logo
في ذكرى رجل كان يكره الرداءة والخوف تقبيل الأعتاب

في ذكرى رجل كان يكره الرداءة والخوف تقبيل الأعتاب

بديلمنذ يوم واحد
في مثل هذا الشهر قبل 11 السنة غادرنا السي المهدي المنجرة في صمت…
لم يكن من وداعه الكثيرون كانت جنازة بسيطة حضرها القليل من أحبابه وعائلته وبعض اصدقائه …
ووري الثرى وكأنه لم يكن …وحده عبد الحق المريني رحمه الله كان من وجوه الدولة التي حضرت جنازة اكبر عالم مستقبليات في أفريقيا والعالم العربي، لكنه حضر بصفته صهر السي المهدي وليس بصفة اخرى رحم الله الجميع …
تذكرته قبل أيام في دردشة مع صديق حيث قال لي :(هل تذكر جنازة المهدي المنجرة حيث لم نكن سوى عشرات ممن ساروا وراء جثمانه وحضروا نزوله إلى القبر في تنكر بئيس لعطاء الرجل وتضحياته وإسهاماته العلمية والمعرفية؟) …
قلت له : نعم هذه لحظات لا تنسى/ لحظات التنكر للجميل/ مثلها مثل لحظات الوفاء تظل شاهدة على أصحابها …
هنا نعيد تأبين الرجل بما يستحق مادام الإعلام الرسمي وشبه الرسمي مشغول بما هو اهم وبما ان مهرجان موازين هو الذي يصنع الحدث الفني والثقافي الأبرز في البلاد خاصة عندما يكون طوطو في الواجهة …
وبما أننا في مملكة لها ذاكرة تحترف النسيان، لنحاول ان نكسر هذه القاعدة لعنها الله من قاعدة …
ونتذكر هذا الرجل وماذا ترك وراءه من كتب ومن مواقف ومن سيرة طيبة فوق هذه الارض خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الرفاة… قال المعري وأديم الارض هنا من اجساد وارواح من رحلوا ولم يعد احد يتذكرهم …
-كان اول مغربي يحصل على درجة الدكتورة من • London School of Economics and Political Science في بريطانيا .
-وكان اول مدير للإذاعة في عهد محمد الخامس، واستقال لما بدأ السياسيون يتدخلون في عمله الإعلامي /
-وكان ارفع من وصل إلى مناصب كبيرة في اليونسكو أيام كانت اليونسكو اطارا ثقافيا رفيعا له صوت مسموع في العالم/
-وكان اول من درّس في جامعات اليابان من المغاربة والعرب /
-وكان اول من ترأس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان قبل ان ينطفئ نورها/
-وكان اول مثقف يستعمل الكومبيوتر ويتحدث بعفوية مع الشباب في قضايا معقدة بلغة دارجة بسيطة …
انه السي المهدي رجل يحاضر الاثنين في باريس والثلاثاء في لندن والأربعاء في بوعرفة او الحاجب او مكناس او سلا اوفي آخر دار ثقافة في مداشر المغرب المنسي …
كان مثقفا يمشي في الأسواق /وياكل الطعام مع الناس/ وفيشعر بهم ويشعرون به /كان من القلائل من المثقفين الذين يستطيع ان يملأ قاعة من ثلاثة الآلاف او أربعة مغربي لمدة ساعتين وثلاثة …لهذا كان يجني غيرة غير قليلة المثقفين وحنق غير يسير من السياسيين …
كان هذا هو المهدي المنجرة لمن لم يعرفه من شباب اليوم، مثقف عضوي بتعبير غرامشي، مثقف أنذرنا مبكرًا من خطورة الرداءة و' والاستبداد، لم يجد في بلده سوى جدران مغلقة وقاعات مطفأة ومضايقات 'ناعمة وأخرى خشنة ' تقولون له: اسكت.
وها نحن اليوم رغم كل شيء نرصّ العبارات لوداع من سبقنا في الرؤية، وفي الألم، وفي الغضب.
إليكم كلمة وفاء… لا للموتى، بل للأحياء الذين يطاردهم الجحود حتى الرمق الأخير …
أن تعطي الإنسان وردة في حياته أفضل من أن تضع إكليلاً من الزهور فوق رخام قبره…
أن تقول كلمة طيبة في وجهه وهو على قيد الحياة /أفضل من أن تكتب قصيدة رثاء من 100 بيت بعد موته.
هو ذا حالنا مع المهدي المنجرة الذي وافته المنية في مثل هذا الشهر سنة 2014 بعد معاناة مع المرض الذي اقعده في بيته لسنوات …
نحن بلاد بارعة في أدب تأبين الموتى بعد أن يصيروا جثثًا هامدة، تمامًا كما أننا بارعون في تجاهلهم والتضييق عليهم والمسّ باعتبارهم ومكانتهم عندما يكونون أحياء بيننا.
مات السي المهدي، رحمه الله، وفي قلبه غصة من بلده الذي منعه، في العشر سنوات الأخيرة من حياته، 12 مرة على الأقل، من لقاء جمهوره ومحبّيه وطلبته. كان المنع ناعمًا… في آخر لحظة تخبر السلطة منظمي محاضراته وضيوفه بأن القاعة غير متاحة، وأن اللقاء بالمهدي غير ممكن، وأن التيار الكهربائي انقطع.
كل مرة يجدون طريقة ليقولوا له: إنك مزعج، وإن صبرنا عليك بدأ ينفد، وإن شهاداتك ووضعك الاعتباري ونضالك من أجل استقلال البلد… كل هذا لا يعطيك حصانة لتقول ما شئت …
اذهب إلى بيتك فالزمن ليس زمنك، وكلماتك أصبحت مثل الأبر توخز الوعي والضمير وهذا مما لا تحتمله احوال البلاد التي تقدس الصمت وتحترم الكتاب والأدباء والمثقفين الذي يغلفون كتبهم وأقوالهم في غلاف وردي من حرير ويشاركون في الحفلات الجماعية لأكاديمية المملكة، ومولفات الخمسينية، ويظهرون في التلفزة بين الحين والآخر ليحللوا اوضاع بلادهم بنظارات وردية وجمل مجازية وادب لا يقلل الأدب والاحترام والتوقير والإجلال على احد …
آخر مرة زرته في مكتبه قبل سنة من تواريه عن الظهور وجدته غاضبًا ومجروحًا من تكرار حكاية المنع معه في الرباط والدار البيضاء ومدن الهامش وقرى الأطراف البعيدة، حيث لم يكن يتردد في تلبية الدعوات الكثيرة التي كانت تتقاطر على مكتبه لدعوته إلى الحديث عن الحرب الحضارية، وقيمة القيم، وحماية التعددية، وخطورة الاستعمار الجديد، وانتفاضات الكرامة التي بشّر بها قبل 20 سنة من احراق البوعزيزي لنفسه وانتشار حمم الغضب في عروش المنطقة وبيوت الحكم فيها
قال لي: «لقد أصبحت شبه ممنوع في بلدي، والله يبارك في عمر الأنترنت الذي لا يعترف بالرقابة ولا بالحدود. أنا الآن أتواصل مع الشباب عبر صفحتي على النِّت. عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم»…
أعجبتني عبارة عبد الإله بنكيران في كلمة قصيرة أدلى بها وهو يشارك في دفن الراحل، حيث قال: «إنه مثقف كبير كان يكره الرداءة»…
كان المهدي المنجرة فعلاً يكره الرداءة والجبن والخوف والحسابات الصغيرة، وكل العاهات التي استوطنت نفوس وقلوب أغلب المثقفين والسياسيين والصحافيين وعموم أفراد ما يسمى بالنخبة. كان يرى أن هؤلاء أخطر على الشعوب من حكامها السلطويين .
كان المهدي المنجرة مثقفًا من طينة نادرة في المغرب والعالم العربي. تعلم في فرنسا وأمريكا وبريطانيا، وحصل على أعلى الشهادات من جامعاتها العريقة، لكن ذلك لم يُنسِه بلده المغرب ولا هموم العرب والمسلمين.
ظل النقد المزدوج للغرب والشرق سلاحه ومنهجه لدراسة مشاكل العالم المعاصر، لم يتحوّل إلى مستشرق محلي كما يفعل أغلب المثقفين العرب الذين يعيشون في الغرب، ويلبسون نظاراته وهم يقرؤون أحوال بلادهم وهمومها، إرضاءً لما يريد الغرب أن يسمعه عنا في جامعاته ومراكز بحثه ومعامل أفكاره.
اقترب الراحل من السلطة العليا في البلاد، وتقلّد مناصب رسمية ودبلوماسية كبيرة، لكن هذا القرب من السلطة لم يبعده عن الإحساس بالشعب، وعن التمسك بوظيفة المثقف وهي: قول الحقيقة للسلطة حتى وإن غضبت من سماعها، وممارسة وظيفة النقد حتى في أشد الظروف حساسية، ومواجهة التيار الغالب من السياسيين والمثقفين الذين يغنون ويرقصون في موكب السلطة ، ويسوقون الارتياح الخادع والوهم المخدّر لشعوبهم، خوفًا من عصا الدولة الغليظة أو طمعًا في جزرتها الحلوة !
كان الراحل المهدي المنجرة من كبار علماء الدراسات المستقبلية، وهو بهذه الصفة كان من القلائل الذين «تنبؤوا» قبل سنوات بان حروب القرن 21 ستكون حروبا حضارية وليست اقتصادية ولا عسكرية ولا ايديولوجية وقد سبق فرنسيس فوكوياما وهغتنغتون في ذلك وهذا ما اشارت اليه مجلة دير شبيغل الألمانية في وقتها وكان ممن توقع قبل 20 سنة حدوث انتفاضات ستغير خريطة الأنظمة السياسية في العالم العربي.
كانت أطروحته تقول إن التحول الديموغرافي الذي تعرفه المنطقة العربية، والذي يجعل من فئة الشباب قاعدة الهرم الديموغرافي، بكل ما تتطلبه هذه الكتلة الحرجة من فرص شغل، ومساحات من الحرية، وقدرة على التواصل مع العالم بفضل تكنولوجيا الاتصال والمعلومات… كل ذلك سيساهم في انتفاض فئة الشباب التي سيعلو صوتها يومًا بعد آخر، وسيأتي اليوم الذي تزعز اركان البيت على أصحابه .
عندما كان المهدي المنجرة يقول هذا الكلام في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان الكثيرون يعتبرون كلامه من باب التمني وليس التحليل العلمي للواقع. كانت الأنظمة الشمولية في العالم العربي تبدو آنذاك قوية ومتماسكة وعصيّة على أن يزحزحها أحد من مكانها، لكن المهدي المنجرة كان يرى شرعية هذه الأنظمة تتآكل يومًا بعد آخر. كان الرجل يرى أن الاستبداد العربي يخسر كل يوم موقعًا من مواقعه، وأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والقيمية وصلت إلى حد لا يمكن تحمّله من قبل الشعوب.
لم يُكذب التاريخ نبوءات المنجرة، لكن عندما أطلّ الربيع العربي برأسه من تونس ثم مصر فليبيا واليمن والمغرب والبحرين وسوريا، كان المثقف المغربي على حافة الغروب. بقي يتابع مجرى الأحداث من سرير المرض، وما خفف آلامه الكثيرة أنه رأى الشباب المغربي والعربي ينزل إلى الشارع في انتفاضات عفوية للدفاع عن الحرية والكرامة والديمقراطية التي طالما بشّر بها شعبه وأمته.
سيرة المهدي المنجرة، رحمه الله، سيرة مثقف لم يدّع يومًا أنه ثوري، لكنه لم يكن بالتأكيد رجعيًا. مع اليسار كان يدافع عن قيم الليبرالية الأصيلة، ومع اليمين كان يناصر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومع الإسلاميين كان يدافع عن العقل والاجتهاد والحداثة
.
في البلاد العربية كان يشرح قصة نهوض أوروبا واليابان،
وفي الغرب كان ينتقد إسرائيل ومساندة القوى الكبرى لجرائمها، وازدواجية المعايير في سياساتها، وغلبة المصالح على القيم في سلوكها.
هو ذا المهدي المنجرة… رجل عاش ومات وفيًا لرسالة العلم، مخلصًا للحقيقة كما يراها، جريئًا في الدفاع عن أفكاره حتى وإن أغضبت القريب قبل البعيد…
كانت كتبه تحقق اعلى المبيعات ويعاد طبعها عشرات المرات بلغات مختلفة مرة سالته عن هذه الظاهرة وكنا نتمشى في شارع محمد الخامس بالرباط فقال لي انتظر سيجيب على هذا السوال رجل بسيط جدا وعميق جدا …وقفنا أمام كشك بائع الجرائد الأشهر في الرباط الروبيو فنقل له المنجرة سوالي فقال الروبيو بعفوية كاملة : كتب السي المهدي تطير من السوق لأنه رجل يبيع ولا يشترى …لم اعقب على هذه الجملة دونتها في مذكراتي وانصرفت وها أنا نذا أتذكرها لأرويها في زمن غير الزمن وظروف غير الظروف …إذا أردت ان تكرم عزيزا لا تشتري حافلة ورود لتضعها على قبره أعطه وردة واحدة في حياته ومعها كلمة عرفان او ابتسامة…
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

برحيل أيت بامومن.. حزب 'السنبلة' يفقد سياسيا مخلصا ومناضلا فدا بإقليم زاكورة
برحيل أيت بامومن.. حزب 'السنبلة' يفقد سياسيا مخلصا ومناضلا فدا بإقليم زاكورة

الألباب

timeمنذ 8 ساعات

  • الألباب

برحيل أيت بامومن.. حزب 'السنبلة' يفقد سياسيا مخلصا ومناضلا فدا بإقليم زاكورة

الألباب المغربية/ مصطفى طه توفي أمس الخميس 03 يوليوز الجاري، المسمى قيد حياته حسن أيت بامومن، رئيس المجلس الجماعي لأفلاندرا، وعضو المجلس الإقليمي لزاكورة، عن حزب الحركة الشعبية. وتلقت أسرة حزب 'السنبلة'، نبأ وفاة المنتخب السياسي المذكور، بصدمة كبيرة، ومعها ساكنة جماعة 'إفلاندرا'، وإقليم زاكورة، بعد فقدان أحد رجالاتها الذي دبر سنوات من عمر المجلس المنتخب للمنطقة. وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم جريدة الألباب المغربية، بأحر التعازي لعائلة أيت بامومن، راجين من الله أن يتغمده بواسع رحمته.

بنكيران: بنتي حَرْكَات للخارج و تّا واحد فالعائلة ماخدّام مع المخزن
بنكيران: بنتي حَرْكَات للخارج و تّا واحد فالعائلة ماخدّام مع المخزن

زنقة 20

timeمنذ 11 ساعات

  • زنقة 20

بنكيران: بنتي حَرْكَات للخارج و تّا واحد فالعائلة ماخدّام مع المخزن

زنقة 20 | الرباط قال الأمين العام لحزب العدالة و التنمية عبد الإله بنكيران، أن 'والديه وصاوه مايخدمش مع المخزن'. بنكيران، وخلال ندوة صحافية نظمها حزبه اليوم الجمعة حول ورش تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، أضاف : 'تا واحد فينا دابا من العائلة ديالي خدام مع المخزن'. و تحدث بنكيران، عن ابنته سمية بالقول : ' إذا استثنينا سمية لي دخلات للوظيفة بدراعها ودوك الناس لي كدبو عليها غادي يلقاو الله وخصهوم يجاوبو على الكذب'. و أضاف : ' دابا بنتي ماخداماش راهي دابا حركات كاع على ود راجلها لي مشا لفرنسا وتبعاتو'.

انتخاب عبد النباوي رئيسا جديدا لجمعية المحاكم العليا
انتخاب عبد النباوي رئيسا جديدا لجمعية المحاكم العليا

عبّر

timeمنذ 12 ساعات

  • عبّر

انتخاب عبد النباوي رئيسا جديدا لجمعية المحاكم العليا

تم خلال الاجتماع السنوي لجمعية المحاكم العليا التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية (AHJUCAF) ، المنعقد بالرباط خلال الفترة الممتدة من 2 إلى 4 يوليوز الجاري، انتخاب الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، رئيسا جديدا للجمعية، وذلك بإجماع الأعضاء الحاضرين . وذكر بلاغ للرئيس الأول لمحكمة النقض، محمد عبد النباوي، أن هذا الانتخاب يأتي تتويجا للمكانة المتميزة التي تحظى بها المملكة المغربية داخل الفضاء القضائي الفرنكفوني، واعترافا بالدينامية التي تعرفها السلطة القضائية المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله . وأضاف المصدر ذاته أن هذا الانتخاب يعكس أيضا ثقة الشركاء الدوليين في التجربة المغربية، ويعزز الحضور المؤسساتي والدبلوماسي للمملكة على الصعيد القضائي الدولي. تجدر الإشارة إلى أن جمعية المحاكم العليا التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية (Association des Hautes Juridictions de Cassation des pays ayant en partage l'usage du français) تضم محاكم النقض أو الهيئات القضائية العليا في الدول التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store