أحدث الأخبار مع #الجبهةالإسلاميةللإنقاذ


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- سياسة
- العربي الجديد
هل انتهى التقارب بين الإسلاميين والتقدميين في الجزائر؟
تشهد الساحة السياسية في الجزائر في الآونة الأخيرة عودة حالة من الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين والتقدميين، وسط تبادل اتهامات بخصوص التصارع على التمركز في دواليب السلطة والدولة. فبينما يرى التقدميون أن الإسلاميين باتوا "يتوغلون" داخل مفاصل الدولة، يرد الإسلاميون على ذلك بأن ذلك "خطاب كراهية وإقصاء". واتهمت "حركة مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية المعارضة في الجزائر، قوى سياسية تقدمية "بخدمة أجندات استعمارية"، وتقصد بذلك أساساً حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (تقدمي علماني) بسبب خطاباته الأخيرة التي استهدفت ما يوصف بـ"قوى الإسلام السياسي". وفي بيان لها اليوم الخميس، أعلنت مجتمع السلم "رفض خطاب الكراهية والإقصاء والاستقطاب المجتمعي، وعودة أسطوانة الإسلاموفوبيا التي تمتهنها بعض الأطراف الحزبية لخدمة أجندات استعمارية، عبّرت عنها مواقف اليمين المتطرف (الفرنسي) ومؤسسات رسمية، اشتركت واتفقت على المقاربات نفسها التي تستهدف إضعاف الحصانة الوطنية". واعتبرت الحركة أن هذا الخطاب يسهم في "ضرب حالة التماسك والتعايش بين المكونات الوطنية، والنبش في قضايا تجاوزها النقاش وأصبحت ممجوجة ومرفوضة سياسياً ومجتمعياً". ويأتي ذلك رداً على سلسلة بيانات وخطابات لقيادات في التجمع، خاصة اللائحة السياسية التي كانت أصدرها المجلس الوطني للحزب، الثلاثاء الماضي، أكد فيها أنه "في مواجهة صعود الإسلام السياسي، واستحواذه على مفاصل الدولة، ومحاولاته لطمس أسس الهوية الوطنية العميقة للأمة، فإن حزب التجمع سيواجه بشكل صريح المواجهة الأيديولوجية والهوية مع أعداء الجزائر الأصيلة". وقال الحزب إنه "يدين كل محاولة لتزوير التاريخ والطمس الثقافي، ويتعهد بالاستمرار في مكافحة هذه الممارسات الرجعية". نهاية مرحلة التقارب؟ وقبل ذلك، كان التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد احتج بشدة على تعيين نائب من الحزب الإسلامي، زكرياء بلخير، رئيساً للجنة التربية والتعليم في البرلمان (التجمع ليس له نواب لكونه قاطع انتخابات عام 2021)، إذ تمثل المدرسة وإصلاح التعليم أحد أبرز المحاور الصدام الأيديولوجي بين المحافظين والتقدميين في الجزائر منذ عقود. ويشي هذا الاستقطاب السياسي بنهاية مرحلة من التقارب السياسي كان قد بدأ منذ عام 2014، بين الإسلاميين والتقدميين، في إطار تكتل سياسي جمع قوى المعارضة، منذ مؤتمر عقدته في يونيو/ حزيران 2014، والذي أصدر ما يعرف "بأرضية مزفران"، (اسم فندق يقع في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية). أخبار التحديثات الحية الرئيس الجزائري يعين عسلاوي رئيسة للمحكمة الدستورية وكانت قيادة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وقيادات في أحزاب تقدمية قد التقت مع القوى الإسلامية، بما فيها قيادات في الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة منذ عام 1992)، حيث نجحت مساعي التقارب في توحيد موقف المعارضة بشأن المطالب المتعلقة بالتغيير الديمقراطي وقضايا الحريات، وتمخض عن ذلك سلسلة محطات مهمة اجتمع فيها الإسلاميون والتقدميون، خاصة في مواجهة الخيارات التي كانت تفرضها السلطة قبل الحراك الشعبي عام 2019. ظل التنسيق السياسي قائماً في الفترة التي تلت الحراك الشعبي بين كبرى القوى في التيارين لبحث الصيغ والخيارات الممكنة لإخراج الجزائر من المأزق السياسي، لكن التغييرات التي حدثت في قيادة بعض الأحزاب التقدمية، على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وصعود قيادة جديدة برئاسة عثمان معزوز، دفع التجمع إلى إجراء مراجعة لبعض مواقفه السابقة، واختار العودة إلى نقاط ارتكاز تقليدية في خطابه السياسي الذي يضعه في مواجهة مع التيار الإسلامي، بالقدر نفسه في مواجهة سياسات السلطة. في المقابل، تعتبر قيادات من التيار الإسلامي أن التيار التقدمي يبحث عن العودة والتمركز في الساحة، وأن خطابه الذي يستهدف القوى الإسلامية، لا ينفصل عن خطاب متشدد يسمع تحديداً في فرنسا، يركز على التخويف من الإسلاميين. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال نائب رئيس حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش إن "هناك علاقة واضحة بين خطاب النظام الفرنسي الذي يعيش أزمة سياسية داخلية معقدة، ولا تجد أفضل من فزاعة الإسلام السياسي لخوض هذه المعركة تحت مظلة الإسلاموفوبيا، كتوجه تصادمي متصاعد، يغري أدواتها الأيديولوجية الداخلية والخارجية للانخراط بقوة معها في معارك الاستقطاب والاصطفاف". وأضاف أن هذا الاستقطاب "يتضمن استهدافاً مزدوجاً باتجاه الدولة الجزائرية، وباتجاه حركتنا، في مثل هذه الظرفية الضاغطة على البلاد، في ظل هذه التحولات الإقليمية والدولية". التوقيت السياسي تبدو السلطة أكثر استفادة من عودة الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين والتقدميين، لكونه يضعها في أريحية سياسية وخارج تركيز قوى المعارضة التي سيشغلها هذا الاستقطاب عن مسائل تبدو أكثر أهمية على الصعيد السياسي والاقتصادي، ومن جهة أخرى يباعد بين التيارين ويمنع أي تقارب بينهما بما يمكن أن يشكل ضغطاً على السلطة. أخبار التحديثات الحية الجزائر: سجن ثلاثة مرشحين سابقين للرئاسة بتهم شراء تواقيع وأما ما يخص المتحدث باسم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية رشيد حساني، فإن الحزب يعي إمكانية أن تحاول السلطة توظيف هذا الجدل لصالحها. وقال حساني لـ"العربي الجديد": "نحن منتبهون بوعي إلى أن السلطة قد تسعى إلى استغلال الجدل بين الإسلاميين والديمقراطيين لصالحها، لكننا ذلك لا يمنعنا من التعبير عن مواقفنا. نحن نعارض السلطة ولدينا مشروعنا السياسي الذي يتعارض مع خيارات السلطة، وأيضاً مع الإسلاميين الذين يحاولون أن يسلطوا فكرهم السياسي على الدولة وفرض نمط تصوراتهم على المجتمع". وتابع: "إذن نحن نخوض معركتين أساسيتين ضد السلطة التي تستولي على الحكم بغير إرادة شعبية، وضد الإسلاميين الذين هم حلفاء للسلطة"، وفق تعبيره. وأضاف: "نحن حزب لائكي (علماني) يفصل بين السياسة والدين، ويدافع عن الحريات الجماعية والفردية، وفي حرية الاختيار لتوجهات الدولة الجزائرية، ويدعو إلى إصلاح سياسي وفي العدالة وإبعاد المدرسة عن الأيديولوجيا".


القدس العربي
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- سياسة
- القدس العربي
ليلى عسلاوي.. سياسية جزائرية بارزة في سنوات الأزمة الأمنية تعود للواجهة من بوابة رئاسة المحكمة الدستورية
الجزائر- 'القدس العربي': أعلنت رئاسة الجمهورية في الجزائر، عن تعيين ليلى عسلاوي، رئيسةً للمحكمة الدستورية، بموجب مرسوم وقّعه الرئيس عبد المجيد تبون، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد. وكانت عسلاوي تشغل هذا المنصب بالنيابة منذ منتصف حزيران/ يونيو الماضي، باعتبارها العضو الأكبر سنا، بعد شغور منصب رئيس المحكمة الدستورية، إثر طلب التنحي الذي تقدم به رئيسها عمر بلحاج، لأسباب شخصية. وظهرت المحكمة الدستورية في الجزائر بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020، لتعويض المجلس الدستوري السابق، في إطار مسعى لإعادة تنظيم السلطة القضائية وتعزيز مراقبة دستورية القوانين. وتضم المحكمة 12 عضوًا يُعيَّنون مناصفة بين رئيس الجمهورية ومجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، إضافة إلى تعيينات من مجلس الدولة والمحكمة العليا. وكان كافيا ظهور اسم ليلي عسلاوي ليشعل الحديث من جديد عن هذه القاضية والسياسية ذات المسار الحافل والمثير للجدل في آن واحد، حيث كانت في سنوات التسعينات من بين الشخصيات البارزة في مواجهة التيار الإسلامي من خلال مواقفها وكتاباتها، وهو ما جعل الآراء تنقسم بحدة حول شخصها. ليلى عسلاوي من مواليد 2 أيلول/ سبتمبر 1945 بالعاصمة الجزائر، ذات مسار تعليمي قانوني بامتياز، أهّلها لشغل منصب قاضية قبل دخولها المعترك السياسي مطلع تسعينات القرن الماضي، وهي مرحلة شهدت توترات حادة بعد إلغاء المسار الانتخابي وتصاعد العنف السياسي. وفي 18 حزيران/ يونيو 1991، عُينت عسلاوي وزيرة للشباب والرياضة في حكومة سيد أحمد غزالي الأولى، وبقيت في هذا المنصب حتى 22 شباط/ فبراير 1992، أي بعد أشهر من حلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ ودخول البلاد في أزمة أمنية خانقة. وفي نيسان/ أبريل 1994، التحقت مجددًا بالجهاز التنفيذي، حيث شغلت منصب كاتبة دولة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالتضامن الوطني والأسرة ضمن حكومة مقداد سيفي الأولى، غير أنها قدّمت استقالتها بعد أشهر، في أيلول/ سبتمبر من نفس العام، احتجاجًا على محاولات الحوار التي باشرتها السلطة آنذاك مع قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهو ما اعتبره البعض حينها موقفًا مبدئيًا، فيما رآه آخرون تعبيرًا صريحًا عن انتمائها للتيار 'الاستئصالي' الذي رفض أي حل سياسي للأزمة الوطنية وفضّل المقاربة الأمنية. وقد تعرّضت عسلاوي لانتقادات واسعة من قوى وشخصيات دعت منذ التسعينات إلى 'الحل التوافقي' والابتعاد عن الحل الأمني، معتبرين أن مواقفها ساهمت في تعميق الانقسام الوطني. في المقابل، دافعت هي عن خياراتها باعتبارها انحيازًا 'لقيم الجمهورية ومبدأ رفض العنف'، خاصة بعد مقتل زوجها في 17 أكتوبر 1994 على يد مسلحين داخل عيادته، في حادثة شكلت صدمة شخصية وعائلية. وفي السنوات اللاحقة، أسّست عسلاوي جمعية ضحايا الإرهاب وظلّت تنشط في صفوفها، معروفة بمرافعاتها ضد تجاوز المأساة الوطنية. وبعيدًا عن المناصب، خاضت عسلاوي تجربة الكتابة الأدبية، إذ نشرت في عام 2006 كتابًا بعنوان 'مذنبون' 'Coupables'، تلاه في 2012 إصدارها لرواية 'دون حجاب.. دون ندم' 'Sans voiles, sans remords' التي تناولت فيها قضايا الهوية النسوية والدين والمجتمع، وفازت بجائزة جمعية الكتّاب باللغة الفرنسية سنة 2013. وقد أثارت بعض مضامين كتبها جدلا، خاصة من طرف القرّاء المحافظين، بسبب مواقفها الواضحة من المسائل الدينية والاجتماعية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، عادت إلى الواجهة عبر تعيينها عضوًا في المحكمة الدستورية الجزائرية، وهو ما اعتُبر آنذاك امتدادًا طبيعيًا لمسارها في القضاء، لكنه أيضًا أثار تحفظات لدى بعض الأطراف المعارضة التي اعتبرت أن المناصب القضائية العليا يجب أن تبقى بعيدة عن رموز المرحلة السابقة.


نافذة على العالم
٣٠-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "العشرية السوداء" في الجزائر: من حرب أهلية دامية إلى "قانون الوئام المدني"
الاثنين 30 يونيو 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، وضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (يسار) قانون الوئام المدني الذي خرج بموجبه علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة (يمين)، وتم كذلك العفو عن العديد من المسلحين الذين نفذوا جرائم خلال "العشرية السوداء". Article Information Author, زينب ضبع Role, بي بي سي نيوز عربي 21 أغسطس/ آب 2024 آخر تحديث قبل 2 ساعة يتزامن اليوم 30 يونيو/ حزيران ذكرى إلقاء قبض السلطات الجزائرية على عباس مدني وعلي بلحاج، وهما اثنان من أبرز قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وقد ألُقي القبض على مدني وبلحاج عام 1991 بسبب "دعوتهما" إلى الإضراب العام، بعد إلغاء السلطات الجزائرية للجولة الأولى من نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها، آنذاك، الجبهة الإسلامية بأغلبية ساحقة. الأمر الذي تسبب في أعمال عنف دامية شهدتها البلاد عُرفت باسم "العشرية السوداء"، والتي بدأت عام 1991 وانتهت عام 2002. وللدولة الجزائرية تاريخ زاخر بالصراع والتصالح مع الأحزاب الإسلامية، وقد خاضت الجزائر حرباً طويلة ضد الإسلاميين الذين تصفهم بالمتشددين، منذ التسعينيات. إذ يرى كثيرون أن تجربة الجزائر فريدة من نوعها، إذ تحول الصراع بين الدولة الجزائرية ومن يوصفون بالإسلاميين المتشددين إلى ميثاق مصالحة، كما أنه يُسمح لبعض الأحزاب الإسلامية الأخرى التي تعرف بأنها تنتهج الإسلام الوسطي بالمشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية والرئاسية. لم يكن الفوز الكاسح للإسلاميين في الانتخابات التشريعية عام 1991 بداية ظهورهم على الساحة السياسية، فهذا الظهور له جذور بدأت في عام 1988. أحداث "أكتوبر الأسود" عام 1988 صدر الصورة، AFP via Getty Images التعليق على الصورة، تخللت التظاهرات التي شهدتها الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1988 أعمال سلب ونهب وتخريب. في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1988، استيقظت ولايات عدة في الجزائر على تظاهرات، كانت الأكبر حينها منذ استقلالها، احتجاجاً على البطالة والأوضاع الاقتصادية المتردية، نتيجة تدهور القدرة الشرائية جراء أزمة انهيار أسعار البترول العالمية عام 1986. بدأت التظاهرات في أفقر أحياء الجزائر "القصبة" وخلال الليل، اشتبك المتظاهرون مع الشرطة التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، واشتدت الاشتباكات إلى أن أُجبرت الشرطة على الخروج من حي "القصبة". كما شهد حي باب الواد الشهير في الجزائر العاصمة تظاهرات، بالإضافة إلى مناطق أخرى، وتخللت التظاهرات في بعض الأحياء الجزائرية أعمال سلب ونهب وتخريب. صدر الصورة، AFP via Getty Images التعليق على الصورة، دبابات الجيش الجزائري تنتشر في شوارع الجزائر العاصمة عام 1988 في أعقاب تظاهرات ضد الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، بسبب الأوضاع الاقتصادية، تخللتها أعمال شغب وسلب ونهب بعد اندلاع التظاهرات ببضعة أيام، اتجهت الأوضاع للأسوأ، واتخذت منحنى مختلفاً، بسبب دعوات خرجت من المساجد عقب صلاة الجمعة، تطالب بالتظاهر، وحينها اتخذت الاحتجاجات طابعاً إسلامياً، بعدما شوهدت أعداد كبيرة من شباب ملتحين يرتدون جلابيب بيضاء ويشاركون في التظاهرات، مرددين شعارات إسلامية. وقد ضمت إحدى التظاهرات 20 ألفاً من أنصار الإسلاميين. وتصاعد المشهد بوتيرة أسرع وازدادت أعمال التخريب والنهب خلال الاحتجاجات التي عرفت باسم "أحداث أكتوبر الأسود"، لينتشر الجيش الجزائري في الشوارع لبسط الأمن والسيطرة على الاحتجاجات، وقد نجح في ذلك بعد تسعة أيام. الشاذلي بن جديد يغير الدستور صدر الصورة، AFP via Getty Images التعليق على الصورة، صورة بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول عام 1988 في الجزائر العاصمة تظهر الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد وهو يُلقي خطابا للشعب، في أعقاب أعمال شغب في مدن عدة، قادها إسلاميون وفور ذلك، أجرت الدولة الجزائرية، بقيادة رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد، إصلاحات سياسية. وفور انتهاء الاحتجاجات والسيطرة عليها، أدخل الرئيس الشاذلي بن جديد تعديلات على الدستور، إيذاناً ببدء حقبة جديدة من التعددية السياسية في الجزائر بعدما كان يتصدر فقط حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم المشهد السياسي في البلاد. إذ ألغى المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري) الحظر المفروض على تأسيس أحزاب سياسية جديدة، وتبنى قانوناً جديداً يسمح للأحزاب المعارضة بخوض سباق الانتخابات. صدر الصورة، AFP via Getty Images التعليق على الصورة، مؤسسو الجبهة الإسلامية للإنقاذ (من اليسار إلى اليمين على المنصة) الهاشمي سحنون وعبد الباقي صحراوي وعلي بلحاج وعباسي مدني وعلي جدي في مؤتمر انتخابي في أبريل/نيسان عام 1990 في الجزائر العاصمة وبعدها في عام 1989 تأسس 20 حزبا سياسيا منحتهم الدولة الجزائرية تصاريح، بالإضافة إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أسسها عباس مدني وعلي بالحاج. كما أعقب ذلك تأسيس حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي عام 1991، التي كان يتنافس مرشح لها في الانتخابات الرئاسية الجزائرية عام 2024. وقد ترأس الجبهة في ذلك الوقت عباس مدني، ليصبح بعدها الإسلاميون القوى السياسية المهيمنة، بعد كسبهم أرضية واسعة في أعقاب الاحتجاجات. وفي ذلك يقول الدكتور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: "إن الجماعات الإسلامية كانت تنشط في السر في حقبة السبعينيات والثمانينيات، وعندما ظهرت على السطح كانت لها أرضية تتمثل في أنها تناضل من أجل التغيير، ولم يكن هناك وعي شعبي في تلك المرحلة بطبيعة الحركات الإسلامية كما هو الآن". صدر الصورة، AFP via Getty Images التعليق على الصورة، متظاهرون من الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية يرددون شعارات نحو شرطة مكافحة الشغب خلال تظاهرة وسط الجزائر العاصمة في مايو/أيار 1991. وفي مطلع التسعينيات، ألقى عباسي مدني، رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خطاباً مصوراً، قال فيه إنه سيقيم "دولة القرآن والسنة". وقال مدني أمام حشد كبير من الحضور: "إذا قالوا انتخاب انتخبنا وإذا قالوا جهاد جاهدنا"، وبعدها ردد الحضور "الجهاد، الجهاد"، وهو ما اعتبره البعض تحريضاً ضد الدولة الجزائرية. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1991 حققت الجبهة فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية وحصدت 188 مقعداً في الجولة الأولى من أصل 231. ويعزو الدكتور بوقاعدة فوز جبهة الإنقاذ الإسلامي الساحق في الانتخابات التشريعية، إلى استغلال الجبهة الوضع الاقتصادي المتردي وقتها . وأضاف أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ لعبت على العواطف، حيث رأى البعض أن اختيارها في الانتخابات كان اختيارا للوقوف جانب الإسلام". ووفقاً لبوقاعدة، فإن كثيراً من النخب الجامعية اختارت أحزاباً إسلامية أخرى كحركتي مجتمع السلم والنهضة الإسلاميتين "اللتين تبنتا خطاباً أقل راديكالية من خطاب جبهة الإنقاذ الإسلامي". كما اختار بعض من فئة العلمانيين حزب القوى الاشتراكية، لكن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والجبهة الإسلامية للإنقاذ كان صوتهما الأعلى". صدر الصورة، ABDELHAK SENNA/AFP via Getty Images التعليق على الصورة، ممثل عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ يقوم بتجميع الأصوات من أحد صناديق الاقتراع، أثناء الانتخابات البلدية. لماذا حقق الإسلاميون فوزا ساحقاً في انتخابات عام 1991؟ ترى أميمة أحمد، الصحفية المتخصصة في الشأن الجزائري أن الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية كان "انتقاماً شعبياً من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والذي كان الحزب السياسي الوحيد في الساحة الجزائرية منذ الاستقلال، وكان هناك انتشار للفساد، بينما وعد خطاب الجبهة بالمحاسبة والعدالة في توزيع الثروة". كما يقول الدكتور توفيق بوقاعدة إن البرنامج الانتخابي للجبهة الإسلامية "كان به خطوط عريضة لكيفية تحقيق الثروة، وكيفية إدارة الدخل القومي، لكن الجبهة لم تأتِ إلى الحكم ليرى هذا المشروع النور وليرى الجميع كيفية إمكانية تطبيقه". ويقول كذلك بوقاعدة إنه كانت هناك مبادرات تجارية دشنتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ من خلال إنشاء "أسواق إسلامية" كانت أسعار السلع المعروضة فيها منخفضة مقارنة بمثيلاتها في الأسواق الأخرى، وهذا ما جذب الكثير من أصحاب الدخول الضعيفة والفقراء، وجعلهم يتعاطفون أكثر مع الجبهة". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، جنود من الجيش يسيرون دوريات أمنية في شوارع الجزائر العاصمة بعد إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية وحل البرلمان وفرض حالة الطوارىء واستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد إلغاء نتيجة الانتخابات وفرض حالة الطوارئ ألغت الحكومة الجزائرية مدعومة بالجيش نتيجة الجولة الأولى للانتخابات التشريعية التي حققت فيها الجبهة الإسلامية فوزاً ساحقاً، وكذلك الجولة الثانية منها التي كان من المقرر إجراؤها في يناير/كانون الثاني عام 1992. ليس هذا فحسب، بل حل الجيش الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحظر نشاطها. كما حل الجيش البرلمان وفرض حالة الطوارئ في البلاد. ورداً على سؤال عن سبب إلغاء الجيش نتيجة الانتخابات، تقول الكاتبة الصحفية أميمة أحمد المتخصصة في الشأن الجزائري متحدثة لبي بي سي من الجزائر العاصمة: "إن المطلوب للأغلبية البرلمانية 116 مقعداً، مما يعني أنه في حال فوز الجبهة في الجولة الثانية للانتخابات التشريعية، ستصبح الأغلبية المطلقة المسيطرة على البرلمان، وبمقدورها تغيير نظام البلاد إلى نظام إسلامي، كما كان معلناً في برنامجها السياسي حينها". ويرى الدكتور توفيق بوقاعدة أن الجيش كان يخشى أن يغير حزبٌ إسلاميٌّ الإرثَ الثقافي والتاريخي للدولة وهويتها المدنية. ويوضح بوقاعدة: "كانت هناك مخاوف حقيقية كذلك من القائمين على السلطة والنُخب السياسية على الديمقراطية، لأن خطاب الجبهة حينها كان فاشياً، وكانوا يريدون الوصول إلى السلطة للبقاء فيها، وليس من أجل تداول السلطة. إذ إن كثيراً من خطابات قادة الجبهة كانوا يقولون خلالها، نريد أن نصعد كي لا ننزل من سلم السلطة". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، صورة لعباسي مدني مؤسس ورئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي قال في أحد خطاباته المصورة، "إذا قالوا انتخاب انتخبنا وإذا قالوا جهاد جاهدنا"، وهو ما اعتبره البعض تحريضاً ضد الدولة الجزائرية. غير أن الدكتور توفيق بوقاعدة يقول إن هناك أحزاباً حينها أخذت على السلطة اختيارها العنيف بإلغائها نتيجة الانتخابات. ويوضح بوقاعدة: "كانت هناك قراءات لبعض الأحزاب بما فيها حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد الحميد مهري وحزب القوى الاشتراكية بقيادة حسين آيات أحمد، ترى أنه كان للسلطة خيار آخر، غير إلغاء الانتخابات وهو أن يتركوا الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحصل على مقاعدها في المجلس الشعبي الوطني". ويضيف أن تلك الأحزاب ترى أنه كانت ستكون هناك "رقابة شعبية" على أداء جبهة الإنقاذ، وبالتالي لو لم تنفذ الجبهة برنامجها الانتخابي فستفقد شعبيتها في الانتخابات التشريعية التي ستلي تلك الانتخابات. العشرية السوداء: سنوات الدم والإرهاب بعيد إلغاء نتيجة الانتخابات، أقال الجيش الجزائري رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، وجاء بالمجلس الأعلى للدولة ليحل محله، واستعان الجيش بمحمد بوضياف، أحد أبرز المناضلين في حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي، لرئاسة المجلس. وفي يناير/كانون الثاني عام 1992 وصل بوضياف إلى الجزائر العاصمة، قادماً من منفاه الاختياري في المغرب بعد إمضائه هناك قرابة 27 عاماً، ليترأس المجلس. ويقول الدكتور بوقاعدة إن الجيش اختار محمد بوضياف "لأنه كان بعيداً عن الجزائر وعن الاختلافات بين أركان الحكم في تلك الحقبة، كما أنه كان شخصية ثورية ولها تاريخ نضالي وساهم في قيام ثورة التحرير الجزائرية، وبالتالي فقد كان الشخص الأفضل الذي توافق عليه الجميع". في مارس/آذار عام 1992، إبان ترؤس بوضياف المجلس الأعلى للدولة، حظر القائمون على السلطة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأُلقي القبض على قادتها عباسي مدني وعلي بلحاج بالإضافة إلى الآلاف من أعضائها. نتيجة لذلك، هرب أعضاء من الجبهة إلى الجبال وأعلنوا تأسيس جناح مسلح لها عرف باسم "الجيش الإسلامي للإنقاذ" وبدأوا بشن هجمات على رجال الأمن وتصاعدت أعمال العنف. اغتيال الرئيس بوضياف على الهواء مباشرة صدر الصورة، Pascal Parrot/Sygma/Sygma via Getty Images) التعليق على الصورة، آخر صورة للرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف على شاشة التلفزيون قبل اغتياله على الهواء مباشرة من قبل حارسه الشخصي وفي التاسع والعشرين من شهر يونيو/حزيران عام 1992 كان الرئيس محمد بوضياف يُلقي خطابا، داخل مركز ثقافي ببلدة عنابة، شرقي الجزائر، يُبث على الهواء مباشرة. وفجأة سادت المكان حالةٌ من الفوضى، عندما أطلق الحارس الشخصي للرئيس النيران على ظهره ورأسه، فأرداه قتيلاً، وكان دافع القتل هو "تعاطف" الحارس الشخصي مع جبهة الإنقاذ الإسلامي، حسبما أفادت وسائل إعلام جزائرية حكومية في ذلك الوقت. وتقول الصحفية أميمة أحمد، المختصة في الشأن الجزائري: " إن اغتيال الرئيس بوضياف كان علامة فارقة"، لأنه كان يؤيد الحل السياسي، ولا يفضل الحل الأمني للتعامل مع الإسلاميين، كما كانت ترغب السلطة وقتها. وانزلقت الجزائر في صراع دموي مرير، وحوادث إرهابية من قتل وتفجيرات، نفذها أعضاء مما كان يسمى بـ "الجيش الإسلامي للإنقاذ" والجماعة الإسلامية المسلحة ، لمدة عشر سنوات كاملة، فيما عُرف باسم "العشرية السوداء"، التي راح ضحيتها نحو 100 ألف شخص على الأقل. صدر الصورة، HZ/AFP via Getty Images التعليق على الصورة، سيدتان تنتميان لحزب حركة مجتمع السلم المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، عشية انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية للحزب في التسعينيات ويحيط بهما ملصق لزعيم الحركة حينها محفوظ نحناح صعود أحزاب محسوبة على "الإخوان المسلمين" في هذه الأثناء، كان موقف كل من حركة مجتمع السلم، بقيادة الشيخ محفوظ نحناح، وحركة النهضة بقيادة عبد الله جاب الله، مغايراً لموقف جبهة الإنقاذ. ويقول الدكتور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إن الحركتين كانتا ترفضان الاقتتال بين أبناء الشعب. كما أنهما "حمّلاها (أي الجبهة) مسؤولية الانفلات الأمني أثناء تلك المرحلة (العشرية السوداء)، على اعتبار أنها لم تكن لديها اختيارات عقلانية وحاولت التفرد بالسلطة، دون حتى أن تشارك الأقربين منها من الأحزاب الإسلامية". وفي عام 1997 فاز حزب التجمع الوطني الديمقراطي المؤسس حديثا في الانتخابات البرلمانية وتلاه حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي المعتدل. وتقول أميمة أحمد إن "حركة مجتمع السلم لم تكن تؤيد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بل تعتبرها منافسا قويا، وبعدما تم حل الجبهة رسمياً، صب ذلك في صالح حركة مجتمع السلم التي شاركت في مشروع السلطة بحقائب وزارية بحجة الحفاظ على المشروع الإسلامي الذي كانت فرصة نجاحه كبيرة لولا ما فعلته جبهة الإنقاذ". يذكر انه في عام ١٩٩٦ حظر الدستور الجزائري إنشاء أحزاب على أسس دينية أو عقائدية أو عرقية أو لغوية. ولذا اصطرت أحزاب ذات مرجعية إسلامية وتوجه إسلامي، كعلى سبيل المثال لا الحصر حزب حركة مجتمع السلم وحركة النهضة، إلى إلغاء فقرات من ميثاقها التأسيسي للتأقلم مع هذا الحظر. صدر الصورة، ANDRE DURAND/AFP via Getty Images التعليق على الصورة، وزير الدفاع الجزائري عام 1992 الفريق خالد نزار، (يسار)، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد بوضياف (وسط) ورئيس أركان الجيش الجزائري عبد المالك قنايزية (يمين) قانون الوئام المدني شهد عام 1997 بداية انفراجة في الصراع بين الدولة الجزائرية وجبهة الإنقاذ الإسلامي، بعدما أعلن ما يسمى بـ "الجيش الإسلامي للإنقاذ" هدنة بالاتفاق مع الجيش الجزائري. وفور وصول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في الجزائر، في عام 1999، أجرى استفتاء للموافقة على قانون "الوئام المدني"، ما أدى إلى تخلي قرابة ستة آلاف مسلح إسلامي عن القتال واستفادتهم من عفو مدني. ويقول الدكتور بوقاعدة إن الرئيس بوتفليقة أعطى "صبغة سياسية" للقانون، الذي ظهر نتيجة مفاوضات طويلة وسرية بين الجيش الجزائري مع ما يسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ". وبموجب هذا القانون، خرج من السجن علي بلحاج نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، عام 2003. وفي عام 1997، وُضع عباسي مدني، رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تحت الإقامة الجبرية قبل أن يُخلى سبيله تماماً في عام 2003، وسافر بعدها مباشرة للعلاج في ماليزيا ثم انتقل للعيش في قطر. وفي سبتمبر/أيلول 2005، حظي مشروع آخر للمصالحة بين الدولة ومسلحي جيش جبهة الإنقاذ الإسلامي عرف باسم "ميثاق السلم والمصالحة" بدعم الناخبين في استفتاء شعبي، ما أدى إلى إدماج حوالي ألفين من المسلحين الإسلاميين في المجتمع الجزائري بعد تخليهم عن السلاح. "شعرة معاوية" يقول الدكتور توفيق بوقاعدة في حديثه لبي بي سي إن الدولة الجزائرية، ظلت تبقي على "شعرة معاوية" مع هذا التيار الإسلامي المتشدد، وهذا ما ساعدها "على استتباب الأمن". ويضيف: "السلطة تعادي الأشخاص الذين اختاروا العنف، وليس التيار الإسلامي الذي ينتمون إليه". فبالرغم من أن الدولة الجزائرية حظرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ "فإنها أشركت أشخاصاً تابعين للجبهة في مجلس الأمة. فمثلا وزير الشؤون الدينية الأسبق، أحمد مراني، كان قياديا في الجبهة"، بحسب بوقاعدة. ليس هذا فحسب، كما يقول بوقاعدة، بل إن "مدني مرزاق، قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ يتم استدعاؤه للحوار السياسي كشخصية وطنية، وبالتالي تعاملت السلطة مع الإسلاميين بذكاء، ولم تؤجج الصراع، حتى إنها استعانت بشخصيات من جبهة الإنقاذ للترويج لمشروع المصالحة المدنية، وهي تنظر إليهم كشركاء في الوطن".


أخبارنا
٠٥-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
دعا إلى "ثورة" في المغرب.. "حامي الدين" يفحم "مقري" برد ناري ويفضح تورط الجزائر في مخطط إسرائيلي
في رد قوي ومباشر، وجّه القيادي في حزب العدالة والتنمية "عبد العالي حامي الدين" رسالة نارية إلى السياسي الجزائري "عبد الرزاق مقري"، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، وذلك على خلفية نشر هذا الأخير رسالة مثيرة دعا فيها الشعب المغربي إلى "الثورة" ضد نظامه السياسي بسبب ما وصفه بـ"الخيانة العظمى المرتبطة بالتطبيع مع إسرائيل". واعتبر "حامي الدين" أن ما صدر عن "مقري" لا يعدو كونه محاولة صريحة لتأليب الشعب المغربي على نظامه، مؤكداً أن بعض السياسيين في الجزائر يلبسون عباءة النصح وهم في الحقيقة يخفون رياح الفتنة. وقال في هذا الصدد: "خرج علينا السيد عبد الرزاق مقري، من وراء الحدود، برسالة حماسية ظاهرها الغيرة على فلسطين وباطنها بث رياح الفتنة، يدعو فيها الشعب المغربي إلى 'الثورة'... على من؟ على نظامه، على تاريخه، على رموزه على قيمه، وكأن الشعب المغربي أصبح نادلاً في مطعم سياسي تُملَى عليه الوصفات من تندوف أو من باب الوادي في العاصمة الجزائر". وأضاف المتحدث ذاته أن هذه ليست المرة الأولى التي ينبري فيها "مقري" للتدخل في الشأن السياسي المغربي بطريقة وصفها بـ"الخفيفة والنزقة"، وذكّره بخلفيته الحزبية قائلاً: "السيد مقري هو سياسي جزائري ينحدر من حركة مجتمع السلم التي كان يقودها المرحوم محفوظ النحناح، وهي الحركة التي دشنت مسار التعاون والتحالف مع النظام الجزائري في أسوأ نسخه العسكرية وذهبت في ذلك إلى أبعد الحدود، إلى درجة الدفاع عن النظام السلطوي في مواجهة نتائج الاقتراع التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة، حتى وصل الأمر بزعيم الحركة محفوظ النحناح غفر الله له أن قام خطيبًا في تندوف داعمًا لحركة البوليساريو الانفصالية بعدما كان يعتبر أن الصحراء الغربية مشكلة مفتعلة ويكفي إضافة حرف الميم لمصطلح 'الغربية' وستُحل المشكلة". وهاجم "حامي الدين" مضامين رسالة "مقري" الأخيرة، التي وصف فيها النظام المغربي بـ"الخائن"، واعتبرها تحريضًا مباشرًا على الدولة والملكية، وقال: "هذا الكلام المستفز الذي يعتبر بمثابة تحريض مباشر للشعب المغربي ضد النظام الملكي، ينم عن جهل كبير بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الشعب المغربي والملكية منذ مرحلة الحماية حينما رفض الوطنيون المغاربة مقترح الاستعمار بإقرار دستور للبلاد سنة 1954، واشترطوا قبل ذلك عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه، لأنهم كانوا يرون فيه رمزا سياديا لا يتم الاستقلال إلا بوجوده". وأضاف أن الشرعية في المغرب قائمة على أسس متينة من الرضى الشعبي والدستور، بعكس الأنظمة العسكرية المهزوزة، مشددا على أن "مقري" يحاول أن يصوّر للناس أن الثورة على الملكية هي المدخل لنصرة فلسطين، والحال أن ذلك يخدم أجندات إسرائيلية تهدف إلى تفتيت الدول العربية من الداخل. وانتقد القيادي البيجيدي بشدة عدم توجيه "مقري" أي نقد للنظام الجزائري، قائلاً: "لو كان السيد مقري صادقًا في دعوته وغيرته، لتوجه بها إلى النظام الحاكم في الجزائر لإنهاء دعمه المتواصل للمشروع الانفصالي في تندوف، الذي تحتضنه الجزائر وتوفر له الغطاء السياسي والدبلوماسي المتواصل، وهذا العداء الجزائري للمغرب للأسف الشديد هو حجر الزاوية في خطاب دعاة التطبيع في بلادنا وحججهم للاقتراب من إسرائيل، وبذلك تكون الجزائر مشاركة بطريقة غير مباشرة في هذا الاختيار السياسي الديبلوماسي، مع اختلافي معه". وأضاف: "كان على السيد مقري إذا كان صادقًا في دعواه أن يتوجه برسالته إلى الشعب الجزائري للثورة على نظام عسكري أوليغارشي يبدد ثروته النفطية لدعم مشروع الانفصال بهدف إضعاف جاره في الغرب ودعم مشروع الاستبداد لإضعاف جاره في الشرق، هذا الإضعاف الذي لا يصب في النهاية إلا في صالح المشروع الصهيوني، لو يعلمون". واستطرد "حامي الدين" في نقده، قائلاً: "لو كان السيد مقري صادقًا في دعمه للقضية الفلسطينية ومنسجمًا مع نفسه، لتوجه برسالته للنظام الجزائري من أجل السماح للشعب الجزائري بالتظاهر في الشارع لممارسة حقه في التعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في غزة، عوض أن يتوجه للنظام المغربي الذي لم يواجه شعبه بالقمع والعنف، وترك المظاهرات المليونية ترفع الصوت في شوارع الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وفي جل الحواضر المغربية، بالإضافة إلى مئات المسيرات والوقفات اليومية المساندة للشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف التطبيع، وهو ما شهدت به المقاومة في غزة وحيته أكثر من مرة". وختم رسالته بلهجة قوية: "جرب يا سيد مقري أن تعيش هذا التضامن الصاعد من قلب الشعب وروحه في الجزائر قبل أن تمر إلى اقتراح المرور إلى الثورة في المغرب، حاول فقط، وناضل على هذه الجبهة وبعدها نتحدث معك عن تصورك وأحلامك وأوهامك عن الأوضاع في المغرب"، مشيرا إلى أن "النضال على جبهة توسيع الحريات ورفع القمع عن الشعب الجزائري سيكون أجدى وأنفع لك وللشعب ولفلسطين، جرب فقط ورد علينا"، قبل أن يؤكد أن "المطلوب من السيد مقري وأمثاله أن يبذلوا جهودهم لتنظيف بيوتهم وترك المغرب وشأنه، فأهل المغرب أولى وأدرى بشعابه وتعقيداته وتحالفاته".


LE12
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- سياسة
- LE12
المغرب- الجزائر.. عبدالعال حامي الدين يكتب.. رسالة إلى السيد عبد الرزاق مقري
المطلوب من السيد مقري وأمثاله أن يبذلوا جهودهم في تنظيف بيوتهم، وترك المغرب وشأنه، فأهل المغرب أولى وأدرى بشعابه، وتعقيداته، وتحالفاته *عبدالعال حامي الدين بعض السياسيين الجزائريين يلبسون عباءة النصح وهم يخفون رياح الفتنة.. خرج علينا السيد عبد الرزاق مقري، من وراء الحدود، برسالة حماسية ظاهرها الغيرة على فلسطين، وباطنها بثّ رياح الفتنة، يدعو فيها الشعب المغربي إلى 'الثورة'… على من؟ على نظامه، على تاريخه، على رموزه، على قيمه، وكأن الشعب المغربي أصبح نادلاً في مطعم سياسي تُملَى عليه الوصفات من تندوف أو من باب الوادي في العاصمة الجزائر. ليست هذه المرة الأولى التي ينبري فيها السيد عبد الرزاق مقري للتدخل في الحياة السياسية المغربية، بطريقة فيها الكثير من الخفة والنزق، وعدم الاستيعاب لتعقيدات السياسة الداخلية في المغرب. والسيد مقري هو سياسي جزائري ينحدر من حركة مجتمع السلم، التي كان يقودها المرحوم محفوظ نحناح، وهي الحركة التي دشنت مسار التعاون والتحالف مع النظام الجزائري في أسوأ نسخه العسكرية، وذهبت في ذلك إلى أبعد الحدود، إلى درجة الدفاع عن النظام السلطوي في مواجهة نتائج الاقتراع التي حملت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة، حتى إن زعيم الحركة، محفوظ نحناح ـ غفر الله له ـ قام خطيبًا في تندوف داعمًا لحركة 'البوليساريو' الانفصالية، بعدما كان يعتبر أن 'الصحراء الغربية' مشكلة مفتعلة، ويكفي ـ بحسب تعبيره ـ إضافة حرف 'الميم' إلى مصطلح 'الغربية' لتحل المشكلة..! هذه المرة اختار السيد مقري أن يخاطب المغاربة برسالة مباشرة يدعوهم فيها إلى 'مقاومة الخيانة العظيمة التي يقوم بها نظامهم، بكل غالٍ وعزيزٍ يملكونه'، معتبرًا أن 'هذه الخيانة المكشوفة المعلومة غير مسبوقة، ولا يمكن لمسلم حر شريف في المغرب أن يتعايش معها'. وأضاف أن 'المسيرات الشعبية الكثيرة المناهضة للتطبيع لم تعد كافية لوقف هذه العمالة والتبعية والخنوع للصهاينة والقوى الاستعمارية، ولا بد من تصعيد شعبي سلمي بوسائل أكثر صرامة… لوقف هذا الانحدار الخائن'. الحقيقة أن هذا الكلام المستفز، والذي يُعد تحريضًا مباشرًا ضد النظام الملكي، ينم عن جهل كبير بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الشعب المغربي ومؤسسته الملكية، تلك العلاقة التي تعود إلى مرحلة الحماية، حين رفض الوطنيون المغاربة مقترح الاستعمار بإقرار دستور للبلاد سنة 1954، واشترطوا قبل ذلك عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه، لأنهم كانوا يرون فيه رمزًا سياديًا لا يتم الاستقلال إلا بوجوده. فالنظام القائم، ومهما اختلفت القوى الحية في البلاد مع بعض اختياراته السياسية، فإن شرعيته قائمة على أسس دستورية، قوامها الرضى والاختيار، لا على أساس التسلط وشرعية القوة كما هو الحال في نظام عسكري مهزوز في دولة الجوار، يُوضع محل شك عند كل منعطف صغير أو كبير. ثانيًا، يحاول السيد مقري أن يصور لنا أن الثورة على النظام الملكي هي مفتاح نصرة إخواننا في غزة، وحلّ القضية الفلسطينية، وإنهاء التطبيع مع العدو الصهيوني. والحقيقة أن الهدف الحقيقي للصهاينة هو تفكيك المفكك وتجزيء المجزأ أصلًا، ومخططاتهم، سواء في المغرب أو الجزائر أو السعودية أو مصر، لا تخفى على أحد، وهي تهدف إلى زرع الشقاق بين الأنظمة وشعوبها، وتحريك النعرات الداخلية لإضعاف الدول القائمة، ودفعها إلى صراعات لا تنتهي. ولذلك، لو كان السيد مقري صادقًا في دعوته وغيرته، لتوجه بها إلى النظام الحاكم في الجزائر، مطالبًا بإنهاء دعمه المتواصل للمشروع الانفصالي في تندوف، ذلك المشروع الذي تحتضنه الجزائر وتوفر له الغطاء السياسي والدبلوماسي، وهذا العداء الجزائري للمغرب، للأسف، هو حجر الزاوية في خطاب دعاة التطبيع داخل بلادنا، وهو حجة يتذرع بها البعض للاقتراب من إسرائيل، وبذلك تصبح الجزائر شريكة، بطريقة غير مباشرة، في هذا الخيار السياسي والدبلوماسي، رغم اختلافي معه. كان على السيد مقري، إن كان صادقًا في دعواه، أن يوجّه رسالته إلى الشعب الجزائري، داعيًا إياه للثورة على نظام عسكري أوليغارشي يبدد ثرواته النفطية في دعم مشروع الانفصال لإضعاف جاره الغربي، ودعم مشروع الاستبداد لإضعاف جاره الشرقي، وهو إضعاف لا يخدم في النهاية إلا المشروع الصهيوني… لو يعلمون! ولو كان السيد مقري منسجمًا مع نفسه فعلًا، لدعا النظام الجزائري إلى السماح لشعبه بالخروج إلى الشارع، والتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين، بدل التوجه بالنصح والوعظ إلى النظام المغربي الذي لم يمنع شعبه من التظاهر، وترك المسيرات المليونية ترفع صوتها في الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش، وفي جل الحواضر المغربية، فضلًا عن مئات المسيرات والوقفات اليومية التي تساند الشعب الفلسطيني، وتطالب بوقف التطبيع، وهو ما شهدت به المقاومة في غزة، وحيّته أكثر من مرة. جرب، يا سيد مقري، أن تعيش هذا التضامن الصاعد من قلب الشعب وروحه في الجزائر، قبل أن تقترح علينا 'الثورة' في المغرب. حاول فقط، وناضل على هذه الجبهة، وبعدها تعال لنناقش معك تصوراتك وأوهامك عن الأوضاع في المغرب. النضال على جبهة توسيع الحريات ورفع القمع عن الشعب الجزائري سيكون أجدى وأنفع لك، وللشعب، ولفلسطين. جرّب فقط، وردّ علينا… المطلوب من السيد مقري وأمثاله أن يبذلوا جهودهم في تنظيف بيوتهم، وترك المغرب وشأنه، فأهل المغرب أولى وأدرى بشعابه، وتعقيداته، وتحالفاته. *سياسي وجامعي مغربي