
صمت ترامب عن خسارة أوكرانيا حقل الليثيوم يكشف تراجع اهتمام واشنطن بكييف
وعلى الرغم من أن كمية الليثيوم في هذه المنطقة تُعدّ محدودة، بحسب تقديرات محللين صناعيين، فإن نوعيتها العالية وتركيزها المرتفع يجعلان منها مكسباً استراتيجياً كبيراً. ومن اللافت أن هذه الموارد كانت من أبرز ما استهدفته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما أبرمت اتفاقاً مع أوكرانيا بشأن المعادن النادرة في وقت سابق من العام الجاري.
لكن ما أثار الدهشة، هو الصمت الأميركي حيال هذه الخسارة الأوكرانية، حيث لم يصدر البيت الأبيض أو مستشارو ترامب أي تعليق، رغم ما كان يفترض أن تمثله الاتفاقية من التزام أميركي طويل الأمد تجاه أوكرانيا وأمنها. هذا الصمت، من دون شك، شكّل خيبة أمل لكييف وحلفائها الغربيين.
عامل الوقت
إن هذا الحدث وعدم الاهتمام الأميركي به، يشير إلى ثلاث رؤى مهمة حول حالة الحرب الروسية-الأوكرانية وآفاق السلام على المدى القريب، أولها، أن الوقت لا يخدم أوكرانيا، حيث إن الخسارة الأخيرة تُعدّ تذكيراً قوياً بأن استمرار الحرب لا يصب في مصلحة كييف، بل يزيد من إنهاكها العسكري والاقتصادي.
ومع قرار إدارة ترامب، تعليق المساعدات العسكرية، يواجه الجيش الأوكراني نقصاً حاداً في أنظمة الدفاع الجوي، ما يضعف قدرته على التصدي للهجمات الروسية المتكررة بالطائرات المُسيّرة والصواريخ.
هذا الواقع يتزامن مع تزايد حالات الفرار بين الجنود الأوكرانيين، ما يُنذر بتدهور مستمر في موقف كييف، ما لم يتغير الدعم الدولي بشكل جذري.
وعلى الرغم من وجود أصوات في أوكرانيا تشجع على مواصلة الحرب أملاً في انهيار روسي محتمل، فإن هذا الطرح يبدو مفرطاً في التفاؤل، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبدو ماضياً في رهانه على أوكرانيا، ولا توجد مؤشرات على استعداده للتراجع.
ويُعتقد أن روسيا قادرة على تحمل المزيد من المعاناة والقتال إذا لزم الأمر. ومن ناحية أخرى، تواصل أوكرانيا خسارة الأراضي بشكل متواصل، ومعها موارد وقدرات اقتصادية قيّمة، يمكن أن تدعم إعادة إعمارها.
ويبدو أن حكومة كييف تراهن على مستقبل البلد ما بعد الحرب، عن طريق إطالة أمدها، وكلما تم إيقاف الحرب في أقرب فرصة ممكنة، كانت شروط الاتفاق أفضل على الأرجح بالنسبة لأوكرانيا.
تراجع وتجاهل
ثانياً، إن صمت واشنطن وعدم إظهارها أي ردة فعل يعكس على الأرجح تراجع مكانة كييف في قائمة أولويات إدارة ترامب، وعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الرئاسية الثانية، كان أكبر مخاوف مؤيدي أوكرانيا، هو أن يجبرها على الاستسلام الفعلي.
ورغم توتر العلاقة بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن مخاوف كييف وداعميها اليوم تتمثّل في تجاهل ترامب الكامل تقريباً لملف الحرب، فبعد فشل مساعيه للوصول إلى تسوية سلمية، وانشغاله بأزمات أخرى، خصوصاً في الشرق الأوسط، تراجع اهتمام ترامب بأوكرانيا بشكل واضح.
كما أن تغيّب ترامب عن اجتماعه مع زيلينسكي بمغادرته مبكراً قمة مجموعة السبع التي عُقدت في كندا أخيراً، ولقائه الفاتر مع الرئيس الأوكراني على هامش قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» الأخيرة في لاهاي، يؤكدان هذا الانحسار في الدعم الأميركي.
إلى جانب ذلك، تم إغفال حرب أوكرانيا بصورة ملحوظة في جدول أعمال قمة «الناتو»، حيث يرجع ذلك جزئياً إلى تجنب إثارة الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفاء «الناتو» حول هذه القضية.
ولم يتم طرح أي حديث عن تقديم مساعدات عسكرية أميركية جديدة لأوكرانيا، وحتى العروض الأوكرانية لشراء أسلحة أميركية قوبلت بحماسة محدودة.
موقف سيئ
وفي ظل هذه المرحلة، يبدو أن الرئيس الأميركي مقتنع بترك أوكرانيا وروسيا تواصلان الحرب بينهما، حتى تتوصلا في نهاية المطاف إلى تسوية فيما بينهما.
وهذه ليست نتيجة سيئة بالنسبة لروسيا التي تتمتع بزخم قوي في ساحة القتال، أو بالنسبة للولايات المتحدة التي ليس لها أي مصالح استراتيجية حقيقية في أوكرانيا، لكنها تترك كييف في موقف سيئ، وهذه، بالضبط هي النتيجة التي كان من المفترض أن تمنعها صفقة المعادن بينها وبين واشنطن.
ولا ينبغي أن يكون فشل اتفاقية المعادن التي رأى فيها ترامب مصلحة لبلاده، أمراً مثيراً للاستغراب، لأنه كان اتفاقاً ضعيفاً بشروط غير مؤكدة، قام بتوقيعه رئيس مهتم بعقد اتفاقات من دون الالتزام بها. لكن عدم تجاوب الولايات المتحدة مع خسارة كييف لتلك المنطقة الغنية بالليثيوم، يجب أن يؤكد لأوكرانيا أنها ستعتمد على نفسها في المستقبل.
ولن تعزز الصفقات الفارغة والمزيد من التوسل، اهتمام الولايات المتحدة ودعمها لأوكرانيا. ويمكن لأوروبا أن تسد بعض الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة، غير أنه في الأغلب، سيكون أمن أوكرانيا المستقبلي من مسؤولياتها لوحدها.
التقدم الروسي
ثالثاً، على الرغم من أن التقدم الروسي في ميدان المعركة يُعدّ بطيئاً ومُكلفاً من الناحية البشرية والمادية، فإن الجيش الروسي يواصل تقدمه، مستفيداً من النقاط الضعيفة على طول الخطوط الأوكرانية، ويكسب باستمرار مناطق مهمة، بما في ذلك الموارد الاقتصادية والطبيعية.
وفي الوقت ذاته، تشكل ضربات الصواريخ والطائرات المُسيّرة على المدن الأوكرانية، تأكيداً أكبر بأن بوتين لم يتعب من الحرب حتى الآن، وأنه ينوي الضغط من أجل الحصول على المكاسب.
وليس هناك ما يدل على أن أوروبا أو الولايات المتحدة يمكنهما تغيير هذه الحسابات، حتى لو كان ترامب مهتماً بإجبار بوتين على وقف الحرب، ولا يمكن أن يؤدي المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على إجبار بوتين على التراجع.
وبالنسبة لكييف، فإن الخيارات محدودة، وقد تؤدي العمليات العسكرية الجريئة، مثل «عملية الشبكة العنكبوتية»، إلى خسائر روسية، لكنها لن تكون كافية لتغيير ميزان القوى.
وعلى الرغم من أن بوتين يتمتع حالياً بزمام المبادرة، فإنه قد يُظهر استعداداً لوقف الحرب في مرحلة لاحقة، وربما يضعف الزخم الروسي بحلول الخريف، ما يفتح نافذة لبدء محادثات سلام، شرط أن تكون واشنطن مستعدة لذلك.
فرصة للمحادثات
ورغم أن من المنطق بالنسبة لترامب ومستشاريه أن يتراجعوا عن تعاملهم اليومي مع أوكرانيا وحربها في الوقت الحالي، فإنه من الحكمة أن يتخذوا بعض الخطوات، لضمان استعدادهم لاغتنام فرصة المحادثات، عندما تحدث.
أولى هذه الخطوات، أنه ينبغي على إدارة ترامب استئناف اللقاءات الثنائية بين المسؤولين في الولايات المتحدة وروسيا، والشبيهة لتلك التي حدثت في الرياض في وقت سابق من العام الجاري، ويمكن أن يؤدي تعزيز أقنية هذه الاتصالات إلى تسهيل عقد محادثات مثمرة، ومهمة في وقت لاحق، حتى لو كانت الموضوعات التي ستتم مناقشتها خلال الأشهر القليلة المقبلة سطحية فقط.
كما يجب على ترامب تشجيع روسيا وأوكرانيا على مواصلة الحوار بينهما، وإن أي اتفاقية دائمة ستحتاج إلى دعم الطرفين لها، وبناء عليه فإن المحادثات المباشرة ستكون ضرورية لأي جهود للتوصل إلى اتفاق سلام.
وفي نهاية المطاف، ستحتاج واشنطن إلى جعل أوروبا تشارك في دفع عجلة السلام، حيث كان ذلك صعباً في السابق، عندما كان قادة أوروبا يتصرفون بصورة أساسية وكأنهم عائق أمام جهود إنهاء الحرب، لكن قمة «الناتو» الأخيرة أظهرت مدى النفوذ الذي لايزال يتمتع به البيت الأبيض الحالي على القارة الأوروبية التي تخشى أن تصبح مهجورة، وينبغي ألّا يتردد فريق ترامب في استخدام نفوذه، لإجبار أوروبا على دعم أي اتفاق سلام تتوصل إليه أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة.
عن «رسبنسبل ستيتكرافت»
الكلمة العليا
إن سيطرة روسيا على حقل الليثيوم وما تبع ذلك من صمت أميركي، يؤكد أن أوكرانيا أصبحت في موقف ضعيف، ومع انشغال الولايات المتحدة وفتور اهتمامها، تبدو الكلمة العليا حالياً في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورغم أن السلام لا يبدو وشيكاً، فإن الفرصة قد تلوح قريباً، إذا بادرت واشنطن إلى وضع الأسس اللازمة لذلك من الآن.
. الخسارة الأخيرة لأوكرانيا تُعدّ تذكيراً بأن استمرار الحرب لا يصب في مصلحتها، بل يزيد من إنهاكها العسكري والاقتصادي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
روسيا تسقط 4 مسيرات أوكرانية كانت متجهة إلى موسكو
قال رئيس بلدية موسكو سيرجي سوبيانين إن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت أربع طائرات مسيرة أوكرانية كانت متجهة إلى العاصمة الروسية، في حين أعلن مطار رئيسي بالمدينة تعليق رحلات المغادرة مؤقتا قبل استئنافها في وقت لاحق. وأضاف سوبيانين أن أجهزة الطوارئ تعمل في المواقع التي أُسقطت فيها الطائرات المسيرة، لكنه لم يقدم أي معلومات عن الأضرار المحتملة. وقالت وزارة الدفاع الروسية في تقرير نشرته على تطبيق تيليجرام للتراسل إن وحدات الدفاع الجوي دمرت 48 طائرة مسيرة أوكرانية. وشمل ذلك خمس طائرات مسيرة في المنطقة المحيطة بموسكو كانت اثنتان منها متجهتين إلى العاصمة. وذكر تقرير وزارة الدفاع أن المجموع شمل 17 طائرة مسيرة فوق منطقة بريانسك على الحدود الأوكرانية و11 غيرها في منطقة أوريول المجاورة. وقال حاكم منطقة بيلجورود على الحدود إن أربع طائرات مسيرة أوكرانية أصابت سائق حافلة ورجلا يقود سيارة. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن 94 طائرة مسيرة جرى تدميرها فوق روسيا خلال الليل و45 أخرى في أقل من ست ساعات. وقال مسؤولون من مطار شيريميتيفو إن هناك تأخيرات في الرحلات المغادرة من المطار في موسكو بعد توقفها مؤقتاً. وقالت هيئة الطيران الروسية (روسافياتسيا) إن هذه الإجراءات اتخذت استجابة «للقيود» المفروضة على المجال الجوي للعاصمة بالإضافة إلى رياح قوية. وأضافت أن الرحلات القادمة والمغادرة في مطارات عدة مدن روسية أخرى توقفت مؤقتاً، بما في ذلك مطار بولكوفو في سان بطرسبرج، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
الصين تفتتح التوسعة الثالثة لمسار طيران حساس في مضيق تايوان
قالت هيئة الطيران المدني الصينية، الأحد، إنها افتتحت امتداداً ثالثاً لمسار الطيران إم 503، والذي كان لسنوات موضع شكاوى من تايبيه بسبب موقعه غرب خط فاصل غير رسمي في مضيق تايوان. وقامت الصين في العام الماضي بتحريك مسار إم 503 بالقرب من الخط الفاصل، مما أثار رد فعل غاضباً من تايبيه التي اتهمت بكين بمحاولة تغيير الوضع القائم للمضيق. يأتي افتتاح توسعة الخط قبل أيام من مناورات هان كوانغ السنوية للجيش والدفاع المدني التي تجريها تايوان لمحاكاة حصار وغزو صيني للجزيرة. وظل الخط الأوسط على مدار سنوات يعمل كحاجز غير رسمي بين تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها وبكين، لكن الصين تقول إنها لا تعترف بوجوده، وتحلق الطائرات الحربية الصينية الآن بانتظام فوقه في الوقت الذي تسعى فيه بكين للضغط على تايبيه لقبول مطالبها بالسيادة. ولم يرد مجلس شؤون البر الرئيسي في تايوان المعني بالصين حتى الآن على طلب للتعليق. وتبدأ تايوان، التي تواجه ضغوطاً عسكرية متزايدة من الصين، مناورات هان كوانغ في التاسع من يوليو/ تموز ومن المقرر أن تستمر لمدة 10 أيام.


صحيفة الخليج
منذ 4 ساعات
- صحيفة الخليج
الأوسع منذ أشهر.. موسكو وكييف تتبادلان هجمات بالمسيرات
تبادلت روسيا وأوكرانيا، خلال الساعات الماضية، هجمات جوية وصفت بأنها الأوسع منذ أشهر، استخدمتا فيها عددا كبيرا من الطائرات المسيرة، مما أسفر عن إصابات بين المدنيين في أوكرانيا، وتزامن مع تنديد من الأمم المتحدة بالتصعيد الأخير. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم الأحد أن دفاعاتها الجوية تمكنت الليلة الماضية من إسقاط 120 طائرة مسيرة فوق عشر مقاطعات روسية وبحر آزوف، كان العدد الأكبر منها في مقاطعات بريانسك وكورسك وأوريول. في المقابل وبحسب مصادر أوكرانية، شنت القوات الروسية هجمات على مناطق أوكرانية عدة، ونقلت السلطات في كييف وقوع إصابات وأضرار بمبان سكنية في منطقة فيشجورود، بينما أصيبت امرأة وطفلة رضيعة في قصف على مدينة خاركيف شرق البلاد، كما استهدفت الهجمات مدينتي زابوريجيا وميكولايف، وألحقت أضرارا ببنى تحتية. يأتي هذا التبادل للقصف بعد يوم واحد من إصدار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بيانا دان فيه هجوما روسيا واسعا وقع الجمعة الماضية، واصفا إياه بأنه «تصعيد خطير». وشدد البيان على أن «الهجمات على المدنيين والبنى التحتية المدنية محظورة بموجب القانون الدولي، ويجب أن تتوقف فورا»، داعيا إلى وقف إطلاق النار.