
المالكي لـ"سبق": تعديلات الأنظمة القانونية تدعم تكامل المنظومة العدلية وتعزز حماية الحقوق
وأوضح المالكي أن هذه التعديلات جاءت بالتزامن مع صدور نظام المعاملات المدنية، في دلالة واضحة على حرص الجهات التشريعية على تحقيق الانسجام بين الأنظمة وتوحيد المصطلحات القانونية، خصوصاً ما يتعلق بمفاهيم "الأهلية" في نظامي التوثيق والتحكيم، التي جرى تعديلها لتتماشى مع المعايير الحديثة المعتمدة في نظام المعاملات المدنية.
وأضاف أن التعديلات على نظام المحاماة تضمنت إدراج مصطلحي (الولي) و(الشخص ذي الصفة الاعتبارية)، إلى جانب تضمين حالتي (الفسخ) و(الانفساخ) ضمن الأسباب التي تأخذ بها المحكمة عند تقدير أتعاب المحاماة، ما يعزّز من عدالة التقدير ويضمن حقوق المحامين والعملاء على حدّ سواء.
وبيّن الدكتور المالكي أن هذه التغييرات تندرج ضمن إطار أوسع لتسهيل الإجراءات القانونية وتحديث الأنظمة بما يتماشى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، ويخدم الأفراد والكيانات الاعتبارية.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن هذه التعديلات تمثّل نقلة نوعية في ممارسات التوثيق والتحكيم والمحاماة، وستُسهم في تعزيز الشفافية، وترسيخ الوضوح القانوني، وضمان الحقوق، بما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تطوير البيئة العدلية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 31 دقائق
- الشرق الأوسط
فرنسا والدولة الفلسطينية
جاءت المبادرة الفرنسية تبعها الموقف البريطاني الذي يهم هو الآخر لتأييد صيغة الدولتين، تشكِّل اختراقاً غير مسبوق بالنسبة إلى سيف «الفيتو» المسلَّط على القرارات ذات البعد الإنساني في معظمها. لقد شكَّلت المبادرة الفرنسية المستندة في موضوعيتها إلى الموقف السعودي الذي كان بمعزل عن الانفعالات والمزايدات في صدد صياغة خطوة من شأن الأخذ بها إيجاد التسوية المتعادلة للصراع العربي - الإسرائيلي في حال التقى قطب دولي مع الرؤية السعودية، ثم يأتي الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلتقي مع صوابية الحراك السعودي المبدئي والسياسي والدبلوماسي على مدى ثلاث سنوات في مواجهة اندفاع إسرائيل نتنياهو إلى التدمير والتهجير والتجويع وتخريب المستشفيات في قطاع غزة، يثمر تسليم رئيس فرنسا بضرورة الانتقال من الموقف كلامياً تجاه صيغة الدولتين حلاً واقعياً التي هي البادئة قبْل ثلاثة عقود في طرْحها بغرض أن تأخذ القضية «القتيل» حقها، وبتراجع القاتل عن جرمه الذي بلغت ممارسته ثلاثة أرباع قرن من الزمن. كما لا بد من الأخذ في الاعتبار بأن مشاهد التجويع والتدمير، بالذات مشاهد مئات الأطفال الذين يموتون جوعاً مثّلت دافعاً لدى فرنسا، ولقد عرضتْها الشاشات الفرنسية إلى جانب المظاهرات العفوية يشارك فيها رجال ونساء وشبان وشابات، مسنون ومسنات، تجوب شوارع وجادات عاصمة النور باريس وبعض مدن فرنسا، وما كُتب على اللافتات من عبارات ومطالب وكذلك صور الأطفال المُبادين جوعاً. في أي حال لم تكن فقط خطوة الرئيس ماكرون وليدة ما أشرنا إليه، ذلك أن مواقفه السابقة كانت تمهد للموقف الأكثر حسماً. ونتذكر عبارته قبْل سنتين (7 أكتوبر 2023) وهي «إن حل الدولتيْن هو الحل الوحيد الممكن في الشرق الأوسط»، وقبْل ذلك خلال زيارة قام بها عام 2017 إلى القدس عبارته التي أزعجت الإسرائيليين كثير الانزعاج «فرنسا لن تتخلى أبداً عن الدفاع عن حل الدولتين...». وثمة نقطة نظام في هذا الشأن وفحواها أن ماكرون لم يكن فريد رؤساء فرنسا في الموضوع الفلسطيني، ذلك أن «الأب الروحي - السياسي» لهذا الموضوع كان الرئيس الجنرال شارل ديغول، الذي بعد فوزه بالرئاسة عام 1959 أزاح بحساب الستارة الأوروبية الحاجبة لجوهر القضية، وتمثَّل ذلك بعبارة شهيرة له على خلفية حرب 5 يونيو (حزيران) 1967 هي «إن اليهود الذين ظلوا على مر التاريخ شعباً نخبوياً واثقاً بنفسه، ومهيمناً قد غيَّروا طموحاتهم التي تشكَّلت على مدى تسعة عشر قرناً إلى طموحات جامحة بعد أن اجتمعوا في أرض مجدهم التاريخي...». وعندما ثارت ثائرة الإسرائيليين واليهود من كُتَّاب فرنسا على مقصد ديغول من كلامه، ووجَّهوا إليه من الانتقادات أشدها، فإنه بعد نُصحه الذي أشرنا إليه سدَّد إلى إسرائيل سهماً أشد إيلاماً تمثَّل بإعلانه تأييد فرنسا القرار 242 (إنهاء احتلال إسرائيل لأراض سيطرت عليها في حرب 5 يونيو 1967) وفرْض حضْر تصدير أسلحة إلى إسرائيل، وهو مطلب سبق مناشدة أوساط فرنسية وعربية صديقة لفرنسا الرئيس ماكرون الأخذ به. إلى جانب الجنرال ديغول الأب الروحي أو زارع شتلة ضرورة الأخذ بصيغة الدولتين يحْضُرنا موقف الرئيس جورج بومبيدو القائل أمام الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) عام 1973 «لن يتحقق السلام إلا عبْر الاعتراف المتبادَل وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة»، وموقف الرئيس فاليري جيسكار ديستان عام 1975 المتمثل بالسماح بفتْح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية زمن رئاسة ياسر عرفات لها. وكذلك موقف الرئيس جاك شيراك الذي بعد توليه الرئاسة بسنة زار عرفات (أكتوبر/ تشرين الأول 1996) في مقره، الأمر الذي أزعج الحكومة الإسرائيلية، وزادها انزعاجاً حرصه على زيارة البلدة القديمة من القدس، وكأنما في ذلك يريد القول إنها ستكون عاصمة دولة فلسطين. وحتى الرئيس نيكولا ساركوزي، المتعاطف مع إسرائيل، وإلقاؤه عام 2008 خطاباً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سبقه خلال سنته الأولى (2007) رئيساً موقفٌ غير مكتمل الحماسة، تمثَّل بقوله إنه عازم على العمل من أجْل إقامة دولة فلسطينية. والأرجح أنه أراد بخطابه المفعم حماسة لإسرائيل في «الكنيست» إرضاء إسرائيل تعويضاً عن عزمه المشار إليه، وإن كان بعد ثلاثة أعوام (2011) دعَم طلب انضمام فلسطين إلى «منظمة اليونيسكو»، وذلك من باب المزيد من التعويض. وكذلك خلَفه الرئيس فرنسوا أولاند كان له تصريح قبل المغادرة لتسلَّم ماكرون الرئاسة، وهو «إن حل الدولتين ليس حلماً من الماضي بل لا يزال هدفاً للمجتمع الدولي». ما يتمناه العربي من المحيط إلى الخليج، مروراً غير عابر ﺑ«غزة المظلومة»، المزيد من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية التي لا محالة قائمة.


الشرق الأوسط
منذ 31 دقائق
- الشرق الأوسط
المعارضة الناقمة من اليسار إلى الأخونة
تناولتُ في المقال السابق مفهوم «المعارض الناقم»، الذي يتلخص في كونه يختزن شعوراً بالنقمة على مؤسسة الدولة في بلاده. وبعيداً عن فكرة التأييد أو التخوين، فإنَّ المقال قد خلص إلى أنَّ النقمة هي المحرك الأساسي لكثير ممن يدّعي المعارضة الخارجية. الرَّاسخ كذلك أنَّ خطاب المعارضة الخارجية في المنطقة العربية بشكل مهم، والخليج بشكل خاص، بدأ بالحركات اليسارية (والحركات المقاربة لها كالشيوعية والقومية)، وانتقل بعدها للإسلام الحركي بمختلف المذاهب، الذي نشأ على أدبيات «الإخوان المسلمين». واليوم، نجد كثيراً منهم في أوروبا وأميركا الشمالية يعيد إنتاج نفسه بأحد الخطابين أو بخليط منهما. لذلك وددت تسليط الضوء على الجذور التاريخية للخطاب القائم على هذه الثنائية. من الثابت أنَّ انتشار الأفكار التي يصفها اليسار بـ«التقدمية» كان خلال فترة الأربعينات من القرن العشرين وما بعدها، حيث نشطت الحركة العمالية التي صاحبها الوعي الحقوقي للعمال الذين بدأت مطالبهم بتحسين أوضاع العمل ومساواتهم بالعمالة الأميركية. ويشير الباحث كامل الخطي إلى أن: «الباحثين الذين أسهموا بدراسات وأوراق بحث حول اليسار في السعودية، عجزوا جميعهم من دون استثناء، عن تقديم سردية متماسكة حول هوية العنصر الناقل لتلك الأفكار إلى الوسط العمالي النفطي، رغم وجود رأي غير مدعوم بأي دليل يقول بأن هناك شيوعيين سعوديين شاركوا في مؤتمر للشيوعيين الشرق أوسطيين انعقد في باطوم بجمهورية جورجيا السوفياتية عام 1950، كما أنَّ هناك رأياً آخر يعوزه الدليل يقول بأن شيوعيين من البحرين والعراق قد أسهموا في تأسيس تيار شيوعي في المملكة العربية السعودية. لكن التدقيق في أسماء غير السعوديين الذين أوقفوا نتيجة الحملة الأمنية عام 1964 لا يوصل الباحث إلا لشخصية بحرينية وحيدة، وهي خليفة خلفان الذي جاء إلى السعودية بين عامي 1958 و1959، ومن الثابت أنَّ وصوله إلى السعودية كان بعيد تأسيس (جبهة التحرر الوطني)، لذلك لم تستقر لدي قناعة حول إسهام عناصر عربية في تأسيس أي هيكل حزبي شيوعي في الداخل، والأرجح أن كل تلك الآراء القائلة بالتأثير الكبير الذي أحدثته عناصر عربية وغير عربية في مرحلة التأسيس هي آراء واقعة تحت تأثير النظرة الاستعلائية التقليدية التي يحملها العرب من خارج شبه الجزيرة العربية تجاه عرب شبه الجزيرة العربية. إِلَّا أنّ من المؤكد أن هذه الأفكار قد أحدثت صدى عقب قرار حل الأممية الثالثة بسنتين تقريباً، حيث لم أجد أثراً لتلك الأفكار قبل عام 1945» («عكاظ» 9122017). تميز نشاط التيارات اليسارية - والمقاربة لها - بتنوعها بالعمل السري الذي تم اكتشافه لاحقاً في 1964، وتوقيف عدد كبير من المنتمين لتلك الحركات مما شكل فراغاً لدى الأتباع الذين لم يتم اكتشافهم ليتغير الوضع، ويصحب أولئك الصغار نخباً مثقفةً لا ترتبط بشكل حقيقي بالمجتمع التي تعيش فيه. ولعل أفضل ما كُتب حول تلك التيارات كان كتاب «الحركة الوطنية» (المنشور عام 2011) للسيد علي باقر العوامي الذي أرّخ لتلك الفترة مركّزاً على المنطقة الشرقية التي احتضنت جزءاً كبيراً من ذلك الحراك بسبب وجود شركة «أرامكو». غير أن هذا الكتاب على قيمته المعرفية يعاب عليه عدم شموليته الجغرافية؛ كما أنه شهادة شخصية أكثر من كونه دراسة متكاملة. لعل أصعب تحدٍ واجه تلك الحركات هو اصطدامها بالمجتمعات التي يفترض أن تكون حاضنتها الأساسية. فقد واجهت تلك الحركات ثوابت الدين الإسلامي بشكل صدامي، إذ مارس بعضهم الاستهزاء بالمتدينين وسلوكياتهم، ومنهم من كان يبشر بقيادات عابرة للحدود مقرها مصر أو العراق. ومع مرور الوقت، تراجع تأثير تلك الحركات بشكل كبير، وذلك لتراجع المنتمين لها عن أفكارهم لأحد أسباب: 1- تفكك منظومة حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفياتي. 2- الخشية من الاصطدام بالأجهزة الأمنية. 3- الاقتناع بعدم جدوى الأفكار اليسارية مما أدى إلى إعلان التوبة والتحول لحالة التدين، أو الاقتناع بالتوجه الرأسمالي، وهذا ما جعلهم يتحولون للتجارة أو العمل المصرفي. المهم من هذه التيارات هو بقاء النزعة اليسارية الساخطة على الحكام. بالطبع لم تعد الشيوعية خياراً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتوجه الصين للاقتصاد الرأسمالي في تجارتها الخارجية. غير أن الفكر الساخط تحوّل إلى توجهات حركية إما على أساس إسلامي متأثر بفكر «الإخوان المسلمين» المهووس بحلم الحكم وإقامة الدولة الإسلامية، أو على أساس مدني يتبنى الليبرالية المنتشرة في أوروبا والقائم على فكرة هزيمة الكنسية على يد العلمانية الحديثة. يُتداول أن بعض اليساريين الخليجيين قد سلّموا ما لديهم من موارد - لا يستطيعون حملها معهم - للإسلاميين قبل عودتهم إلى أرض الوطن. وبعد تسلّم الإسلاميين لراية المعارضة استخدموا خطاب النقمة نفسه الذي استخدمه اليساريون، بما في ذلك المناداة بأفكار وشعارات لا تتسق وأديباتهم، مثل الحرية والديمقراطية وغيرها. اليوم، نجد الكثير من المنتمين لجماعات الإسلام الحركي، الذين يحملون خطاباً متطرفاً ضد مخالفيهم، يتناغمون ويتعاونون مع شباب حائر بين إرث اليسار وبريق الليبرالية الجديدة. اللافت للنظر أن الطرفين يعزّزان لبعضهما البعض بشكل يوحي بأنهم يحملون أهدافاً وطنية واحدة! ولنا هنا أن نتساءل: ماذا - ولو في الخيال - انثنت لهم الوسادة في بلدانهم؟ لا أعتقد أن ثمة عاقلاً يعتقد أنهم سيتعاونون فيما بينهم من أجل رفاهية مواطنيهم، بل سيتناحرون تحت شعار الوصاية على العامة بشعارات دينية أو تقدمية. وهنا مربط الفرس، فما جمعهم هو النقمة، ولو انتفت مسبباتها، سيبدأون بالنقمة على بعضهم البعض، لأن النقمة أمر نفسي وليس محرّكاً عقلياً. ولنستذكر هنا قصة الثورة الإيرانية عام 1979، عندما تحالف حزب «تودة» الشيوعي مع جماعة ولاية الفقيه ضد النظام الملكي؛ وبعد سقوط الملكية قام الإسلاميون بإزاحة الشيوعيين عن المشهد بشكل عنيف. وعلى الصعيد العربي، نستذكر ما حصل في أعقاب مرحلة ما عرف بـ«الربيع العربي»، وكيف تنازعت التيارات ذات التوجهات الإسلامية والعلمانية، وكيف حاولت إقصاء بعضها البعض، وحتى عندما سنحت الفرصة لـ«الإخوان المسلمين» لممارسة الحكم، لم يطبقوا الشعارات التي كانوا ينادون بها.


الشرق الأوسط
منذ 31 دقائق
- الشرق الأوسط
حتى لا تختنق بيروت تحت الرماد!
«قتلني وما حاكموه»! واحدة من اليافطات التي رفعها مواطن في تظاهرة يوم 4 أغسطس (آب)، التي تقول ببساطة: وعد الخمسة أيام صار خمس سنوات على التفجير الهيولي لبيروت، وما من متهم وراء القضبان. يافطة وجّهت باسم المشاركين في التظاهرة رسالة إلى الجهات التي عرقلت التحقيق بعدما عجزت عن «قبع» المحقق العدلي: لا تراهنوا على الوقت لن نتعب، سنطاردكم في أحلامكم. لا تراهنوا على النسيان ومحو الذاكرة فلن ننسى. لا تراهنوا على مصادرة الحقيقة لانتزاع المسامحة، وحده الفيصل قوس المحكمة لإعلان الحقيقة والعدالة؛ لأن في ذلك يسقط «قانون الإفلات من العقاب» ورموزه، فيتحقق استقلال السلطة القضائية، وقد أصبح المحقق العدلي طارق البيطار حارسها! الذين نزلوا إلى الشارع في أغسطس (آب) اللهاب وهم عائلات مع أطفالها وفتيانها وشاباتها وكثير من المسنين، كما الذين تابعوا الحدث من خلال الشاشة الصغيرة، التقوا على رفض ترك بيروت، العاصمة التي تمسكت دوماً بالحياة والثقافة والانفتاح، تختنق تحت رماد مرفئها ووسطها، حيث ما زالت بعض المباني أنقاضاً. التقوا على تأكيد رفضهم ترك القضاء أداة التسليم بشريعة الأقوى. جددوا القول بأن حدث 4 (آب) 2020 هو جريمة دولة، ولتاريخه كل المتهمين، وكثر ادعى عليهم البيطار بجناية «القصد الاحتمالي بالقتل، ما زالوا على كراسيهم، وما دام لم يصدر بعد القرار الاتهامي فإن العدالة ستبقى معلقة. وعلى الوجوه وفي المآقي التي جفت دموعها وجّه الحضور رسالة عميقة عن معنى العيش في بلدٍ يعرف فيه الناس أن المتهم بارتكاب الجريمة محمي والضحية منسيّ، والتعامل مع الناس يكون أنهم مجرد عدد وأرقام! كثر من المشاركين قالوها مدوية: قتلانا اغتيلوا بدم بارد ولن يعودوا، ونحن لم نغادر الساحة من أجل العدالة فلا تتكرر الجريمة. رغم أن التجارب مقلقة عن حق، كتب الأستاذ سمير عطالله (وهو أحد جرحى التفجير الرهيب) عن «تاريخ النسيان»، مشيراً إلى أنَّه أمام جرائم الاغتيال الكبرى التي ضربت لبنان ومزَّقته ساد طقس الاعتياد بألا «يطالب أحد بمعرفة الفاعل»، حتى ولو كان الحدث «جريمة وطنية نسفت بيروت»! لكن ما هو حاصل اليوم، والمستمر منذ 5 أعوام، يحمل إصراراً على القطع مع ذلك الماضي، الذي شهد تسجيل الجرائم الكبرى ضد مجهول، وإصراراً على مواجهة قوى استبداد وتبعية، بعضها ما زال موجوداً ونافذاً، ونجح مراراً في تعطيل التحقيق العدلي وأوقفه على فترات تجاوزت العامين. لبنان بعد ثورة «17 تشرين» يتبدَّل، ولبنان بعد حرب «الإسناد» التي دمرته غير ما كان. هناك حالة جديدة في البلد، وعمل يحمل الكثير من المعالم الجادة لبسط السيادة دون شريك، واستعادة الدولة والقرار. وهذه الحالة تتقدم وإن بصعوبة، والثابت أن المراوحة تتعطل بدليل قبول المواطنين لأول مرة مشاركة العديد من الوزراء الحاليين في المظاهرة، وكان قد سبقهم رئيس الحكومة نواف سلام إلى التعهد بأن «لا دولة قانون بلا محاسبة»، و«المحاكمة العادلة ليست مِنة من أحد، بل هي واجب الدولة وحق الضحايا لضمان العدالة». تفجير المرفأ وتدمير وسط بيروت، وسقوط أكثر من 240 ضحية ونحو 7 آلاف جريح، بينهم أكثر من ألف معوق، وتهجير قسري لنحو 300 ألف مواطن نصفهم لم يتمكن من العودة، ومأساة توقف الزمن عند الكثيرين عند الساعة 6 و7 دقائق، ما كان كل ذلك ليحصل لو تحمل أركان السلطة زمن الرئيس السابق ميشال عون مسؤولية من تخزين وسادة الموت تحت أسرّة الناس. تلك الجريمة هي الابن الشرعي لزمن سلاح «حزب الله» اللاشرعي، وأمام مجلس الوزراء مسؤولية اتخاذ قرار الخروج من هذه الحالة المرفوضة شعبياً ووطنياً. ولو وُجِد في موقع القرار من يولي الأولوية للحفاظ على أمن العاصمة وحيوات أهلها، ما كان محور الخراب قد تمكن من إقامة مترو أنفاق موت ومخازن صواريخ ومسيرات مزروعة تحت منازل الآمنين في ضاحية بيروت الجنوبية وعشرات المدن والبلدات في الجنوب والبقاع. ينبغي للقرار الاتهامي المنتظر أن يجيب عن الأسئلة الحرجة: من الجهة مالكة نيترات الموت؟ من نقلها لمرفأ بيروت؟ ومن المسؤول عن إدخال الشحنة وتفريغها ثم حمايتها والتغطية على وجودها؟ وما الأدوار المباشرة لوزراء تعاقبوا وقضاة وقادة أمنيين كبار؟ وكيف حدث التفجير؟ وما دور «حزب الله» الذي سبق له وحاصر التحقيق العدلي وهدد بلسان وفيق صفا، كبير مسؤوليه الأمنيين، بـ«قبع» المحقق العدلي! وكيف وبشراكة من، وحماية من، تم نقل كميات إلى دمشق استخدمت في البراميل المتفجرة التي ألقاها النظام البائد على المواطنين السوريين؟ فقط عبر الأجوبة عن هذه الأسئلة وسواها ينتهي زمن تهشيم علاقة العاصمة بالسلطة، ويفتح باب استعادة الثقة عندما يشعر المواطن بأن هناك من يحمي ويحاسب. إذاك تمحو المدينة عن وجهها رائحة خلّفتها «نيترات الأمونيوم»، وتنهض العاصمة من تحت الرماد الثقيل!