logo
#

أحدث الأخبار مع #اليهودية

الأدب الإثيوبي.. ثراء إبداعي أغفلته الترجمة العربية
الأدب الإثيوبي.. ثراء إبداعي أغفلته الترجمة العربية

عكاظ

timeمنذ 7 أيام

  • ترفيه
  • عكاظ

الأدب الإثيوبي.. ثراء إبداعي أغفلته الترجمة العربية

يُعدُّ الأدب الإثيوبي من أثرى الآداب، وأنفسها، لارتباطه بالديانات القديمة، والحضارات المتعاقبة، والأساطير وعالم الماورائيات. ولغة الكتابة الإثيوبية ليست واحدة، فهنا نصوص أدب كلاسيكي باللغة الجعزية التي كانت لغة الأدب الإثيوبي إلى القرن التاسع عشر، ورومانسي باللغة الأمهرية، وأدب جديد باللغة الإنجليزية، إضافة إلى النصوص المكتوبة بلغات محلية ولهجات محكية. ويضم الأدب الكلاسيكي (الجعزي): السرديات التاريخية، والشعر البطولي، وأعمال التأمل الفلسفي، فيما كُتبت الأعمال الرومانسية باللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية لإثيوبيا، وعقب الحرب العالمية الثانية، اعتمد كتاب لغات حيّة من خارج الحيّز الجغرافي منها، الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. ويرتبط الأدب الإثيوبي باللغة ارتباطاً وثيقاً، وكانت اللغة الجعزية فاعلاً ومؤثراً باعتبارها لغة الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، وتأثر الأدب الإثيوبي بالعديد من الثقافات والحضارات الأخرى، بما في ذلك الحضارة المصرية القديمة واليهودية، وتنوّع الأدب في لغاته وموضوعاته بحكم تنوّع القوميات العاشقة للحياة، والطامحة للتعارف والتعايش مع الشعوب بمحبة واحترام. ويؤكد الروائي السوداني، المقيم في باريس، عبدالعزيز بركة ساكن، أن أوّل مظهر للأدب الإثيوبي المكتوب باللغة الجعزية، كتبه القديس «يارد» قبل 1500 عام، لافتاً إلى أن النصوص الأولى، سُجّلت على الحجارة، وبعض المواد الثابتة الأخرى، وارتبطت الكتابة بنصوص دينية، إلا أنه عقب انتشار المسيحية بصورة واسعة، تحوّلت إلى كتابة على أسطح ناعمة مثل البردى وغيرها، موضحاً أنه اشتهر من الأدباء، القديس «سالاما» باعتباره شخصية أدبية ذات شأن، وعُرف بين مجايليه بالقديس التاسع. ويرى أن الكتابة الأدبية تأثرت بالمواضيع الدينية، والتاريخية، والمعجزات وقصص الملوك، وعدّ أشهر كُتّاب تلك المرحلة، إلى جانب القديسين «يارد» و«سالاما»، «بييد ماريام، وناكاتو لياب، ويمرهاني كريتوس»، مشيراً إلى أنّ مسيرة الأدب الإثيوبي المكتوب باللغة الأمهرية، ولغة التغرية، والأرومو، واللغات الأخرى، مضى هادئاً وبعيداً عن صخب لغات العالم، مضيفاً أن بعض الأدباء الإثيوبيين ممن هاجروا إلى بلاد الغرب، كتبوا بلغات أوروبية مثل الإيطالية والإنجليزية والفرنسية. وذهب إلى أنه في عام 1692م، نُشر أول ديوان شعر كتب بنحو اللغة الأمهرية، وتم نشره، للشاعر ابا جورجوريوس، لافتاً إلى أنه يمكن إطلاق اسم الشاعر الأول للأدب الإثيوبي، على الشاعر «بلاتا غبررا ايزيابهر جيلا» (1855-1906). وكشف ساكن عن ترخنة أول رواية إثيوبية حديثة، بعنوان «توبيا» للروائي «نقادراس افرورك غبرايسوس» (1860-1935). وأضاف ساكن: هناك مئات الكُتّاب والكاتبات في إثيوبيا، ممن لا يتسع المقام هنا لذكرهم جميعاً، وربما لا يمكن تتبع الأدب الإثيوبي بالدقة المطلوبة. وعزا عدم شهرة الأدب الإثيوبي، إلى أن كبار الكُتّاب كتبوا بلاغاتهم المحلية، ولم تكن هناك حركة ترجمة فاعلة لتجسير الهوة وتقديم الأدب الإثيوبي للعالم العربي بصورة فاعلة، إضافة إلى أن الكتب النقدية والبحثية التي تناولته محدودة جداً. وأوضح ساكن أنه بدأ منذ خمسة أعوام في كتابة أنطولوجية للأدب المكتوب باللغة الأمهرية في إثيوبيا، وعقب أربعة أعوام من العمل المتواصل، وبمعاونة أساتذة في جامعة «دبرو ماركس»، تم إنجاز أول مختارات للسرد الإثيوبي، وهو الآن الكتاب الوحيد في هذا المجال، مشيراً إلى أنه تم نشره باللغة الإنجليزية، وإلى الآن لم يترجم إلى اللغة العربية، وتطلّع إلى أن تسهم مراكز الترجمة العربية في ترجمته، ليتلاشى الفراغ العريض الذي يسبح فيه الجهل بأدب إثيوبيا الذي عدّه في مصاف الآداب العالمية الأخرى، وله ميزات أسلوبية ربما تغني الأدب العربي وغيره. وأكد أن من أبرز الأسماء المعاصرة «فكرماركوي دستا» صاحب كتاب «خلف بوسيا»، ومنهم «يسماكي ورقو» و«سيرق دانيال» و«يلما هابتيس» و«ليمن سيساي». زيارة «عكاظ» لوكالة الأنباء الإثيوبية ومتحف عدوة زارت «عكاظ» الرئيس التنفيذي لوكالة الأنباء الإثيوبية «فوكادو كتما»؛ الذي منحنا فرصة الاطلاع على أرشيف صحيفة «العَلم» التي تصدر باللغة العربية، واطلعنا رفقة الصحفي محمد إسماعيل، على بعض الأخبار عن العلاقات السعودية الإثيوبية، وقمنا بزيارة متحف عدوة التذكاري، الذي يحظى بأهمية قومية لتذكير الإثيوبيين بما واجهه الأجداد من تحدٍ في مجابهة الاستعمار وتحقيق السيادة الوطنية. ويعد المتحف تكريماً لذكرى الجنود والقادة الإثيوبيين، ويحتوي على مجموعة من القطع الأثرية والصور الفوتوغرافية، والمجسدات الفنية تلخص الأحداث التاريخية لمعركة عدوة، إلى جانب توثيق التاريخ الإثيوبي. أخبار ذات صلة

تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام

BBC عربية

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • منوعات
  • BBC عربية

تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام

على الرغم من أن أرض الحجاز بصفة عامة تخلو اليوم من وجود اليهودية والمسيحية، وأي دين آخر غير الإسلام، باستثناء بعض الزوار والعاملين الأجانب، فإن تاريخ هاتين الديانتين في أقدس مدينتين إسلاميتين، مكة والمدينة، قديم جدا، بحسب كثير من المؤرخين. فقبل ميلاد السيد المسيح في بيت لحم بأكثر من خمسة قرون على الأقل، عَرف العرب اليهودية، على الرغم من التضارب في تأريخ زمن دخول هذه الديانة أرض العرب على وجه التحديد. فقد جاء في سِفر "أخبار الأيام" بالعهد القديم من الكتاب المقدس أن بطون بني شمعون سارت إلى أرض طور سيناء مع ماشيتها لتبحث لها عن مرعى، إلى أن وصلت أرض قبائل معان [جنوب الأردن حالياً]، فاشتبكت معها في قتال عنيف انتهى بفوز بطون شمعون. وشمعون بالعبرية أو سمعان بالعربية هو أحد أبناء يعقوب، وأطلق على نسله "بنو شمعون". ويقول الدكتور إسرائيل وُلفنسون، أستاذ اللغات السامية بدار العلوم بمصر في عشرينيات القرن الماضي، إن هجرتهم المذكورة في العهد القديم هي "أول هجرة مشهورة في تاريخ بني إسرائيل إلى بلاد العرب". وذكر المؤرخ العراقي جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، أن بعض أهل الأخبار ذكروا أن أقدم من سكن "يثرب" وهو الاسم القديم للمدينة المنورة، قوم يقال لهم "صُعل" و"فالج"، وأن الملك أو النبي "داوود" غزاهم وأخذ منهم أسرى، ثم سكنها "العماليق"، فأرسل عليهم النبي "موسى" جيشاً انتصر عليهم ولم يترك منهم أحداً، وسكن اليهود في مواضعهم. وبحسب أبي فرج الأصفهاني، المؤرخ وعالم الأنساب في العصر العباسي، "كان ذلك الجيش [جيش موسى] أول سُكنى اليهود المدينة، فانتشروا في نواحي المدينة كلها إلى العالية، فاتّخذوا بها الآطام [الحصون] والأموال والمزارع، ولبثوا بالمدينة زمانا طويلاً". أما علي السمهودي، مؤرخ المدينة المنورة ومفتيها الذي توفي في أوائل القرن العاشر الهجري، فحكى أن النبي موسى مر على المدينة ومعه بعض بني إسرائيل، خلال حجهم إلى البيت العتيق في مكة، فوجدوا يثرب مطابقة لوصف "بلد نبيّ يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيين". وأضاف السمهودي في كتابه "خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى" أن طائفة ممن صحبوا النبي موسى قرروا أن يتخلفوا عنه ويبقوا في هذا المكان، "فنزلوا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تألف إليهم أناس من العرب ورجعوا على دينهم [اعتنقوا اليهودية] فكانوا أول من سكن موضع المدينة". وربما يؤيد هذه الرواية حديث نبوي ضعيف السند، يقول إن الأنبياء جميعاً حجوا إلى البيت العتيق [الكعبة] في مكة، ومن بينهم النبي موسى، ما يشير إلى احتمال وجود يهود في زمانه. ويرى الدكتور وُلفنسون في رسالته (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) المطبوعة عام 1927م، التي كتب مقدمتها الأديب المصري الدكتور طه حسين، أنه يمكن الاستنباط مما ذُكر في العهد القديم وفي أخبار المؤرخين العرب، أن "بطوناً إسرائيلية وُجدت في يثرب وخيبر قبل وصول جموع اليهود إلى الأصقاع العربية" في زمن لاحق. الملاذ الآمن بعد الميلاد بعد ميلاد السيد المسيح، ازدادت هجرة اليهود إلى الجزيرة العربية بشكل عام، وإلى أرض الحجاز بشكل خاص، بحسب وُلفنسون، الذي علل تلك الهجرة بالزيادة السكانية في أرض فلسطين آنذاك، وبحرب الرومان واليهود. وقد جاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني أن الروم لما انتصروا على بني إسرائيل بالشام "فوطئوهم، وقتلوهم، ونكحوا نساءهم"، هرب بنو النضير وبنو قُرَيْظة وبنو بهدل، والتحقوا باليهود الموجودين في الحجاز. وأضاف الأصفهاني أن الحجاز كانت ملاذاً آمناً لبني إسرائيل من الرومان، نظراً للطبيعة الصحراوية التي تفصل الشام حيث الروم، عن الحجاز؛ حتى أن ملك الروم حين أرسل جنوده لإعادة اللاجئين من اليهود "انقطعت أعناقهم [الرومان] عطشاً فماتوا". وبحسب الأصفهاني، نزل بنو النضير ومن معهم بوادي بطحان، أحد أبرز أودية يثرب، ونزلت بنو قريظة وبهدل ومن معهم بوادي مهزور. وكان ممن يسكن المدينة من اليهود، قبل هجرة قبيلتي الأوس والخزرج من اليمن، بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا [أو زعوراء بحسب بعض الروايات]، وبنو قَينُقاع، وبنو زيد، وبنو النَّضِير، وبنو قُريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، كما كتب الأصفهاني. وأشار الأصفهاني إلى وجود عرب إلى جانب يهود بني إسرائيل، أي أن بعض عرب يثرب اعتنقوا اليهودية، وذكر من بينهم "بني الحرمان وبني مرثد وبني نيف وبني معاوية وبني الحارثة بن بهثة وبني الشظية". وتؤكد روايات المؤرخين العرب أن يهود يثرب كانت لهم مكانة كبيرة وثروة هائلة وخبرة بالزراعة؛ حيث قال السمهودي "ولم تزل اليهود ظاهرة على المدينة" حتى هجرة الأوس والخزرج من اليمن مع انهيار سد مأرب. وجاء في كتابه أنه "كان ممن بقى من اليهود، حين نزل الأوس والخزرج عليهم، بنو القصيص وبنو ناغصة مع بني أنيف، وبنو قريظة ومعهم إخوتهم بنو هدل [بهدل] وبنو النضير وبنو قينقاع" وغيرهم مع ذِكر مواضع إقامتهم. وأضاف السمهودي أن قبائل يهود يثرب كانت تزيد على العشرين، وكانت لهم "آطام" أو حصون تزيد على السبعين، "وقد بادوا" أي انتهى وجودهم، دون ذكر أسباب. أما في مكة، فلم تتحدث كتب التاريخ عن وجود بارز لليهودية فيها عبر تاريخها، بالمقارنة بيثرب؛ حيث لم تذكر المصادر التاريخية القديمة وجود حي خاص باليهود في مكة أو معبد خاص، إلا أن اليهود كانوا يترددون عليها بغرض التجارة، كما يتردد أهل مكة على يثرب للسبب ذاته. وحكى السمهودي، مؤرخ المدينة المنورة في كتابه، عن تحالف الأوس والخزرج مع القبائل اليهودية في يثرب، إلى أن صار للقبيلتين اليمنيتين شأن كبير ومال وفير، فخاف بنو قريظة وبنو النضير من أن يعلو شأن الأوس والخزرج، فسعوا إلى نقض الحلف. وكشف المؤرخون عن فتن وعداوات حدثت بين الأوس والخزرج وبين اليهود، كان أبرزها ما روي عن أن مالك بن عجلان سيد الأوس والخزرج قبل الإسلام، استغاث بأبناء عمومته في الشام. وذكر الأصفهاني وابن الأثير الجزري، أن أبا جبيلة الغساني الذي كان على الشام، أراد أن يكسر شوكة يهود يثرب، فبعث في طلب أشرافهم ثم قتلهم، وفعل ابن عجلان بهم المثل حتى قتل منهم أكثر من 80 رجلاً. وأضاف الأصفهاني أن اليهود بعد ذلك تخلوا عن نصرة بعضهم البعض، فكان إذا أصابهم أذى من أحد من الأوس أو الخزرج، استغاثوا بآخرين من القبيلتين يطلبون حمايتهم، "فكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يتعززون بهم". ويشكك الباحث اليهودي وُلفنسون في هذه القصة، مشيراً إلى "يوم بُعاث" الذي شهد حرباً ضروساً طويلة الأمد بين الأوس والخزرج، استعان فيها بعضهم ببني قريظة والنضير، "حتى أن بني النضير وقريظة أثخنوا في [بالغوا في قتل] بني قينقاع ومزقوا شملهم بسبب انضمامهم إلى بني الخزرج ليكونوا عوناً لهم على أبناء جلدتهم". وأضاف وُلفنسون: "وقد ظل اليهود بعد هذا اليوم محتفظين بمكانتهم بين القبائل العربية حتى أن الأوس والخزرج كانتا تحسبان لقوتهما حساباً كبيراً، وكانت كل منهما تجتهد في أن تميلهم إليها ليساعدوها في كفاحها ضد الأخرى". المسيحية و"مجوس" العرب لا شك في أن دخول المسيحية إلى جزيرة العرب كان أقرب زمناً، بالنظر إلى أنها ديانة أحدث عهداً من اليهودية. ومع ذلك، فإن الأخبار عن المسيحيين في أرض الحجاز تكاد لا تُقارن بأخبار اليهود. ويقول الأديب والمؤرخ اللاهوتي الأب لويس شيخو، إن العرب "نالوا شيئاً من أنوار النصرانية منذ بزوغ شمسها"، موضحاً أن أول من تبع السيد المسيح منهم، هم شيوخ عُرِفوا بالمجوس "فأتوا إلى بيت لحم وأَهْدَوا الرب ألطافهم وسَجَدوا له في مَهْده"، كما أخبر متّى في إنجيله. ورغم أن الكتاب المقدس لم يذكر أن هؤلاء المجوس من العرب، إلا أن شيخو رجح كونهم عرباً؛ لِما ذُكر عن أنهم أهدوا السيد المسيح الذهب واللبان والمر، "وكلها من مرافق بلاد العرب"، بحسبه. كما يؤكد الأب شيخو الذي توفي في عشرينيات القرن الماضي، أنّ أول مَن يُذْكَر من الرُّسل أنه دخل بلاد العرب هو القديس بولس الرسول، حين "هرب من دسائس اليهود إلى جزيرة العرب، حيث أقام مدة". ومع ذلك، يرى الدكتور محمد إبراهيم الفيومي، أستاذ الفلسفة الإسلامية، أن المسيحية بقيت رهينة لغتها السريانية أو الرومانية، فلم تنتشر انتشارا ملحوظاً، ولم ينتشر كتابها المقدس بين العرب؛ لأنه لم يترجم إلى اللغة العربية، وكل من اعتنقوها من العرب كانوا على صلة باللسان الأعجمي. وينقل شيخو في كتابه "تاريخ النصرانية في جزيرة العرب" عن تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام أنهما قالا إن ابن تلما المعروف باسم "برتلماوس" أحد الحواريّين الذين اختارهم السيد المسيح ليكونوا تلاميذاً له، كان ممن توجه إلى الحجاز. وجاء في ترجمة القديس يعقوب أسقف أورشليم، أن برتلماوس "نَصَّر أرض فلسطين وما يليها من ناحية حِمْص وقَيْسارِيَّة والسامرة وبادية الحجاز". ومع ذلك، يرى جواد علي صعوبة تحديد زمن دخول النصرانية إلى جزيرة العرب، موضحاً أن البحث عن وثائق مكتوبة هو السبيل الوحيد للتيقن من حقيقة الأمر "بوجه لا يقبل الشك ولا التأويل". ويرجح المؤرخ العراقي أن دخول المسيحية بلاد العرب كان بالتبشير وبدخول بعض النُسّاك والرهبان إليها للعيش فيها "بعيدين عن ملذات الدنيا"، وكذلك "بالتجارة وبالرقيق ولاسيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة". وينفي أن تكون المسيحية قد دخلت الجزيرة العربية عن طريق هجرة نصرانية كهجرة بعض اليهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين؛ معللاً ذلك بأن المسيحية انتشرت في إمبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج، ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، وبالتالي لم يضطر المسيحيون إلى الهجرة الجماعية إلى بلد غريب. "نصرانية شرقية" وقد تمتع كثير من المبشرين المسيحيين بالعلم والمنطق ووسائل إقناع تؤثر في النفوس، بحسب جواد علي، الذي أضاف أنهم تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم. ويرى علي أن سادات القبائل والحكام العرب التابعون لهم صاروا نصارى، "لكنهم لم يأخذوا نصرانية الروم، بل أخذوا نصرانية شرقية مخالفة لكنيسة القسطنطينية، فاعتنقوها مذهبا لهم. وهي نصرانية عُدَّت هرطقة وخروجاً على النصرانية الصحيحة الأرثوذكسية في نظر الروم". وأضاف أن منهم من تمكن من إقناع بعض العرب في الدخول في النصرانية، ومنهم من أثر على بعضهم فأبعده عن الوثنية، "لكنهم لم يفلحوا في إدخالهم في دينهم، فبقوا في شك من أمر الديانتين، يرون أن الحق في توحيد الله وفي اجتناب الأوثان، لكنهم لم يدخلوا في نصرانية، لأنها لم تكن على نحو ما كانوا يريدون من التوحيد وتحريم الخمر وغير ذلك مما كانوا يبتغون ويشترطون". وربما يشير المؤرخ العراقي هنا إلى فئة قبل الإسلام، عُرفوا بالحنفاء الذين رفضوا عبادة الأوثان، وكانوا يؤمنون بوحدانية الإله من دون الانتماء إلى عقيدة بعينها. ويقول جواد علي إنه كان في مكة والطائف ويثرب وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب رقيق [عبيد] من النصارى، كانوا يقرأون ويكتبون للناس ويفسرون لهم ما جاء في التوراة والأناجيل، ويقصون عليهم قصصاً ويتحدثون إليهم عن النصرانية. ويرجح شيخو أن أهل يثرب قبل الإسلام من غير اليهود، قد اعتنقوا النصرانية بعد أن كانوا يعبدون (مَناة) التي كانت من أشهر أوثان الجاهلية، مستدلاً في إثبات ذلك على صلة الأوس والخزرج بالغساسنة، القبيلة العربية جنوب بلاد الشام والتي كانت نصرانية الديانة. ويؤيد رأي شيخو ما قاله الشهرستاني، أحد فلاسفة المسلمين في القرن الخامس الهجري، في كتابه "المِلَل والنِّحَل" عن أن "الفرقتين المتقابلتين قبل المبعث هم أهل الكتاب والأميون. والأمي من لا يعرف الكتابة، فكانت اليهود والنصارى بالمدينة والأميون بمكة". وجاء في التقويم القديم للكنيسة الكلدانية الذي نشره الخوري بطرس عزيز سنة 1909 أن النساطرة الذين لا يؤمنون باتحاد الطبيعة البشرية والإلهية في شخص المسيح، "أقاموا مطروبوليطًا [مجتمعاً كبيراً] في يثرب، وكان فيها ثلاث كنائس على اسم إبراهيم الخليل، وأيوب الصِّدِّيق، وموسى الكليم". ويعلق شيخو بأنه وجد رواية مطابقة في تقويم آخر مخطوط لأحد أهل الموصل. وقال المؤرخ العباسي، اليعقوبي: "وأما من تنصّر من أحياء العرب، فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى، منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وورقة بن نوفل بن أسد. ومن بني تميم: بنو امرئ القيس بن زيد مناة، ومن ربيعة: بنو تغلب، ومن اليمن: طئ ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم". المسيح وأمه في جوف الكعبة يقول شيخو إن أقدم ما رواه كتبة العرب صريحاً عن النصرانية في مكة، ما ورد في أثناء تاريخ قبيلة "جُرْهم الثانية" حين قالوا إن جُرْهم استولوا بعد بني إسماعيل على الحجاز، وصارت إليهم سدانة [رعاية] بيت الحرم في مكة ومفاتيح الكعبة. وعلى الرغم من عدم المعرفة الدقيقة لعهد دولة بني جُرْهم، إلا أن شيخو ينقل عن مُؤرِّخي العرب كابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء وغيرهم، أن سادس ملوك جُرْهُم كان يُسمى عبد المسيح بن باقية بن جُرْهُم. كما ورد في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أن الحرم المكي كان له خزانة في عهدة بني جُرهم، تشمل الحلي والهدايا التي تُقدم للكعبة، تحت إشراف أحد الأساقفة. وجاء في كتاب "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" للإمام الأزرَقي الذي عاش بين القرنين الثاني والثالث الهجري، أن النبي محمد في يوم فتح مكة، أمر بطمس الصور المعلقة داخل الكعبة، باستثناء صورة للسيد المسيح وأمه، وضع النبي محمد كفيه عليها قائلاً "إلا ما تحت يديّ". وجاء في "سير أعلام النبلاء" للإمام شمس الدين الذهبي، كما نقل الأزرقي أن صورة السيد المسيح وأمه كانت في العمود الذي يلي باب الكعبة، وأضاف الأزرقي أن الفقيه عطاء بن رباح قال إن هذا التصوير دُمّر مع حريق الكعبة أيام عبد الله بن الزبير. كما ذكر الأزرَقي وجود مقبرة للنصارى على يمين الخارج من مكة إلى المدينة. ويرجح شيخو أن "مسجد مريم" الذي ذكره المقدسي في جغرافيته بجوار مكة، يعود لكنيسة أو أثر ديني باسم مريم العذراء في عهد الجاهلية قبل الإسلام. ويؤيد الأب لويس شيخو ما ذهب إليه بعض المستشرقين كسبرنغر ووِلهوْزن وكوسان دي برسفال، بأن الحنيفية في الجاهلية هي الديانة النصرانية بعد أن خالطتها بعض تعاليم أخرى. بل ويرى شيخو أن السَّمَوْأل، الشاعر الجاهلي الشهير، قد تنصّر بعد أن كان يهودياً، كما عُرف عنه، مستدلاً على ذلك بأصل قبيلته وببعض ما ورد في أشعاره. في فجر الإسلام بعد هجرة النبي محمد إلى يثرب، التي سماها لاحقاً المدينة المنورة، عقد النبي معاهدة ودية مع أهلها فيما عُرف بـ"صحيفة المدينة"، لتنظيم العلاقة بين المهاجرين والأنصار، ويهود يثرب. ومع ذلك، كان هناك جدل عقائدي مستمر بين أحبار اليهود والنبي، واشتد النزاع بين اليهود والأنصار بحسب ما وثق الرواة ومن بينهم البخاري، ما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث أزمة سياسية. فلم يمض 18 شهراً من قدوم النبي إلى يثرب حتى توترت الأجواء فيها، "وجعل كل فريق يتواصى بالحذر والنفور من الفريق الآخر" بحسب وُلفنسون في دراسته، مضيفاً أن تغييرات دينية كتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة زادت من احتدام الأزمة. وقد تجلت الأزمة السياسية في المدينة بدءاً من العام الثاني من الهجرة، مع إجلاء بني قينقاع، ثم بني النضير وأخيراً قُريظة، بعد ما رُوي عن نقضهم المعاهدات وتحالفهم ضد المسلمين في غزوة الخندق أو الأحزاب، فقُتل بعضهم في حين نزح أشرافهم إلى خيبر شمالي المدينة. وفي السنة السابعة من الهجرة، وقعت غزوة خيبر التي خاضها المسلمون ضد اليهود بعد ما أورده المؤرخون عن مشاركتهم في تحريض قريش وغطفان على المسلمين. وقد طلب اليهود الصلح بعد حصار المسلمين لهم وقتالهم، فاستجاب لهم النبي محمد، وبقي اليهود على أراضيهم على أن يعطوا نصف ثمارها للمسلمين. كما تصالح يهود فَدَك - وهي أرض زراعية شمال خيبر ضمن منطقة حائل اليوم - ويهود تيماء - في منطقة تبوك اليوم - من دون قتال. وقد وردت أدلة على ألسنة المؤرخين تشير إلى عودة بعض يهود بني قُريظة إلى المدينة في وقت لاحق، وإلى وجود يهود آخرين من قبائل أخرى كانت لهم معاملات مع المسلمين. بل وذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي محمد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي. أما المسيحية، فقد جاء في سيرة ابن هشام أنه لما وصل النبي محمد إلى تبوك بأطراف الحجاز، "أتاه يُحنة [يوحنا] بن رؤبة، صاحب أيلة [حاكم العقبة]، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه الجزية". ونقل شيخو عن المؤرخ في العصر العباسي أبو الحسن المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" قوله إن "يُحنَّة بن رؤبة كان أسقف أَيْلة، وأنه قدم على محمد سنة تسعة للهجرة وهو في تَبوكَ، فصالَحه على أن لكل حالمٍ [إنسان بالغ] بها ديناراً في السنة". ومما ورد عن الوجود المسيحي في صدر الإسلام ما نقله جواد علي عن لسان العرب للأديب المؤرخ ابن منظور، وعن جلال الدين السيوطي في كتابه "الدر المنثور"، أن النبي محمد "رأى عدي بن حاتم الطائي وفي عنقه صليب من ذهب، لأنه كان على النصرانية". وقد استدل لويس شيخو على وجود اليهود والمسيحيين في المدينة بعد وفاة النبي محمد بما نُسب إلى الصحابي الشاعر حسان بن ثابت في رثاء النبي محمد: فَرِحتْ نصارى يثربٍ ويهودُها لمَّا توارى في الضريح المُلْحَدِ كما عاش المسيحيون في دومة الجندل ووادي القرى، التي كانت على طريق التجارة الرئيسي مع الشام، وفي تيماء وتبوك.

ترامب في ذكرى وفاة "الريبي": ملتزم باستعادة السلام في الشرق الأوسط
ترامب في ذكرى وفاة "الريبي": ملتزم باستعادة السلام في الشرق الأوسط

روسيا اليوم

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • روسيا اليوم

ترامب في ذكرى وفاة "الريبي": ملتزم باستعادة السلام في الشرق الأوسط

وقال ترامب في رسالته: "من خلال القوة العظيمة والتصميم الذي لا هوادة فيه والصلاة، أنا ملتزم باستعادة السلام إلى العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط، والقضاء على الكراهية المعادية للسامية أينما رفعت رأسها. أعتقد أن هذا هو إرث الحارم". وأشاد ترامب بشخصية مناحم، واعتبره من أعظم القادة الدينيين في التاريخ الحديث، مشيرا إلى دوره في إحياء الإيمان اليهودي بعد المحرقة. وعبر عن تأثره الشخصي بزيارة ضريحه، معتبرا أن إرثه الروحي ما زال يلهم الملايين، وساهم في قضايا مهمة مثل إصلاح العدالة الجنائية. والحاخام مناحم مندل شنيرسون، المعروف بلقب "الريبي"، هو زعيم ديني يهودي بارز ولد عام 1902 في أوكرانيا وتوفي عام 1994 في نيويورك. قاد حركة "حَباد لوبافيتش" منذ عام 1950، واعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم اليهودي الحديث. ساهم في إحياء الحياة اليهودية بعد المحرقة عبر إرسال آلاف المبعوثين الدينيين حول العالم، وأسس شبكات من المدارس والمراكز والمعابد. جمع بين الفكر الديني والتوجه الإنساني، وكان يحظى باحترام دولي واسع، حتى أنه منح الميدالية الذهبية من الكونغرس الأمريكي. المصدر: Collive

أوروبا والكيان شيء من التاريخ
أوروبا والكيان شيء من التاريخ

الميادين

time٠٢-٠٦-٢٠٢٥

  • أعمال
  • الميادين

أوروبا والكيان شيء من التاريخ

بالعودة إلى الجذر الأيديولوجي للصراع بين اليهودية والمسيحية كما بقيّة الأديان والجماعات، فإنّ سفر التكوين التوراتي يؤسّس للنظرية العنصرية اليهودية (شعب الله المختار) مقابل (شعب المسيح الدجال) والبقيّة (غوييم – أغيار) بمستوى البهائم. فاليهودية لم تعترف بالمسيح حتى الآن وتنتظر ما تسمّيه المسيح الحقيقي في هرمجدون، ويشار كذلك إلى موسى بن ميمون، طبيب ومستشار صلاح الدين الأيوبي والمؤسس الثاني لليهودية، والذي وصف المسيح بـ (النبي الدجال) إضافة إلى تطاوله على الرسول الكريم بطريقة مماثلة، وذلك بحسب (الرسالة اليمنية) المعروفة لابن ميمون. لم تكتفِ اليهودية بما ورد في سفر التكوين، بل واصلت عداءها للمسيحية بكلّ تعبيراتها الشرقية والرومانية بعد تمسّح الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادي، وقابلتها روما بالملاحقة من روما الوثنية إلى روما المسيحية، كما نعرف أنّ الأدب العبري مثل أعمال عاموس عوز ذهب ولا يزال إلى أنّ الحروب الصليبية كانت حروباً ضد اليهودية، تواصلت في أوروبا نفسها على يد محاكم التفتيش الإسبانية. وسيمضي وقت قبل أن تندلع الثورة الرأسمالية وتجتاح الإمبراطوريات الإقطاعية الأوروبية وتقصي الكنيسة والفاتيكان عن كرسي القرار الرسولي الأعظم الشامل، فما من إمبراطور أو ملك حتى اندلاع تلك الثورة اكتسب قيمته الزمنية إلا عبر تطويبه المقدّس من البابا. مقابل النظرة السائدة الطاغية حول ذلك، والتي تعتبر الثورة اللوثرية (البروتستنت) أكبر إصلاح ديني في التاريخ، فقد أظهرت الوقائع والتحوّلات أنّ هذه الثورة بقدر ما أضعفت نفوذ الكنسية، الكاثوليكية والأرثوذكسية، بقدر ما قامت بتهويد المسيحية وكرّست النفوذ المالي اليهودي على العالم الأوروبي ثم الأميركي والرأسمالي عموماً. فهي بحسب ماركس في كرّاسه (المسألة اليهودية) وبحسب ماركسي آخر هو "سومبارت"، لم تكن سوى رافعة للربى اليهودي وتجلّياته السريعة في عالم المصارف والبورصة، أي أنّ أوروبا الجديدة صارت يهودية أكثر، وصارت قراءة العهد الجديد (الإنجيل المسيحي) مشروطة بقراءة العهد القديم اليهودي ضمن كتاب مقدّس واحد لا يعترف قسمه الأول بالمسيح حتى الآن. يشار هنا إلى أنه من أخطر تداعيات هزيمة الأندلس، وسيطرة التحالف الكاثوليكي (فرديناند وإيزابيلا) وملاحقة اليهود، هرب الغالبية الساحقة منهم باتجاهات متعدّدة: فقراء اليهود إلى المغرب وشمال أفريقيا عموماً، وهرب الأغنياء منهم إلى بلاطين، ازدهرا بسبب ذلك، الأول هو البلاط العثماني حيث تحكّم اليهود بالمالية العثمانية على مدار التاريخ، وصولاً إلى تأسيس البنك العثماني أواخر القرن التاسع عشر (لتسديد الديون العثمانية)، أما البلاط الثاني فهو البلاط الهولندي رغم أنه كان تابعاً لإسبانيا، وبسبب هذه السيطرة تحوّلت هولندا من بلد (الشحاذين) إلى أول دولة استعمار بحري في التاريخ (قبل بريطانيا) فتلازمت المسيحية المتهوّدة مع الثورة البروتستنتية مع الربا اليهودي والثورة البرجوازية. في هذا السياق، وضمن الإيقاع الرأسمالي الذي وحّد اليهودية مع الرأسمالية الصاعدة في أوروبا، ولدت فكرة الصهيونية والأرض اليهودية المزعومة في فلسطين، كمحطة استعمارية بين طرق الهند الشرقية وقناة السويس، وصارت "إسرائيل" جزءاً أساسياً من المصالح الإمبريالية التي أسّست ودعمت هذا الكيان. أيضاً، وتحت العنوان المزيّف لتكفير أوروبا عن ذنب إنتاج الظاهرة النازية، دخلت أوروبا كلّها تحت الابتزاز الصهيوني ولا تزال، والذي وصل إلى مستوى غير مسبوق من المبالغات المريضة، بإصدار قوانين تمنع أيّ انتقاد للصهيونية وجرائم ذراعها الإسرائيلية بحجة معاداة السامية، متجاهلة أمرين هامّين: 1- التنسيق الذي كشف عنه بين النازية والصهيونية عبر اتفاقية (هعفراه)، التي ربطت بين رفع الحصار الغربي عن الاقتصاد الألماني مقابل تسهيل هجرة الشباب اليهود إلى فلسطين من دون أن تكترث الصهيونية بمصير بقية اليهود من الكهول، نساء ورجالاً، وبالإضافة إلى معطيات الاتفاقية المذكورة، ثمّة وثائق جديدة تظهر أنّ غالبية اليهود الذين اعتقلتهم النازية وأبادتهم، كانوا من نشطاء الحزب الشيوعي الألماني، الذي سبق لليهود أن أدّوا دوراً كبيراً في تأسيسه، ولم تحدث تلك الإبادة بأفران الغاز المزعومة، بل عبر عمليات إعدام جماعية، أما فكرة المحارق المتداولة فكانت لعشرات الآلاف من جثث قتلى الحرب عموماً بمن فيهم الجنود الألمان تجنّباً للأوبئة. 29 أيار 08:32 22 أيار 20:56 2- الكذبة الثانية، كما الأولى هي كذبة العداء للسامية والتي باتت تطال العرب والفلسطينيين بشكل خاص، فإضافة إلى أنّ مصطلح السامية مصطلح غير علمي وغير تاريخي ومستمد من التدوين اليهودي للتوراة، فالمجال الجغرافي – الاجتماعي لهذا المصطلح هو العرب بشكل أساسي الذين يصفهم بعض علماء الاجتماع والإنثروبولوجيا بالساميّين، أما اليهود الذي شحنتهم السفن الإمبريالية إلى فلسطين، فغالبيتهم الساحقة من الخزر الأتراك و"السلاف" الذين ينسبون إلى (العنصر الآري) وكانوا يتوزّعون بين جزيرة القرم وبحر قزوين وشرق روسيا. مما لا شكّ فيه أنّ الصمود المذهل للشعب العربي الفلسطيني في غزّة ومقاومته البطلة، رغم ماكينة الإجرام والتوحّش الصهيوني غير المسبوقة والتي طالت عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، بدأت تحرّك المياه الراكدة على مستوى الرأي العام الجمعي في كل العالم، بما في ذلك أوروبا، تساندها تغذيات ثانوية من جمعيات ناشطة في مجال حقوق الأطفال والنساء وتيارات إنسانية، سواء في بعض الأوساط الديمقراطية والكنسية أو في الأوساط الطالبيّة التي تمتلك تراثاً من أيام العدوان الأميركي على فيتنام، والعدوان الفرنسي على الجزائر، ومجمل التاريخ الإجرامي للاستعمار البريطاني. ذلك الحراك مهمّ بالتأكيد، ولكنه لا يرتبط تماماً بالمواقف السياسية لعدد من البلدان الأوروبية، فالحيثيات مختلفة ومن الخطورة بمكان مقاربة ذلك كصحوة ضمير أوروبية أو كدفاع عن القيم الليبرالية، ومن الخطورة أكثر التعويل عليه وانتظار حالة ديغولية تشبه الحالة الفرنسية المفاجئة بعد العدوان الصهيوني على العرب في حزيران 1967. ففرنسا في السنوات الأخيرة من جمهورية ديغول، ارتبطت باحتدام الصراع بين الرأسمالية الفرنسية والرأسمالية الأوروبية، وهو صراع له جذوره في القلق الإنجلوسكسوني من صعود فرنسا داخل القارة الأوروبية. يشار هنا أيضاً إلى أنّ التباينات التي تظهر بين الحين والحين بين واشنطن وأوروبا، تعود إلى عدم استقرار السياسة الأميركية إزاء أوروبا وانشطار هذه السياسة بين خيارين، كما مثلهما بايدن وترامب، الأول مع أوروبا قوية في مواجهة روسيا أياً كانت طبيعة الحكم فيها، والثاني مع أوروبا ضعيفة تحت السيطرة الكاملة لواشنطن. في كلّ الأحوال، وإضافة إلى ما سبق، يعزى ارتفاع النقد الأوروبي لسياسات نتنياهو الإجرامية بحقّ المدنيين في غزّة، لمعطيات منظورة محدّدة، لا ترقى إلى ما هو أبعد من ذلك، فهذا الكيان المجرم ضروري لأوروبا الرأسمالية ضرورته لواشنطن الإمبريالية. من المعطيات المحدودة، أنّ القوى النافذة اليوم في أوروبا وغالبيتها باستثناء فرنسا، تنتمي إلى ما يعرف بالاشتراكية الدولية وعقلها الممثّل بمحفل الشرق الأعظم، والتي وقفت على الدوام إلى جانب الكيان الصهيوني في محطات إجرامية عديدة، فضلاً عن دعم وجوده نفسه على حساب أرض وشعب آخر. إنّ هذه القوى النافذة اليوم ترى في هذا المستوى من الفظائع الصهيونية، صورة من صعود اليمين العنصري المتطرّف في بلدانها مستنداً إلى الحالة الترامبية، مما يهدّد وجودها نفسه كممثّل لأوساط أخرى من المعسكر الرأسمالي، كما تدرك وتتابع كيف انتهت صورتها الليبرالية المزعومة داخل هذا الكيان ممثّلة بالتجمّع "المعراخي" بقيادة حزب العمل وتحوّلت إلى قوة هامشية. - أياً كانت دقة التمييز بين الأوساط الروتشلدية والروكفلرية، والأشكال الجديدة للعولمة وانعكاسها على المتروبولات نفسها، كما رأينا في المعركة التي فتحها ترامب على جيرانه في اتفاقية النافتا، كندا والمكسيك، ثمّة أصوات في أوروبا الرأسمالية ترى في نتنياهو جزءاً من اصطفافات عالمية في قلب الرأسمالية نفسها، وتتمنّى إزاحته وتحاول المساهمة في ذلك على نطاق لا يخدش الأمن العامّ للمصالح الإمبريالية. فآخر ما يعني متروبولات أوروبا وقواها النافذة الحفاظ على ليبرالية مزعومة انتهت مع وفاة مؤسّسها، جون لوك، وحلّت محلّها سريعاً أفكار توماس هوبز وما حمله تلاميذه المستعمرون من مذابح على مدار التاريخ بحقّ شعوب العالم كلّها، بل إنّ أوروبا نفسها لم تنجُ منها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. - أخيراً، ثمّة تحليلات تربط المواقف الأوروبية باستراتيجية قيد العمل لإعادة إنتاج الكيان نفسه من دون نتنياهو وما يمثّله والضغط عليه لصالح توليفة إسرائيلية قادرة على تعميم الإبراهيمية السياسية ودمج الشرق الأوسط بـ "إسرائيل الجديدة".

خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة (3)
خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة (3)

الغد

time٠١-٠٦-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الغد

خرافة "الأمة اليهودية" الواحدة (3)

اضافة اعلان تعتبر فكرة «الشعب اليهودي» الواحد مُحورية في العقيدة اليهودية، بوصفها تعبيراً دينياً يشير إلى طائفة المؤمنين المخلصين الذين يتوجهون بإيمانهم إلى الله تعالى، «إله بني إسرائيل» وحدهم، وفق عهد ديني قائم بينهما، حسب ما تُروّج له اليهودية الأرثوذكسية، المُسيطرة على الحياة الدينية بالكيان المُحتل، وشريك الصهيونية المُخلص في المشروع الاستعماري الاستيطاني بفلسطين المحتلة.لكن اليهودية ليست مرادفة للديانة اليهودية، وإن كانت الديانة اليهودية تشكل جزءاً من اليهودية، في ظل الربط بين اليهودية بوصفها ديانة واليهودية باعتبارها مسمى لجماعة بشرية، بحيث تمثل اليهودية، بالنسبة للسّاسة الصهاينة، الوحدة التي توصف بكونها ديانة قومية تـُعبر عن ثقافة مستقلة ذات طابع متميز يختلف عن باقي المجتمعات المحيطة بها، مما يخالف تاريخ اليهود بمراحله المختلفة، وما مر به من تشتت وفرقة، دفعا هذه الجماعة البشرية للبحث عن «وطن مقدس» في نصوص التوراة والتلمود، التي صاغته بمقولة «أرض الميعاد»، فيما رسخته الصهيونية بمزاعم «الأحقية التاريخية والدينية» في فلسطين المحتلة.ويمكن هنا اعتبار عناصر مفهوم اليهودية بمثابة «هويات» يهودية متعددة ومركبة وليست هوية واحدة، وقد تكون مجرد تسميات، نظراً للأسس التي يقوم عليها تعريف اليهودية: دينية، قومية، أو دينية قومية، ولموقع تعريف اليهودية بين الواقعية والمثالية. ولذا؛ فإن استخدام مفهوم «الهويات» اليهودية أو أعضاء الجماعات اليهودية قد يُعبر بشكل أفضل عن نموذج أكثر تركيبية وتفسيراً لواقع أعضاء الجماعات اليهودية، ويصف التغيرات التاريخية والثقافية والدينية التي دخلت على هذه الهوية وحولتها إلى هويات مختلفة.وهنا؛ نجد أن ثمة تسميات ومصطلحات متعددة ومتداخلة في مفهوم اليهودية، مثل السامية، على سبيل المثال، والعبرانيون، وبنو إسرائيل، والموسويون، وغيرها، فاليهودية مسمى أطلق على جماعات بشرية وليست عرقية كما تحاول اليهودية أو الصهيونية تصويرها، يرتبط بدلالته أكثر من عناصره.وقد ظهر هذا المفهوم في مرحلة معينة من مراحل تطور مجموعة بشرية معينة، كان يشار إليها بتعبيرات أو تسميات أخرى، مثل الإسرائيليون (نسبة إلى الاسم البديل ليعقوب بن إبراهيم)، والعبرانيون (نسبة إلى العبور)، فيما يعتقد بأن أصل تسمية اليهودية مشتق من مملكة يهوذا مملكة الجنوب التي عاصمتها القدس بعد انقسام مملكة سليمان بن داوود عليهما السلام، أو مشتق من «يهوذا» أحد أسباط يعقوب الإثنى عشر أو من إله اليهود «يهوه»، أو من الذين هادوا، أي تابوا ورجعوا، وهذا التعدد يؤكد مدى الخلط والالتباس الذي يحيط بالمفهوم، وهذا لا يعني أن تلك التسميات القديمة قد بادت بل إنها تطورت، مثل العبرية التي اقترنت باللغة، و»إسرائيل» التي باتت الكيان الصهيوني.كما ارتبط المفهوم في بعض الأحيان بالأصل العرقي، وكأنه تسمية لجنس بشري بذاته، اقترن بمجموعة بشرية يعتبرها البعض قومية، بينما ينظر آخرون إلى اليهودية على أنها ثقافة، أو نسق من الأفكار لمجموعات بشرية منتشرة في مجتمعات مترامية، بما يشي باقتران مفهوم اليهودية بتسميات فرعية ارتبطت بتطور جماعة بشرية معينة فكرياً وحركياً، بحيث لا يمكن القول أن له دلالة محددة لأمر محدد واحد وإنما مفهوم معقد ومركب.ولتعزيز البعد الديني في نفوس المستوطنين اليهود؛ ربطت الصهيونية بين عقيدة «الماشيح» أو المسيح المخلص وبين مدينة القدس. «فالماشيح» في الفكر اليهودي ليس إنساناً عادياً، بل سماوياً خلقه الله تعالى قبل الدهر على أن يبقيه في السماء إلى حين تأزف ساعة إرساله في نهاية التاريخ أو «سبت التاريخ» فيظهر في جبل ميرون في الجليل ومن ثم يتوجه من هناك سيراً على الأقدام إلى القدس، التي اكتسبت لدى المتدينين قيمة دينية وفق ذلك الاعتقاد، إبان تجميع شتات اليهود المنفيين والعودة بهم إلى الأرض المقدسة وتحطيم أعداء «إسرائيل» في معركة «هرمجدون»، فيعم السلام بظهوره ويتخذ أورشليم عاصمة له تمهيداً لإعادة بناء «الهيكل»، المزعوم.لا تزال تلك «الأساطير» المُؤسسّة للكيان الصهيوني، هي الحاكمة، فكراً وسلوكاً عنصرياً عدائياً توسعّياً ينحو أكثر للغلوّ والتطرف، ولن تنخلع عنه إلا بصمود الشعب الفلسطيني وثبات مقاومته، فالجيوب الاستيطانية الإحلالية، مهما طال عمرها الافتراضي، مصيرها الزوال.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store