
الاب رفعت بدر : في بيت العزاء والرجاء في البلمند
في 10 من تموز، ذهب وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط ممثلين عن اللجنة التنفيذيّة إلى دير سيدة البلمند في شمال لبنان، لتقديم العزاء لصاحب الغبطة البطريرك يوحنا اليازجي، بطريرك الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس، وذلك باستشهاد كوكبة من أبناء وبنات الكنيسة، إثر التفجير الدامي والإرهابي الذي حدث في كنيسة مار الياس في الدويلعة في دمشق.
أقول في 10 من تموز، لأنّ هذا التاريخ كان عيد شهداء دمشق الذين استشهدوا في عام 1860 في دمشق، إثر أعمال كراهية قام بها مسلحون ضد المسيحيين هناك. وقد أعلن البابا الراحل فرنسيس قداستهم كشهداء في الكنيسة في أكتوبر العام الماضي 2024، وقد وضعت ذخائرهم في كنيسة معموديّة السيد المسيح في المغطس في الاحتفال الذي جرى في كانون الثاني هذا العام.
يأتي هذا اللقاء في يوم 10 من تموز الذي فيه تُحيي الكنيسة هؤلاء الشهداء الجدد، وهو أول عيد لهم بعد إعلانهم قديسين، فقد رأينا ربطًا كبيرًا ما بين الاستشهادين وما بين الذكرى، وما حدث قبل أيام قليلة في كنيسة مار الياس في دمشق. ومن باب الافتخار أيضًا أنه في ذلك اليوم قد نشرت صفحة البطريركية الأرثوذكسية تعزية جلالة الملك مع صورة له حينما قال جلالته، باسم الاسرة الأردنية الواحدة: "غبطة البطريرك الأخ يوحنا العاشر حفظه الله بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، تلقيت بعميق الحزن نبأ الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار الياس في دمشق وأودى بحياة مدنيين أبرياء وتسبب بإصابة آخرين. أعرب لكم باسمي وباسم شعب المملكة الأردنية الهاشمية وحكومتها عن أصدق مشاعر التعزية والمواساة بهذا المصاب الأليم. وأؤكد رفض الأردن لجميع أشكال الإرهاب والتطرف. أسال الله عزّ وجلّ أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته، وأن يلهمكم ويلهم أسرهم جميل الصبر وحسن العزاء وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل". طبعًا، ذكر البطريرك ذلك أمام المجتمعين ممثلي الكنائس، وقال إنّني أعبّر عن فخري بالرسالة التي تلقيتها من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
حديث البطريرك كان حزينًا ومليئًا بالشجون والقلق، وهذا حقه المشروع لأن الشعب السوري يطمح وبالأخص في الفترة الأخيرة، إلى عيش حياة ديمقراطية سلمية تكون فيها المواطنة البناءة والمساواة في الحقوق والواجبات هي العنوان العريض لمستقبل سوريا الجديد. لكن ما حدث من عمل إرهابي همجي في إحدى كنائس دمشق العريقة، قد آلم النفوس ما حصل وأدخل القلق من جديد وجعل التساؤلات مثيرة وكثيرة، هل فعلاً هذا ونطمح إليه؟ وهل فعلاً سيكتب تاريخ دمشق وسوريا الجديد بدماء شهداء أبرياء؟
تلقى البطريرك سيلاً كبيرًا من الزيارات وعبارات التعزية والتضامن من مختلف ممثلي الأديان والكنائس ورؤساء الدول والبعثات الدبلوماسية في كل من لبنان وسوريا. لكن نبرة صوته الحزينة، قد أخبرتنا ونحن نستمع إليه كم هو قاتم المستقبل، وكم هو قاتل أن نفكر بأن ما حدث سوف، لا سمح الله، أيتكرر في أي بقعة من سوريا العزيزة، سوريا التي بالرغم من العواصف السياسيّة التي حصلت بها، لكنها كانت على الدوام رمزًا للأخوّة الإسلاميّة المسيحيّة، ورمزًا لاحترام الحرية الدينيّة وحرية إقامة الشعائر الدينيّة، وكلنا نذكر كيف كانت مسيرات الأعياد في الميلاد والفصح والشعانين تطوف أرجاء دمشق، وشوارع حلب، وكل شوارع سوريا مع المعزوفات الكشفية المعبّرة عن الافتخار بكونهم سوريين مسيحيين.
لا نريد أن يكون التفكير سلبيًا في مستقبل سوريا على الساحة الدينيّة، ولكننا ندعو أصحاب القرار في هذا البلد الشقيق إلى التنبه للحفاظ على الموروث التاريخي والمشرف لسوريا باحترام الأديان، سيما وأن في أنطاكيا السورية قد سُمّي أتباع المسيح لأول مرة مسيحيين، منذ القرن الأول للميلاد. لا نريد لسوريا أن تفرغ من المسيحيين لا سمح الله، بل نريد لهم أن يكملوا مسيرة عطائهم وانتمائهم وفخرهم بتراب بلدهم وبإيمانهم المسيحي العريق.
على قمة البلمند التاريخية، وكممثل لبطريركية اللاتين المقدسيّة، في اللجنة التنفيذيّة لمجلس كنائس الشرق الأوسط الذي تأسس قبل نصف قرن، قلت لصاحب الغبطة المكلوم، وهو الذي اختطف شقيقه المطران بولس اليازجي، ولم يعرف مصيره بعد، منذ 12 عامًا، مع مطران السريان يوحنا ابراهيم: تأتينا رسائل قلق يوميّة من إخوتنا في سوريا تقول لنا: "ساعدونا لكي نخرج لأننا نريد أن نبدأ حياة جديدة بعيدًا عن العنف وسيما بعد انفجار كنيسة مار الياس". وعبّرت له عن القلق الكبير الذي في نفوسنا على إخوتنا القلقين الخائفين. فكيف نجيبهم يا صاحب الغبطة؟ وهل من ضمانة بأنّ مستقبل سوريا لن يحمل في طياته مثل هذه الأعمال المدججة بالكراهية؟
بالطبع ليس من جواب ممكن في اللحظة الحالية على هذه التساؤلات، لكن في النهاية رتّل الجميع ترنيمة الرجاء: "المسيح قام من بين الأموات"، علامة الأمل وعلامة الثقة، بأن هنالك ربًّا يسيّر الكون وهو الراعي الأول في كل ما يحدث في هذا الشرق الحزين الكئيب والمتطلع إلى أيام مصالحة، وسلام، وعيش مشترك، أصيل وجميل كما هي هوية الشرق دائمًا أن يكون واحدًا، في ظل تعدّدية راقية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
نيفين عبد الهادي : هل الأردن فقير مائيًا؟
أخبارنا : الأردن يعاني من فقر في المياه، حقيقة واضحة لا تحتاج تشخيصا أو أي مبررات، ومن لا يدرك هذه المشكلة عليه مراجعة معلوماته جيدا، فنحن لا نتحدث عن تحديات مائية، أو مشاكل، أو عقبات، نحن نتحدث عن فقر مائي، في مواجهته نحتاج مسؤولية وطنية يتحمّلها الجميع رسميا وشعبيا، دون ذلك نحن حقيقة نعيش أزمة كبيرة يجب إدراك خطورتها من الجميع. أمس الأول، وفي أولى ورش العمل القطاعية التي تعقد في الديوان الملكي ضمن سلسلة ورش حول رؤية التحديث الاقتصادي، وقد خصصت لقطاع المياه وحقيقة قرار ذكي أن يكون أولى القطاعات التي توضع على طاولة الورش هو قطاع المياه، تم خلال الجلسة التي استمرت أكثر من خمس ساعات، طرح تفصيلي لواقع المياه في المملكة، ولم يخف المتحدثون أن قطاع المياه يواجه أزمة حقيقية وسلبيات عديدة تبدأ بالتغيير المناخي وتنتهي بعدم حصول الأردن على حصصه المائية ضمن اتفاقيات وتفاهمات سابقة مع دول عربية أبرزها سوريا، طارحين الواقع بكل شفافية ووضوح، بمكاشفة تحتاج رؤية الواقع بدقّة والتعامل معه بمسؤولية. الحكومة لم تدخر جهدا للتعامل مع الواقع المائي، فلم يشعر المواطن يوما أن الأردن فقير مائيا، ولم يعان من أي إشكاليات مائية، أو نقص مائي، وإن كان البعض يعاني من شح وصول الماء لمنطقة سكنه، لكن لم يحدث أن انقطع بشكل كامل، حتى أن متحدثين بورشة العمل أمس الأول قالوا «كان الله في عون من يدير تزويد المواطنين بالماء» نظرا لقلة المياه، ومعاناة توفيرها، ورغم ذلك فإن الحكومة تعمل بجهد كبير لتوفير الماء لكل المواطنين دون أي انقطاعات، متكررة، لنجد أنفسنا دوما أمام حالة نموذجية ونادرة من توفير المياه للمواطنين. وللأسف، فإن من بين سلبيات الواقع المائي موضوع الفاقد، إذ يشكّل نسبة كبيرة من استهلاك المواطنين للمياه، وهذه إشكالية كبيرة، تدفع باتجاه مزيد من الفقر المائي، حتى أنها تأخذ واقعنا المائي لمكان أكثر سوءا وسلبية، وحتما هذا الأمر يحتاج مسؤولية في التعامل مع الماء ليس فقط من المواطنين إنما كذلك من المقيمين في المملكة، ومراعاة الاقتصاد بالماء قدر الممكن، فأي زيادة بنسب الفاقد نحن نتحدث عن مزيد من تعميق أزمة المياه، وبالمقابل صعوبة التعامل معها. حقيقة ورشة العمل القطاعية التي خصصت للمياه بين ورشات عمل بحث رؤية التحديث الاقتصادي، حملت الكثير من الإيجابيات، ووضعت رؤى عملية لتجاوز الكثير من إشكاليات نقص بل فقر المياه، بتشاركية عميقة بين الزراعة والطاقة والبيئة والمياه، وحتما مع المواطنين وصولا لحالة نموذجية من توفير المياه والاقتصاد المائي، وقُدّمت الكثير من البرامج الهامة لتحقيق ذلك، بصيغة عملية وممكنة. في متابعة جزء من مناقشات عدد من الخبراء والمختصين أمس الأول حول المياه، وكذلك ضمن مقابلات خاصة أجرتها «الدستور»، بدا واضحا بداية الأهمية الكبرى لعقد ورشات العمل هذه، لا سيما أنها تأخذ طابعا شفافا وحالة من العصف الذهني، ليكون مجرد البدء بهذه الورشة ضمن سلسلة ورش العمل نجاح مسبق في الشأن المائي، علاوة على حجم الملفات التي تم بحثها خلال هذه الورشة لأكثر من خمس ساعات، لتشكّل نقطة بدء جديدة لنجاح مائي مؤكد تُلمس نتائجه قريبا، وتضاف لجهد ضخم تقوم به وزارة المياه الذراع التنفيذي الحكومي للتعامل مع ملف المياه. ــ الدستور


أخبارنا
منذ ساعة واحدة
- أخبارنا
وزير الأوقاف: الهجرة النبوية شكلت تحولا مفصليا في تاريخ الأمة
أخبارنا : جرش ـ علي فريحات- أكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، أن الهجرة النبوية الشريفة لم تكن حدثا عابرا يطوى وينسى، بل شكلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، انتقل فيها المسلمون من الضعف إلى القوة، ومن المحن إلى المنح، ومن الدعوة إلى الدولة وبناء المجتمع القوي. وقال الخلايلة، خلال رعايته احتفالا بذكرى الهجرة النبوية نظمه منتدى "جبل العتمات" الثقافي، إن الهجرة أرست معالم الحرية والتخطيط الحضاري، وأكدت أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالتخطيط الدقيق، والأخذ بالأسباب والتوكل على الله. وأشار إلى أن الهجرة تعكس حب الوطن في النفس والوجدان، وتكشف عن تعلق الروح به، كما أنها علمتنا أن الحياة تدار وفق قواعد ثابتة وأسس متزنة تنهض عليها المجتمعات القوية والمتماسكة، مستعرضا محطات بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث بايع الصحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بناء الإنسان بالقيم والأخلاق والفضيلة، ثم أعد العدة للهجرة برفقة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، في مشهد يجسد عمق الصحبة وصدق الإيمان، ويقدم دروسا في الصبر والمثابرة. واختتم الخلايلة كلمته بالدعوة إلى الاقتداء بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام في بناء الإنسان والوطن، مشددا على أهمية استلهام معاني الهجرة في واقعنا المعاصر. من جهته، أكد رئيس المنتدى المهندس خلدون عتمة، حرص المنتدى على إحياء المناسبات الوطنية والدينية، مشيرا إلى ضرورة استلهام الدروس والعبر من الهجرة النبوية في حياة كل مسلم، لتكون منارة تهدي السلوك وتعين على مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة في إطار من الأمن والأمان. وفي نهاية الحفل، الذي أقيم في قاعة بلدية جرش، وحضره الوزير الأسبق الدكتور عاطف عضيبات وعدد من مدراء الدوائر والمجتمع المحلي، تم تكريم عدد من الداعمين والمساندين. --(بترا)


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
وزير الأوقاف: أهمية استلهام معاني الهجرة النبوية في واقعنا المعاصر
جرشأكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور محمد الخلايلة، أن الهجرة النبوية الشريفة لم تكن حدثا عابرا يطوى وينسى، بل شكلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، انتقل فيها المسلمون من الضعف إلى القوة، ومن المحن إلى المنح، ومن الدعوة إلى الدولة وبناء المجتمع القوي.وقال الخلايلة، خلال رعايته احتفالا بذكرى الهجرة النبوية نظمه منتدى «جبل العتمات» الثقافي، إن الهجرة أرست معالم الحرية والتخطيط الحضاري، وأكدت أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالتخطيط الدقيق، والأخذ بالأسباب والتوكل على الله.وأشار إلى أن الهجرة تعكس حب الوطن في النفس والوجدان، وتكشف عن تعلق الروح به، كما أنها علمتنا أن الحياة تدار وفق قواعد ثابتة وأسس متزنة تنهض عليها المجتمعات القوية والمتماسكة، مستعرضا محطات بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث بايع الصحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بناء الإنسان بالقيم والأخلاق والفضيلة، ثم أعد العدة للهجرة برفقة الصديق أبي بكر رضي الله عنه، في مشهد يجسد عمق الصحبة وصدق الإيمان، ويقدم دروسا في الصبر والمثابرة.واختتم الخلايلة كلمته بالدعوة إلى الاقتداء بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام في بناء الإنسان والوطن، مشددا على أهمية استلهام معاني الهجرة في واقعنا المعاصر.من جهته، أكد رئيس المنتدى المهندس خلدون عتمة، حرص المنتدى على إحياء المناسبات الوطنية والدينية، مشيرا إلى ضرورة استلهام الدروس والعبر من الهجرة النبوية في حياة كل مسلم، لتكون منارة تهدي السلوك وتعين على مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة في إطار من الأمن والأمان.وفي نهاية الحفل، الذي أقيم في قاعة بلدية جرش، وحضره الوزير الأسبق الدكتور عاطف عضيبات وعدد من مدراء الدوائر والمجتمع المحلي، تم تكريم عدد من الداعمين والمساندين.