لبنان بين التهديدات الدولية وانقسامات الداخل: فرصة أخيرة أم سقوط نحو المجهول؟
فالزيارة الثالثة المرتقبة للموفد الأميركي الخاص، السفير توماس باراك، تمثل محطة فارقة في مفاوضات مشدودة بمعظمها إلى الكواليس، لكنها محكومة بعنوانين رئيسيين: نزع سلاح حزب الله، وإطلاق إصلاحات مالية جذرية لوقف الانهيار المتسارع الذي يهدّد الدولة نفسها.
تعود فصول هذا التصعيد إلى 19 حزيران الماضي، حين وجّهت واشنطن رسالة رسمية إلى بيروت طالبت فيها بخطوات «فورية» لنزع سلاح حزب الله وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة.
بعد ثلاثة أسابيع، زار باراك بيروت حاملاً ما وصفه مراقبون بـ«الإنذار الأخير»، مع خارطة طريق واضحة المراحل ومنح الدولة مهلة قصيرة لإثبات جدّيتها في استعادة سيادتها وإنقاذ اقتصادها المنهار.
بحسب مصادر دبلوماسية، لم يكن العرض الأميركي بلا مقابل. في المقابل، وعدت واشنطن بدعم اقتصادي ومالي وإعادة إعمار، لكن وفق آلية «خطوة مقابل خطوة» من دون أي التزام زمني أو ضمانات توقف إسرائيل خروقاتها أو تلزمها بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
حاول رئيس الحكومة نواف سلام التخفيف من التوتر الداخلي، مؤكداً أن «الورقة» التي حملها باراك مجرد «مجموعة اقتراحات» لترجمة تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.
شدّد سلام على صيغة تحترم السيادة اللبنانية والتراتبية الدستورية، محذّراً من مقاربات «قسرية» تفرضها إسرائيل أو تروّج لها بعض العواصم كشرط لحصرية السلاح وضبط القرار الأمني.
لم تتوقف المطالب الأميركية عند البُعد الأمني. فقد تضمنت الرسالة إنذاراً صريحاً بضرورة إطلاق إصلاحات مالية جذرية تنقذ لبنان من أزمته الكارثية.
رغم ذلك، اكتفى البرلمان، بقيادة نبيه بري، بتمرير قانون يتيم لتخفيف السرية المصرفية، متجاهلاً ملفات أكثر جوهرية مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، خفض الدين العام، وضبط المالية العامة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، باتت الطبقة السياسية أكثر تردداً في اتخاذ أي خطوة موجعة، حتى لو كان ثمن ذلك استمرار الانهيار.
تلمّح واشنطن إلى أنها قد تفك ارتباطها السياسي والمالي مع بيروت في حال استمرار المراوغة، ملوحة بخيارات عقابية قد تشمل:
- تجميد الدعم الدولي.
- فرض عقوبات على مسؤولين برلمانيين وأمنيين متهمين بعرقلة الإصلاحات أو التنسيق مع حزب الله.
وفي هذا السياق، يقدّم الموفد الأميركي صيغة «خطوة مقابل خطوة»: التزام لبناني كامل بنزع السلاح والإصلاح، مقابل وعود غير ملزمة بفتح باب الدعم المالي وإعادة الإعمار في مرحلة لاحقة.
لكن من الزاوية اللبنانية، تبدو هذه الصيغة أقرب إلى «صفقة استسلام» منها إلى اتفاق متوازن، لأنها تفتقر لأي التزام أميركي أو دولي يلزم إسرائيل بوقف الخروقات أو الانسحاب الكامل.
الزيارة الثالثة المرتقبة لباراك إلى بيروت ستكون لحظة اختبار دولية حقيقية. فالسؤال المطروح:
هل تعترف واشنطن وشركاؤها بمرجعية الدولة اللبنانية ومؤسساتها؟ أم تصرّ على مقاربة أمنية تربط التهدئة في الجنوب بشروط إسرائيلية أحادية؟
مصادر دبلوماسية مطّلعة تقول إن باراك بات مدركاً لفشل الرهان على اللجنة الأمنية الخماسية، ما يدفعه للبحث عن صيغة جديدة تقوم على قاعدة: «لا انسحاب دون سيادة، ولا سيادة دون انسحاب».
هذا الطرح يلتقي مع الموقف اللبناني الجامع المطالب بانسحاب كامل من الأراضي المحتلة، وقف الخروقات الجوية، إطلاق الأسرى، وبدء إعمار جديّ، مقابل بسط الدولة سيطرتها الأمنية بسلاح شرعي واحد.
قد تحمل زيارة باراك المقبلة فرصة تاريخية حقيقية للبنان لإعادة ترتيب أوراقه واستعادة قراره الوطني والسيادي.
لكن هذه الفرصة مشروطة بجرأة الداخل على اتخاذ القرارات الصعبة، توحيد الموقف الرسمي، والتغلّب على الحسابات الضيقة.
وإلّا فإن البلاد مهدّدة بالانزلاق إلى مستقبل مجهول:
سلاح غير شرعي يفرض إرادته، اقتصاد ينهار بلا كوابح، وسيادة مصادرة في خريطة إقليمية تتغيّر بسرعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


MTV
منذ 21 دقائق
- MTV
16 Jul 2025 20:39 PM مصرف لبنان يطوّق السلاح المالي للحزب
في توقيتٍ دقيق، أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 170 في رسالة واضحة: تضييق الخناق على حزب الله من خلال حظر التعامل مع القرض الحسن. بموجب التعميم، يُمنع على المصارف والمؤسسات المالية، من مصارف تجارية إلى شركات وساطة وهيئات استثمار جماعي، التعامل مع مؤسسات غير مرخّصة أو خاضعة لعقوبات دولية ومنها مؤسسة القرض الحسن. مصادر مصرف لبنان تؤكد للـMTV أن المؤسسة مرخّصة كجمعية اجتماعية من وزارة الداخلية، لكنها لا تملك الحق بالتعامل المالي وفقاً للقانون، وهي مدرجة على لائحة العقوبات الأميركية. تتابعون .

المركزية
منذ ساعة واحدة
- المركزية
أحداث السويداء تعيد خلط أوراق المنطقة ...إحياء إعلان بعبدا يخرج لبنان من دائرة الخطر
المركزية – سريعاً بدأ المشهد العسكري في جنوب سوريا يتغير وينذر بتطورات خطيرة مع استهداف مسيرات إسرائيلية بعدد من الصواريخ، مبنى رئاسة الأركان السورية في العاصمة دمشق، وألحقت بهجوم قرب القصر الرئاسي. تأتي هذه التطورات بعد أن حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس صباحا من أن "الجيش الإسرائيلي سيواصل مهاجمة قوات الشرع حتى انسحابها من المنطقة، وسيصعّد قريبا من مستوى الرد على النظام إذا لم تفهم الرسالة". الرسالة وصلت سريعاً. غارات مكثفة على جنوب سوريا، وتعرض مطار "الثعلة" العسكري ومحيطه لغارات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجيش السوري. ولم تنجو محافظة السويداء التي يعاني أهلها من وضع إنساني حرج نتيجة الأحداث والقتال في الداخل منذ أيام من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية كبرى مثل "اللواء 52" شرق درعا، وارتالا عسكرية للفرقة 54 على طريق دمشق – درعا، بينما واصل الطيران الإسرائيلي المسير تحليقه في أجواء درعا والقنيطرة، مع غارات طالت مواقع مختلفة. وبطبيعة الحال فإن لبنان وتحديدا أبناء مشيخة الدروز دخلوا دوامة هذه الأحداث وفي مواقف متناقضة كليا. ففي حين دعا رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط دروز السويداء للعودة إلى كنف الدولة، توجه رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب إلى أبناء الطائفة الدرزية بالقول" إلى أهلنا في جبل الشيخ، فليبدأ الهجوم باتجاه الشام ويستهدف القصر الجمهوري حصرا. أهلنا في الجليل سيبدأون بالتحرك، داعيا الجميع في لبنان إلى المشاركة في هذه التحركات. واعتبر وهاب أن "القصف الذي تتعرض له مدينة السويداء اليوم هو مشروع إبادة"، مشددا على أن هذا يتطلب تحركا شاملا من الجميع. قد لا يجوز بناء أي تطورات وفقا لتطور الأحداث وتسارعها. لكن في المواقف الآنية يؤكد السفير الأسبق هشام حمدان "أن الوضع خطير جدا وما يحصل يذكرنا بما كان يُخطَّط له منذ عقود بشأن اقامة دويلات طائفية في بلاد الشام. ولا يمكن فصل هذه المشهدية السوداوية في الداخل السوري عن موقف حزب الله بشأن رفض تسليم سلاحه المتوسط والخفيف". ويتابع السفير حمدان" وصول النصرة إلى الحكم في سوريا واستمرار ميليشياتها الأصولية في التوازي مع الجيش يخيف كل الأقليات في البلاد وفي المحيط ايضا. ولطالما كانت إسرائيل تطمح باقامة دولة درزية على حدودها مع سورية ولبنان. وعليه، يمكن القول أن إصرار النظام في سوريا على إخضاع الدروز بالقوة يدفعهم أكثر إلى الاحتماء بالخاصرة الإسرائيلية لحماية انفسهم". تزامن الأحداث في سوريا والغارات اليوم على مقر وزارة الدفاع في وقت كان الحديث عن فتح قنوات اتصال بين الرئيس السوري أحمد الشرع وإسرائيل في أذربيجان يطرح علامة استفهام حول الموقف الأميركي من هذه التطورات التي وصفها المبعوث الأميركي طوم باراك ب"المثيرة للقلق". مشيراً إلى أن بلاده تتواصل مع جميع الأطراف من أجل التهدئة والتكامل، والوصول لنتيجة "سلمية وشاملة" تُراعي مصالح طائفة الدروز ، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية" وفي السياق يشير السفير حمدان الى أن "الرئيس دونالد ترامب طلب من الشرع الانسحاب من جنوب البلاد. لكن إصرار السلطة وميليشياتها على متابعة أعمال القمع هناك، واستمرار الممارسات التي تنافي مفهوم العدالة الإنسانية سيجعله ومن دون شك يتجاوب مع رغبة اهل السويداء بالحماية الاسرائيلية. ولا ننسى ان الولايات المتحدة كانت وافقت مع إسرائيل على دخول الجيش السوري لحماية المسيحيين في لبنان عام 1976 وأرى أن هذا السيناريو يتكرراليوم في السويداء. لكن الإسرائيلي لن يخرج هذه المرة كما حصل في لبنان، وقد يعلن الدروز دولة خاصة بهم تلحق بالجولان وجبل الشيخ. وهذا الامر يعتمد كثيرا على موقف أحمد الشرع وقدرته في معاملة الدروز كما يعامل قسد". قد لا يكون لبنان في منأى عن كل هذه التطورات، والخشية أن تكون ذريعة حزب الله التمسك بسلاحه من باب الإنخراط في الحرب التي يرجح المحللون اندلاع شرارتها من الحدود الشمالية هذه المرة بعدما انطفأت جنوبا ولم يعد هناك من يروي حكايات البيوت والأراضي الزراعية. فهل يلعبها الحزب "صولد"؟ "الأمر يعتمد على موقف أحمد الشرع والحكومة السورية. فإذا لم تتراجع القوات الحكومية كما نصح الرئيس ترامب، فمعنى ذلك ان الدروز يناشدون إسرائيل التدخل من اجل حمايتهم. وقد سبق أن ناشد الدروز المجتمع الدولي اولا لكنه لم يستجب. كما ان العرب لم يتدخلوا بهذا الصدد. والواضح ان تركيا تفرض على الحكومة السورية سياساتها الاقليمية وحتى الخارجية. من هنا، نرى تساهلا للحكم بشأن الأكراد وتشددا بشأن العلويين والدروز". ويختم السفير حمدان بإنذار وأُمنية " إذا ما تحقق دخول إسرائيل إلى السويداء أخشى فعلاً ان يزيد تعقيد الأمور الداخلية في لبنان. وأتمنى أن يطالب الرئيس جوزاف عون بتحييد لبنان وإحياء إعلان بعبدا الذي صدر في 11 حزيران 2012".


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
ضربات أميركا.. هل ستؤثر على وكلاء إيران في المنطقة؟
رأى الباحثان لورنس جاي. كورب، زميل أول في مركز التقدم الأميركي، وستيفن سيمبالا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا، من أن الضربات الجوية الأميركية الأخيرة ضد أهداف عسكرية إيرانية لن تكون كافية لردع طهران عن مواصلة حروبها بالوكالة وسعيها نحو امتلاك سلاح نووي. وأوضح الباحثان في مقال مشترك بموقع "ناشونال إنترست" أن الولايات المتحدة نفذت، في أواخر حزيران الماضي، واحدة من أكثر عملياتها تعقيداً ضد إيران ، مستخدمة قاذفات الشبح المتطورة B-2 Spirit، وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 MOP، لاستهداف مواقع نووية تحت الأرض في نطنز وفوردو. كذلك، دعمت الهجوم غواصة هجومية أميركية بإطلاق أكثر من ثلاثين صاروخ توماهوك استهدفت منشآت دعم في أصفهان. ورغم أن هذه العملية، المعروفة بـ "مطرقة منتصف الليل"، نجحت في إحداث دمار بالغ في منشآت التخصيب ومنظومات الدفاع الجوي والبنية التحتية للقيادة والسيطرة الإيرانية ، يقول الكاتبان إن هذه الضربات لن تكون كافية لكبح جماح استراتيجية إيران الإقليمية أو ثنيها عن مشروعها النووي طويل الأمد. وأوضح الكاتبان أنه لا يمكن فهم تصرفات إيران من زاوية المصلحة السياسية البحتة أو الحسابات البراغماتية، بل لا بد من النظر إليها ضمن إطار عقائدي مذهبي راسخ، حيث لا تزال طهران تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر"، وإلى إسرائيل كامتداد للنفوذ الأمريكي في المنطقة. وأكد الباحثان أن هذه النظرة العقائدية تشكل القوة الدافعة وراء إصرار طهران على امتلاك سلاح نووي، بما يعزّز مكانتها الإقليمية ويمكّنها من ردع خصومها في الشرق الأوسط وخارجه. وأشار الكاتبان إلى أن النظام الإيراني لديه سجل طويل من مقاومة الضغوط الخارجية، إذ تمكن من النجاة من حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق ، ومن حصار اقتصادي شديد استمر لعقود. واستبعد الكاتبان أن تؤدي ضربة عسكرية واحدة، حتى لو كانت مؤلمة، إلى تغيير جذري في سلوك النظام، بل ربما تؤدي إلى مزيد من التشدد والتصعيد في سياساته الخارجية. وسلط الكاتبان الضوء على حروب الوكلاء التي تخوضها إيران في المنطقة باعتبارها ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية والهجومية، فيما أشارا إلى أن طهران طورت شبكة واسعة من الجماعات المسلحة التابعة لها، بدءاً من حزب الله في لبنان ، مروراً بالجماعات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، وصولاً إلى دعم حركات مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. وأوضح الكاتبان أن هذه الشبكة تمنح إيران القدرة على شن هجمات غير مباشرة، وتوسيع نطاق نفوذها الجيوسياسي، دون أن تتورط بشكل مباشر في نزاعات مكلفة، بل إن هذه الحروب بالوكالة تسمح لطهران بالحفاظ على توازن ردعي، وخلق نوع من الضغط الدائم على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ورغم الإشادة الدقيقة بكفاءة القوات الأميركية وقدرتها على توجيه ضربات استراتيجية، رأى الكاتبان أن الاعتماد المفرط على القوة الصلبة لا يُفضي بالضرورة إلى تحقيق نتائج سياسية مستدامة، كما أشارا إلى أن إيران تمتلك خبرة طويلة في امتصاص الضربات وتكييف استراتيجياتها وفقاً للظروف المتغيرة. ولذلك، يقول الكاتبان، إن الرد الأميركي ينبغي ألا يقتصر على الضربات العسكرية فحسب، بل يجب أن يترافق مع جهد دبلوماسي ممنهج، وعقوبات اقتصادية دقيقة، ودعم للحلفاء الإقليميين لمواجهة نفوذ إيران الخفي. وشدد الكاتبان على ضرورة أن تعيد واشنطن تقييم أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وألا تقع في فخ التصعيد المفتوح أو الردود الانفعالية. ودعا الكاتبان إلى تبني نهج شامل يجمع بين الردع العسكري والعمل السياسي، بالتوازي مع تحصين الشراكات الإقليمية وإيجاد سبل جديدة لاحتواء التهديد الإيراني دون الانجرار إلى صراع واسع النطاق. وحذر الكاتبان من الرهان على العمليات العسكرية وحدها لإحداث تحول في سلوك النظام الإيراني، ودعا إلى فهم أعمق للمحفزات العقائدية والاستراتيجية التي تحرك سياسة طهران الخارجية، لا سيما في ما يتعلق بحروب الوكالة والطموح النووي.