلول الساعة 00:00 بتوقيت غرينتش، في حين تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسعة سنتات إلى 66.89 دولارا. وسجلت عقود الخامين انخفاضا بأكثر من دولار عند التسوية في الجلسة السابقة. وأعلن ترامب الاثنين أنه سيزود أوكرانيا بأسلحة جديدة، وهدد بفرض عقوبات على مشتري الصادرات الروسية ما لم توافق موسكو على اتفاق سلام في غضون 50 يوما. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت عقب الأنباء عن العقوبات المحتملة، لكنها تخلت عن هذه المكاسب في وقت لاحق، إذ أثارت مهلة الخمسين يوما آمالا في تجنب العقوبات، وركّز المتعاملون على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض بالفعل رسومًا جمركية باهظة على الدول التي تواصل التجارة مع روسيا. وكتب دانيال هاينز، كبير محللي السلع الأولية في "إيه.إن.زد"، في مذكرة للعملاء: "خففت المهلة المخاوف من أن العقوبات المباشرة على روسيا قد تعطل تدفقات النفط الخام. وتأثرت المعنويات أيضًا بالتوترات التجارية المتصاعدة". وقال ترامب يوم السبت إنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 30% على معظم الواردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك اعتبارا من الأول من آب، على غرار تحذيرات مماثلة لدول أخرى، تاركًا لهما أقل من ثلاثة أسابيع للتوصل إلى اتفاقات يمكن أن تخفّض معدلات الرسوم التي يهدد بفرضها. وقد تؤدي الرسوم الجمركية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، الأمر الذي قد يقلّص الطلب العالمي على الوقود ويؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. من ناحية أخرى، نقل تقرير إعلامي روسي عن الأمين العام لمنظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) هيثم الغيص قوله إن المنظمة تتوقع طلبا "قويًا جدا" على النفط في الربع الثالث من العام، وأن يكون الفارق طفيفًا بين العرض والطلب في الأشهر التالية. ورفع بنك "جولدمان ساكس" الاثنين توقعاته لأسعار النفط للنصف الثاني من 2025، مشيرًا إلى اضطرابات محتملة في الإمدادات، وتقلّص مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقيود الإنتاج في روسيا. رويترز

ديرانية: ارتفاع الطلب على الدينار مدفوعاً بارتفاع النشاط السياحي
ديرانية: ارتفاع الطلب على الدينار مدفوعاً بارتفاع النشاط السياحي

أخبارنا

timeمنذ ساعة واحدة

  • أخبارنا

ديرانية: ارتفاع الطلب على الدينار مدفوعاً بارتفاع النشاط السياحي

أخبارنا : ارتفع الطلب على الدينار خلال الايام الماضية مدفوعا بارتفاع النشاط السياحي وفق ما اكده أمين سر جمعية الصرافين الاردنيين علاء ديرانية. ولفت ديرانية في تصريح لـ «الرأي» إلى أن الدينار الاردني ارتفع خلال الايام الماضية مدفوعا بارتفاع النشاط السياحي. وبين ديرانية أن توقف الحرب الإيرانية الإسرائيلية انعكست على القطاع السياحي الأمر الذي انعكس بارتفاع الطلب على الدينار الاردني. وذكر أن الطلب على العملات العربية والأجنبية يشهد هدوءا ملحوظا باستثناء العملات للدول التي تكون مقصدا سياحيا. وتراجع الجنيه الاسترليني الاثنين، إلى أدنى مستوياته في 3 أسابيع أمام الدولار الأميركي، بحسب ما أفادت صحيفة الغارديان البريطانية. وسجّل الاسترليني 3467ر1 دولار، بانخفاض قدره 0.37 بالمئة، كما انخفض أمام العملة الأوروبية الموحدة «يورو» بنسبة 0.32 بالمئة ليصل إلى 1.1533 يورو. ووفقاً للصحيفة، يأتي هذا التراجع بعد تصريحات محافظ بنك إنجلترا المركزي أندرو بيلي، التي ألمح فيها إلى احتمال خفض أسعار الفائدة مجددا إذا استمر تباطؤ سوق العمل في المملكة المتحدة. وسجّل الجنيه الإسترليني تراجعا أمام كل من الدولار الأميركي واليورو خلال تداولات، الجمعة. وبحسب تقارير مراكز المال البريطانية، بلغ سعر صرف الإسترليني مقابل الدولار الأميركي 1.3538 دولار، منخفضاً بنسبة 0.34 بالمئة خلال 12 ساعة. كما تراجع أمام اليورو ليصل إلى 1.15783 يورو، بانخفاض قدره 0.23 بالمئة خلال الفترة ذاتها.

سيدة تستخدم "شات جي بي تي" لسداد ديون بنحو 12 ألف دولار
سيدة تستخدم "شات جي بي تي" لسداد ديون بنحو 12 ألف دولار

أخبارنا

timeمنذ ساعة واحدة

  • أخبارنا

سيدة تستخدم "شات جي بي تي" لسداد ديون بنحو 12 ألف دولار

أخبارنا : ** نجحت ألان في كسب أكثر من 11,000 دولار خلال الشهر في تجربة غير تقليدية، قالت سيدة إنها لجأت إلى الذكاء الاصطناعي، وبالتحديد روبوت الدردشة "شات جي بي تي"، لمساعدتها في سداد ديون بآلاف الدولارات. جينيفر ألان، سمسارة عقارات وصانعة محتوى، قررت خوض تحدٍ باستخدام "شات جي بي تي" لمدة 30 يومًا، حيث شاركت تجربتها في سلسلة مقاطع فيديو على منصة تيك توك. وأكدت ألان في أحد الفيديوهات أنها كانت تطلب من روبوت الدردشة مهمة واحدة يوميًا، بهدف كسب المال وسداد ديونها التي بلغت 23,000 دولار. وفقًا لتقرير نشرته "ABC News"، فقد نجحت ألان في كسب أكثر من 11,000 دولار خلال الشهر، وسداد 12,000 دولار من ديونها. وقالت ألان إن الفضل يعود إلى "شات جي بي تي" في مساعدتها على الانضباط والتركيز لتحقيق هدفها، رغم أن بعض الاقتراحات التي قدمها الروبوت كانت غريبة في بعض الأحيان. وكان من ضمن الأفكار التي اقترحها الروبوت هو أن تتفقد ألان التطبيقات على هاتفها لمراجعة أي أرصدة قد تكون نسيتها. وبالفعل، اكتشفت مبلغ 100.80 دولار في تطبيق "Venmo" لم تكن على علم بوجوده. وأضافت ألان أن هذه التجربة جعلتها تعيد اكتشاف مصادر دخل كانت قد نسيتها منذ فترة. ومع نجاح تجربة ألان، يحذر بعض الخبراء الماليين من أن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يظل ضمن حدود الأداة المساعدة، وليس بديلاً عن الخبرة البشرية. وقالت نويل كارتر، الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة "Parachute Credit Counseling": "الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعدًا قويًا للتوصل إلى أفكار، لكنه لا يعد بديلاً عن التفكير النقدي أو الخبرة البشرية."

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store