
قيومجيان: 'يمشي قاسم بخطة برّاك وما حدا قدّه'
في لحظة سياسية مفصلية تتزامن مع عودة الموفد الأميركي توم برّاك إلى بيروت لتسلّم الورقة اللبنانية الرسمية، وفي ظل الخطاب التصعيدي لـ'حزب الله' وتمسّكه بسلاحه ورفضه المعلن لأي مشروع يُعيد للدولة سيادتها الكاملة على أرضها، يبقى الرأي العام اللبناني في خانة المشاهد والمترقب لما هو قادم في الأيام المقبلة من تطوّرات على الساحة المحلية، بين أصحاب القرار في الدولة، أصحاب السلاح غير الشرعي، وأولئك الذين خدعوا الناس باسم 'الإصلاح'.
بكلمات رصينة، ونبرة واضحة لا تعرف الالتباس، فجّر رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب 'القوات اللبنانية' الوزير السابق ريشار قيومجيان سلسلة مواقف تكشف بوضوح خريطة الخطر الداهم على لبنان، من الداخل لا من الخارج، وحدّد بدون مواربة أنّ المعركة اليوم هي بين مشروعين: مشروع الدولة… ومشروع الدويلة.
لا نية لدى 'الحزب' بتسليم سلاحه… والحجج تتبدّل
منذ اللحظة الأولى، لم يوارب قيومجيان في تقييمه لكلام أمين عام 'حزب الله' الشيخ نعيم قاسم، الذي وصف الورقة الأميركية بأنها 'مشروع إسرائيلي'. وردّ عليه بلهجة حاسمة قائلاً: 'ما قاله الشيخ قاسم يُعبّر تماماً عن النية الحقيقية للحزب. لا نية لديه بتسليم سلاحه. كل مرة يختلق ذريعة جديدة: تارة الدولة غير جاهزة، وتارة أخرى الجيش غير قادر، ومرّة يخافون من داعش، أو من تهديد وجودهم… وكلها مجرد حجج لعدم تسليم سلاحهم'.
وأضاف: 'نحن أمام سياسة ممنهجة لإبقاء السلاح بقوة الفرض، وبذريعة المقاومة، بينما الهدف الحقيقي هو الإمساك بقرار الدولة من الداخل'.
عزلة دولية بانتظارنا إذا لم نتحرّر
وحول ما إذا كان رفض الحزب للورقة الأميركية سيفتح بابًا على حرب جديدة، رفض قيومجيان منطق التخويف، مؤكدًا أنّ 'الحرب الأهلية مستبعدة كلياً. أما في حال عدم تسليم السلاح، فلبنان سيواجه عزلة دولية تامة: لن تكون هناك مساعدات، لا إصلاح ولا مؤسسات، وسيدفع الشعب اللبناني الثمن كاملاً. أما إسرائيل، فهي تتحرّك لمصلحتها، ولا تنتظر أحدًا لتشنّ حروبها. من هنا، فإن الحل الوحيد هو بتسليم السلاح للشرعية وإنهاء هذه الحالة الشاذّة'.
السلاح فَقَد مبرّراته… وأصبح أداة هيمنة داخلية
ردًا على ما يروّج له 'حزب الله' من أن سلاحه هو 'الضمانة الوحيدة بوجه العدوان'، قال قيومجيان: 'أين هي هذه الضمانة؟ لم نرها حين أراد الحزب دعم غزة، ولا في تحرير مزارع شبعا، بل العكس هو الصحيح. سلاح الحزب جرّ على لبنان المزيد من الاحتلال والخسائر. لقد فقد سلاحهم كل مبرراته السيادية، وأصبح أداة لتحقيق مكاسب داخلية وفرض مشيئة سياسية على باقي المكونات'.
وشدد على أن 'هذا السلاح لم يعد سلاح مقاومة، بل سلاح فرض أمر واقع. والحزب يحاول الإبقاء عليه بقوة التخويف، ولكن سيبقى هناك من يقول له: لا. وسيبقى هناك من يتمسك بالدولة وبمشروع بناء مؤسسات حقيقية'.
على الحكومة أن تقرّر… كفى شعارات!
وعن مدى واقعية الحديث عن نزع السلاح في هذه المرحلة، قال قيومجيان: 'نعم، الدولة قادرة على تنفيذ هذا القرار. ولكن ليس عبر الشعارات، بل عبر خطة زمنية واضحة وجدول تنفيذ فعلي. نحن نأمل ألا تفشل هذه المحاولة الجديدة، وأن تتخذ الحكومة القرار الحاسم'.
وعن محاولة 'الحزب' ربط تسليم السلاح بانسحاب إسرائيلي جزئي من بعض النقاط، سخر قائلاً: 'يمشي نعيم قاسم بخطة براك وما حدا قدّه!'.
براك لا يحرّض الجيش… بل يساعدنا
وفي ردّه على اتهام قاسم بأن توم براك 'يحرّض الجيش اللبناني على نزع سلاح المقاومة'، أكد قيومجيان أن 'براك لم يحرّض أحدًا، بل يتعامل مع الدولة، ويطلب منها بوضوح إنهاء حالة السلاح غير الشرعي، لأن هذا هو المدخل الوحيد لأي إصلاح حقيقي'.
وأضاف: 'من هنا، على الدولة أن تحسم أمرها. فإما أن تكون هناك سيادة فعلية، أو 'ما في''.
جبران باسيل: كذب وتزوير وهروب إلى الأمام
وإلى جبهة 'التيار الوطني الحر'، ردّ قيومجيان على تصريحات رئيس التيار جبران باسيل الأخيرة بالقول: 'جبران يحاول تعويم نفسه، وليس بوجهه سوى 'القوات اللبنانية'. نسي كل ما سببه هو وعمه من كوارث للبنان، سواء في الحكومة الانتقالية أو في العهد العوني الكارثي. أسلوبه أصبح باليًا، ولا أحد يصدّقه'.
وأضاف: 'الرأي العام يعرف جيدًا من هي 'القوات اللبنانية'، وماذا فعلت، وماذا تَحقّق على يدها. الكذب والتزوير لم يعد يمرّ. لا يستحق الردّ، لأننا إن فعلنا نكون قد أعطيناه أكثر من حجمه الحقيقي'.
المنتشرون ليسوا سلعة انتخابية!
وفي ما يتعلق بادّعاء باسيل بأن التيار هو من أعطى المنتشرين حقوقهم، وضع قيومجيان النقاط على الحروف: 'أي حقوق؟ هل انتخاب 6 نواب فقط هو حق؟ الحق هو أن يشارك المنتشرون بانتخاب 128 نائبًا، كما أي لبناني مقيم، لا أن يُقصَوا عن القرار السياسي وانتخاب ممثلين غير معروف من يمثلون أصلًا'.
ومع اقتراب موعد تسليم الورقة اللبنانية الرسمية إلى الموفد الأميركي الثلثاء، تتجه كل الأنظار إلى موقف الدولة اللبنانية: هل ستتجرأ على اتخاذ القرار السيادي المنتظر، أم سنشهد مجددًا تمييعًا وتمديدًا للأزمة؟ الأيام المقبلة ستكون مفصلية بين تثبيت مشروع الدولة… أو تكريس واقع الدويلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون ديبايت
منذ 39 دقائق
- ليبانون ديبايت
لتسريع ملف إعادة الإعمار... اجتماع بين "أمل" و"حزب الله"
عقد مكتب الشؤون البلدية والاختيارية المركزي في حركة أمل و مكتب العمل البلدي المركزي في حزب الله اجتماعًا مشتركًا هو الأول من نوعه بعد إنجاز الاستحقاق البلدي والاختياري، وذلك في مبنى قيادة حركة أمل في الجناح، بحضور مسؤول مكتب البلديات المركزي في الحركة بسام طليس وأعضاء المكتب والأقاليم الخمس، إلى جانب مدير ملف العمل البلدي في حزب الله محمد بشير وأعضاء المكتب. بحث المجتمعون في عدد من الملفات المتعلقة بالشأن البلدي والاختياري والتنموي، وأصدروا سلسلة مقررات شددت على ضرورة الإسراع في إعادة الإعمار وصرف مستحقات البلديات وتفعيل الأداء البلدي والاختياري في المرحلة المقبلة. ورحّب الطرفان بالنتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية والاختيارية، خصوصاً لوائح "التنمية والوفاء"، معتبرين أن الفوز الواسع، سواء بالاقتراع أو التزكية التي تخطّت الـ50% في بعض الأقضية، يؤكد الالتفاف الشعبي حول خيار "الثنائي الوطني" ونهجه التنموي والمقاوم. كما توجه المجتمعون بالتهنئة للبلديات والمجالس الاختيارية المنتخبة، داعين إلى وضع خطط إنمائية عاجلة، وشكروا رؤساء البلديات والمختارين السابقين على جهودهم، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان. وفي الشق التنفيذي، دعا المجتمعون الحكومة إلى: الإسراع في إنجاز ملف إعادة الإعمار والتواصل مع الجهات المانحة والدول الصديقة لمساعدة المتضررين، ورفع الركام وإعادة الخدمات الأساسية إلى القرى الجنوبية المتضررة، خاصة الحدودية منها، ودعم مجلس الجنوب في تنفيذ هذه المهمات. إقرار مرسوم القرض البالغ 250 مليون دولار المخصّص للبنى التحتية والخدمات العامة، وإحالته إلى مجلس النواب لإقراره. صرف مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل وعائدات الهاتف الخلوي، ورفع قيمة هذه المستحقات لتتناسب مع الظروف الاقتصادية الصعبة. ونوّه المجتمعون بإقرار مجلس النواب القانونين رقم 21 و22 المتعلقين بتفعيل العمل البلدي ومنح إعفاءات للمتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية، داعين إلى تطبيقهما والاستفادة من بنودهما. كما تقرّر تنظيم لقاءات ودورات تدريبية لأعضاء المجالس البلدية والاختيارية الجدد، وتعزيز التنسيق الدوري بين الطرفين لمواكبة جميع الاستحقاقات والملفات.


سيدر نيوز
منذ 39 دقائق
- سيدر نيوز
هل يُواجه حزب الله معزولاً أهمّ قرار في تاريخه؟ – مقال في 'ذا أوبزرفر'
في عرض الصحف اليوم نغطّي عدداً من الموضوعات جميعها في الشرق الأوسط: بدايةً من لبنان، ومقال عن نزع سلاح حزب الله؛ ثم ننتقل إلى الساحل اليمني على البحر الأحمر، ومقال عن 'تحطيم جماعة أنصار الله الحوثية لأسطورة القوة البحرية الأوروبية'؛ ونختم من إيران، ومقال عن 'تدمير' نظامها المصرفي على يدّ قراصنة إسرائيليين يطلقون على أنفسهم اسم 'العصفور المفترس'. ونستهل جولتنا من الأوبزرفر البريطانية، حيث نطالع مقالا بعنوان 'على حزب الله أن يقرّر بين: نزْع السلاح، أو القتال، أو التحوّل التام إلى السياسة'، بقلم أوليفر مارسدن. كتب مارسدن يقول إن جماعة حزب الله اللبنانية، التي تعاني الإنهاك والعُزلة، تواجه الآن حديثا بخصوص نزْع سلاحها. وأشار الكاتب إلى مقترَح أمريكي بإعادة إعمار لبنان وإنعاش نظامه الاقتصادي المتهالك، فضلاً عن كَفّ آلة الحرب الإسرائيلية عن لبنان، بل وانسحاب الجيش الإسرائيلي من أراضٍ لبنانية، وإطلاق سراح سجناء لبنانيين – كل هذا مقابل أنْ يُلقي حزب الله سلاحه. ولفت صاحب المقال إلى الحرب المدمّرة التي خاضها حزب الله مع إسرائيل، وإلى تشرذُم حلفاء الحزب اللبناني على نحوٍ تركه 'معزولا في مواجهة أهم قرارٍ في تاريخه الممتدّ على مدى 40 عاما'. ونوّه مارسدن إلى أن نزْع سلاح حزب الله، في نظر البعض، يعتبر بمثابة 'تهديد وجودي' وأن الحزب ليس 'شيئا من الماضي'، كما صاغ أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان. ويرى هؤلاء أن حزب الله 'ربما يكون قد تضرّر، لكنه لم ينته'، متسائلين: 'ولماذا ينبغي على حزب الله أن يلقي سلاحه بينما لدينا إسرائيل تقتل المدنيين يميناً ويساراً وليس ثمة منظمة دولية واحدة تحاول إيقافها؟'. ورأى صاحب المقال أن الدور الذي يضطلع به حزب الله في لبنان لا يزال محلّ خلاف شديد؛ فهو يوصف بأنه 'دولة داخل دولة'، ولطالما توارتْ قوة الجيش اللبنانية لدى مقارنتها بقوة الجناح العسكري لحزب الله. وعلى الأرض، لا تزال الأجواء مُحتقنة، بحسب الكاتب، الذي أشار إلى أن حزب الله دفع ثمناً فادحاً بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كما أن شعبيته لا تزال تُستمدّ بشكل كبير من بِنْيته التحتية الاجتماعية الممتدة والتي تضمّ مدارس ومستشفيات وعربات إسعاف وأسواق طعام مدعّمة. 'لكن الحاجة ماسّة إلى إعادة الإعمار، في وقت تعالج فيه إيران (الراعي الرسمي لحزب الله) جراحها الخاصة'، وفقاً لصاحب المقال. 'الحوثيون يحطمون أسطورة القوة البحرية الأوروبية' EPA وإلى مجلة الإيكونوميست البريطانية، حيث نطالع مقالا بعنوان: 'الحوثيون يحطمون أسطورة القوة البحرية الأوروبية'. وقالت الإيكونوميست إن الهدنة التي أُبرمت في مايو/أيار الماضي بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله الحوثية اليمنية، أوجدتْ فُرصة للاتحاد الأوروبي ليخرُج من عباءة أمريكا العسكرية في البحر الأحمر. وكان الاتحاد الأوروبي قد أطلق بالفعل 'مهمّة أسبيدس' الدفاعية الخالصة في كل من البحر الأحمر، والمحيط الهندي والخليج بهدف استعادة الملاحة البحرية في المنطقة. ولكن المهمة أسبيدس، بحسب الإيكونوميست، لم تقدّم الكثير من الحماية، حتى للسفينتين التجاريتَين اليونانيتَين 'ماجيك سيز'، و'إتيرنيتي سي'، اللتين تعرّضتا لهجوم من الحوثيين في أوائل يوليو/تموز، ما أدى بهما إلى الغرق. ورأت المجلة البريطانية أن قلّة الموارد هي جزء من المشكلة، مشيرة إلى أن الأدميرال فاسيليوس غريباريس قائد المهمة أسبيدس قال لدى انطلاقها في فبراير/شباط 2024، إن ثمة حاجة إلى ما لا يقل عن عشر سُفن بالإضافة إلى دعم جوي، ومع ذلك، وفي أثناء الهجمات الحوثية الأخيرة، لم يكن مع المهمة أسبيدس سوى فرقاطتين اثنتين ومروحية واحدة. وإلى جانب الموارد العسكرية، فإن المهمّة أسبيدس تعاني أيضاً من نقص في الموارد المالية، بحسب الإيكونوميست، التي أشارت إلى أن إجمالي النفقات التي يخصّصها الاتحاد الأوروبي لهذه المهمة لا يتجاوز 19.8 مليون دولارسنوياً. وعلى سبيل المقارنة، أشارت الإيكونوميست إلى أن الولايات المتحدة أنفقت عشرة أمثال هذا المبلغ من أجل إعادة تعبئة نوع واحد من صواريخها خلال 'مهمّة حارس الازدهار'، التي قادتها واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2023 ضد الحوثيين في البحر الأحمر. ورأت المجلة البريطانية أن ضَعف الإنفاق على المهمة أسبيدس يأتي ضمن إطار أوسع من ضَعف الإنفاق الدفاعي بشكل عام في أوروبا منذ عقود – على نحو ترك السُفن التجارية الأوروبية عُرضة للأخطار البحرية. ومرّة أخرى، قارنت الإيكونوميست بين ما تمتلكه دول حلف شمال الأطلسي الناتو فيما بينها من حاملات طائرات لا يتخطى عددها ثلاثاً، في مقابل إحدى عشرة حاملة طائرات تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية. 'استمرار النظام المالي الإيراني رهين بإرادة الدولة الإسرائيلية' ونختتم جولتنا من صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، والتي نشرت مقالا بعنوان 'العصفور المفترس يهاجم النظام المالي الإيراني إلكترونياً'، بقلم الباحثَين مايكل دُوران، وزينب رِبوع. وقال الباحثان إن إسرائيل ارتادت آفاقاً بعيدة في فضاء الهجمات الإلكترونية، برعايتها مجموعة من القراصنة تتّخذ لنفسها اسم 'العصفور المفترس'، والتي أعلنت مسؤوليتها عن تدمير أصول رقمية وسِجلّات بَنكية في إيران بهدف تقويض النظام إبان المواجهة الأخيرة بين البلدين والتي استمرت 12 يوما. ورأى الباحثان، أنّ نجاح إسرائيل على هذا الصعيد، يُقدّم لإدارة ترامب أدوات جديدة يمكن استخدامها في مواجهة التهديد الإيراني. وقامت إسرائيل في البداية بهجوم إلكتروني على بنك 'سبه'، أقدم البنوك الإيرانية وأكبرها، والمنوط به تقديم خدمات لمختلف الجهات في الدولة من الجيش والقوات الأمنية، فضلا عن الرواتب والمعاشات وغير ذلك، وفقاً للباحثين. وقد تسبب الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي في تعطيل النظام المصرفي وخروج ماكينات الصرف الآلية عن الخدمة وتوقُّف خدمات الدفع عبر الإنترنت، وغيرذلك من الخدمات الحيوية. كما تسبب الهجوم في حالة من الرعب والإقبال الشديد من جانب الموْدعين على كافة البنوك لسحب أرصدة، وفقاً للباحثين. وقد حاول البنك المركزي الإيراني التعامل مع الموقف عبر ضخّ احتياطات إلى النظام المالي، لكنّ الثقة كانت قد انهارت بالفعل، كما انهارت بورصة طهران، وفقد الريال الإيراني أكثر من 12 في المئة من قيمته بعد أول يوم من المواجهة. ولحماية نفسها من هذا النوع من الهجمات الإلكترونية، كانت إيران قد دشّنتْ نظاماً مالياً موازياً يقوم على أساس من العُملات الرقمية المستقرة – المرتبطة بأصول كالدولار. وأشار الباحثان إلى أن نحو 90% من التعاملات بالعُملات الرقمية في إيران تجري عبر بورصة 'نوبيتكس'. وفي 18 يونيو/حزيران، تمكّنت مجموعة 'العصفور المفترس' الإسرائيلية من سحْب 90 مليون دولار من محافظ تابعة للحرس الثوري الإيراني وتحويل تلك الأموال إلى وجهات لا يمكن استرجاعها منها مرة أخرى. وخلص الباحثان إلى القول بأن إسرائيل، باختراقها البِنية التحتية للاقتصاد الإيراني على هذا النحو، إنّما تبعث رسالة واضحة مُفادها أنّ 'استمرار النظام المالي الإيراني مُرتهنٌ بإرادة الدولة الإسرائيلية'.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
طوفان الخرائط بين لبنان وسوريا... هندسة بالدمّ بدل الحبر
تحولّت التسريبات الصحافية، تحت مسمّى "مصادر" وتصريحات عشوائية، وربما يكون بعضها لملء "الهواء"، إلى أكثر من مادّة للتجاذب... إلى هاجس حول مصير فرضته التطورات الأخيرة في سوريا ولبنان وغزة تحديداً. فحين يخرج أحدهم ليذكّرنا بشرق أوسط "جديد" لم نتنه من فهم قديمه وتخطّي مشكلاته، فإن هذا يعني أن عقلية "سايكس - بيكو" وهندسة خرائط الدول على مقاس المصالح ما زالت تتحكم بمفاصل يومياتنا. في التعريف العام والواضح لهذا المصطلح، الذي كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس أول من استخدمه خلال حرب تموز/يوليو 2006، واستخدمته إسرائيل والولايات المتحدة لاحقاً وما تزالان، فإن هذا الشرق سيُعاد فيه ترسيم الحدود والنفوذ والتحالفات وفرض شروط جديدة، وسيكون فيه لإسرائيل كالمعتاد اليد العليا. توم برّاك وبلاد الشام والحدود الوهمية في مجرى "الشرق الأوسط الجديد"، تصبّ تصريحات حملت أكثر من دلالة: حذّر المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص توم برّاك من سيطرة قوى إقليمية على لبنان إن لم تنجح حكومته في التغلب على إشكالية سلاح حزب الله، قائلاً لصحيفة "ذا ناشيونال" إنّ لبنان قد يواجه تهديداً وجودياً: "إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرّك لبنان فسيعود إلى بلاد الشام من جديد. فالسوريون يقولون لبنان منتجعنا الساحلي". سبق موقف برّاك هذا قوله إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدوداً مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية وليس من أجل السلام، معبراً عن إيمانه بأن ذلك التقسيم كان خطأ مكلفاً دفعت ثمنه أجيال بأكملها، ولن يتكرّر مرة أخرى؛ وأن زمن التدخل الغربي انتهى والمستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة، عبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل. دخل برّاك بتصريح من هنا، وبمنشور على إكس من هناك، عمق لبنان وسوريا، بتهديدات غير معلنة تلمّح إلى احتمال رسم خرائط جديدة للمنطقة بالدمّ أو الحبر أو بالتفاهمات... لا يهمّ، فالمهمّ أنه تحدّث بلسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض تحت شعار "Let's make a deal"... وإلّا! ولو كنا لا نعرف برّاك، والمهمة التي يجوب المنطقة من أجلها، لما انتابنا الشكّ بشأن تزامن تصريحاته مع تقارير إسرائيلية لم يؤكدها أي موقف رسمي سوري ولم ينفها، تدّعي بأنّ هناك سيناريوين مطروحين حالياً للتسوية السياسية المقبولة بين إسرائيل وسوريا: السيناريو 1: تحتفظ إسرائيل بمناطق استراتيجية في مرتفعات الجولان تعادل ثلث أراضيها، وتسلّم ثلثاً لسوريا، وتستأجر الثلث الآخر من سوريا لمدة 25 عاماً. السيناريو 2: تحتفظ إسرائيل بثلثي هضبة الجولان، وتُسلم الثلث إلى سوريا، مع إمكانية تأجيره، على أن يرافق ذلك تسليم مدينة طرابلس اللبنانية، القريبة من الحدود اللبنانية-السورية، وربما مناطق لبنانية أخرى في شمالي لبنان وسهل البقاع، إلى سوريا. مسألة طرابلس بحسب التبرير الإسرائيلي، تسعى سوريا إلى استعادة السيادة على طرابلس، انطلاقاً من مزاعم تفيد بأنها واحدة من خمس مناطق اقتطعها الانتداب الفرنسي من سوريا لتأسيس لبنان. يجب أيضاً أن تشمل التسوية تسليم طرابلس ومناطق لبنانية أخرى ذات أغلبية سنية إلى سوريا، بشرط السماح لإسرائيل بتمديد خط أنابيب لنقل المياه من الفرات إلى إسرائيل، وذلك في إطار اتفاق مائي يشمل تركيا وسوريا وإسرائيل. وفي تصريح صادم، ذهب الناشط السوري كمال اللبواني أبعد من ذلك، قائلاً: "لبنان ليس دولة ولا نعترف به. وإن جرى أخذ اللاذقية وطرطوس (من منطلق تقسيم سوريا)، فنحن مضطرون لضم طرابلس وصيدا إلى سوريا بالقوّة"، واصفاً لبنان بأنه "كذبة تاريخية وخطأ جغرافي صنعته فرنسا". يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه "بيت بمنازل كثيرة" إن الحكم العثماني في المنطقة بدأ بعد معركة مرج دابق في 1516، وأدرجت "مملكة طرابلس" السابقة -وكانت تابعة للمماليك– تحت سلطة إيالة دمشق العثمانية، التي أنشئت حديثًا آنذاكِ. وفي عام 1521، تحولت طرابلس موقتًا إلى إيالة مستقلّة، ثم أنشئت إيالة طرابلس رسميًا فى عام 1579، ممتدة على طول الساحل من المنحدرات الجنوبية لجبال الأمانوس، وشملت جبال العلويين والأجزاء الشمالية من جبل لبنان، وصولاً إلى وادى المعاملتين، وشملت -إلى جانب مدينة طرابلس- مدن اللاذقية وجبلة وطرطوس وجيبل، وأحيانًا حمص وحماة، وكانت تتمتع بتنوع سكاني يشمل السنة والعلويين والإسماعيليين والموارنة والأرثوذكس، إلى جانب أقلية يهودية صغيرة. وقد استمر هذا التعيين حتى زمن الإصلاحات العثمانية في 1864، حين تم دمج طرابلس فترة وجيزة في ولاية سوريا المنشأة حديثًا (1864-1888)، ثُم ألحقت بولاية بيروت في عام 1888. وفي عام 1920، ضُمت طرابلس ومنطقتها إلى متصرفية جبل لبنان من ولاية بيروت، وليس من ولاية سوريا، فتأسست دولة لبنان الكبير. لا نعرف علام استند اللبواني أو التقرير الإسرائيلي، لكن التاريخ لا يُروى من وجهات نظر بل من وقائع، ومنها أن لبنان لم يُولد مع الانتداب الفرنسي، كما يظن البعض، بل كان منذ قرون كياناً قائماً في داخل النظام العثماني، يتمتع بخصوصية إدارية وسياسية، وبأنظمة ضريبيّة محليّة وبحكم ذاتي نسبيّ تحت قيادة أمراء، أبرزهم فخر الدين المعني الثاني. هذا الكيان لم يكن هامشياً، بل كان جزءاً فاعلاً من التوازنات الإقليمية داخل السلطنة. أما نشأة الجمهورية اللبنانية الحديثة، فلم تكن نتاج "خطأ استعماري"، بل نتيجة مسار سياسي طويل، خاضته نخب من مختلف الطوائف اللبنانية —من موارنة ودروز وسنة وشيعة— فأثمر نضالهم قيام دولة لبنان الكبير في عام 1920، التي شكّلت بداية تأسيس لبنان الحديث. الخريطة أتى من وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر. فبحسب تقارير تسربت من الخارجية الأميركية، خطط كيسنجر لتقسيم الشرق الأوسط في عام 1974، إذ رأى أن الأفضل هو تفتيت الدول الوطنية وإقامة دويلات تمثل الأقليات العرقية والطائفية، مؤمناً بأن التقسيم الرأسي والعمودي يمكّن إسرائيل من التعامل مع دويلات الأقليات بدلاً من كونها الحالة الشاذة الوحيدة، ويسهل بناء علاقات أميركية مع الدويلات الطائفية من موقع اليد العليا. فقد أدرك كيسنجر أن عزل مصر عن الجبهة العربية يُضعف العرب -تحديداً سوريا والأردن، إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية- في مواجهة إسرائيل، فطبّق ذلك بتفكيك التحالف العربي وتشجيع التفاوض المنفصل، وعزل الدول العربية بعضها عن بعض. وبحسب الوثائق المسربة نفسها، رسم كيسنجر خطة لإعادة توطين المسيحيين اللبنانيين في الغرب للسماح للاجئين الفلسطينيين بالاستقرار في لبنان، وإلغاء ما يسمى "حق العودة". لم يكن كيسنجر وحده من خطط لتقسيم المنطقة. فقد وضع المستشرق برنارد لويس خطة لتفتيت البلدان العربية والإسلامية إلى دويلات عرقية ودينية وطائفية، وإضعاف الوحدة الإسلامية، وتدمير الدول الكبرى في المنطقة، وخلق توازن قوى بين الدول وحتى بين الأديان. كذلك خطط المحلل الإسرائيلي عوديد ينون في عام 1982 لتحويل إسرائيل إلى قوة إمبراطورية إقليمية، بتفكيك جميع الدول العربية إلى دويلات صغيرة، وتقسيم سوريا والعراق على أسس عرقية ودينية. أما الجنرال الأميركي المتقاعد رالف بيترز فنشر في عام 2006 خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، بعدما أعاد رسم حدود المنطقة بناءً على الانقسامات العرقية والطائفية، فشملت خريطته دولةً درزية في جبل العرب، ودولة علوية في الساحل السوري، ودولة سنية تترامى أطرافها إلى طرابس اللبنانية التي ستكون معبراً بحرياً للدولة السنية.