
صبحي موسى و"تحولات الثقافة في مصر".. دعوة للحوار
يُعد كتاب "تحولات الثقافة في مصر" للباحث والروائي صبحي موسى عملًا مهمًا لفهم العلاقة المعقدة بين الثقافة والسلطة في السياق المصري الحديث، حيث يقدّم قراءة تحليلية شاملة لمسار المؤسسات الثقافية من لحظة تأسيسها إلى تحديات الحاضر. تكمن قوة الكتاب في مزجه بين التاريخ والتحليل السياسي، وفي قدرته على تفكيك الخطاب الثقافي الرسمي، وربطه بتحولات النظام السياسي والاجتماعي، خاصة في فترتي ما بعد ثورة يوليو وثورة يناير.
يتميّز الكتاب أيضًا بجرأته في نقد النظام الثقافي في عهد مبارك، وتسليطه الضوء على آليات الاحتواء والترويض، كما أنه لا يتردد في كشف تراجع دور الدولة أمام صعود قوى دينية أو ليبرالية متصارعة، مما يمنح الكتاب قيمة مرجعية للباحثين في مجالات السياسة الثقافية والتحولات الفكرية في العالم العربي. ومن أبرز إسهاماته ربط الثقافة بالمجتمع والاقتصاد، بما يوسّع النظرة التقليدية للثقافة كمجرد إنتاج رمزي.
لكن رغم هذه الإيجابيات، لا يخلو العمل من مآخذ مهمة، أبرزها تضخيمه لإنجازات النخب الليبرالية دون فحص متوازن. كما أن إغفاله للمجتمع المدني والمبادرات الشبابية المستقلة يضعف من رؤيته المستقبلية، التي بدت محكومة بتشاؤم مفرط، في وقتٍ تشهد فيه مصر نماذج ثقافية جديدة تتشكل خارج الأطر الرسمية.
في النهاية، يقدم صبحي موسى عملًا تحليليًا عميقًا لكنه غير مكتمل. فرغم رصده لمراحل التراجع، لا يضع تصورًا واضحًا لمخارج الأزمة أو بدائل لبناء منظومة ثقافية جديدة أكثر عدالة وفاعلية. ومع ذلك، فإن الكتاب يبقى وثيقة ضرورية للنقاش حول الثقافة المصرية في زمن التحولات، ويفتح الباب أمام أسئلة أكثر جرأة: كيف نحرّر الثقافة من أسر السلطة؟ وما مستقبل الثقافة في عصر المنصات الرقمية واللامركزية المعرفية؟
نشأة المؤسسات الثقافية وتطورها
يقدم الفصل الأول رؤية تاريخية متعمقة لنشأة البنية التحتية للثقافة المصرية الحديثة، حيث يرصد التحول من نظام "المعارف العمومية" في العصر الملكي إلى مفهوم "الثقافة" كأداة لصناعة الوعي في العصر الجمهوري. يبرز الكاتب كيف كانت وزارة المعارف العمومية تمثل حاضنة للمؤسسات الثقافية الأولى مثل الجامعة الشعبية ومجمع اللغة العربية، مما يعكس الرؤية التكاملية بين التعليم والثقافة في تلك المرحلة التأسيسية.
يتوقف الكاتب عند تجربة الجامعة الشعبية كحالة دراسية بارزة، حيث كانت هذه المؤسسة تمثل محاولة طموحة لنشر الثقافة بين الطبقات الفقيرة والأمية. يوضح كيف تحولت هذه الجامعة من فكرة نظرية إلى مشروع عملي تحت إشراف أحمد أمين، حيث نجحت في الوصول إلى الأحياء الشعبية والأقاليم النائية، مما يعكس محاولة جادة لدمج الثقافة مع مشروع التنمية الاجتماعية.
يخصص الكاتب مساحة مهمة لدور أحمد أمين كأحد أبرز المهندسين الثقافيين في تلك الفترة. من خلال تحليل دقيق، يبين كيف استطاع أمين - من خلال خبرته كقاض شرعي ومثقف موسوعي - أن يصوغ برامج الجامعة الشعبية بطريقة تلائم احتياجات المجتمع المصري المتنوع. هذا الجزء يسلط الضوء على أهمية الأفراد المؤثرين في تشكيل السياسات الثقافية رغم هيمنة المؤسسات.
يناقش الفصل التحول الدراماتيكي الذي شهدته المؤسسات الثقافية بعد ثورة 1952، حيث انتقلت من مفهوم "المعارف" المحايد إلى "الثقافة" كأداة في خدمة "الإرشاد القومي". يحلل الكاتب كيف تم توظيف المؤسسات الثقافية الناشئة مثل دار الكتب والوثائق القومية لخدمة الأجندة السياسية للنظام الجديد، مما يعكس تحولًا جوهريًا في فلسفة العمل الثقافي.
رغم عمق التحليل، يغفل الكاتب عدة جوانب مهمة: أولًا، إهمال دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في تلك المرحلة التأسيسية، حيث ركز بشكل أحادي على دور الدولة. ثانيًا، عدم توضيح التحديات العملية التي واجهتها هذه المؤسسات، مثل مشاكل التمويل المزمنة والصراعات البيروقراطية بين الأجهزة المختلفة. ثالثًا، إغفال التأثيرات الإقليمية والدولية على تشكيل هذه المؤسسات في فترة ما بعد الاستعمار.
يقدم هذا الفصل تحليلًا قيمًا للأسس التاريخية للمؤسسات الثقافية المصرية، لكنه يعاني من بعض القصور المنهجي. التركيز على السرد التاريخي على حساب التحليل النقدي، والانحياز الواضح للرواية الرسمية دون إعطاء مساحة كافية للرؤى البديلة. كما أن عدم الربط بين تطور هذه المؤسسات والتحولات الاجتماعية الأوسع في مصر يعد نقطة ضعف رئيسية في التحليل.
هذا التحليل الموسع يكشف أن الفصل الأول يقدم أساسًا متينًا لفهم التطور التاريخي للمؤسسات الثقافية، لكنه يترك أسئلة مهمة دون إجابة، خاصة فيما يتعلق بالتفاعل بين هذه المؤسسات والمجتمع، وبين المشروع الثقافي والتحولات السياسية الكبرى في مصر الحديثة.
مؤسسات الثقافة وتطورها
يقدم هذا الفصل تحليلًا دقيقًا للهيكل التنظيمي لوزارة الثقافة، مع تركيز خاص على الهيئة العامة لقصور الثقافة كنموذج دراسي. يتبع الكاتب منهجية تحليلية تعتمد على تتبع التطور التاريخي لهذه المؤسسة منذ نشأتها في الستينيات كأداة للتنوير الثقافي الجماهيري، مرورًا بمراحل تحولها إلى كيان بيروقراطي معقد. يبرز الفصل كيف تم تصميم الهيكل الإداري للهيئة ليكون شاملًا وقادرًا على الوصول إلى مختلف طبقات المجتمع المصري.
يتعمق الكاتب في تحليل عملية التحول الجذرية التي شهدتها قصور الثقافة، من مشروع ثقافي طموح يهدف إلى نشر الوعي في الأقاليم والقرى النائية، إلى مؤسسة حكومية روتينية تكرس نفسها للشكليات الإدارية. يسلط الضوء على نقطة التحول الرئيسية في عقد الثمانينيات، عندما بدأت أولى علامات الترهل الإداري في الظهور، مع توسع غير مدروس في الهيكل الوظيفي والامتداد الجغرافي دون تطوير موازٍ للرؤية الثقافية.
يقدم الفصل تشخيصًا دقيقًا لظاهرة التضخم الإداري التي أصابت الهيئة، موضحًا كيف تحولت من 30 موقعًا ثقافيًا فعالًا في السبعينيات إلى أكثر من 600 موقع شكلي في مطلع الألفية. يحلل الكاتب الآليات التي أدت إلى هذا التضخم، بما في ذلك توظيف الأتباع السياسيين، وتوسع الدوائر الإدارية على حساب الأنشطة الثقافية، وتراكم الطبقات الوظيفية دون مبرر عملي. يبرز بشكل خاص كيف أدى هذا التضخم إلى استنزاف الموارد المالية على حساب الجودة الثقافية.
يناقش الفصل بعمق العلاقة الجدلية بين التحولات السياسية وأداء المؤسسات الثقافية، مركزًا على حقبة التسعينيات كمثال صارخ على توظيف المؤسسات الثقافية لأغراض سياسية. يشرح كيف تحولت قصور الثقافة في عهد مبارك إلى أداة لاحتواء النخب الثقافية وتوظيف الموالين، مع تخصيص الموارد للمشاريع الاستعراضية على حساب العمل الثقافي الجاد. يعرض الكاتب حالات دراسية توضح كيف تم توظيف المناصب الثقافية كمكافآت سياسية.
رغم دقة التشخيص، يغفل الكاتب عدة جوانب مهمة: أولًا، عدم تقديم حلول عملية قابلة للتطبيق لإصلاح الهيئة، حيث اقتصر على النقد دون اقتراح آليات إصلاحية. ثانيًا، إهمال دور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الرقمي في إمكانية إحياء هذه المؤسسات. ثالثًا، عدم مقارنة التجربة المصرية بنماذج مماثلة في دول أخرى واجهت تحديات مشابهة، مما كان يمكن أن يثري التحليل.
يقدم الفصل تحليلًا قيمًا لآليات تحول المؤسسات الثقافية من أدوات تنوير إلى هياكل بيروقراطية، لكنه يعاني من قصور في تقديم رؤية مستقبلية. التركيز على الجانب الإداري جاء على حساب تحليل المضمون الثقافي والمخرجات الإبداعية. كما أن النظرة التشاؤمية المهيمنة على التحليل لم توازنها إشارات إلى أي مبادرات ناجحة أو محاولات إصلاحية داخل هذه المؤسسات.
هذا التحليل الموسع يكشف أن الفصل الثاني يقدم تشخيصًا دقيقًا لأزمة المؤسسات الثقافية المصرية، لكنه يبقى مقيدًا بإطار النقد دون تجاوزه إلى اقتراح حلول عملية. تبقى الأسئلة الجوهرية حول إمكانية إصلاح هذه المؤسسات، وسبل توظيف التقنيات الحديثة في تطويرها، وآليات فصلها عن التأثيرات السياسية، أسئلة مفتوحة تحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل.
خطة الثقافة بين ثروت عكاشة وفاروق حسني
يتناول الفصل الثالث من كتاب "تحولات الثقافة في مصر" للكاتب صبحي موسى مقارنة تحليلية بين نموذجين لإدارة الشأن الثقافي، يمثلهما ثروت عكاشة وفاروق حسني. ففي حين صاغ عكاشة مشروعًا تنويريًا يستند إلى فكرة "الثقافة الجماهيرية"، محاولًا جعل الثقافة حقًا مشاعًا لكافة المواطنين، اختار حسني طريقًا مغايرًا حول فيه الثقافة إلى واجهة نخبويّة ذات طابع استعراضي، متمركزة في فعاليات كبرى ومهرجانات دولية.
يسلط الفصل الضوء على رؤية عكاشة التي امتزج فيها الطابع الوطني بالتوجه التقدمي، حيث آمن بأن الثقافة وسيلة للتحرر والتغيير الاجتماعي. وقد تمثّل مشروعه في بناء البنية التحتية الثقافية بالأقاليم من خلال قصور الثقافة، وتبني الفنون الشعبية والتراث كمرتكزات للهوية الوطنية، فضلًا عن دعمه للفنون التشكيلية والمسرحية كوسائل للارتقاء بوعي المجتمع.
في المقابل، يرصد الفصل تحوّلًا كبيرًا في الحقبة التي قاد فيها فاروق حسني وزارة الثقافة، إذ أضحت الثقافة أداة لتجميل صورة النظام، عبر المهرجانات والمؤتمرات والفعاليات الضخمة، التي خُصصت للنخبة وصفوة المثقفين. ويشير الكاتب إلى أن هذا التحول جعل الثقافة أقرب إلى صالونات مغلقة، وانسحب معها الاهتمام بالمشروعات الثقافية الشعبية والمناطق المهمشة.
يستعرض الفصل كذلك مفهوم "الحظيرة الثقافية" الذي شاع في عهد حسني، كناية عن نظام احتواء المثقفين عبر المحسوبية والمنح والجوائز. وتوضح القراءة كيف تم التحكم في النشر والتوزيع، وفرص التمثيل الدولي، بما حوّل المثقف من فاعل مستقل إلى تابع ضمن منظومة رسمية تضبط حدود النقد والمعارضة.
رغم قوة التحليل، يشير التقييم النقدي إلى ثغرات مهمة أغفلها الكاتب، أبرزها عدم الاعتراف بإنجازات حسني في دعم بعض الفنون كالمسرح والسينما، وتجاهل أثر العولمة والتمويل الأجنبي على المشهد الثقافي. كما لم تتضمن المقارنة أدوات كمية مثل الميزانيات والإحصاءات، وغاب تحليل دور المؤسسة العسكرية في توجيه الثقافة، إلى جانب إغفال تأثير التحولات الاقتصادية والسياسية.
في النهاية، ورغم ثراء المقارنة بين النموذجين، يلاحظ أن الفصل ينحاز بوضوح إلى مشروع ثروت عكاشة دون تمحيص نقدي كاف، كما يعمم في توصيف "ثقافة المؤتمرات" دون التمييز بين أنماطها. كما يغيب السياق التاريخي لكل حقبة، واستجابات المثقفين لتلك السياسات. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ما زالت الثقافة الجماهيرية ممكنة في عصر العولمة؟ وهل يمكن الجمع بين التنوير الشعبي والبُعد الدولي دون الوقوع في فخ النخبوية أو التوظيف السياسي؟
صعود الأصولية الدينية وتأثيرها على الثقافة
يُسلط الفصل الرابع من كتاب "تحولات الثقافة في مصر" الضوء على أحد أبرز التحديات التي واجهت المشروع الثقافي المصري منذ سبعينيات القرن الماضي، والمتمثل في صعود التيارات الدينية الأصولية وتغلغلها في الفضاء الثقافي العام. ويرى الكاتب أن هذا الصعود لم يكن حدثًا عرضيًا، بل نتيجة لتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة أعادت تشكيل بنية الثقافة في البلاد.
يشير الفصل إلى أن سياسة الرئيس أنور السادات، خاصة بعد ما عُرف بـ"ثورة التصحيح"، فتحت الباب واسعًا أمام الإسلاميين، كجزء من محاولة لمواجهة التيار اليساري والناصري. ونتج عن ذلك إضعاف متعمد لمؤسسات الثقافة التنويرية التي ازدهرت في الحقبة الناصرية، في مقابل تعزيز الخطاب الديني المحافظ داخل الجامعات والشارع والإعلام.
ويلفت الكاتب إلى دور "العائدين من الخليج" في تعزيز هذا الاتجاه، إذ عاد كثير من العمال المصريين في الثمانينيات والتسعينيات محملين بثقافة محافظة مستمدة من المجتمعات الخليجية التي عملوا بها، وهو ما أدى إلى صعود ملحوظ للتيار السلفي، وانتشاره داخل المساجد والمؤسسات المجتمعية، بل حتى في بعض قنوات الدولة.
في هذا السياق، تراجعت أدوار قصور الثقافة والمراكز الفنية، وتحولت تدريجيًا إلى فضاءات للوعظ الديني التقليدي، مبتعدة عن دورها الأصلي في نشر الفنون والآداب وتوسيع أفق التنوير الثقافي. وهو ما أدى إلى انكماش المساحات الحرة للتعبير، وصعود موجات الرقابة الذاتية والخوف من المساءلة الدينية.
ولا شك ان هناك عدد من الملاحظات المهمة على هذا الفصل، منها إغفال الكاتب للعوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل اتساع رقعة الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، ودورها في فتح المجال أمام الخطاب الديني كملاذ نفسي واجتماعي. كما يقع الكاتب في تعميم مفرط، إذ يتعامل مع التيار الديني ككتلة واحدة دون تمييز بين فصائل هذا التيار وكذلك دور المؤسسات الدينية وتأثيرها على المناخ العام.
الثقافة في عصر العولمة والحداثة السائلة
يتناول الفصل الخامس من الكتاب أثر العولمة وثورة الاتصالات على البنية الثقافية المصرية، من خلال استحضار مفهوم "الحداثة السائلة" للفيلسوف البولندي زيجمونت باومان، الذي يشير إلى عالم سريع التغيّر، غير مستقر، تتفكك فيه المرجعيات الثابتة وتذوب الهويات التقليدية.
يرى الكاتب أن العولمة أسقطت الحواجز الثقافية التقليدية، لتصبح الثقافة المصرية مكشوفة أمام تدفقات رمزية وإعلامية عالمية جارفة، أثّرت في الذوق العام، ودفعت نحو تآكل الهوية الثقافية الوطنية. ويتجلى ذلك في الانبهار بالأنماط الغربية والاستهلاك الثقافي الفاقد للسياق، على حساب المشاريع المحلية المتجذّرة في التراث والمعنى.
من أبرز ملامح هذه التحولات – كما يوضح الفصل – هيمنة الثقافة الاستهلاكية على المشهد، حيث تحولت الثقافة من فضاء للإبداع والمعنى إلى سوق تسيطر عليه قنوات الإعلام التجاري. كما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في زعزعة مكانة المؤسسات الثقافية التقليدية مثل المجلس الأعلى للثقافة، من خلال تقديم بدائل مفتوحة وسريعة الانتشار تتجاوز الرقابة الرسمية.
لكن، ورغم دقة هذا التوصيف، يسجل النقّاد على الكاتب تبنيه لنظرة تشاؤمية مفرطة إزاء العولمة، إذ أغفل الجوانب الإيجابية التي أتاحها هذا الانفتاح، من أبرزها سهولة الوصول إلى المعرفة، وتوسيع أفق الشباب، وتمكين شرائح جديدة من التعبير والمشاركة الثقافية خارج الأطر التقليدية.
كما تجاهل الفصل الإشارة إلى المبادرات الثقافية المستقلة التي نشأت في الهامش وملأت بعض الفراغات التي خلّفها تراجع الدولة، ومنصات "الميديا البديلة" التي أعادت إنتاج الثقافة بوسائل مبتكرة وأكثر تفاعلية. وهي نماذج تستحق تسليط الضوء عليها كعلامات مضيئة في زمن الحداثة السائلة.
الثقافة بعد ثورة يناير:
يناقش الفصل السادس من الكتاب التحولات العميقة التي طرأت على المشهد الثقافي عقب ثورة 25 يناير 2011، ويصف المرحلة بأنها لحظة انفجار إبداعي غير مسبوق، تحررت خلالها الفنون من قبضة المؤسسات الرسمية، وبرزت أشكال جديدة للتعبير، مثل الغرافيتي ومسرح الشارع والأفلام المستقلة، التي التقطت نبض الشارع الثائر وساهمت في تشكيل وعي جمعي متجدد.
غير أن هذا الزخم الإبداعي لم يكن دون ثمن، فقد سرعان ما انقسم الحقل الثقافي بين تيارات ليبرالية رفعت شعارات الحرية والتعدد، وتيارات إسلامية سعت لإعادة تعريف الهوية الثقافية وفقًا لمنظور محافظ. ويؤكد الكاتب أن هذا الاستقطاب العنيف، الذي انعكس في المعارك الرمزية حول الكتب والفنون والهوية، خلق حالة من الفوضى الثقافية التي صعّبت من تحويل الثورة إلى مشروع ثقافي متماسك.
أحد التحولات اللافتة التي يرصدها الفصل هو تراجع دور الدولة الثقافية، إذ أدى سقوط النظام إلى فقدان وزارة الثقافة لهيمنتها، ما أفسح المجال أمام فاعلين غير رسميين – أفراد ومبادرات – لقيادة المشهد، في ظل غياب استراتيجية وطنية لاحتضان الطاقة الثقافية المتفجرة، أو حتى تنظيمها ضمن إطار تنموي واضح.
مع ذلك، يُسجَّل على الفصل عدد من الملاحظات النقدية، أهمها التحيّز لصالح التيار الليبرالي، حيث ركز الكاتب على نماذج الإبداع المرتبطة بالثورة وتجاهل الإنتاج الثقافي المرتبط بالدولة ومؤسساتها كالمسلسلات التي حاولت إعادة كتابة التاريخ السياسي الحديث من منظور مختلف.
كما لم يتطرق الفصل بعمق إلى السؤال الجوهري حول فشل الثورة ثقافيًا: لماذا لم تُترجم طاقة يناير الإبداعية إلى مشروع دائم أو سياسة ثقافية بديلة؟ كذلك غاب تحليل دَور الجيش والدولة العميقة بعد 2013 في إعادة توظيف الثقافة كأداة للضبط الرمزي، من خلال السيطرة على الإنتاج الفني والإعلامي، وتوجيه الرسائل الوطنية عبر الدراما والسينما.
رؤية مستقبلية (إصلاح أم انهيار؟)
يُختتم كتاب "تحولات الثقافة في مصر" بفصل يحمل نبرة تأملية تتراوح بين الأمل والحذر، حيث يطرح الكاتب صبحي موسى رؤية نقدية لمستقبل الثقافة المصرية في ظل التحديات المتراكمة. ويضع السؤال الجوهري على الطاولة: هل يمكن إصلاح المنظومة الثقافية، أم أن التآكل المستمر ينذر بانهيار شامل يجعل الثقافة هامشًا في حياة المجتمع والدولة على حدّ سواء؟
يركّز الكاتب على محورية إصلاح التعليم كأول مدخل ضروري لأي نهضة ثقافية، مشددًا على أن الثقافة لا يمكن أن تُنتَج أو تُستهلك بفعالية في بيئة تعليمية طاردة للفكر النقدي والإبداع. كما يدعو إلى تفكيك البيروقراطية المتجذرة في مؤسسات الدولة الثقافية، مقترحًا تحويلها إلى هيئات مستقلة أكثر مرونة وقدرة على التفاعل مع التحولات السريعة.
ويحذر الكاتب من خطر التهميش المتزايد للثقافة، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل الإنفاق الثقافي رفاهية مؤجلة، ويُضعف من مكانة الثقافة كمكوّن أساسي في بناء الهوية والمجتمع. هذا التراجع، في رأيه، قد يؤدي إلى فراغ رمزي يملؤه العنف أو الاستقطاب أو الرداءة.
لكن التحليل لا يخلو من ثغرات، أبرزها افتقاره إلى الحلول العملية، حيث تبقى الاقتراحات المطروحة – مثل "إصلاح التعليم" أو "استقلال المؤسسات" – عناوين عامة تفتقر إلى آليات تنفيذية واضحة أو تصورات واقعية لمسارات التغيير داخل النظام السياسي والبيروقراطي القائم.
كما تؤخذ على الفصل نزعته القومية الضيقة، إذ لم يتطرق إلى البعد الأفريقي أو المتوسطي في تشكيل الهوية الثقافية المصرية، رغم أهميته المتزايدة في عالم ما بعد الكولونيالية. كذلك يغيب عن الرؤية المستقبلية تحليل دور المبدعين المصريين في الخارج، الذين يمثلون طاقة رمزية هائلة، سواء كجسور للتبادل الثقافي، أو كمراكز بديلة للإبداع الحر في وجه القيود المحلية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 21 دقائق
- العين الإخبارية
محاولات للصلح بين أحمد السقا ومها الصغير
تصاعدت وتيرة الخلاف بين الفنان المصري أحمد السقا وطليقته الإعلامية مها الصغير في الأيام الماضية، بعد أن تقدمت الأخيرة ببلاغ رسمي ضده تتهمه فيه بالتعدي عليها بالضرب والسب. وبحسب أقوال مها الصغير في البلاغ، فقد فوجئت بوجود السقا أمام منزلها في المجمع السكني، حيث قام بمطاردتها بسيارته ثم اعترض طريقها ونزل من سيارته ليعتدي عليها وعلى سائقها بالضرب والألفاظ الجارحة، بحسب ما ورد في المحضر الرسمي. وباشرت النيابة العامة التحقيق، وقررت استدعاء أحمد السقا لسماع أقواله، كما طلبت مراجعة كاميرات المراقبة وشهادات الشهود لتحديد ملابسات الواقعة بدقة. في الوقت نفسه، كشفت مصادر مقربة من الطرفين أن بعض الأصدقاء المقربين حاولوا التدخل للصلح وتسوية الأزمة بشكل ودي حفاظًا على خصوصية العائلة ومصلحة الأبناء، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن بسبب تمسك مها الصغير بحقها القانوني ورفضها التنازل عن المحضر. من جانب آخر، لجأت مها الصغير إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشكوى رسمية ضد بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، تتهمها بنشر أخبار كاذبة وخرق الخصوصية، وأكد المجلس بدء التحقيق في الشكوى. يذكر أن أحمد السقا ومها الصغير أعلنا انفصالهما رسميًا في مايو/ أيار 2025 بعد زواج دام أكثر من 26 عامًا وأثمر عن ثلاثة أبناء، وقد شهدت العلاقة بينهما توترًا متصاعدًا في الفترة الأخيرة. ولا تزال التحقيقات جارية، ومحاولات الصلح مستمرة رغم تمسك كل طرف بموقفه القانوني، وسط اهتمام إعلامي وجماهيري كبير بتطورات القضية. aXA6IDIxMi40Mi4xOTQuMTU2IA== جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
منذ 21 دقائق
- العين الإخبارية
حقيقة زواج أحمد مكي وابنة أحمد سلامة
انتشرت شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي حول ارتباط الفنان المصري أحمد مكي عاطفيًا بابنة الفنان أحمد سلامة (موني) واستعدادهما للزواج قريبًا. ونفى الفنان أحمد سلامة هذه الأخبار في تصريحات لوسائل إعلام محلية مصرية، مؤكدًا أنها شائعات مصطنعة ولا تمت للحقيقة بصلة، ولم يصدر عن أحمد مكي أي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي تلك الأنباء حتى الآن. وبدأ مكي بالتحضير لفيلم جديد، لكنه يتكتم على التفاصيل، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققه في الدراما خلال السنوات الماضية، حيث قدم خلالها سلسلة "الكبير أوي" في 8 أجزاء. aXA6IDE2Ni44OC4xMzguMTM3IA== جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
منذ 21 دقائق
- العين الإخبارية
خطوبة ملك دهشان ومروان المسلماني (صور)
احتفل الفنان المصري مروان المسلماني بخطوبته على البلوغر ملك دهشان، التي خطفت الأنظار بفستان ساتان مطرز يدويًا من تصميم أيمن لحموني. وشارك الثنائي متابعيهما صورًا ومقاطع فيديو من الحفل الذي حظي بتفاعل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واختارت ملك دهشان لحفل خطوبتها فستانًا أنيقًا من تصميم أيمن لحموني، تميز بتطريز يدوي على الصدر وقماش ساتان فاخر، وجاء الفستان بلا أكمام وبتصميم درابيه عند الوسط والخصر، ما أضفى عليه لمسة من البساطة والرقي. ينتمي الفستان لمجموعة A&L Ready to Wear، واستغرق تنفيذه أسبوعًا كاملًا. يذكر أن مروان المسلماني شارك مؤخرًا في مسلسل "منتهي الصلاحية"، الذي عرض في رمضان الماضي وحقق نجاحًا جماهيريًا، كما يشارك حاليًا في مسلسل "فات الميعاد" الذي يُعرض على قناة dmc، ويجمع نخبة من النجوم في دراما اجتماعية مشوقة. aXA6IDEwNC4yNTIuMTYuMTI1IA== جزيرة ام اند امز BR