
عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّانية عشَرَة (٢)
لقد ظلَّ الحُسين السِّبط (ع) يرفُض الخرُوج على الطَّاغِية مُعاوية عندما استُشهِدَ الحسَن السِّبط (ع) لأَسبابٍ عدَّةٍ لم تكُن لتُشكِّل الفُرصة العادِلة حسب قراءاتهِ وحساباتهِ وتقييماتهِ للظُّروفِ المُحيطة، فكانَ يجيبُ بالرَّفضِ والنَّفي على أَسئلةِ كبارِ رجالِ الشِّيعةِ ورمُوزهِم الإِجتماعيَّة كُلَّما سأَلُوهُ القِيامَ والنُّهُوضَ وأَبدَوا إِستعدادهُم لنُصرتهِ والوقُوفِ معهُ...
في كُلِّ شيء كانت عاشُوراء عادلةً تحقَّق فيها [العدلُ والإِحسانُ] كما أَمرَ الله تعالى بقولهِ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ).
عاشُوراء كانت حريصةً جدّاً على أَن لا تتجاوزَ على حقٍّ ولو بمقدارِ جَناحِ بعُوضة كما يصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) التزامهِ بالعدلِ بقَولهِ (واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا.
مَا لِعَلِيٍّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لَا تَبْقَى! نَعُوذُ بِاللَّه مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وقُبْحِ الزَّلَلِ وبِه نَسْتَعِينُ). حتَّى صارَ الحقُّ يتَّبِع عليّاً (ع) وليسَ العكسُ كما في المفهُومِ الخاطئ!.
حتَّى عدُوِّها الذي جاءَ إِلى كربلاء ليرتكِبَ أَبشعَ جريمةٍ في تاريخِ البشريَّة لم تتجاوز عاشوراء على [حقُوقهِ]!.
فلم يسلُب الحُسين السِّبط (ع) حق الإِختيار مثلاً من قائدِ جيش البغي [عُمر بن سعد] فكُلُّ الذي فعلهُ الإِمام (ع) معهُ هوَ أَنَّهُ ذكَّرهُ بالتزاماتهِ وواجِباتهِ وعواقب الأَمر الخطير الذي ينوي ارتكابهِ.
عاشوراء ليست [تسلُّطاً] وإِنَّما هي رسالةٌ للتَّذكيرِ فقط كما في قَولهِ تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ).
ولذلك فالذينَ يكرهُونَ عاشوراء ويتعاملُونَ معها بطائفيَّةٍ أَو بشعاراتيَّةٍ مُفرطةٍ على حسابِ قيمِها ومبادئِها، إِنَّما يكرهُون [تذكيرها] وحضورَها في الوعي، ولذلك هُم يُحاربُونَ الذينَ يُذكِّرون فقط وسلاحهُم البيان واللِّسان الذي يصدَح بالحقِّ ويُرهِبُوهُم ليقطعُوا لسانهُم ويتوقَّفوا عن تكرارِ [التَّذكيرِ].
ولنحدَّث هُنا عن الفُرصةِ التي منحَتها عاشوراء للفردِ وللمُجتمعِ على حدٍّ سواء، هل كانَت عادلةً أَم لا؟!.
كما هوَ معروفٌ فإِنَّ الفُرصَ على نَوعَينِ؛ فُرصةٌ عادِلةٌ وأُخرى غَير عادلةٍ، ولكُلِّ نَوعٍ أَسبابهُ ومقوِّماتهُ وعلاماتهُ.
فمِن أَسبابِ الفُرصةِ العادِلةِ وعلاماتِها:
- حريَّةُ الإِختيارِ والقُدرةُ على الإِختيارِ في آنٍ واحدٍ وإِلَّا فهيَ فرصةٌ غَير عادِلة.
الفُرصةُ التي تُفرَضُ على الإِنسانِ الفردِ والإِنسانِ المُجتمعِ في ظرفٍ يكونُ فيهِ عاجِزاً عن اقتناصِها هي فرصةٌ ظالِمةٌ وكأَنَّكَ تتعمَّدُ لهُ الفشَل!.
ولذلكَ ضمِنَ المُشرِّع حق الإِختيار للإِنسان في ظلِّ أَجواءٍ آمنةٍ حتَّى إِذا كانَ مُشرِكاً.
يقُولُ تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ).
- أَن تنسجِمَ مع المُؤَهِّلاتِ والإِستعداداتِ والقُدُرَاتِ، وإِلَّا فهيَ فرصةٌ غَير عادِلة تتعمَّد تضييعَها وتحميلَ مسؤُوليَّة الفشل على مَن ترمِيها عليهِ عُنوةً من دونِ مُؤَهَّلاتٍ!..
- أَن تتكاملَ معَ الأَدواتِ المُتاحةِ معَ وجودِ إِمكانيَّةِ خلقِ الأَدواتِ المطلُوبة والضَّروريَّة الأُخرى، وإِلَّا فهي فُرصةٌ ظالِمةٌ لأَنَّكَ تمنحها لمُكبَّلٍ ثُمَّ تتحدَّاهُ ليعُومَ وينجحَ على قَولِ الشَّاعرِ؛
[أَلقاهُ في اليمِّ مكتُوفاً وقالَ لهُ…إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَن تبتلَّ بالماءِ]!.
- أَن تأتي في الزَّمان والمكان المُناسبَينِ، وإِلَّا فهيَ فُرصةٌ ظالِمةٌ.
لقد ظلَّ الحُسين السِّبط (ع) يرفُض الخرُوج على الطَّاغِية مُعاوية عندما استُشهِدَ الحسَن السِّبط (ع) لأَسبابٍ عدَّةٍ لم تكُن لتُشكِّل الفُرصة العادِلة حسب قراءاتهِ وحساباتهِ وتقييماتهِ للظُّروفِ المُحيطة، فكانَ يجيبُ بالرَّفضِ والنَّفي على أَسئلةِ كبارِ رجالِ الشِّيعةِ ورمُوزهِم الإِجتماعيَّة كُلَّما سأَلُوهُ القِيامَ والنُّهُوضَ وأَبدَوا إِستعدادهُم لنُصرتهِ والوقُوفِ معهُ والتَّضحيةِ بالغالي والنَّفيس.
تقُولُ الرِّواية؛ فعندما فاوضَ سُليمان بن صُرَدِّ الخُزاعي الإِمامَ الحُسينَ السِّبطِ (ع) في الثَّورةِ على مُعاوية، كانَ جوابُ الإِمامِ لهُ بما يلي (لِيكُن كُلَّ رجُلٍ منكُم حِلساً من أَحلاسِ بيتهِ ما دامَ مُعاوية حيّاً، فإِنَّها بَيعةٌ كنتُ والله لها كارِهاً، فإِن هلكَ مُعاوية نظرنا ونظرتُم ورأَينا ورأَيتُم).
وفي روايةٍ عن الإِمام جعفر بن محمَّد الصَّدِق (ع) أَنَّهُ قال (هلكَت المحاضِير، قلتُ؛ وما المَحاضيرُ؟! قالَ؛ المُستعجِلونَ! ونجا المقرَّبونَ وثبُتَ الحِصنُ على أَوتادِها، كونُوا أَحلاسَ بيوتكُم فإِنَّ الفِتنةَ على مَن أَثارها وإِنَّهم لا يريدُونكُم بحاجةٍ إِلَّا أَتاهُم الله بشاغلٍ لأَمرٍ يُعرَضُ لهُم).
إِنَّ من المُهمِّ جدّاً أَن يكُونَ اختيارَ التَّوقيت بيَدِ [المُصلِح] فإِنَّ ذلكَ نصفَ الظَّفَر، وفي هذهِ الحالةِ فقط تكُونُ الفُرصةَ عادِلةً، وهو الأَمرُ الذي حرصَ على تحقيقهِ الحُسين السِّبط (ع).
فإِذا حضرَ كُلَّ ذلكَ وتحقَّقت الشُّروط ثُمَّ لم يغتنمَها المعني بالفُرصةِ فتلكَ هيَ مُشكلتهِ فلا ينبغي أَن يحمِّل الآخرين مسؤُوليَّة تضييعَها والتَّفريط بها.
سيكونُ ظالِماً لنفسهِ (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
إِنَّ اجتماعَ كُلِّ الظُّروف في فُرصةٍ تمثِّلُ نعمةً إِلهيَّةً إِذا لم يستغلَّها المعني فلا يظلِم إِلَّا نفسهُ (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
هل تجوز الصلاة على النبي بأكثر من نية؟.. الإفتاء تجيب
الصلاة على النبي من أفضل ما يردده المؤمن ويستعين به في طلب حوائجه، كما أنه عبادة أمرنا الله به في قول الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" وفي السطور التالية نتعرف على حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بنيات متعددة. حكم الصلاة على النبي بنيات متعددة وفي السياق قال الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إنه لا مانع من حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بنيات متعددة، ناصحا بالإكثار من ذكر الله، وأن والصلاة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم خاصة يوم الجمعة. وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، في فيديو منشور على صفحتها عبر منصة يوتيوب، أن كثرة الصلاة على رسول الله تحقق للإنسان ما يرجوه لأن الصلاة على النبي تقوم مقام الأدعية التي كان العبد يدعو بها بل قد تزيد. فضل الصلاة على النبي ورد حديث يؤكد أنمن عجائب الصلاة على النبي أنها تفك الكروب وتزيل الهم، فعن أبي بن كعب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثان؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تكفى همك ويغفر لك ذنبك». رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وأحمد، وحسنه ابن حجر، و«الهم»: ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة ـ ويقصد بالحديث كما ذكر العلماء أنه إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي أعطيت مرام الدنيا والآخرة. الصلاة على النبي 1000 مرة قال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، إن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم تعدّ من أسهل الوسائل التي يمكن من خلالها نيل براءة من النار، ومن يلتزم بالصلاة على النبي 1000 مرة، يضمن بفضل الله براءة من النار والنفاق، ويمكن الحصول عليه بسهولة، حيث يمكن للمسلم أن يؤدي هذه الصلاة خلال نصف ساعة فقط من جلوسه في منزله، وأن هذا الأمر يتفوق على الحج المبرور الذي يتطلب جهدًا ومالًا وتحمّلًا للزحام والإنفاق. وبعض الناس يحرصون على أداء 10000 صلاة على النبي يوميًا، باستخدام صيغ قصيرة لزيادة العدد، وأن النبي محمد -صلّى الله عليه وسلم- علم الصحابة كيفية تعويض الأعداد الكبيرة بمجهود أقل من خلال الاستعانة بصيغ قصيرة وشاملة، والحديث المعروف عن السيدة أم سلمة، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلم إن ذكر الله بعبارات محددة يمكن أن يعادل أعدادًا كبيرة من الذكر، والعلماء في كتبهم مثل «دلائل الخيرات» و«الصلاة على النبي» يوصون بالصلاة على النبي بعدد يفوق الحصر، مع ذكر أعداد طبيعية مثل عدد قطر الأمطار والرمال، وذلك للاستفادة من الأجر العظيم بأقل جهد.


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
"المحبة العملية" في عظة الأحد للقس استفانوس صبحي
أذيعت، صباح اليوم، كلمة للأب القس استفانوس صبحي كاهن كنيسة السيدة العذراء بالمعادي، عبر قناة ON إحدى قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وذلك ، في إطار برنامج عظة الأحد الأسبوعية. محبة الأعداء وتناول الأب القس من خلال قراءات قداس اليوم، وهو الأحد الرابع من شهر بؤونة، وموضوع إنجيله وهو "محبة الأعداء" في إنجيل معلمنا لوقا والأصحاح السادس، مشيرًا إلى أعمال المحبة - القانون الذهبي في المعاملات، وتتمثّل في: تقديم المحبة والإحسان والإقراض وعمل الرحمة، لأن غاية السلوك المسيحي هو إعلان محبة الله للبشر، "بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ" (لو ٦: ٣٥).


صدى البلد
منذ 4 ساعات
- صدى البلد
علامات الساعة الكبرى .. الدليل على نزول سيدنا عيسى آخر الزمان
تحدث القرآن الكريم عن إحدى علامات الساعة الكبرى وهي نزول سيدنا عيسى عليه السلام آخر الزمان، وذلك في أكثر من موضع من آيات القرآن الكريم. علامات الساعة الكبرى يعتبر نزول سيدنا عيسى عليه السلام، من علامات الساعة الكبرى، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِى إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِى الأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [الزخرف : 57 : 61]. وذكر الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، قول القرطبي في تفسير قوله (وإنه لعلم للساعة) : (وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضا :إنه خروج عيسى -عليه السلام- وذلك من أعلام الساعة؛ لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك : (وإنه لعلم للساعة) بفتح العين واللام أي أمارة) [تفسير القرطبي] وقد روى ذلك المعنى عن ابن عباس –رضي الله عنه- الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك. وأضاف أن من المواضع التي أشار فيها القرآن الكريم إلى نزول سيدنا عيسى عليه السلام، قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) [النساء :157 : 159]. زيقول ابن كثير : (ولا شك أن هذا هو الصحيح ؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، فأخبر الله أنه رفعه إليه، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة. كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني : لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم؛ ولهذا قال (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي قبل موت عيسى عليه السلام الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب، ويوم القيامة يكون عليهم (كلاهما) أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء، وبعد نزوله إلى الأرض) [تفسير ابن كثير].