logo
الطلحة تشكو الإهمال.. !

الطلحة تشكو الإهمال.. !

عكاظمنذ 18 ساعات
قرية الطلحة أو ما كان يطلق عليها قديماً «طلحة الملك»، الواقعة قرب محافظة ظهران الجنوب وفي قلب الجغرافيا التاريخية، تسكنها قبيلة آل منصور من يام.. قبيلة همدانية عريقة الجذور موغلة في الأصالة والانتماء.
قرية الطلحة كما كانت تُعرف قديماً ووصفها الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب وابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك بـ«طلحة الملك» وشهدت حضوراً سياسياً وجغرافياً في العصور القديمة حتى عهد الدولة السعودية المباركة، فشملها ما شمل المدن والقرى والهجر من تطور ورفاهية.
لا تزال قصور قرية الطلحة الأثرية تقف شامخة شاهدة على عراقة الماضي وعبق التاريخ الذي خطّته سواعد قبيلة آل منصور.. هذه القصور بحجارتها القديمة وجدرانها الصامدة تروي حكايات من المجد والتراث الأصيل الذي لم تبُلِه الأيام.
ومع ما تحمله الطلحة من مقومات سياحية نادرة بدءاً من موقعها الفريد وجوّها العليل طوال العام، إلى طابعها المعماري التراثي المميز.. كل هذه المقومات قد تحولها إلى مزار تراثي ومتنفس سياحي لا يخدم فقط أهالي المنطقة، بل يعزز من حضور التراث المحلي في خريطة السياحة الوطنية ويكرّم تاريخ أجدادنا الذين شيدوا هذه القصور بأيدٍ عارية وإرادة من حديد.
ورغم هذا الإرث الكبير تغيب الطلحة اليوم عن خريطة الاهتمام، لا توجد عناية بالمعالم السياحية التي تبرز وجهها الحقيقي سوى قصر الطلحة التراثي الأثري؛ الذي أسّسه شاب من أبناء القبيلة بجهود ذاتية دون دعم يُذكر من الجهات المعنية. هذا الشاب الذي أحب تراث قريته حتى اتّخذه رسالة، ما زال يدفع ضريبة هذا العشق في ظل الصمت وغياب الرؤية والدعم من بلدية محافظة ظهران الجنوب ومن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
كما أن هذا الإهمال، أفقد القرية أهم معالمها التراثية وهو مسجدها القديم.. المعلم الفريد الذي بُني قبل أكثر من خمسة قرون وكان شاهداً على عبق التاريخ وعمق الجذور وعلى امتداد الذاكرة، لكنه للأسف اندثر لتفقد الطلحة بذلك أهم رموزها الروحية والتاريخية.
هدمه ليس مجرد إزالة حجارة بل طمس لجزء من الهوية وروح المكان التي لا تعوّض، إذ إنه كان يدلُّ على التراث المعماري المحلي والإرث الديني والاجتماعي.
إن الطلحة اليوم وهي لا تزال تحتفظ ببعض الإرث التراثي الأصيل تناشد بعين التاريخ وعقل الحاضر وتصرخ: أين أنتم يا من بيدكم رسم خريطة التنمية التراثية؟
أليس من حق الطلحة أن تُدرج ضمن القرى التراثية؟
أليس من واجب الجهات المعنية أن تلتفت إلى كنزها الدفين قبل أن تبتلعه الذاكرة ويطويه النسيان؟
أليس من الإنصاف أن تُساوى بالاهتمام كما هو حال القرى الأثرية والتراثية في المنطقة وأقربها لقرية الطلحة قرية السوق في محافظة ظهران الجنوب أو ما يطلق عليها (الحوزة)؟
سوق «الربوع».. التجارة الآمنة في زمن الخوف
سوق الأربعاء، أو كما كان يُعرف بـ«سوق الربوع» لم يكن مجرد سوق تُباع فيه المواشي والدقيق والهيل والتمر، بل كان حكاية كبرى من حكايات الجنوب شاهدة على زمن الطيبين وزمن القبيلة وزمن «الوجيه» التي كانت صكوك أمان ومواثيق تُحترم بلا ختم ولا توقيع، كان السوق ميداناً للبيع والشراء، وفي الوقت ذاته منصة للصفح وساحة عدل ومأمن وميثاق شرف تحكمه أعراف راسخة كالجبال. «من دخله فهو آمن» حتى لو قتل قبيلة كاملة يبقى «في وجيه» قبيلة آل منصور يام لمدة 12 شهراً لا يُضام.
هذه ليست مجرد رواية، بل هي وثيقة شرفٍ في وجدان أصغر طفل في القبيلة.
سوق الأربعاء في قرية الطلحة، كان دار أمان و«في وجيه القبيلة» تعني أنك دخلت في عهد لا يُنقض.
الاثنا عشر شهراً هي بمثابة فرصة للصلح.. للتحكيم.. للحكمة أن تأخذ مجراها بدلاً من الثأر الأعمى. كان السوق بذلك أداة ضبط اجتماعي وسلام قبلي لا مجرد ساحة للتجارة فقط.
هذه المعلومة أو هذه الوثيقة أو هذا المكتسب القبلي.. جميعها تؤكد أن مجتمع الطلحة لم يكن عشوائياً، بل كان قائماً على قوانين أخلاقية صارمة تُعطي الأمان حتى للعدو إن التزم بحُرمة المكان.
باختصار.. في هذا السوق كان القاتل يُؤمَّن.. ويُحاكم بعين العدل لا بعين الغضب.. «في وجيه آل منصور يام» اثنا عشر شهراً لا يُمسّ فيها حتى يقول العُرف كلمته والحق يأخذ مجراه.
واليوم حين ضمنت الدولة السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- الأمن لكل من على هذه الأرض، لم تعد الحاجة لسوق يمنح الأمان، لكن السوق ما زال يستحق أن يُبعث من جديد.. لا كسوق تجارة فقط بل كذاكرة حيّة وكجسر بين الأصالة والحاضر. فإعادة إحيائه ليست مجرد تنشيط اقتصادي بل إحياء لتراث ثقافي واجتماعي كبير، فيه من الطقوس والروابط ما لا تبيعه ولا تشتريه الأموال.
نعم، نريد السوق.. نريده بكل تفاصيله؛ برائحة الهيل، وصيحات الباعة، وخطى الأجداد على تراب الطلحة.
هذا السوق ليس ماضياً وانتهى، بل حاضر ينتظر من يوقظه.
ذاكرة «الطلحة» تُهدم.. والبديل حوض سمك!
لم يخطر في بالي عندما عدت لقريتي الطلحة، أن أجد معْلماً من معالمها وقد مُسِحَ من الوجود.
دوار المدخل الذي كان يتوسطه مجسّم قصر أثري من الطين شامخ كرمز لتراث المنطقة الجبلي العريق اختفى فجأة.. ليحل مكانه حوض أسماك!
تبدّلٌ غريب لا يمتّ بصلة لبيئة الطلحة الجبلية، ولا يعكس أدنى فهم لطبيعة المكان أو تاريخه، فهل نضبت رمزية الأرض حتى نستلهم من البحر ما نضعه في قلب الجبال؟
أم أن المشهد الجديد مجرد اجتهاد بلا دراسة ولا مشورة أهل البلدة؟
هذا التغيير الذي يتنافى مع الواقع هو طمس لهوية المكان أو تغيير لا يتناسب مع الطبيعة الجبلية والحفاظ على الموروث البصري والمعنوي، خصوصاً في قرى الجنوب التي ما زالت تنبض بذاكرة المكان. في زمن أصبحت الرموز وسيلة اتصال ثقافية، لابد أن يُعاد النظر ليس فقط في الحوض بل في الفكرة ذاتها.
إن تبديل دوّار مدخل الطلحة من رمز للتراث كقصر طيني يروي حكاية الأجداد إلى حوض أسماك، هو مثال صارخ على غياب البوصلة الثقافية عند بعض من بيدهم القرار البلدي.. تخيّل قرية جبلية تعانق السحاب يُوضع على مدخلها حوض مستعار لا يُشبهها ولا يشبه أهلها وكأنها لوحة فنية أُلصق بها إطار غريب!
«وادي الأفياض» يموت بصمت البلدية وعبث الإنسان !
وادي الأفياض أحد معالم أو واجهات قرية الطلحة ومصبها المائي، هو ذاكرة طبيعة ومتنفّس للأهالي والزوار ومكان تستحقه الأجيال القادمة كما استحقه السابقون.
أن يُترك بهذا الشكل ويُهمل من كل الجهات فذاك تقصير لا يليق لا بالمكان ولا بأهله.
التعديات والعبث به وبطبيعته الخلابة أمر محزن، بل وصل الأمر بالمتنزهين ان يتركوا مخلّفاتهم من أطعمة ومشروبات خلفهم لأنهم لم يجدوا مواقع للنفايات، حتى أصبح الوادي مرتعاً للذباب والناموس، كما أصبح موقعاً ومكاناً «للنحّالين» الذين يضعون مناحلهم بالأشهر مع عمالتهم دون أن يراعوا حرمة المكان، وأن هناك عوائل تتنزه فيه.
أما سدّ وادي الأفياض.. هذه التحفة الجميلة التي تقع في صدر الوادي، فقد شيّد على أحدث طراز، لكنه ترك للإهمال.
السد محاط بجبال تشكل لوحة طبيعية آسرة، وكان من الممكن أن تفتح ممرات مشاة آمنة على أطرافه، وإنشاء مظلات وجلسات حجرية تقليدية، وتخصيص أماكن للشواء، وتهيئة موقع للمخيمات العائلية، وإنشاء منصة للمراقبة والتصوير، وربما مهرجان موسمي يُعقد هناك يجمع الناس ويحتفي بالمكان والإنسان.
باختصار..
بلدية ظهران الجنوب مسؤولة، ودورها صيانة المكان، والتخطيط لتطويره، ووضع لوحات توعوية، وتوفير الحاويات، وتعيين مراقبين بيئيين يتفقدون المواقع والمرافق باستمرار.
أخبار ذات صلة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ضياء عسير تدرّب 15 كفيفًا وكفيفة على اللغة الإنجليزية لمواكبة سوق العمل
ضياء عسير تدرّب 15 كفيفًا وكفيفة على اللغة الإنجليزية لمواكبة سوق العمل

صحيفة سبق

timeمنذ 38 دقائق

  • صحيفة سبق

ضياء عسير تدرّب 15 كفيفًا وكفيفة على اللغة الإنجليزية لمواكبة سوق العمل

اختتمت جمعية ضياء للإعاقة البصرية بمنطقة عسير دورة اللغة الإنجليزية المكثفة، والتي تُعد أحد أبرز برامجها التدريبية لعام 2025م. وأكد الرئيس التنفيذي للجمعية المهندس عبدالله الوادعي أن الدورة استهدفت 15 كفيفًا وكفيفة، بهدف تعزيز مهاراتهم في اللغة الإنجليزية واكتساب أدواتها بما يواكب متغيرات العصر ومتطلبات سوق العمل. واستمرت الدورة لمدة 3 أشهر. وأشار الوادعي إلى أن البرنامج شمل عدة مجالات تعليمية، منها المحادثة، الاستماع، القراءة، والقواعد الأساسية، مع اعتماد أساليب تعليمية مخصصة تراعي احتياجات المشاركين البصرية. وأضاف أن الدورة اختُتمت بحفل تكريمي احتفاءً بإنجاز المشاركين وتقديرًا لعطائهم، معربًا عن فخره بما تحقق من إنجاز يعكس روح التحدي والإصرار، مؤكدًا أن "ضياء" ليست مجرد جمعية، بل بيت حاضن للمكفوفين يعمل معهم ولأجلهم. وقدمت الجمعية شكرها العميق لجميع الداعمين والمساهمين في نجاح هذا البرنامج النوعي، تقديرًا لدورهم في صناعة الأثر الإيجابي في حياة المستفيدين.

اعتبارًا من 6 يوليو.. ربط جديد لمسارات الحافلات في الرياض يعزز كفاءة التنقل
اعتبارًا من 6 يوليو.. ربط جديد لمسارات الحافلات في الرياض يعزز كفاءة التنقل

صحيفة سبق

timeمنذ 38 دقائق

  • صحيفة سبق

اعتبارًا من 6 يوليو.. ربط جديد لمسارات الحافلات في الرياض يعزز كفاءة التنقل

أعلنت هيئة النقل العام لمدينة الرياض عن بدء تطبيق ربط جديد لمسارات حافلات الرياض اعتبارًا من يوم السبت 6 يوليو 2025، وذلك ضمن جهودها المستمرة لتطوير شبكة النقل العام وتحسين تجربة التنقل داخل المدينة. وشمل التحديث ربط مسار الحافلات 151 بالمسارين 11 و12 عبر محطتين إضافيتين هما: الخالدية 22 ب والخالدية 22 أ، بهدف تحسين انسيابية الحركة وتعزيز تكامل شبكة الحافلات بين الأحياء والمواقع الحيوية. ويأتي هذا الإجراء في إطار استراتيجية هيئة النقل لرفع مستوى الكفاءة التشغيلية وتوسيع نطاق الربط بين المسارات، بما يسهم في تقليل زمن الانتظار وتحقيق تجربة تنقل أكثر راحة وسلاسة لسكان الرياض وزوّارها. ودعت الهيئة المستخدمين إلى الاستفادة من التحديث الجديد عبر تطبيق "درب" الذي يتيح التخطيط المسبق للرحلات بسهولة ويسر، كما يمكنهم التواصل مع خدمة العملاء عبر الرقم الموحد 19933 لأي استفسار أو دعم.

أبشر تُطلق خدمة جديدة: اطبع تقرير الحادث المروري بخطوات بسيطة ومن دون زيارة المرور
أبشر تُطلق خدمة جديدة: اطبع تقرير الحادث المروري بخطوات بسيطة ومن دون زيارة المرور

الرجل

timeمنذ 41 دقائق

  • الرجل

أبشر تُطلق خدمة جديدة: اطبع تقرير الحادث المروري بخطوات بسيطة ومن دون زيارة المرور

في إطار تسهيل الإجراءات المرورية وتعزيز التحول الرقمي في الخدمات الحكومية، أعلنت منصة أبشر عن توفير خدمة إلكترونية جديدة تمكن الأفراد من طباعة تقرير تفصيلي لحادث مروري مسجّل لديهم، دون الحاجة إلى زيارة مراكز المرور. وتمنح هذه الخدمة الموثوقة ,المعتمدة من الإدارة العامة للمرور للمستخدمين تقريرًا رسميًا، يمكن استخدامه لدى الجهات المختصة أو شركات التأمين، مع تضمينه رمز استجابة سريع QR يسهّل عملية التحقق من صحة التقرير. خطوات الحصول على تقرير الحادث بحسب ما أوضحته المنصة، فإن خطوات الحصول على التقرير تتلخّص في: - تسجيل الدخول إلى حساب المستخدم في منصة أبشر. - اختيار "الخدمات". - ثم التوجه إلى "الحوادث المرورية". - اختيار "تقرير حادث مسجّل". - تحديد الحادث المراد إصدار التقرير بشأنه. - وأخيرًا، طباعة التقرير. وتُعد هذه الخدمة من الإضافات النوعية التي تسهم في تقليل الوقت والجهد على المواطنين والمقيمين، ضمن رؤية التحول الرقمي التي تنتهجها المملكة لتطوير الخدمات العامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store