
الإمارات في القوقاز: اليد الناعمة لواشنطن في خاصرة روسيا والصين
وعلى الرغم من عدم تحقيق المباحثات أي اختراق لحل المسائل الخلافية بين يريفان وباكو، إلا أن هذا طرح تساؤلات حول أهداف أبو ظبي من رعاية محادثات كهذه، بل وخلفيات الولايات المتحدة من خطوة كهذه، في وقت تشهد فيه العلاقات الأرمينية الروسية من جهة، والأرمينية الأذربيجانية من جهة أخرى، توتراً كبيراً بما يعكس تآكلاً في النفوذ الروسي في منطقة جنوب القوقاز التي تعتبر ذات أهمية كبرى بالنسبة لأمنها القومي.
وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم فاعلًا جيوسياسيًا بارزًا، يتجاوز وزنها الجغرافي والديمغرافي. فبينما تتجه الولايات المتحدة نحو إعادة توزيع أولوياتها بين أوروبا وآسيا، تملأ أبوظبي الفراغ بهدوء، وتؤدي دورًا استراتيجيًا في مناطق حسّاسة، أبرزها جنوب القوقاز، بما يخدم أهداف الحلف الأميركي - الإسرائيلي، ويضع المصالح الروسية والصينية تحت ضغوط غير مباشرة.
شهدت السنوات الأخيرة تضخمًا في الحضور الإماراتي داخل أرمينيا وأذربيجان وجورجيا. لم يقتصر الأمر على الاستثمارات في الطاقة المتجددة، بل تعدّاه إلى البنية التحتية والنقل والموانئ، لتصبح الإمارات العربية المتحدة أحد أكبر المستثمرين الأجانب في هذه البلدان، علماً أنه في العام 2023، تجاوزت الاستثمارات الإماراتية في أرمينيا الاستثمارات الروسية في أرمينيا.
وما يجب أن يثير قلق روسيا هو دعم الإمارات لمشروع الممر الأوسط الذي يفترض أن ينطلق من تركيا عبر جنوب القوقاز باتجاه وسط آسيا وصولاً الى الصين، بما يهمّش روسيا، علماً أن أبو ظبي هي من تقوم بتمويل وتأهيل المرافئ وطرق السكك الحديد في جورجيا، ما سيمنحها نفوذاً على طريق تجارة استراتيجي لن يكون لروسيا أي حضور فيه.
والجدير ذكره أن من شأن هذا أن يعزز نفوذ الولايات المتحدة في منطقة حيوية بالنسبة للأمن القومي الروسي، ويجعلها تصل إلى وسط آسيا التي تعتبر الخاصرة الرخوة بالنسبة لموسكو.
فأبو ظبي اليوم تعتبر حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، لا فقط على المستوى العسكري، بل أيضاً على المستويات الاستراتيجية والاقتصادية، حيث ترتبط بها بسلسلة اتفاقيات اقتصادية وأمنية، ومن ضمنها التحالف الرباعي الذي يضم أيضا الهند و "إسرائيل" والمعروف ب "آي تو يو تو" الذي يسعى لأن يكون حلقة الوصل بين البحر المتوسط من جهة، وجنوب آسيا والقوقاز ووسط آسيا من جهة أخرى.
لذا فإنه من الممكن اعتبار أن الإمارات العربية المتحدة باتت تمثل أداة القوة الناعمة لاختراق المناطق ذات النفوذ الروسي التقليدي، من خلال الاستثمارات الاقتصادية والبنى التحتية والموانىء، الذي يخوّل أبو ظبي أن تمد نفوذها في تلك المناطق من دون استفزاز موسكو، بما يضعف نفوذ هذه الأخيرة في هذه المناطق على المدى الطويل.
اليوم 09:13
اليوم 08:30
رغم كونها تعمل تحت المظلة الأميركية، إلا أن أبو ظبي تسعى لإبقاء قنواتها مفتوحة مع موسكو وبكين. فهي تمتلك علاقات قوية مع روسيا ما جعلها لا تنتقد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ودفعها إلى إقامة علاقات تجارية ومالية قوية مع موسكو.
في الوقت نفسه، فإن الإمارات العربية المتحدة تسعى لتعزيز تعاونها مع الصين في مجالات التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. هذا التموضع البراغماتي يمنحها هامش مناورة فريداً، ويجعل منها شريكاً للولايات المتحدة يراوغ في علاقته مع بكين وموسكو، في الوقت الذي يسهم فيه في تقويض نفوذهما في مناطق حيوية بالنسبة لأمنهما القومي، وخصوصاً في وسط آسيا لمصلحة الولايات المتحدة.
فعبر تمويل وتطوير الممر الأوسط، تدعم الإمارات حضورها في القوقاز كبوابة للانطلاق إلى آسيا الوسطى. في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة ضاعفت استثماراتها في كازاخستان وأوزبكستان في مجالات المعادن النادرة والزراعة والطاقة، علماً أن بعض الدول في آسيا الوسطى يرى في الحضور الإماراتي والخليجي، بشكل عام، فرصة لتنويع شراكاته، بعيداً عن النفوذ الروسي والصيني.
من ِشأن ما تقوم به الإمارات العربية المتحدة في منطقة جنوب القوقاز، بالتوازي مع تركيا الساعية أيضاً للانطلاق إلى وسط آسيا، أن يسهم في تقليص الدور الروسي التقليدي في هذه المنطقة، والذي يعود بحده الأدنى إلى القرن التاسع عشر، فيما تعود بدايات هذا الحضور إلى أواخر القرن السابع عشر مع توقيع موسكو لاتفاقية نيرشينسك مع بكين، والتي جرى تقاسم النفوذ فيها في آسيا الوسطى بين بكين وموسكو. منذ ذلك التاريخ باتت موسكو تعتبر جنوب القوقاز وآسيا الوسطى امتدادًا جيوسياسيًا طبيعيًا لها.
لكن هذا الامتداد يتقلص مع كل مشروع بنية تحتية جديد تدعمه الإمارات، وكل محطة كهرباء أو ميناء يُدار خارج النفوذ الروسي. وهو ما يفرض على الكرملين إعادة حساباته في ملفات كثيرة، مثل علاقاته المتدهورة مع أرمينيا وأذربيجان والتهديد لحضوره في آسيا الوسطى.
كذلك فإن من شأن ما تقوم به الإمارات العربية المتحدة بالتوازي مع تركيا وقطر أن يهدد مبادرة حزام وطريق، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبنغ قبل عقد من الزمن، بغية إقامة شراكات اقتصادية مع دول البر الأوراسي. والجدير ذكره أن "الحزام والطريق" الصيني يعتمد على استقرار الممرات عبر آسيا الوسطى، خصوصاً في ظل تمكن الولايات المتحدة من عرقلة الخط البحري الذي ينطلق من جنوب شرق آسيا باتجاه غرب المحيط الهندي، عبر إطلاق مبادرة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي الذي تلعب فيه أبو ظبي دور حلقة الوصل الرئيسية.
لكن تصاعد نفوذ الإمارات في منطقة جنوب القوقاز واحتمال تمدد هذا الحضور إلى وسط آسيا، بدعم غير مباشر من الولايات المتحدة، يُهدد بإيجاد مسارات بديلة تموّلها أبوظبي وتُهيمن عليها الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة، ما يعني تقليص هامش بكين في التحكم بحركة التجارة الدولية.
يجب الاعتراف بواقع أن أبوظبي لا تتبنى النموذج الكلاسيكي للدول الإقليمية الكبرى. فهي لا ترسل جيوشاً ولا تحتل أراضي، بل تبني نفوذها من خلال المال والبنية التحتية والطاقة. وهذا النموذج يسمح لها بتحقيق أهداف جيوسياسية كبرى من دون كلفة عسكرية مباشرة.
بل إن غموض سياساتها يشكل أحد أدوات قوتها: فهي تُعلن الشراكة مع الجميع، لكنها في العمق تعيد رسم خرائط النفوذ في قلب آسيا لمصلحة تحالف أميركي إسرائيلي يسعى للانطلاق من الشرق الأوسط، الذي بات يسيطر على معظمه بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد ليمد يده إلى الحديقة الخلفية لروسيا والصين في القوقاز ووسط آسيا.
وفي هذا الإطار يمكن فهم زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع لأبو ظبي وإتباعها بزيارة أخرى لباكو بعد أيام قليلة.
وتشير التقديرات إلى أن الاستثمارات الإماراتية في الطاقة والموانئ ستعزز حضور أبو ظبي كلاعب جيوسياسي مستدام في المنطقة على حساب النفوذ الروسي التقليدي، بما سيعزز النفوذ الأميركي في هذه المنطقة بطريقة غير مباشرة.
هذا سيعزز فرص الحضور الإماراتي في كازاخستان وأوزبكستان عبر مشاريع نقل ضخمة تقيمها الشركات الإماراتية، بما سيمنحها حضوراً قوياً على أحد طرق التجارة بين أوروبا والصين. وقد يشكل هذا نواة لتحالف استراتيجي مع دول في جنوب القوقاز ووسط آسيا على غرار "أي تو يو تو" يعزز الحضور الأميركي على حساب شبكة العلاقات التي حاولت منظمة شنغهاي للتعاون ترسيخها في وسط آسيا.
ما يحدث في القوقاز ليس مجرد استثمار اقتصادي عابر. إنه إعادة تشكيل ناعمة لمناطق النفوذ عبر المال والبنى التحتية. ومع استمرار هذا التمدد، قد تصبح الإمارات واحدة من أهم أدوات واشنطن في تحجيم نفوذ روسيا والصين في عمق أوراسيا. فماذا سيكون رد الفعل الروسي والصيني؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
سلام يُهنئ فريق الرياضي: إنجاز يُضاف إلى سجل هذا النادي العريق
هنأ رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام نادي الرياضي بيروت على فوزه المستحق في بطولة لبنان لكرة السلة، وهو إنجاز يُضاف إلى سجل هذا النادي العريق، ويعكس احترافه والتزامه. وأشار سلام إلى ان حفل التهنئة تميز بروح رياضية عالية، عبّر عنها الحضور الجامع، لا سيما مشاركة الرئيس الفخري لنادي الحكمة النائب جهاد بقرادوني، في مشهد راقٍ يرسّخ معنى التنافس الشريف. وقال: "لعلّ هذا النموذج من التنافس البناء، لمصلحة الرياضة في لبنان ، يُحتذى به أيضًا في الشأن السياسي، لما فيه خير لبنان ومصلحة اللبنانيين".


MTV
منذ 5 ساعات
- MTV
15 Jul 2025 19:01 PM سلسلة لقاءات لسلام في السراي
استقبل رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، في السراي الحكومية، وفدا من اتحاد بلديات سهل عكار ولجنة مكب سرار برئاسة نقيب محامي الشمال سامي الحسن. وخلال اللقاء، تم البحث في إنماء القرى والبلدات المجاورة لمطار القليعات مواكبة لتشغيل مطار القليعات وتشغيل معمل فرز النفايات في سرار عكار وإغلاق المكبات العشوائية. بعد اللقاء، قال الحسن: "أتينا مع اتحاد بلديات السهل في عكار المحيطة بمطار القليعات، وبحثنا في موضوعي تشغيل مطار القليعات ومعمل فرز النفايات في سرار. وشكرنا لدولة الرئيس سلام جهوده ورؤيته وما يقوم به في سبيل لبنان وعكار والعمل على اطلاق مطار القليعات ليصبح مطارا دوليا. كما طلبنا منه تنظيم المكبات في عكار والاستغناء عن العشوائية منها، مع الحفاظ على المطمر الصحي ومعمل الفرز في سرار، حفاظا على البيئة والإنسان والأمن الاجتماعي في عكار وطرابلس وزغرتا والكورة والضنية. ووعدنا الرئيس سلام خيرا وأبلغنا بأنه سيتابع الأمر مع وزارة البيئة وفي الحكومة. واستقبل الرئيس سلام نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، الذي قال بعد اللقاء: "كان لي شرف اللقاء مع دولة الرئيس، وبحثنا في شأن انمائي، وشعرت بسعادة فائقة لجهة تبنيه بنفس نضالي عندما تتوافر الظروف الموضوعية لدفع هذا المشروع، وهو نفق بيروت البقاع الذي هو مشروع استراتيجي من الطراز الرفيع، وكان أقر سابقا في مجلس النواب ونشر في الجريدة الرسمية، وهو على قاعدة BOT، ودولة الرئيس بما يمتلك من ثقل لبناني إقليمي ودولي باستطاعته أن يدفع الأمور الى الأمام ويهيء للظروف القادمة الإيجابية بإذن الله". أضاف: "في الجانب السياسي، أكدنا وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات. لقد كثرت الأقاويل في الفترة الأخيرة حول إمكانات تفكيك اللحمة في هذا البلد، وتفكيك البلد الى كيانات، وحول اجتياحات، حول ضم وفرز، وما هنالك من مشاريع. وأقول إن دولة الرئيس يمتلك من الصفاء ما قد ورثه كابر عن كابر في مسألة الدفاع عن عروبة لبنان وحماية وحدة لبنان مما يجعل المسيرة التي يقودها تأخذ لبنان الى شاطىء الأمان، على قاعدة خطاب القسم الذي يبتكر احتكار الدولة للسلاح وفي الوقت عينه ردع العدوان وتثبيت الحدود اللبنانية شرقا وجنوبا للحفاظ على استقلال لبنان وسيادته وعزته". وختم: "أنا خرجت سعيدا، وكلني ثقة بأن الغد سيكون أفضل باذن الله". واستقبل الرئيس سلام النائبة الفرنسية ممثلة الفرنسيين في الخارج أماليا لاكرافي، يراففها جوزف مكرزل. وخلال اللقاء، تم البحث في الاوضاع العامة والعلاقات اللبنانية - الفرنسية.


المركزية
منذ 6 ساعات
- المركزية
سلام يبحث في السرايا قضايا إنمائية وبيئية: تشغيل مطار القليعات ومعمل سرار ونفق بيروت – البقاع في صلب اللقاءات
استقبل رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام في السراي وفدا من اتحاد بلديات سهل عكار ولجنة مكب سرار برئاسة نقيب محامي الشمال سامي الحسن . وتم خلال اللقاء البحث في إنماء القرى والبلدات المجاورة لمطار القليعات مواكبة لتشغيل مطار القليعات وتشغيل معمل فرز النفايات في سرار عكار وإغلاق المكبات العشوائية. النقيب الحسن واعلن النقيب الحسن بعد اللقاء: أتينا مع اتحاد بلديات السهل في عكار المحيطة بمطار القليعات، وبحثنا موضوعي تشغيل مطار القليعات ومعمل فرز النفايات في سرار. وشكرنا دولة الرئيس سلام على جهوده ورؤيته وعلى ما يقوم به في سبيل لبنان وفي سبيل عكار والعمل على اطلاق مطار القليعات ليصبح مطارا دوليا. كما طلبنا منه تنظيم المكبات في عكار والاستغناء عن العشوائية منها، مع الحفاظ على المطمر الصحي ومعمل الفرز في سرار، حفاظا على البيئة وعلى الإنسان وعلى الأمن الاجتماعي في عكار وطرابلس وزغرتا والكورة والضنية. وعدنا الرئيس سلام خيرا وأبلغنا بأنه سيتابع الامر مع وزارة البيئة وفي الحكومة. الفرزلي واستقبل الرئيس سلام نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الذي قال بعد اللقاء:"كان لي شرف اللقاء مع دولة الرئيس، وبحثنا بشأن انمائي، وشعرت بسعادة فائقة لجهة تبنيه بنفس نضالي عندما تتوفر الظروف الموضوعية لدفع هذا المشروع وهو نفق بيروت البقاع الذي هو مشروع استراتيجي من الطراز الرفيع، وكان قد أقر سابقا في مجلس النواب ونشر في الجريدة الرسمية، وهو على قاعدةBOT،ودولة الرئيس بما يمتلك من ثقل لبناني إقليمي ودولي باستطاعته أن يدفع الأمور الى الأمام ويهيء للظروف القادمة الإيجابية بإذن الله." وأعلن: في الجانب السياسي أكدنا على وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات، لقد كثرت الأقاويل في الفترة الأخيرة حول إمكانيات تفكيك اللحمة في هذا البلد، وتفكيك البلد الى كيانات، وحول اجتياحات، حول ضم وفرز وما هنالك من مشاربع. وأنا أقول بان دولة الرئيس يمتلك من الصفاء ما قد ورثه كابر عن كابر في مسألة الدفاع عن عروبة لبنان وحماية وحدة لبنان مما يجعل المسيرة التي يقودها تأخذ لبنان الى شاطىء الأمان، على قاعدة خطاب القسم الذي يبتكر احتكار الدولة للسلاح وفي الوقت عينه ردع العدوان وتثبيت الحدود اللبنانية شرقا وجنوبا للحفاظ على استقلال لبنان وسيادته وعزته. وختم: انا خرجت سعيدا، وكلني ثقة بأن الغد سيكون أفضل باذن الله. النائبة لاكرافي واستقبل الرئيس سلام النائبة الفرنسية ممثلة الفرنسيين في الخارج اماليا لاكرافي يراففها السيد جوزف مكرزل وتم خلال اللقاء البحث في الاوضاع العامة وفي العلاقات اللبنانية الفرنسية.