منذ يوم واحد
بيت حانون باكورة كمائن المقاومة لزيادة الكلفة على الاحتلال
تصاعدت وتيرة كمائن المقاومة الفلسطينية وعملياتها العسكرية في قطاع غزة خلال الأسابيع الأخيرة بشكل يعيد للأذهان ما جرى خلال الأشهر الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، من عمليات طاولت جنود الاحتلال خلال بداية
التوغل البري الأول
في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. واعترف الاحتلال، اليوم الثلاثاء، بمقتل خمسة جنود إسرائيليين وإصابة 14 آخرين في عمليتين منفصلتين للمقاومة الفلسطينية ببلدة بيت حانون، شمالي القطاع المحاصر، حيث طاولت العملية جنوداً يتبعون لوحدة "نيتسح يهودا" في لواء "كفير". واقتصر إعلان جيش الاحتلال على الإشارة إلى سقوط الجنود القتلى والجرحى جراء انفجار عبوات ناسفة، لكن وسائل إعلام عبرية تحدثت في ساعة متأخرة من مساء أمس الاثنين، عن "حوادث أمنية صعبة واستثنائية" تعرض لها جنود جيش الاحتلال في بيت حانون.
أحمد الطناني: أداء المقاومة يجسّد إصراراً واضحاً على رفع كلفة أي تحرك عسكري إسرائيلي
جرأة كمائن المقاومة الفلسطينية
ولا تعتبر عملية بيت حانون الأخيرة هي الوحيدة، إذ شهدت الأيام الأخيرة نشر الأذرع العسكرية للمقاومة، تحديداً كتائب القسام وسرايا القدس، مقاطع فيديو مصورة توثق هذه العمليات الميدانية. وتشهد مناطق شمالي القطاع ومنطقة خانيونس، على وجه الخصوص خلال الشهر الأخير، سلسلة من العمليات التي تحولت بعض مشاهدها إلى لقطات "أيقونية" يجري تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، نظراً للجرأة العالية للمقاومين الفلسطينيين خلال التنفيذ. ومنذ
عودة العمليات العسكرية الإسرائيلية
في قطاع غزة في شهر مارس/ آذار الماضي قتل 38 جندياً إسرائيلياً، بينهم 27 بفعل عبوات ناسفة. ويتم توظيف العبوات الناسفة بشكل أساسي من خلال نمطين مركزيين، وفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الأول هو كمائن عبوات مزروعة على المحاور والطرقات، والثاني هو مبانٍ مفخخة.
في الأثناء، قال المتحدث العسكري باسم القسام أبو عبيدة إن "عملية بيت حانون المركبة هي ضربةٌ إضافيةٌ سددها مجاهدونا الأشداء لهيبة جيش الاحتلال الهزيل ووحداته الأكثر إجراماً في ميدانٍ ظنّه الاحتلال آمناً بعد أن لم يُبقِ فيه حجراً على حجر". وأضاف في تغريدات نشرها عبر حسابه الرسمي في تطبيق تليغرام: "معركة الاستنزاف التي يخوضها مقاتلونا مع العدو من شمال القطاع إلى جنوبه ستكبّده كل يومٍ خسائر إضافية، ولئن نجح أخيراً في تخليص جنوده من الجحيم بأعجوبة، فلربما يفشل في ذلك لاحقاً ليصبح في قبضتنا أسرى إضافيون". وبحسب أبو عبيدة، فإن "صمود شعبنا وبسالة مقاوميه الشجعان هما حصراً من يصنعان المعادلات ويرسمان معالم المرحلة القادمة، وإن القرار الأكثر غباءً الذي يمكن أن يتخذه نتنياهو سيكون الإبقاء على قواته داخل القطاع". وتتزامن كمائن المقاومة الفلسطينية مع مسار المفاوضات المتواصل في العاصمة القطرية الدوحة، للوصول إلى صفقة تبادل جزئية يطرح خلالها التفاوض على إنهاء الحرب كلياً في القطاع.
تقارير دولية
التحديثات الحية
حيرة وسجالات في إسرائيل عقب مقتل 5 جنود في كمين بيت حانون
بدوره، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني إن المقاومة قدّمت رؤيتها بوضوح إزاء مصير الوجود طويل الأمد لجيش الاحتلال في غزة، وذلك في سياق ردّ مباشر على تسريبات اجتماعات "الكابينت" الإسرائيلي، التي تناولت خططاً أمنية ترمي إلى استكمال احتلال أراضي القطاع وفرض السيطرة العسكرية عليها. وأوضح الطناني في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن ما جرى في كمين بيت حانون وغيره من كمائن المقاومة أعاد النقاش مجدداً داخل المجتمع الإسرائيلي، وعلى مستويات صنع القرار، حول جدوى استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، في ظل الثمن الدموي الباهظ لبقاء الجيش داخل القطاع، خصوصاً بعد سقوط وهم "الحسم العسكري" بشكل شبه نهائي عقب أكثر من 20 شهراً من القتال المتواصل. وأشار إلى أن هناك ملامح ميدانية فارقة ظهرت في أداء المقاومين، تعكس جرأة وحيوية غير مسبوقة، لا تنسجم مع كونهم يخوضون اشتباكاً واسعاً منذ نحو 20 شهراً، استخدمت خلاله إسرائيل أقصى أدوات القتل والتدمير، ونفّذت عمليات موسعة في معظم مناطق القطاع.
وبيّن الطناني أن هذا الأداء الميداني للمقاومة يجسّد إصراراً واضحاً على رفع كلفة أي تحرك عسكري إسرائيلي وإيقاع خسائر مؤثرة، خصوصاً في الأرواح، في صفوف جنود الاحتلال، كما يعكس قدرة لافتة لدى المقاومة على استخلاص العبر من التجارب السابقة، ما يمنح غالبية عملياتها نسب نجاح مرتفعة وضربات دقيقة ومؤثرة. وأكد أن طبيعة الضربات التي تنفذها المقاومة تُظهر تماسكاً في قدراتها الاستخبارية، سواء في رصد حركة جيش الاحتلال أو في تقدير مسارات التقدم المتوقعة، وهو ما يُساهم بشكل مباشر في إنجاح كمائن المقاومة ضد القوات المتوغلة. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن في المراحل الأولى من الحرب عن اغتيال قائد كتيبة بيت حانون في كتائب القسام
حسين فياض
، لكن الأخير ظهر للعلن خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي خرقته إسرائيل.
رامي أبو زبيدة: كمائن المقاومة الأخيرة أحدثت أثراً عميقاً في بنية القرار العسكري الإسرائيلي
نقلة عسكرية نوعية
إلى ذلك، أكد الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة أن ما يجري يعكس نقلة نوعية في مستوى الاحتراف التكتيكي والعملياتي، وتراكم الخبرة الميدانية لدى مقاتلي المقاومة في القطاع خلال الفترة الأخيرة. وقال أبو زبيدة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري ليس مواجهات عشوائية، بل كمائن محكمة تُنفّذ استناداً إلى معلومات دقيقة، وتتداخل فيها عدة عناصر، كزرع العبوات الناسفة، ونصب الكمائن النارية، والتفخيخ، والتصوير، وإرباك وحدات الاحتلال. واعتبر أن كمائن المقاومة تعبّر عن منظومة قتال مرنة قادرة على التكيّف، توزّع جهدها على محاور متزامنة، وتستغل الثغرات الأمنية وتكرار العدو لخططه، مشيراً إلى أن ما يجري
تطور في نوعية الاشتباك،
وليس فقط في كثافته أو وتيرته.
وبحسب أبو زبيدة، فإن المقاومة قادرة على فرض الاشتباك في التوقيت الذي تختاره وفي المناطق التي تجيد القتال فيها، إذ إن الكثير من العمليات تبدأ بانفجار عبوة ناسفة، ثم تتحول إلى معركة متعددة المراحل، تتداخل فيها قوة التدخل وقوة الإسناد والإنقاذ. ورأى أن ما يجري أعمق من مجرد كمائن، بل بمثابة حرب استنزاف مدروسة، تستهدف تفكيك القوتين البشرية والمعنوية للاحتلال على المدى المتوسط، فيما لا يقتصر الاستنزاف على عدد القتلى والجرحى، بل يشمل أيضاً استنزافاً نفسياً، إذ يعيش الجنود الإسرائيليون تحت ضغط وخوف دائمين من الكمائن في كل لحظة. وفي سياق تأثير هذه العمليات على الواقع العسكري الإسرائيلي، اعتبر أبو زبيدة أن "كمائن المقاومة الأخيرة أحدثت أثراً عميقاً في بنية القرار العسكري الإسرائيلي، وقد بدا ذلك واضحاً في تصريحات رئيس الأركان (إيال زامير) ووزير الحرب الإسرائيلي (يسرائيل كاتس)، إذ أصبح من الجلي أن ما يُسمّى بالمناطق المطهّرة أو الآمنة لم تعد كذلك، ما يعني أن التقدير الاستخباري الإسرائيلي يتعرّض لانتكاسات متواصلة".
رصد
التحديثات الحية
الحاخام الرئيس السابق يستغل كمين بيت حانون للدعوة إلى رفض التجنيد