منذ 2 أيام
كندا بين الإنفاق الدفاعي وهموم القطب الشمالي
كندا بين الإنفاق الدفاعي وهموم القطب الشمالي
في شمال كندا، يتدرب فريق من الحراس الكنديين المتطوعين على مهارات الإنقاذ والسلامة في بيئة قطبية قاسية، استعدادًا لمهمة طويلة في القطب الشمالي. هؤلاء الحراس، وهم من قوات الاحتياط، يعتبرون «عيون وأذان» الشمال، يراقبون المنطقة ويحمونها.
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتغير المناخ، زادت المخاطر والتحديات التي يواجهونها في مهماتهم، مما يجعل دورهم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفتح الاحتباس الحراري الممرات الشمالية الغربية أمام السفن التي كانت عاجزة عن العبور بسبب الجليد سابقًا.
ورداً على ذلك، تضخ كندا أموالاً طائلة في الإنفاق الدفاعي، والقوات مثل الحراس ستستفيد مباشرة. لكنها من الدول التي تدافع عن رؤية واسعة النطاق لأمن القطب الشمالي. وتحاول مقاطعة يوكون، إحدى المناطق القطبية الشمالية الكندية الثلاث، أن تكون نموذجاً لكيفية تحقيق ذلك. وفي مارس الماضي، افتتحت الحكومة الإقليمية في يوكون «المعهد الكندي لأمن القطب الشمالي»، الذي يعمل عن كثب مع حراس الغابات وأفرع عسكرية أخرى وكذلك الحكومة الفيدرالية، وحكومات السكان الأصليين، والشركاء الدوليين لإعادة تعريف ما يعنيه الحفاظ على أمن وسلامة الشمال.
وهو جزء من إعادة تفكير عالمية أوسع في الإنفاق الدفاعي، ليس كلعبة محصلتها صفر تتصارع فيها النفقات العسكرية والاجتماعية، بل كفوز لكل من الدول والمجتمعات. ويقع 40% من مساحة اليابسة الكندية في القطب الشمالي، بعد روسيا فقط، إلا أن أمن كندا في القطب الشمالي لم يُعرَ اهتمامًا يُذكر إلا في أوقات الأزمات، وآخرها الحرب الباردة. ولكن على مدار العقد الماضي، ومع تغير المشهد بفعل الاحتباس الحراري، لاسيما منذ عام 2022 في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، عاد أمن القطب الشمالي إلى قائمة أولويات كندا.
وأعلنت كندا عن تعيين سفير جديد للقطب الشمالي وفتح قنصليتين في ألاسكا وغرينلاند. وفي مارس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الكندية عن توسع هائل في الشمال من خلال إنشاء مراكز جديدة، تشمل مهابط طائرات ومعدات لدعم وجود أكثر ثباتًا للقوات المسلحة الكندية وفي يونيو الفائت، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني زيادة نقدية تتجاوز 9 مليارات دولار كندي (ما يعادل 6.6 مليار دولار أميركي) في الإنفاق الدفاعي ليصل إلى هدف حلف شمال الأطلسي (ناتو) البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول مارس 2026، قائلاً: «التهديدات التي كانت تبدو بعيدة الآن أصبحت فورية وحادة». وفي الشهر نفسه خلال قمة «الناتو» السنوية التي عُقدت في لاهاي، تعهدت كندا ومعظم حلفاء الناتو، بزيادة الإنفاق مرة أخرى إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2032.
ولكن ضمن هذا الهدف، يمكن للأعضاء تخصيص 1.5% للبنية التحتية المدنية، مثل الطرق والاتصالات التي تخدم كل من الجيش والمجتمعات المحلية. وهذه الفلسفة تدعم أهداف يوكون لجعل القطب الشمالي أكثر أمناً. وتقع «يوكون» شمال خط العرض 60، وهو خط العرض الذي يفصل بين أقاليم كندا القطبية الشمالية الثلاث، لكن أراضيها شمال الدائرة القطبية الشمالية تكاد تكون غير مأهولة بالسكان، باستثناء مجتمع واحد، يُسمح بالوصول إليه جواً. بفضل حمايتها من جانبها الغربي بوساطة ألاسكا، وعزلها بمئات الأميال من البراري الكندية عن شمال المحيط الأطلسي، تحظى يوكون باهتمام عسكري أقل من جيرانها.
غير أن النقاش العالمي الصاخب حول أمن القطب الشمالي يتناقض مع وجهة نظر مايكل بايرز، مؤلف كتاب «من يملك القطب الشمالي؟»، حيث يرى أن السيادة الكندية في القطب الشمالي أكثر أمنًا من المُعتقد. ورغم العلاقات المضطربة مع الولايات المتحدة، لا تزال كندا وأميركا حليفتين عسكريتين بشكل راسخ. ويُشكل حراس الغابات، البالغ عددهم 5000 فرد، قوة هائلة تأسست رسمياً عام 1947 في يوكون.
ويقطن السكان الأصليون أحد الأحياء، ويتقاضون أجوراً مقابل خدماتهم ومعداتهم، مما يسمح لهم باستكشاف بيئة القطب الشمالي القاسية. ولا يعتبر التعاون في القطب الشمالي القاعدة، بل هو ضرورة نظرًا لمساحته الشاسعة، وقد قادت كندا الطريق برئاسة أول مجلس للقطب الشمالي عام 1996. كما استثمرت في قواطع جليد من الطراز الأول وأقمار صناعية لتصوير الأرض توفر بيانات عن جليد القطب الشمالي. وقد غير تغير المناخ المناظر الطبيعية، إلا أن معظم التهديدات التي تشكلها تتعلق بالشرطة، مثل تهريب المخدرات والبشر أو البحث والإنقاذ. ويقول الدكتور بايرز: «إن التحديات حقيقية، وهي هائلة بالفعل، لكنها لا تنطوي على أي غزو من دولة أخرى».
وحالياً، عادت مسألة القطب الشمالي إلى جدول الأعمال، وتُصاغ السياسات في أوتاوا. إذ أن كندا مترامية الأطراف، ومع ذلك يعيش معظم الكنديين على بُعد 60 ميلاً من الحدود الأميركية الكندية، حيث تقول هيذر إكسنر-بيرو، زميلة أولى ومديرة الطاقة والموارد الطبيعية والبيئة في معهد ماكدونالد-لوريير إن القطب الشمالي «غريب» بالنسبة لمعظم الكنديين، مما لا يُسهم في وضع سياسات جيدة..
*رئيسة مكتب شؤون الأميركتين بصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»