logo
التباطؤ يضرب الاقتصاد الروسي وسط إنفاق عسكري باهظ الكلفة

التباطؤ يضرب الاقتصاد الروسي وسط إنفاق عسكري باهظ الكلفة

Independent عربيةمنذ 5 ساعات
بعد عامين من النمو القوي مدفوعاً بارتفاع الإنفاق العسكري واستمرار صادرات النفط، بدأت مؤشرات التراجع تظهر بوضوح على الاقتصاد الروسي، مما يعكس حدود استراتيجية الكرملين القائمة على اقتصاد زمن الحرب، ويشير إلى أن العقوبات الغربية بدأت تؤتي ثمارها.
وفي الأسابيع الأخيرة أظهرت البيانات الاقتصادية الروسية علامات مقلقة إذ تراجع النشاط الصناعي، وتقلص الاستهلاك، واستمر التضخم، وزادت الضغوط على الموازنة العامة للدولة. وبدأت شركات روسية من مصنعي الجرارات إلى منتجي الأثاث في تقليص الإنتاج، فيما حذرت الحكومة من أن البلاد تقترب من الركود.
من جانبه وصف وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف الوضع بأنه على "شفا ركود"، في حين تحدث وزير المالية أنطون سيلوانوف عن "عاصفة مثالية" تضرب الاقتصاد. وقال البنك المركزي الذي خفض سعر الفائدة في يونيو (حزيران) الماضي إنه سيناقش خفضاً جديداً هذا الشهر.
وعلى رغم أن هذا التباطؤ لن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تغيير أهدافه في أوكرانيا، بحسب محللين، فإنه يكشف هشاشة نموذج الاعتماد على الإنفاق العسكري وحده لتحقيق النمو، ويطرح تساؤلات عن قدرة موسكو على تمويل الحرب على المدى الطويل، لا سيما إذا ما شددت العقوبات الغربية أكثر أو انخفضت أسعار النفط.
ويقول المتخصص في الشؤون الاقتصادية الروسية في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية يانيس كلوغه لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "نموذج النمو المعتمد على الإنفاق العسكري وحده لم يعد قابلاً للاستمرار. على الاقتصاد المدني أن ينكمش ليفسح المجال للآلة العسكرية، وهذا أمر غير مستدام".
وفيما يحاول بوتين طمأنة الرأي العام قائلاً إن الحديث عن انهيار الاقتصاد الروسي "مبالغ فيه إلى حد كبير"، فإنه أقر في الوقت ذاته بضرورة منع الركود أو الركود التضخمي "تحت أي ظرف".
ولا يمثل التراجع الحالي ضربة قاضية للاقتصاد الروسي، لكنه يضعف رهانات بوتين بأن روسيا يمكنها الصمود أكثر من أوكرانيا والغرب، ففي نهاية المطاف قد تكتشف موسكو أن استمرار الحرب مكلف أكثر بكثير مما كان متوقعاً.
انتعاش مصطنع
وبعد ركود قصير عام 2022 نجح الإنفاق العسكري الروسي الذي تجاوز 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، في أعلى مستوى له منذ الحقبة السوفياتية في دعم الاقتصاد وتخفيف أثر العقوبات الغربية. وللمقارنة يبلغ الإنفاق الدفاعي نحو ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، واثنين في المئة فقط في ألمانيا.
ويمثل الإنفاق على الجيش والأمن نحو 40 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي الروسي عام 2025، وساعدت قدرة موسكو على إعادة توجيه صادرات النفط إلى الصين إلى جانب الدعم الصيني في توفير الإلكترونيات والآلات في تعزيز الاقتصاد الروسي.
هذا الواقع خلق مفارقة اقتصادية فريدة، إذ إن أكثر اقتصاد تعرضاً للعقوبات في العالم كان ينمو بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة ومعظم الاقتصادات المتقدمة، لكن هذا "الانتعاش المصطنع" الناجم عن الإنفاق العسكري دفع بالتضخم إلى مستويات مرتفعة، مما أجبر البنك المركزي الروسي على رفع أسعار الفائدة إلى 21 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ عقود في محاولة لكبح جماح الأسعار.
في حين جعل ارتفاع الفائدة الاقتراض أكثر كلفة للشركات، مما قلص من استثماراتها وخطط التوسع وأثر سلباً في أرباحها، وبدأت آثار ذلك تتجلى في أرقام النمو.
وفي الربع الأول من عام 2025 نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 1.4 في المئة فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً للبيانات الرسمية، وهو تراجع حاد من نسبة 4.5 في المئة التي سجلت في الربع الأخير من عام 2024. وأظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات من "ستاندرد أند بورز غلوبال" أن قطاع التصنيع الروسي انكمش في يونيو (حزيران) بأسرع وتيرة له منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتراجعت مبيعات السيارات الجديدة في روسيا بنسبة تقارب 30 في المئة في يونيو الماضي مقارنة بالعام السابق، وفقاً لجمعية الأعمال الأوروبية، ما يعكس ضعف ثقة المستهلكين وتراجع القدرة الشرائية.
وفي المجمل تظهر هذه المؤشرات أن اقتصاد روسيا بدأ يخرج من "نشوة الحرب" ليواجه تبعات نموذج غير مستدام مبني على عسكرة الاقتصاد وتجاهل القطاع المدني وسط ضغوط متزايدة من العقوبات وأسعار الفائدة المرتفعة.
الضغوط الاقتصادية تمتد إلى كبرى الشركات
تشعر الشركات في مختلف أنحاء روسيا بالآثار المتزايدة للتباطؤ الاقتصادي في ظل تراجع الطلب وارتفاع الكلفة وتضاؤل فرص الاستثمار.
وأعلنت شركة "روستسيلماش"، أكبر منتج روسي للآلات الزراعية بما في ذلك الجرارات وآلات الحصاد، في مايو (أيار) الماضي، أنها ستخفض الإنتاج والاستثمارات، وقررت تقديم إجازتها السنوية الإلزامية لـ15 ألف موظف بسبب انخفاض الطلب في السوق المحلية.
وفي سيبيريا كشفت شركة "روستيتي سيبير" المشغلة لشبكات الكهرباء أنها على حافة الإفلاس نتيجة عبء الديون الثقيلة. وأجبرت الشركة على وقف استثماراتها، واقترحت فرض زيادات في التعرفة الكهربائية على المستخدمين الصناعيين في عدة مناطق سيبيرية لتعويض العجز.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعكس هذه التطورات المتسارعة الضغوط التي باتت تواجهها حتى الشركات الكبرى في روسيا، مما يشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي لم يعد محصوراً في المؤشرات الكلية، بل أصبح يمسُّ البنية الإنتاجية للبلاد، وسط نظام اقتصادي مثقل بالكلف العسكرية ومحدودية الاستثمار المدني.
القطاع المصرفي وضغوط الحرب والديون
ويرى محللون أن النظام المصرفي الروسي بات يواجه أخطاراً متزايدة نتيجة تدخل الدولة في آليات الإقراض، في خطوة بدأت بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا لدعم المجهود الحربي.
ووفقاً لتقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، عمدت الحكومة الروسية إلى توجيه البنوك الكبرى لتقديم قروض تفضيلية للشركات المشاركة في الحرب، بشروط تضعها الدولة. ومع الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة منذ ذلك الحين، تواجه بعض هذه الشركات صعوبات في سداد التزاماتها، مما قد يجبر الحكومة على تحمل الخسائر، وهو ما يعرض النظام المصرفي لضغوط متزايدة.
وعلى رغم هذه التحديات يشير بعض المحللين بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلا أن النظام المصرفي الروسي لا يزال مستقراً ويتمتع برؤوس أموال كافية، لكن مركز التحليل الاقتصادي الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل في موسكو حذر في تقرير صدر في مايو الماضي، من أن احتمال حدوث أزمة مصرفية منهجية ممتدة بحلول عام 2026 "متوسطة"، ولكنه آخذ في التزايد.
ويفاقم هذا الوضع من الضغط على الكرملين، إذ يقلص من المدى الزمني المتاح لتمويل الحرب في أوكرانيا، فالحكومة الروسية تدير عجزاً في الموازنة منذ بداية الحرب، وتتوقع استمرار هذا العجز لعامين آخرين في الأقل.
ويرى مراقبون أن هذه الهشاشة المالية قد تشكل فرصة للغرب إذا تمكن من الاتفاق على حزمة عقوبات جديدة قوية من شأنها تضييق الخناق على موسكو بصورة فعالة ومؤثرة.
تراجع أسعار النفط يفاقم الأزمة
ويمثل تراجع أسعار النفط خطراً جديداً يهدد الاستقرار المالي الروسي، في وقت يعتمد فيه الكرملين على مبيعات الطاقة لتمويل قرابة ثلث موازنة الدولة.
وعلى رغم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط هذا العام، بقيت أسعار النفط العالمية عموماً عند مستويات منخفضة نسبياً، وأسهم ذلك في تراجع عائدات روسيا من النفط والغاز في يونيو الماضي، إلى أدنى مستوياتها منذ يناير (كانون الثاني) 2023، وفقاً لبيانات وزارة المالية الروسية الصادرة الخميس.
وما يزيد الأمر سوءاً أن سعر الخام الروسي ظل طوال الفترة الماضية أقل من السعر المرجعي المفترض في الموازنة العامة لهذا العام، مما يعني أن الإيرادات الفعلية جاءت دون التوقعات الحكومية، وهو ما يضع ضغوطاً إضافية على الموازنة.
من جانبها حذرت المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي والباحثة حالياً في مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا" في برلين ألكسندرا بروكوبينكو من أن التأثيرات قد تكون عميقة في هذه المرحلة الحساسة، قائلة "إن تراجع أسعار النفط وتشديد نظام العقوبات سيكونان أكثر إيلاماً في ظل الوضع الحالي... الأخطار مرتفعة".
ويعكس هذا الوضع هشاشة النموذج الاقتصادي الروسي القائم على العائدات الطاقوية، خصوصاً مع استمرار الحرب في أوكرانيا واستنزاف الموارد المالية بوتيرة متسارعة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الكرملين ردًا على تهديدات ترامب: دول البريكس لا تستهدف أي أطراف ثالثة
الكرملين ردًا على تهديدات ترامب: دول البريكس لا تستهدف أي أطراف ثالثة

أرقام

timeمنذ 14 دقائق

  • أرقام

الكرملين ردًا على تهديدات ترامب: دول البريكس لا تستهدف أي أطراف ثالثة

أكد المتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" أن مجموعة دول البريكس لا تسعى إلى تقويض أو استهداف أي دولة أخرى، مشيرًا إلى أن التحالف يجمع دولًا تتشارك رؤى موحدة بشأن التعاون وفقًا لمصالحها. جاء هذا ردًا على تصريحات الرئيس "دونالد ترامب" هدّد فيها بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الدول التي تنسق مع ما وصفه بالسياسات المعادية للولايات المتحدة. وعند سؤاله عن تصريحات "ترامب"، قال "بيسكوف" وفق ما نقلت وكالة "رويترز" ، إن روسيا اطلعت على ما ورد في خطاب الرئيس الأمريكي، مضيفًا: رأينا بالفعل مثل هذه التصريحات، لكن من المهم التأكيد على أن المجموعة تضم الدول صاحبة الرؤى المتقاربة. وأضاف "بيسكوف" أن التعاون داخل المجموعة لم يكن يومًا -ولن يكون أبدًا- موجهًا ضد أي أطراف ثالثة، مشددًا على أن توجهات البريكس تقوم على أساس الشراكة المتوازنة.

سوق دبي: صفقتان كبيرتان مباشرتان على سهمي الخليج للملاحة ومصرف عجمان
سوق دبي: صفقتان كبيرتان مباشرتان على سهمي الخليج للملاحة ومصرف عجمان

أرقام

timeمنذ 14 دقائق

  • أرقام

سوق دبي: صفقتان كبيرتان مباشرتان على سهمي الخليج للملاحة ومصرف عجمان

صالة تداول سوق دبي المالي تم اليوم الاثنين الموافق لـ 07 يوليو 2025، تنفيذ صفقتان كبيرتان في سوق دبي المالي على سهم الخليج للملاحة القابضة ومصرف عجمان، بقيمة 56.5 مليون درهم و36.3 مليون درهم على التوالي. ووفقا لبيانات السوق، تم تنفيذ الصفقة على 10 ملايين سهم من أسهم مصرف عجمان ما نسبته 1.2% من أسهم الشركة، وعلى 25 مليون سهم من أسهم مصرف عجمان ما نسبته 0.9% من أسهم البنك. تفاصيل الصفقة الشركة سعر السهم (درهم) سعر الصفقة (درهم) كمية الصفقة (مليون سهم) قيمة الصفقة (مليون درهم) الخليج للملاحة 5.65 5.65 10.00 56.50 مصرف عجمان 1.46 1.45 25.00 36.25

الرياض المالية: صندوق الرياض ريت يوقع اتفاقية بيع عقار بأمريكا
الرياض المالية: صندوق الرياض ريت يوقع اتفاقية بيع عقار بأمريكا

أرقام

timeمنذ 15 دقائق

  • أرقام

الرياض المالية: صندوق الرياض ريت يوقع اتفاقية بيع عقار بأمريكا

أعلنت الرياض المالية ، بصفتها مديراً لصندوق "الرياض ريت" ، توقيع اتفاقية بيع لعقار تابع لأحد استثمارات الصندوق الدولية "الرياض العقاري العالمي 3". وذكر بيان للشركة، أنه من المتوقع إتمام الصفقة خلال الربع الرابع من العام 2025، بعد انتهاء مرحلة الفحص النافي للجهالة واستيفاء الشروط المحددة بين الطرفين حسب الاتفاقية الموقعة. وبحسب البيان، يقع العقار في مدينة دالاس في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية وهو مبنى مكتبي يصنف من الفئة أ، مؤجر بالكامل لشركة بايونير التي تعد إحدى أكبر شركات النفط الأمريكية. وأوضحت الشركة، أن صندوق الرياض ريت استثمر في العقار خلال العام 2019 بقيمة 213.7 مليون ريال سعودي. ومن المتوقع أن تبلغ متحصلات البيع للصندوق 252 مليون ريال سعودي (غير شاملة للرسوم والمصاريف). وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى متحصلات البيع المذكورة أعلاه، فقد تم توزيع أرباح للصندوق من العقار خلال فترة الاستحواذ بقيمة 103.7 مليون ريال سعودي (48.5% من قيمة الاستثمار) ليصل العائد الإجمالي المتوقع على الاستثمار (ROI) إلى نسبة (65%). وقالت إن عملية البيع ستوفر حال الإتمام مرونة مالية للصندوق لتحسين مركزه المالي ورفع كفاءة أصوله حيث سيتم استخدام متحصلات البيع في عدة أوجه تشمل على سبيل المثال التسديد الجزئي للتسهيلات البنكية بالإضافة إلى تحسين جودة العقارات القائمة والاستثمار في عقارات مدرة للدخل ذات جودة عالية. الجدير بالذكر أن العقار هو الثالث والأخير من العقارات الخاصة باستثمار "الرياض العقاري العالمي 3" حيث تم التخارج من عقارين في عامي 2021 و2022 وتحقيق عائد على الاستثمار (ROI) بنسبة (51%) و(57%) على التوالي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store