
ماذا بعد تلك الحرب؟
لا يختلف لبنان عن سورية بتعدّد سلطاته، والمطلوب منه اليوم أن يفصل مع عهد حزب الله القديم. ولكنّه عاجز عن ذلك
في هذه الأثناء، غابت فلسطين والقدس، وكلّ أدبياتٍ اشتغلت عليها إيران أربعة عقود. غابت عن عقولنا وإعلامنا وهمومنا. طوال 12 يوماً من تلك الحرب سقط يومياً في غزّة عشرات وهم يبحثون عن لقمة عيش عند وكالة مساعدات أميركية إسرائيلية، فيما كانت أنظارنا متّجهةً نحو الجبهة الجديدة. المذبحة المستمرّة في غزّة، وسلاح القتل يتفنّن، لكنّ غزّة ليست جبهة، لا تستحقّ دوراً في المشهد. هي مجرّد قبر مفتوح على السماء لأناسٍ لن تنتهي مشكلتهم إلا بقتلهم جميعاً أو بطرد من نجا منهم، وفي كلّ الأحوال، محوهم كأنّهم لم يكونوا ولا كانت لهم حياة هنا.
بعيداً قليلاً من غزّة، في الضفة الغربية. هذه أيضاً بلا دور، "تحكمها" سلطة وطنية فاسدة، متعاونة مع السلطة الإسرائيلية ضدّ أبنائها، تُقضَم يومياً أراضي الضفة، ويُقتل فلسطينيون على أمل أن يضيق ناسُها فـ"يطفشوا" هم أيضاً نحو بلاد الله الضيّقة. تبقى سورية. حاكمها الجديد أحمد الشرع فهمَ المعادلة. منذ لحظة إسقاطه بشّار الأسد، أغارت إسرائيل على كلّ مخزون بلاده من سلاحٍ في القواعد والثكنات والمخازن. اخترقت الحدود الجنوبية، بما فيها القنيطرة وجبل الشيخ، وتوغّلت عميقاً، قتلت وحرقت وجرّفت واعتقلت، وبقيت. وأخبار أولى، وتصريحات لترامب، نفهم منها أن ثمّة مفاوضات "سرّية" بين دمشق والإسرائيليين. ومنذ أيام، تدخل عبارة "تطبيع" مع إسرائيل في القاموس شبه الرسمي المشترك بين إسرائيل وسورية، بمعية رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي. ولكنّ وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر وضع شرطاً صريحاً لهذا التطبيع: اعتراف سورية بسيادة إسرائيل على الجولان. ولا يختلف لبنان عن سورية بتعدّد سلطاته، والمطلوب منه اليوم أن يفصل مع عهد حزب الله القديم. ولكنّه عاجز عن ذلك. تتولّى إسرائيل المهمة، بدعم أميركي، مستعجل ومتذاك، إذ لا يخطر ببال لبنان أن هذا الجيش يحتاج أن يكون أقوى من حزب الله ومن إسرائيل. وبما أن هذا لن يحصل، فمن "المنطقي" أن تتولّى إسرائيل المهمة، فتكون حرّرتنا من حزب الله، ويكون احتلالها الجنوب وتمدّد نيرانها المستمرّ من شروط "تطبيعها" معنا.
"الشرق الأوسط الجديد" عند نتنياهو ضمان التفوّق الإسرائيلي، وإلغاء الفلسطينيين، والتطبيع
هكذا تنقشع ملامح "الشرق الأوسط الجديد" الذي يتكلّم عنه نتنياهو، وبدرجة أقل دونالد ترامب. بل صار "الشرق الأوسط الجديد" نوعاً من "وصلة كلام"، يعني عند نتنياهو ضمان التفوّق الإسرائيلي، وإلغاء الفلسطينيين، والانخراط في النظام الإقليمي العربي، أي التطبيع. وقد اتفق أخيراً مع ترامب على الخطوط العريضة لبدايات هذا "الشرق الأوسط الجديد": إنهاء حرب غزّة في المقبل من الأيام، وتوسيع اتفاق أبراهام مع ما تبقّى من دول عربية، وتحويل غزّة "ريفييرا الشرق الأوسط" تحت سيطرة دولية.
تلك هي خطّة ذاك الشرق، إنها ليست مؤامرةً، لأنها واضحةٌ، تتقدّم بخطىً ثابتةٍ رغم تعكّر مزاج أحدهما، ترامب ضدّ شريكه نتنياهو الذي يزايد عليه باعتداده بـ"مَلَكيّته"، صاحب التاج والصولجان في هذه المنطقة. يغضب ترامب من نتنياهو لحظة، ويباركه في أخرى، فيدعو الإسرائيليين إلى إعفائه من تهم الفساد وعدم محاكمته، ولكن علينا أن نثق بأن هذه الخطّة يعتمدها رجلان يتشابهان في طبعهما السياسي. الاثنان في مصافّ القوى العظمى، لا يفهمان لا المعايير ولا القانون ولا الأخلاق، حتى الشكلية منها. تتنازعهما ميول واحدة متناقضة، عالمية من جهة وانعزالية من جهة أخرى. وفي الحالتَين ميول عدوانية، شديدة القوة ومتمركزة حول نفسها.
هل في وسعنا تخيّل ذاك "الشرق الأوسط الجديد"، المبذول من أجله هذا الجهد كلّه، ذاك الدمار كلّه وتلك الأرواح كلّها؟ كم من شرق أوسط جديد وُعِدنا به؟ وبماذا يختلف هذا الشرق عن سوابقه الفاشلة كلّها، الذي لم يفلح إلا بمراكمة الجمرات على النار؟ هل يكون شرقاً أوسطاً معتماً أم رمادياً؟ معقّداً غامضاً مقلقاً؟ هل يقضي نهائياً على حرية تفكيرنا في حريتنا، أم يكون وسط الظلام ضوءاً خافتاً يبّث الأمل، ويكون أبطاله ممّن لم يولدوا بعد؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
إيران الفارسية وأميركا الرومية...
وقعتُ على منشورات ومقابلات، تقطع بأنَّ حرب إيران وأميركا وإسرائيل مجرّد تمثيلية. حتى إن الحلاق، ومقصّه يغرّد في رأسي، قال لي: "انتهت التمثيلية بسرعة يا كومبوس" (يعني يا صاح). أوقع "الأسد الصاعد" خسائرَ عظيمة في إيران: مفاعلاتٍ ذرّيةً، وعلماء نوويين، وقادةً عسكريين، ومئات الضحايا، ومذيعين. أمّا من الجانب الإسرائيلي، فقد تضرّرت بعض الأبنية، وسقط 28 إسرائيلياً، نصفهم من العرب، من دون أن يكون بينهم قائد أو مذيع (!)، نزار قبّاني: ما أصعب أن تحارب دولة ليس لها عنوان، يا ولدي. وأمّا مفاعل ديمونا، ففي الحفظ والصون. والحقّ أنَّ جموعاً من المحتلّين نزحوا تهريباً عبر الصحراء إلى ديارهم، خوفاً من زئير "الملحمة الكبرى". إسرائيل تخسر أكثر. يسخر الناس من الحرب القصيرة بين إيران، وأميركا وإسرائيل، لاعتيادهم حروباً مثل داحس والغبراء، أو دمشق والقرداحة. وما إجماعُ الخاصّة والعامّة على وصف الحرب بالمسرحية، إلا لأنَّ الحرب خدعة، وكذلك التمثيل. لكن تمثيل الحرب يختلف عن تمثيل السينما، فدماء الحرب حقيقية. وقد اقتبسنا عنوان مقالنا هذا من عنوان كتاب الثعالبي، مع أنَّ التمثيل عنده ليس فيه كلاكيت (يا ولدي)؛ قال: "هذا كتاب ألّفته في الأمثال والتمثيلات والمحاسن واللطائف والظرف، ممّا يُستجاد في المحاضرات، ويُحتجّ به في المناظرات". قالت إيران إنّ أميركا خانت العهد، وكانت قد أمهلت إيران أسبوعَين، فإذا بها تقصفها بعد يومَين. وهو قول لا يليق بعدوّ؛ فالحرب خدعة، والشيطان الأكبر دينه الغدر. فوقعت الواقعة بين فريقَين معصومين دينياً ونووياً: إيران، الدولة صاحبة التاج والشاهنامة، والشطرنج، والسرداب، وآيات الله العظام، وأرواح الله المعصومين، يقول الخميني: "من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل". وأمّا أميركا، فهي معصومة أيضاً، مثل ابنتها في الشرق الأوسط: لها البياض، والعلم، والثروة، والسلاح، والسلاح النووي، وطائرات الشبح، ورئيسٌ ذهبي الشعر، غربي السمات. وأمّا نحن، فيصدُق فينا قول القهرمانة (كتاب جيل الشجاعة لنجاة قصّاب حسن)، ومعها صغيرة من بنات الخطا، إذ أخذهما أهل دوما إلى لعب "الشطرنج"، وكان لا بدّ من المرور عبر طريق حرستا، لا طريق القدس. فاندلع بين الفريقَين صراع بالنار والخناجر، فولولت الصغيرة، فأسكتتها القهرمانة، وقالت: "إن أخذنا هؤلاء صخمونا، وإن أخذنا هؤلاء صخمونا". نال الفريقان المتحاربان جائزةَ النصر الأتمّ الأعمّ، الأكمل الأكحل، الأبلج الأثلج، مناصفة وبالتساوي. وهي جائزة تمنح في الآداب، لكنّها المرّة الأولى التي ينالها خصمان نوويان. أعلن كل فريق النصر واحتفل به، وقد غضب ترامب من ادّعاء خامنئي النصر، ومن تقارير "سي أن أن" التي شكّكت في صحّة معلومات تضرّر مفاعل فوردو. انطلقت تحليلات موالية لإيران تقول إنّ طهران أخفت اليورانيوم المخصّب في مئة موقع، وتذكّر محللون إسرائيليون "أصحاب الشباشب"، الذين أخفوا أسراهم. وأعجزوا أعتى قوة إقليمية، في حيّز صغير قدره 360 كيلومتراً مربعاً، وهو رقم يذكّر بأيام السنة، وبدرجات الدائرة، وعلى الباغي تدور الدوائر والمربّعات التي دُوّرت تدويراً. إن كان تمثيلاً يا كومبوس، فإنّ التمثيل خشن. وفي التمثيل السينمائي أيضاً دماء وتضحيات. ومن الأمثلة: أميتاب باتشان، الذي كاد أن يموت حين أبى استخدام بديلٍ في أداء مشاهد المخاطر، وأصرّ على تمثيل الدور بنفسه، فسقط من أعلى السلّم. وجاكي شان الذي لم يبقَ في جسمه شبرٌ إلا وفيه لطمة أو ضربة ننشاكو. وليوناردو دي كابريو، في فيلم "جانغو"، أدمى إصبعه ونزف دماً حقيقياً، لا مزيّفاً كالكاتشاب. فاذكر، يا كومبوس، قول القائل: "إن أنت إلا إصبعٌ دَمِيتِ، وفي سبيل الفنّ ما لقيتِ". دعي الناس في الجهتَين إلى حَفْلَي النصر في الساعة السادسة مساءً، "والدعوة عامة، ودامت النيران في دياركم ساعرة". تذكَّر كريستوف "كومبوس"، كتاب الثعالبي، وليس كتاب ستانسلافيسكي. ودماء ليوناردو دي كابريو، "الأسد ذو الكبرياء"، في فيلم "جانكو"، وقال: "احتاجت إسرائيل إلى التضحية بمفاعل نووي لم يجاوز الفطام، لغسل عار معركة "ذات الشباشب".


القدس العربي
منذ 4 ساعات
- القدس العربي
فلسطين: «وعد الرب» أم «وعد بلفور»؟
قبل قرون، أثناء فترة الحروب الصليبية كانت الموازين الاقتصادية في أوروبا مختلة، إذ سادت قوانين أدت إلى إفقار كثير من النبلاء الذين ذهبوا يبحثون عن أملاك أخرى في الشرق، كما أن تصاعد نسبة الفقراء في الشرائح الشعبية دفع أولئك الفقراء إلى البحث عن موارد رزق، فانطلقوا تحدوهم أحلام السيطرة على «أرض السمن والعسل». ومع تحرك الجيوش، واستمرار الحروب انتعش الوضع الاقتصادي للمدن والإمارات الأوروبية على سواحل المتوسط الشمالية، وازدهر اقتصاد الحرب، الأمر الذي هيأ الفرصة للأثرياء لمراكمة ثروات طائلة، من وراء حملات كان واضحاً أن العامل الاقتصادي هو الباعث الرئيسي لها، وهو الباعث الذي تجلى في خطبة البابا أوربان الثاني الذي عزف على الأبعاد الغرائزية للغزاة، عندما قال: «إن أورشليم أرض لا نظير لها في ثمارها، وهي فردوس المباهج» رغم محاولاته إضفاء أبعاد صليبية مقدسة على تلك الحملات، عندما وعد الغزاة بـ«مجد لا يفنى في ملكوت السماء». وعندما أراد الأوروبيون كسر السيطرة العثمانية على طرق التجارة الدولية القديمة بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، وكنتيجة لمحاولات مطردة وصل البرتغاليون إلى رأس الرجاء الصالح، ووصل كولومبوس وغيره إلى العالم الجديد، وتعاظمت الأساطيل البحرية للقوى الأوروبية التي سيطرت على ممرات بحرية مهمة، في عمليات متواصلة، إلى أن وصل الفرنسيون والبريطانيون إلى سواحل بلاد الشام، مع نهاية الامبراطورية العثمانية، مدفوعين بأطماع استعمارية، تم إخفاؤها تحت غلالة دينية وأخلاقية رقيقة، عبر جيوش من «الإرساليات التبشيرية» التي سبقت وصاحبت تلك الحملات الاستعمارية التي اعتبرها اللورد إدموند ألنبي الذي سيطرت قواته على القدس سنة 1917 نهاية الحروب الصليبية، في إشارة للانتصار النهائي على المسلمين. وفي عام 1967 عندما احتلت القوات الإسرائيلية القدس الشرقية منع وزير الدفاع حينها موشيه ديان اليهود من دخول البلدة القديمة التي تضم الأماكن المقدسة، إلا على هيئة سياح زائرين، وعندما رفع الجنرال موردخاي غور قائد لواء المظليين 55 علم إسرائيل على قبة الصخرة أمر ديان بإبعاد العلم بعد ساعتين من رفعه، حيث لم تكن فكرة «جبل الهيكل» قد تعمقت، وكانت الآيديولوجيا السياسية الصهيونية ـ لا العقيدة الدينية اليهودية ـ هي المسيطرة على عقول مؤسسي الدولة. كان بن غوريون لا يؤمن بالتوراة، ولم يكن – قبله – تيودور هرتزل مؤمناً، وعند الحديث عن «وطن قومي لليهود» كانت الخيارات المطروحة تتنوع ما بين أوغندا والأرجنتين وولاية نيويورك الأمريكية وغيرها، بغض النظر عن الرمزية الدينية، حيث كانت الفكرة تتمحور حول إيجاد وطن، ولم يكن الدين في صلب الاهتمام، ولم تكن القدس ـ ناهيك على فلسطين – تحظى بأهمية دينية لدى القادة الصهاينة حينها. كان الصهاينة الأوائل يبحثون عن وطن لا دين، عن أرض لا عقيدة، عن سيطرة مالية لا روحية، ولم تكن التوراة في صلب اهتماماتهم، وكانوا يعتقدون أن «كلام الله لموسى عند الطور» مجرد أسطورة. كان الصهاينة الأوائل يبحثون عن وطن لا دين، عن أرض لا عقيدة، عن سيطرة مالية لا روحية، ولم تكن التوراة في صلب اهتماماتهم، وكانوا يعتقدون أن «كلام الله لموسى عند الطور» مجرد أسطورة لم تكن الديانة إذن في صلب اهتمام الغزاة الصليبيين، ولا المستعمرين الأوروبيين، ولا كانت تهم بن غوريون وديان، ولكن الدوافع كانت سياسية اقتصادية بحتة، ثم في مرحلة لاحقة – أو مصاحبة – تم تصميم الدوافع الدينية، في شعارات مثل: «الحروب الصليبية» و«تحرير مهد المسيح» و«أرض الميعاد» وغيرها من اليافطات التي كانت تغطي الأهداف الحقيقية لموجات الحروب التي تشنها قوى الهيمنة الغربية على الشرق. ومع الزمن، ومع الضخ الإعلامي والروايات الموجهة جاءت أجيال تكثف إيمانها الديني حول «حق العودة اليهودي» و«وعد الرب» لإبراهيم، مع حصر هذا الوعد في اليهود، دون العرب من الإبراهيميين الموعودين، حسب الكتاب المقدس. واليوم تتربع على السلطة في دولة الاحتلال الإسرائيلي «حكومة حاخامات» متطرفة، سيطرت عليها السرديات التوراتية الممتزجة بالتطلعات القومية، لتؤثر على مجمل السياسات الخارجية، والممارسات الأمنية، والتصرفات العسكرية للاحتلال، انطلاقاً من رؤى لم تكن لدى ما يسمى بجيل الآباء المؤسسين. وليس «الصهاينة اليهود» وحدهم من يتحدث عن الأبعاد الدينية للصراع على القدس، ولكن «الصهاينة المسيحيين» يتحدثون كذلك عن «نبوءات العهد القديم» و«وعد الرب» و«عودة المسيح» و«شعب الله المختار». وفي زحمة كل تلك اليافطات الدينية في إسرائيل، وفي الوقت الذي يروج قادتها اليوم لحكايات «وعد الرب» ينبغي التذكير أن مؤسسي هذه الدولة كانوا يؤمنون بـ«وعد بلفور» أكثر من إيمانهم بـ«وعد الرب» حيث كان هؤلاء، كما ذكرنا في معظمهم ملحدين، أو علمانيين لا دينيين، في أفضل أحوالهم، وكانت الدوافع السياسية والاقتصادية هي المحرك الأهم لاحتلال فلسطين الذي نتج في الواقع عن اتفاق سياسي عنوانه «وعد بلفور» لا عن مشروعية دينية مستندة إلى «وعد الرب». إن الخريطة الجيوسياسية لفلسطين بالنسبة للغرب أهم بكثير من المكانة الدينية للقدس، إذ أن السيطرة على فلسطين تعني منع التواصل بين مصر والشام، وهما المكونان اللذان عندما تواصلا أسقطا الغزو الغربي، في زمن الحروب الصليبية، في معركة حطين، بقيادة صلاح الدين الأيوبي، كما أسقطا الغزو الشرقي، في زمن الحملات المغولية في معركة عين جالوت، بقيادة محمود قطز والظاهر بيبرس. ومن هنا فإن وجود إسرائيل مهم من جوانب كثيرة، ليس أهمها الجانب الديني الذي تروج له اليوم الدوائر السياسية والدينية في الغرب وإسرائيل، متوخيةً الربط بين «وعد بلفور» و«وعد الرب» لخدمة الهدف الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، في قوله: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا اختراعها». يمكن باختصار القول إن الدوافع السياسية الاقتصادية كانت المحرك الأهم للسلوك الاستعماري لدى النخب الغربية، ولكن هذه النخب في حاجة للذريعة الدينية والأخلاقية لسلوكها هذا، فجاءت بيافطات دينية وأخلاقية متعددة لتبرير هذا السلوك، ولخدمة سياسات التحشيد الغربي في اتجاه الشرق، تحت يافطة «وعد الرب» التي تحاول تصور هذا الرب على أنه مجرد «تاجر عقار» مهمته اقتطاع الأرض لشعبه المختار. كاتب يمني


القدس العربي
منذ 7 ساعات
- القدس العربي
تأجيل إعدام ممرضة هندية أدينت بقتل يمنيّ تؤكد عائلته: مطلبنا القصاص
صنعاء – «القدس العربي»: أجلّت السلطات القضائية في العاصمة اليمنيّة صنعاء تنفيذ حكم إعدام، كان مقررًا، أمس الأربعاء، بحق الممرضة الهندية، نيميشا بريا، التي أُدينت عام 2020 بقتل شريكها اليمني، الذي عُثر على جثته مقطعة في خزان مياه عام 2017. قرار التأجيل لم يحدد موعدًا لاستئناف تنفيذ الحكم، لكنه يبقى فترة مؤقتة يتيحوا خلالها لمفوضي عائلة الممرضة التفاوض مع عائلة المجني عليه لقبول دية قدرها مليون دولار أمريكي مقابل العفو وإلغاء حكم الإعدام، وهو ما رفضته عائلة المجني عليه حتى أمس الأربعاء، مؤكدة: لن نقبل بأقل من إعدامها. وصعّدت الصحافة الهندية، الثلاثاء والأربعاء، من حملتها التضامنية مع الممرضة المُدانة في صنعاء، وهي حملة متواصلة لأكثر من عام أثارت استياء عائلة المجني عليه، التي رفضت ما اعتبرته تعامل الإعلام الهندي مع القضية ومحاولة الانحراف بمسارها، من خلال تصوير نيميشا بريا باعتبارها ضحية، بهدف التأثير على الرأي العام. ووفقا للصحافة الهندية، فقد أنكرت الممرضة قتل شريكها التجاري السابق يمني الجنسية طلال عبده مهدي. وقد جمعت عائلة الممرضة عبر حملة داخل الهند مبلغ مليون دولار لتقديمه كدية لعائلة المجني عليه، التي مازالت تُصرّ على تنفيذ حكم القصاص في المُدانة بقتل ابنها. ويعطي القانون اليمني لعائلة المحكوم عليه بالإعدام أملًا وحيدًا لا غير، وهو الحصول على عفو عائلة المجني عليه، باعتباره السبيل المتبقي لتجاوز حكم الإعدام. وحسب شقيق القتيل فإن موقفهم واضح، وهو إصرارهم «على تطبيق شرع الله في القصاص لا غير». وقال عبدالفتاح مهدي، شقيق القتيل، في منشور له، الأربعاء، على منصة «فيسبوك» :« ما هو حاصل وما يُسمع اليوم من وساطات ومحاولات صلح، ليس أمرًا جديدًا ولا مفاجئًا، فطوال سنوات قضيتنا، كانت هناك مساعٍ خفية وجهود كبيرة للتوسط، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، بمعنى أن الضغوط التي مرّت علينا ما غيّرت فينا شيئا». وأضاف: «مطلبنا واضح القصاص فقط لا غير، مهما كان الأمر. الآن تم التأجيل، ولم نكن نتوقع ذلك – للأسف – وخاصة أن من أوقفوا التنفيذ يعرفون رفضنا المطلق لأي محاولة للصلح بأي شكل وبأي طريقه». وأردف: «سنتابع التنفيذ حتى التنفيذ. لن يثنينا تأجيل، ولن تزعزعنا ضغوط، فالدم لا يُشترى. والحق لا يُنسى، والقصاص آتٍ مهما طال الطريق». وفي أول تعليق للمحامي، الذي يُمثل نيميشا بريا، سوبهاش تشاندران، بشأن ما صدر عن شقيق المجني عليه، قال إننا «نعتبر ذلك جزءًا من العملية، وليس انتكاسة. هدفنا هو إقناع جميع أفراد الأسرة». وأضاف «نحن متفائلون كما كنا يوم الثلاثاء عندما أُجّل الإعدام، وهناك الكثير من الناس يعملون على تجنيب الممرضة الكيرالية الإعدام»، وفق تقرير لموقع «ذا نيو إنديان إكسبرس» الهندي. وحسب مصادر صحافية هندية، فقد بذلت وزارة الخارجية هناك جهودًا أبرزها الاتصال مع سلطات النائب العام في صنعاء من أجل التوصل إلى تأجيل تنفيذ حكم الإعدام، بهدف منح عائلة الممرضة مزيدًا من الوقت للتوصل إلى حل مع عائلة المجني عليه، فيما قالت مصادر محلية إن عالم دين مسلم سني هندي تواصل مع شخصية دينية يمنية نجحت جهودها في التوصل إلى تأجيل التنفيذ. سافرت نيميشا، وهي من مواليد كولينغود في مقاطعة بالاكاد بولاية كيرالا الهندية، إلى اليمن عام 2008، وهي في 19 من عمرها بحثًا عن عمل في مجال التمريض. وألقى القبض عليها عام 2017، وأدينت عام 2020 بقتل شريكها مهدي بحقنة مهدئات، وذلك بعد اكتشاف جثته. وهي حاليًا في السجن المركزي بالعاصمة صنعاء. وطعنت نيمشيا بحكم الإعدام، لكن طعنها رُفض عام 2023. وفي مستهل عام 2025 وافق رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين على حكم إعدامها. وقال تقرير لموقع «هندستان تايمز»: «قامت ممرضة من ولاية كيرالا، والتي أسست عيادة طبية بشراكة مزعومة مع طلال، بتخديره لاستعادة جواز سفرها الذي احتفظ به بشكل غير قانوني. تزعم نيميشا أنها تعرضت للاستغلال الجسدي والمالي من قبل طلال، مما أجبرها على تخديره، لكنه توفي بسبب جرعة زائدة». وفي تعليقه على ذلك قال شقيق المجني عليه، عبدالفتاح مهدي، في منشور في «فيسبوك» مساء أمس الأربعاء: «نؤكد ونوضح أن ما يُشاع وخاصة في بعض وسائل الإعلام الهندي بشأن أن المجني عليه طلال احتجز جواز سفر القاتلة الهندية أو استغلها، هو محض افتراء لا أساس له من الصحة». وأَضاف: «لم تدّعِ القاتلة نفسها مثل هذه الأقوال، ولا فريقها القانوني الحاضر كافة جلسات المحاكمة والمُكلف من قبل السفارة الهندية، ونأسف لمحاولات تزييف الحقائق، خصوصًا من قبل الإعلام الهندي الذي يصوّر المُدانة كضحية في محاولة لتبرير الجريمة». ووفق وسائل إعلام فإن الحكومة الهندية أطلقت حملة تضامن شاملة مع المدانة في اليمن، لكنها قررت أنه لا خيار أمامها سوى دفع «دية» لإنقاذ حياة بريا. وقال تقرير لموقع «إنديا آي» إن الحكومة بذلت جهودًا لمنح عائلة الممرضة المُدانة وقتًا للتوصل إلى حل، وذلك بالتعاون مع شركة موثوقة. فيما نقل تقرير لموقع «ذا نيو إنديان إكسبرس» عن مسؤولين، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن السلطات المحلية اليمنية وافقت على تأجيل تنفيذ الحكم، عقب جهود دبلوماسية متواصلة بذلتها جهات مختلفة، بما في ذلك تدخل زعيم روحي من ولاية كيرالا، الذي تواصل مع عائلة الضحية اليمنية لإقناعها بقبول الدية. وأوضح تقرير آخر للموقع ذاته أن تأجيل تنفيذ حكم الإعدام تم بعد تدخل رجل الدين السني الهندي المؤثر أبو بكر أحمد. ورغم أن هذا القرار قد شكّل ارتياحًا كبيرًا لعائلة الممرضة في كيرالا، إلا أن إصرار شقيق المجني عليه، طلال عبده مهدي، على القصاص كان هذا بمثابة انتكاسة لنيميشا بريا وعائلتها. فيما أفادت قناة «إن دي تي في» الهندية أنه في وقت متأخر من ليلة إعدامها، تغير شيء ما. ونقلت القناة عن سوبهاش تشاندران، المحامي والعضو الأساسي في المجلس، قوله: «لأول مرة منذ بدء القضية، حضر شقيق الضحية إلى طاولة المفاوضات». وأضاف سوبهاش تشاندران: «تحدثنا طوال الليل. وبحلول وقت متأخر من الصباح، تم تأجيل الإعدام. حصلنا على ما أردناه، بعض الوقت لإقناع الأسرة الآن». بينما جاء منشور شقيق المجني عليه على «فيسبوك»، يوضح تفاجئه بقرار تأجيل تنفيذ حكم الإعدام، مؤكدًا إصرارهم على القصاص.