logo
من واشنطن تحويل "جبهة النصرة" من قوائم الإرهاب إلى بوابة السلام الأمريكي في سوريا

من واشنطن تحويل "جبهة النصرة" من قوائم الإرهاب إلى بوابة السلام الأمريكي في سوريا

26 سبتمبر نيتمنذ 17 ساعات
مجدّدًا يصعدُ اسمُ "أبي محمد الجولاني"، ليس بوصفه زعيمًا لتنظيمٍ إرهابيٍ مدرَجٍ على لوائح العقوبات؛ بل كحاكمٍ فعليٍّ لسوريا تُمُدُّ له أيادي الاعتراف والاحتضان الدولي، في مشهدٍ يُثير الريبة أكثر مما يوحي بالتغير أَو "التوبة السياسية".
لم يكن هذا التحول السريع في مسيرة ما كانت تُعرَفُ بـ"جبهة النصرة" –التنظيم الوليد من رحم القاعدة– نتاجَ مراجعة فكرية ولا عملية مصالحة وطنية؛ بل كان أقربَ ما يكون إلى "صفقةٍ جيوسياسية" عميقة التشابك، أدَّت إلى إعادة إخراج الجولاني وهيئته الجديدة "تحرير الشام" بصيغةٍ أكثر نعومة، وأكثر قدرةً على التكيُّف مع التحولات الأمريكية في سوريا، دون أن تغيّر حقيقتها الإجرامية والتكفيرية القابعة في عُمق بنيتها التنظيمية والتي تريدُها أمريكا.
ازدواجية العنف والخنوع:
اللافت في سياسات أحمد الشرع (الجولاني) الحاكمة اليوم أجزاء كبيرة من سوريا، أنها تتسمُ بثنائية متناقضة، افتراس دموي داخلي، وخضوع سياسي خارجي.
في الداخل، تسود آلةُ القمع الحديدي كُـلّ من يعارض حكم "هيئة تحرير الشام" أَو يغرّد خارج سربها، من الصحفيين والعلماء والمكونات العرقية والمذهبية المختلفة، في مشهدٍ يُذكّر بأن سلوكياتِ التنظيمات التكفيرية لا تتغير مهما تلوَّنت شعاراتها.
أما في الخارج؛ فالمشهد مغاير تمامًا، انحناءٌ علني أمام القوى الدولية، تغنٍّ بأناشيد "السلام" و"التعايش"، وسعيٌ حثيث لنيل شرعية أمريكية وإقليمية حتى لو كان الثمن تفريطًا بالسيادة الوطنية، وَتماهيًا مع رغبات الكيان الصهيوني والداعم التركي.
ومن المفارقات الساخرة أن (الجولاني) الذي صادر الحياة السياسية والإعلامية، وانقضَّ على كُـلّ من طالب بحقوقه أَو طالب بتمثيلٍ سياسيّ حقيقيّ، نجح –برعايةٍ أمريكية صهيونية تركية سعوديّة– في تمرير نفسه كـ"سلطة أمر واقع" تحظى باهتمام المنظومة الدولية؛ بل وترحيب غير مسبوق من دوائر القرار في واشنطن.
وبينما تغيب عن الداخل السوري أبسطُ معاييرَ لما يسمى الديمقراطية والانتخابات، وحقوق الإنسان، والتمثيل الشعبي، تشهد العواصم الغربية ما يشبه "المزايدة" في استضافة الجولاني ومنحه مساحةَ تعويم نادرة، ربما لم يحظَ بها أيٌّ من حلفاء أمريكا في المنطقة.
التناقض الصارخُ بين الداخل والخارج، يُشير بوضوح إلى وجود مشروع خفيّ يعيد هندسة الخارطة السورية بـ "إسلامٍ" أمريكي يعجبُ نتنياهو مرن، قابل للطرق والسحب، يقبل بالهيمنة الأجنبية ويُجهز على كُـلّ ما تبقى من إرادَة السوريين.
دلالات التغيير الأمريكي.. من منظمة "إرهابية" إلى "شريك استراتيجي":
في وثيقةٍ رسمية كشفت عنها الخارجية الأمريكية، رسميًّا في 23 يونيو الفائت، شطبُ اسم "جبهة النصرة" –التي ما تزال جوهرَ "هيئة تحرير الشام"– من قوائم الإرهاب.
قرارٌ أُعلن بعد مشاوراتٍ بين وزارات الخارجية والخزانة والعدل الأمريكية، يعكس تحوّلًا سياسيًّا عميقًا في نظرة واشنطن للمشهد السوري.
لكن القراءة الدقيقة لهذا القرار، تُظهِر أنه ليس وليد اللحظة؛ بل تتويجٌ لسنواتٍ من اللقاءات السرية والتنسيق غير المعلَن، كما أشار إليه السفيرُ الأمريكي السابق في دمشق، "روبرت فورد"، الذي أفصح عن اجتماعات جمعته بالجولاني في إدلب.
وبحسب "رويترز" نقلًا عن "فورد"؛ فقد رأت واشنطن في الجولاني "استثمارًا استراتيجيًّا" يمكنه الإطاحة بالأسد، دون الحاجة لتدخل أمريكي مباشر؛ ما يؤكّـد أن الانقلاب على التصنيف الإرهابي لم يكن سوى تتويج لسياساتٍ مخطّط لها بدقة.
وتكشف قراءةٌ متعمقة للمواقف الأمريكية الأخيرة، مسارَ اللُّعبة؛ إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، اليوم الاثنين، إلغاءَ إدارة الرئيس دونالد ترامب، تصنيف "جبهة النصرة" منظمة إرهابية أجنبية، وجاء ذلك في وثيقةٍ رسمية سُمح بنشرها اليوم.
ما يحدث يُجسّد بدقة نظرية "الضفدع المطهو"؛ إذ لا تسعى واشنطن إلى قلبِ الطاولة دفعة واحدة؛ بل تمارسُ تحكُّمًا حراريًّا في المشهد؛ أي رفع تدريجي للعقوبات، تبريدٌ لصورة الجولاني، إشارات متكرّرة إلى "ضرورة الحوار"، وتلميع إعلامي متصاعد لهيئة تحرير الشام كـ"بديل عقلاني" في الداخل السوري.
تكتيك بطيء وممنهج، يُسهّل على واشنطن إعادةَ بناء نظام تابع في سوريا، يلبس ثوب "الإسلام المعتدل" ويخدم مشروعَها ويطبِّع مع قاعدتها المتقدمة (إسرائيل)، ويحاربُ مِن أجلِها الأعداءَ المشتركين، دون أن يُثيرَ الحساسية الإقليمية أَو يستفزَّ الرأيَ العام المحلي.
ولعل ما يزيد الشكوك هو الصمتُ الصهيوني المُريب، والذي يعني في دلالته السياسية، رضا كيان الاحتلال الكامل عن أداء الهيئة الحاكمة الجديدة؛ باعتبَارها كيانًا وظيفيًّا يستنزفُ الدولة السورية من داخلها، ويحدّد مساراتها دون الحاجة إلى عدوان مباشر.
ومَن كان يومًا فصيلًا مسلحًا يحملُ خطابَ الثورة و"تحرير الشام"، أصبح اليوم رأسَ حربة في مشروع احتلال ناعم يُعيد صياغةَ سوريا من جديد، لا على أَسَاس المصلحة الوطنية؛ بل وفق مقاسات القوى الدولية الطامعة.
وبينما ينشغلُ الشعب السوري بأفراحه برفع العقوبات الأمريكية، يرى في الجولاني –الذي ارتدى البدلةَ وربطةَ العنق مؤخرًا وإن ما تزال الذقن الداعشي يتدلَّى على صدره–؛ إذ لم يتغير جوهره؛ بل غيّر فقط قفاز البطش، ووجد الرجل طريقَه سالكًا نحو كرسيّ الحكم، ملوَّنًا بالدم، ومُغطًّى بشرعيةٍ مزيفة، تحتضنها عواصمُ القرار الكبرى.
يبقى السؤال مفتوحًا أمام الضمير العربي: هل سيُترك (الجولاني) ليعيد إنتاجَ كارثة جديدة في تاريخ سوريا الحديث؟ وهل آن أوانُ مراجعة شاملة لمسارات الثورة التي تحوّلت –في كُـلّ وجوهها– إلى مشاريع تخادم وظيفي، وانبطاح استراتيجي، تحت عباءة الجهاد المزيفة؟
عبدالقوي السباعي| المسيرة نت

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حضرموت تعزز قدرات خفر السواحل بدورة تخصصية للإخلاء البحري ومواجهة زوارق التهريب
حضرموت تعزز قدرات خفر السواحل بدورة تخصصية للإخلاء البحري ومواجهة زوارق التهريب

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

حضرموت تعزز قدرات خفر السواحل بدورة تخصصية للإخلاء البحري ومواجهة زوارق التهريب

أقامت قيادة خفر السواحل بمحافظة حضرموت، الثلاثاء، دورة ميدانية نوعية في الإخلاء والإنقاذ البحري وطرق التعامل مع زوارق التهريب، وذلك في ميناء بقشان بمنطقة شحير، ضمن جهود تعزيز تأمين السواحل. وشملت الدورة تدريبات نظرية وعملية حول أساليب التعامل مع الزوارق السريعة، وتقنيات السيطرة في حالات الاشتباه والتهريب، إضافة إلى تدريب الإنقاذ البحري مثل إسعاف الغرقى وتقييم المخاطر والتعامل مع التيارات المائية الخطرة دون تعريض الطاقم للخطر. وأكد النقيب جمال العلوي، ركن التدريب بخفر السواحل، أن الدورة تعد خطوة أساسية لتعزيز الجاهزية الأمنية والقتالية، ومواجهة أساليب التهريب الحديثة التي تنشط على طول الساحل. وتسعى قيادة خفر السواحل إلى تأسيس فرق تدخل سريعة مجهزة بالمهارات العملية والتكتيكية القادرة على حماية السواحل وردع محاولات التهريب، بما يعزز الأمن والاستقرار في حضرموت.

دكتور يكشف عن موقف غريب عند دخوله عدن: 'عسكر يفتش هويته عبر برنامج كشف الأرقام!'
دكتور يكشف عن موقف غريب عند دخوله عدن: 'عسكر يفتش هويته عبر برنامج كشف الأرقام!'

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

دكتور يكشف عن موقف غريب عند دخوله عدن: 'عسكر يفتش هويته عبر برنامج كشف الأرقام!'

في واقعة غريبة تثير التساؤلات حول أسلوب التعامل الأمني في منافذ الدخول بمحافظة عدن، كشف الدكتور حمدي التركي، الناشط السياسي والأكاديمي المعروف، عن تجربة شخصية مر بها لدى دخوله إحدى نقاط التفتيش التابعة لما يُعرف بـ"مناطق الشرعية"، حيث استوقفه أحد العسكريين وطلب منه هويته الشخصية ورقم هاتفه. وقال الدكتور التركي في تغريدة نشرها على حائط صفحته الرسمية بموقع "إكس" (تويتر) سابقاً: "استوقفني موقف غريب حصل لي وأنا داخل على مناطق الشرعية في نقطة دخول عدن؛ أحد العسكر سألني عن اسمي ورقمي". وأضاف التركي أن العسكري لم يكتفِ بالسؤال عن البيانات الأساسية، بل قام بتشغيل ما وصفه بـ"البرنامج المحلي كاشف الأرقام اليمنية"، وذلك لفحص رقم الهاتف المسجل باسمه، بهدف معرفة ما إذا كان الرقم مسجل لدى جهات أو أشخاص آخرين، في خطوة تبدو أنها تجاوزت الإجراءات الأمنية الروتينية إلى نطاق الارتياب والتحري غير المبرر. واستنكر التركي هذا الأسلوب في التعامل مع المواطنين، مشيراً إلى أن مثل هذه الممارسات تعكس حالة من التوتر الأمني وعدم الثقة التي تسيطر على بعض الجهات العسكرية في تلك المناطق. وعلق الدكتور التركي على الحادثة بسخرية قائلاً: "آخر ما توصل إليه عالم التحري!"، في إشارة إلى طبيعة التعامل المبالغ فيها مع بيانات الأفراد. وتُعد هذه الحادثة مؤشرًا على تصاعد ظاهرة المراقبة والتضييق على الحريات الشخصية تحت ذرائع أمنية، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا بين المدنيين والنشطاء في عدد من المحافظات الجنوبية، خصوصًا في ظل غياب رؤية واضحة للإصلاح الأمني وتوحيد المؤسسات العسكرية تحت سلطة مركزية واحدة.

المقالح يتهم عصابة الحوثي بفرض التشيع وإلغاء التنوع المذهبي في اليمن
المقالح يتهم عصابة الحوثي بفرض التشيع وإلغاء التنوع المذهبي في اليمن

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

المقالح يتهم عصابة الحوثي بفرض التشيع وإلغاء التنوع المذهبي في اليمن

المقالح يتهم عصابة الحوثي بفرض التشيع وإلغاء التنوع المذهبي في اليمن وجّه السياسي المقرّب من عصابة الحوثي، محمد المقالح، انتقاداً لاذعاً للعصابة على خلفية "الطابع المذهبي الضيق" الذي بات يطغى على الخطاب العام ومؤسسات الدولة في مناطق سيطرتها . وقال المقالح في تغريدة على حسابه في منصة اكس، إن الحوثيين يعمدون إلى إظهار انتمائهم المذهبي في مختلف المجالات. وتساءل: "لماذا كلما انكشف الأمر للجميع، حرصتم أكثر على إظهار مذهبيتكم الضيقة في كل شيء: الخطاب السياسي، المناسبات الدينية، التلفزيون والإذاعة، منبر الجمعة، القوانين والقرارات، اللافتات، الشعارات، والممارسات الإدارية؟" وأضاف أن هذا النمط الطاغي في الحياة العامة لا يعكس واقع التنوع المذهبي في اليمن، مؤكداً أن من يزور مناطق الحوثي من خارج البلاد "ويقرأ اللافتات والصور في الشوارع فقط، قد يعتقد أن أغلبية اليمنيين يتبعون المذهب الشيعي، وهذا ما يخالف العقل والواقع معاً". ويأتي حديث المقالح في ظل تزايد الانتقادات الموجّهة لعصابة الحوثي بشأن محاولاتها فرض هوية مذهبية واحدة في مناطق نفوذها، وهو ما يعتبره مراقبون تهديداً للوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي في البلاد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store